الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
التسرّع إلى إصدار الأحكام على الناس:
إنّ للأحكام السريعة التي يُعْنى بها بعض الناس تُجاه غيرهم، بشأن عقائدهم، أو مدى اتّباعهم للسنّة إن لهذه الأحكام السريعة التي يَنْظر فيها أصحابها إلى مجرد المظاهر والأقوال، ضرراً بالغاً على العقيدة وعلى السنّة، لأنه ينتج عن هذه الأحكام إخراج أناس من العقيدة والسنّة ظلماً وجهلاً، وقد يترتب على هذا أن يَخْسرهم الصف الإسلامي، وكذلك إدخال أُناسٍ بهذه الأحكام السريعة وحقُهم أن لا يدخلوا.
وترتّب على هذه الصورة التي تحصل أحياناً من قبل بعض محبي العقيدة والسنّة أَنْ وُجِدَ بعضُ النفاق من قبل من لم يَقْتنع بالعقيدة والسنّة، يُشجّعه عليه ما يراه من عناية هؤلاء بالظاهر فقط، فيرى من السهل عليه أن يخدعهم بفعل ما يريدون، فيُردّد الكلام الذي يريدون ويُعفي لحيته ويقصّر ثوبه -ولو بشيء من الغلوّ- فيظفر بتزكيتهم وينال ما يطلبه من عاجلٍ عندهم أو عند غيرهم.
وبالمقابل هناك صِنْف من الناس عنده إخلاصٌ وتثبّتُ فيبتعد عن المتاجرة الظاهرة لدى أولئك لمكانة عقيدته عنده ولا يَعْتني عنايتهم بإصدار تلك الأحكام السريعة على الناس، فيكُون جزاؤه أن يَحْكموا عليه بالضعف أو الانحراف في عقيدته أو في اتّباعه للسنّة.
وقد يترتب على هذا ردود فعل عنيفة ومفاسد عظيمة ولكن لا يُدرِكُها صاحب العاطفة الجاهلة غير المبصرة.
فانظر يا أخي كيف تُؤتى السنّة ومِن أين تؤتى!! ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. إن هذا الصِّنْف منّا قد يَسأل غيره للاختبار، ليُصْدِر عليه أحكامه السريعة تلك، فيقول له: ما هي عقيدتك؟ فيقول: عقيدتي كذا وكذا. ويصرف له مما يريد؛ فيُصْدِر حكمه عند ذلك. الحمد لله سلفي العقيدة!! وما عهدنا سلفيّة العقيدة هكذا إلا في هذا العصر. إن الفقه في الدين نعمة كبرى إذا فُقِدَتْ لم يعوّضها شيء.
وليس الكلام هنا عن أهمية العقيدة ومشروعيّة السؤال عنها بالأسلوب المناسب الذي تتحقق به غاية شرعية، كما في حديث الجارية، فذلك أمر واضح ينبغي أن لا يَخْتلف عليه مسلمان، إنما الكلام عن سوء التطبيق لهذين الأمرين:
أ- الاهتمام بالعقيدة. ب- السؤال عنها.
ومِنْ هذا ما يفهمه بعض الناس من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟ " 1: أن ذلك في منزلة الأمر منه صلى الله عليه وسلم أن نسأله نحن المسلمين في عموم الأحوال، حتى مع من نَعْلم أنه مسلم يصلي معنا ويصوم، وهذا خطأ في فهم الحديث من جهة، وغَضٌّ من قيمةِ المعنى الذي اشتمل عليه الحديث من جهة أخرى، وهو إفادته التلازم بين الإيمان بالله واعتقاد صفاته سبحانه ومن ذلك صفة العلوّ، وأنه في السماء كما جاءت به الآيات والأحاديث، فلا ينبغي أن يُفْترض في المسلم عدم إيمانه بهذه الصفة من صفات الله سبحانه على ما يليق به عز وجل!.
1 أخرجه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، 537، المساجد ومواضع الصلاة، وأخرجه غيره.