المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مثال رائع لمنهج السلف في نقد بعضهم بعضا - دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المبحث الأول: تمهيد

- ‌بين يدي الموضوع

- ‌المبحث الثاني

- ‌بيان المنهج والأسلوب الصحيحين للأخذ بالسنة والدعوة إليها

- ‌المظاهر والأدلة

- ‌الحكمة في الدعوة إلى السنة وصور من مظاهرها

- ‌مدخل

- ‌ السماحة في الدعوة:

- ‌ الرفق في الدعوة:

- ‌ اتّباع السنّة شكلاً وروحاً:

- ‌ التفريق بين مَوَاطن التصريح ومَوَاطن التلميح:

- ‌ مراعاة التدرّج في الدعوة:

- ‌ تقديم الأهم على المهم:

- ‌ دفْع المفسدتين بأخفهما:

- ‌ ترْك الأَوْلى لمصلحةٍ راجحة:

- ‌ الأَخْذ بالرخَص الشرعية:

- ‌ البعد عن نزعة التكفير والتفسيق والتبديع:

- ‌ البعد عن منهجِ تعميق نقاط الاختلاف وتضخيمها مهما صَغُرتْ:

- ‌ السلام والتبسّم في وجْهِ أخيك:

- ‌ السماحة فيما يتعلق باختلاف تخصصات الدعاة:

- ‌المبحث الثالث

- ‌نقد المسالك المخطئة في باب التمسك بالسنة والدعوة إليها

- ‌نظرات نقدية لمناهج وأساليب شائعة

- ‌قواعد بين يدي النقد

- ‌مبدأ الدعوة إلى السنة في تطبيق السنة

- ‌ أهميّة مراجعة منهجنا وأُسلوبنا في الدعوة:

- ‌ أهمية كلٍّ مِن الفقه العلميّ والفقه العمليّ:

- ‌ لاتّباع السنّة علامات:

- ‌ لا يصْرِفُ عن السنّة خطأُ الداعي إليها:

- ‌ الموقف مِن خطأِ الداعي إلى السنّة:

- ‌ خطأُ التعصب وخطرُهُ:

- ‌ التعصب واتّباع السنّة:

- ‌ اشتراط الأهلية في الدعوة إلى السنّة:

- ‌ أخطاء مسلكيّة:

- ‌النظرات النقدية

- ‌العجب والغرور

- ‌ الظاهرية في الفهم:

- ‌ القصور في الفِقْه العمليّ:

- ‌ التلبس بما يسيء إلى السنّة مع الدعوة إليها:

- ‌ التصوّر بأنه هو الوصيّ الوحيد على السنّة:

- ‌ التقصير في العناية بسلفيّة السلوك والتطبيق:

- ‌ البعد عن فقْه الدعوة إلى السنّة:

- ‌ التسرّع إلى إصدار الأحكام على الناس:

- ‌ إهمال النظافة الشخصية:

- ‌ الخلل في مفهوم الولاء والبراء:

- ‌ الخلل في مفهوم الاتباع والابتداع:

- ‌بعض المظاهر المخالِفة للسنّة

- ‌أمثلة عجيبة غريبة تحصل بسبب تلك الأخطاء:

- ‌المبحث الرابع: بيان تطبيقي لبعض المسالك المخالفة

- ‌مسالك مخطئة تجاه الخلافات الفرعية

- ‌مفاهيم مغلوطة تجاه الالتزام بالكتاب والسنّة

- ‌ومن أمثلة هذه المفاهيم المغلوطة:

- ‌أحاديث ظاهرها يُعَارِض مبدأَ الرفق والحكمة

- ‌المبحث الخامس: أمثلة تطبيقية على الموضوع

- ‌أمثلة لتعدد الصور لبعض السنن

- ‌مثال رائع لمنهج السلف في نقد بعضهم بعضاً

- ‌أمثلة نبوية لمناهج وأساليب دعوية

- ‌مدخل

- ‌الملاطفة والدعاء

- ‌اختيار الوقت المناسب والظرف المناسب

- ‌استخدام الرسائل والوسائل المتاحة المشروعة

- ‌التعرّف على حال المدعوين لمراعاة أسباب استجابتهم

- ‌الدعوة إلى الفقه في الدين، والتربية عليه

- ‌المبحث السادس: مذهب أهل السنة والجماعة في خلاف الأمة في العبادات

- ‌مدخل

-

- ‌اجتماع الكلمة ومكانته في الاسلم

- ‌الآثار السيئة للتنازع والاختلاف:

- ‌أنواع الفساد المترتبة على الخلاف:

