الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولفْظ العموم؛ ليَشْمَل كلّ من تَحَقَّقَ فيه الوصف: "
…
من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي....".
وأما تزكية المنهج -ضِمْنَ حدوده الشرعية- فهو يَخْتلف عن تزكية النفس والأشخاص؛ إِذْ ينبغي -مثلاً- أن يكون واضحاً من غير شك أنَّ اتَّباع الكتاب والسنّة وَفْق المنهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هو منهج الناجين من عذاب الله، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة.
أمثلة عجيبة غريبة تحصل بسبب تلك الأخطاء:
بعض المنتسبين إلى طلب العلم الشرعيّ يُلْقون بكتب التفسير والحديث في الزبالة بحجةِ أنّ فيها بدعاً وضلالات وأخطاء في العقيدة. ومشهورٌ ما قام به بعضهم مِن إحراقٍ لكتاب: "فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري"، للإمام ابن حجر أمير المؤمنين في الحديث، رحمه الله تعالى، وكتاب:"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"، للإمام الشوكانيّ، وكتاب:"سبل السلام شرح بلوغ المرام"، للإمام الصنعانيّ؛ بالحجة ذاتها!. وقد بَلَغَني أن أحدهم ألقى كتاباً من كتب تفسير القرآن في الزبالة نظراً لما فيه من الأخطاء. وما أدري هل نسي أن فيه اسم الله وآيات الله أيضاً؟! أم أنه ولو كان كذلك فهذا حكمه عنده؟!.
دَعَسَ أحدهم على كتاب، فقلت له: لا يجوز يا أخي، فإن فيه اسم الله. فقال لي: وإن كان كذلك فما الدليل أنه لا يجوز؟ فقلت: لا دليل، إذا كان احترام اسم الله تعالى يحتاج إلى دليل، فما الذي عساه لا يحتاج إلى دليل!!.
فَعَلَ أحدهم