- ‌طريق العصمة مِن الفُرقة هو: الاعتصام بالأصلين: السنّة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌الأصل الأوّل: الاعتصام بالجماعة:

- ‌الأصل الثاني: الاعتصام بالسنّة:

- ‌اختلاف التنوُّع في الأعمال المشروعة:

- ‌المفاضلة بين الأعمال:

- ‌أبرز المعاني التي تناولها هذا البحث

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌مثال رائع لمنهج السلف في نقد بعضهم بعضا

‌مثال رائع لمنهج السلف في نقد بعضهم بعضاً

لقد ألّف ابن قتيبة 213-276هـ رحمه الله تعالى كتاباً بعنوان: "إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد"، استدرك فيه على أبي عبيد في نيِّفٍ وخمسين موضعاً، وتعاظم بعض الناس في عصره وبعد عصره أن يَعْرض مثلُه بالنقد لأبي عبيد.

وقدّم ابنُ قتيبة للكتاب بمقدمة جميلة أوضح فيها المنهج المتعيّن على المرء في هذا الباب.

وقد أحببت نقلها هنا لأضرب بابن قتيبة مَثَلاً جميلاً يليق بعلمه وفضله، أرجو أن يكون في ذلك ذكرى لنا في هذا العصر الذي أصابنا فيه ما أصابنا، نسأل الله العافية.

قال ابن قتيبة1 رحمه الله تعالى: لعلّ ناظراً في كتابنا هذا يَنْفر من عنوانه، ويستوحش من ترجمته2، ويربأ بأبي عبيد رحمه الله، عن الهفوة، ويَأْبَى له الزلة، ويتحشم قَصْب العلماء، وهَتْك أستارهم. ولا يعلم ما تقلدناه من إكمال ما ابتدأ: من تفسير غريب الحديث، وتشييد ما أَسس، وأن ذاك

1 وهو في "إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث"، لابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري، ص:42-47. بتحقيق عبد الله الجبوري، نقلاً عن مقدمة التحقيق: لكتاب ابن قتيبة: "تأويل مشكل القرآن" للسيد أحمد صقر: 11-14.

2 أي عنوانه؛ لأنه جعله: إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد. على ما سبق بيانه.

ص: 110

هو الذي أَلْزَمَنا إصلاح الفساد، وسدَّ الخلل. على أنّا لم نقل في ذلك الغلط إنه اشتمالٌ على ضلالة، أو زيغٌ عن سنة. وإنما هو في رأيٍ قَضَى به على معنى مستتر، أو حرفٍ غريب مشكل.

وقد يتعثر في الرأي جِلّة أهل النظر والعلماء المبرِّزون، والخائفون لله الخاشعون، فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم- وهم قادة الأنام، ومعادن العِلْم، وينابيع الحكمة، وأَوْلى البَشَرِ بكل فضيلة وأَقْربهم من التوفيق والعصمة- ليس منهم أحد قال برأيه في الفقه إلا وفي قوله ما يأخذ به قوم، وفيه ما يرغب عنه آخرون

وكذلك التابعون

والناس يختلفون في الفقه وَيَرَدُّ بعضهم على بعض في الحلال أنه حرام، وفي الحرام أنه حلال، وهذا طريق النجاة أو الهلكة، لا كـ"الغريب" و"النحو" و"المعاني" التي ليس على الهافي فيها كبير جُناح، كالشافعي يَرُدُّ على الثوري وأصحاب الرأي1 وعلى مُعَلِّمِه مالك بن أنس.

وأبو عبيد يختار من أقاويل السلف في الفقه، ومن قراءتهم، ويرذل منها، ويدل على عورات بعضها بالحجج البيّنة.

وعلماء اللغة أيضاً يختلفون، وينبّه بعضهم على زلل بعض، والفرّاء يَرُدُّ على إمامه الكسائي، وهشام يَرُدُّ على الفرّاء، والأصمعيُّ يُخطِّئ المفضّلَ

وهذا أكثر من أن يحاط به، أو يوقف من ورائه.

1 هم أهل الاجتهاد المشتغلون بالقياس والاستنباط أكثرَ مِن اشتغالهم بحفظ النصوص ونقلها، ويُطْلَقُ هذا المصطلح عادةً على الإمام أبي حنيفة، رحمه الله، ومن سلك مسلكه.

ص: 111

ولا نعلم أن الله عز وجل أَعطى أحداً من البشر مَوْثِقاً من الغلط، وأماناً من الخطأ، فنستنكف له منها، بل وَصَلَ عباده بالعجز، وقَرَنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف، والعجلة، فقال: {

وخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيْفاً} 1، {وخُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 2، {

وَفَوْق كُلِّ ذِي عِلْمٍ عليمٌ} 3.

ولا نَعْلَمَهُ خَصَّ بالعِلْم قوماً دون قوم، ولا وقَفَهُ على زمن دون زمن، بل جَعَلَهُ مشترَكاً مقسوماً بين عباده، يفتح للآخِر منه ما أغلقه عن الأول، وينبه المُقِلَّ منه على ما أغفل عنه المُكْثِرَ، ويُحْييه بمتأخر يتعقب قول متقدم، وتالٍ يَعْتبر على ماضٍ4.

وأوجبَ على كل من علم شيئاً من الحق أن يظهره وينشره، وجعل ذلك زكاة العلم، كما جعل الصدقة زكاة المال. وقد قيل: اتقوا زلة العالم. وزلة العالم لا تُعْرف حتى تُكْشف، وإن لم تعرف هلك بها المقلِّدون، لأنهم يتلقونها من العالم بالقبول، ولا يرجعون إلا بالإظهار لها، وإقامة الدلائل عليها وإحضار البراهين.

وقد يَظُّنُّ من لا يعلم من الناس، ولايضع الأمور مواضعها أن هذا اغتياب للعلماء، وطَعْنٌ على السلف، وذِكْر للموتى، وكان يقال: اعْفُ عن ذي قَبْرٍ،

1 28: النساء: 4.

2 37: الأنبياء: 21.

3 76: يوسف: 12.

4 أي يُعيد النظرَ في رأيه.

ص: 112

وليس ذاك كما ظنوا لأن الغيبة سَبُّ الناس بلئيم الأخلاق، وذِكْرهم بالفواحش والشائنات. وهذا هو الأمر العظيم المشبَّه بأكل اللحوم الميتة. فأما هفوة في حرف، أو زلة في معنى، أو إغفال، أو وَهَمٌ أو نسيان -فمعاذ الله أن يكون هذا من ذلك الباب، أو أن يكون له مشاكلاً أو مقارباً، أو يكون المُنَبِّهُ عليه آثماً؛ بل يكون مأجوراً عند الله، مشكوراً عند عباده الصالحين، الذين لا يميل بهم هوى، ولا تَدْخلهم عصبية، ولا يَجْمعهم على الباطل تحزُّب، ولا يَلْفِتُهم عن استبانة الحق حَسَدٌ.

وقد كنّا زماناً نعتذر من الجهل. فقد صِرْنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العِلْم1، وكنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه والدلالة فصِرْنا نرضى بالسلامة. وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال!!. ولا يُنْكَرُ مع تَغَيُّرِ الزمان، وفي الله خَلَفٌ. وهو المستعان.

ونذكر الأحاديث التي خالَفْنا الشيخَ أبا عبيد رحمه الله، في تفسيرها. على قلتها في جنب صوابه. وشُكْرِنا ما نَفَعَنا الله به من عِلْمه، معتدِّين في ذلك بأمرين:

أحدهما: ما أوجبه الله على مَنْ عَلِمَ في علمه.

والآخر: أَلاّ يَقِفَ ناظرٌ في كتابنا على حرفٍ خالفناه فيه، فيقضي علينا

1 يقصد أنه كان يعتذر من الجهل، وأصبح الآن يحتاج مع الناس إلى أن يعتذر منهم من العلم والرأي ليؤكّد صوابه في رأيه وموقفه، وحُسْنَ نيّتِهِ؛ ليبين لهم أنه على الحق، كما هي حاله في هذا المقطع الذي نقلناه عنه هنا؛ وذلك لأنّ الناس قَلّتْ رغبتهم في الحق، وساءت ظنونهم!.

ص: 113

بالغلط، ونحن من ذلك إن شاء الله سالمون. وما أولاك رحمك الله بِتَدَبُّرِ ما نقول: فإنْ كان حقاً، وكنتَ لله مُرِيداً، أن تتلقاه بقلب سليم، وإن كان باطلاً، أو كان فيه شيء ذَهَبَ عنّا، أن تَرُدّنا عنه بالاحتجاج والبرهان، فإن ذلك أبلغُ في النُّصرَة، وأوجب للعذر، وأشفى للقلوب.

انتهى كلام الإمام ابن قتيبة رحمه الله تعالى. ولعل في كلامه هذا عِبْرة وعِظَةً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!.

والمرجوُّ مِن القاريء العزيز أن يعود فيقرأَ كلامه مرةً أُخرى متأمّلاً محاسِنَهُ، وجوانب الأدب فيه، ومَوَاطِنَ الأُسْوَةِ.

ص: 114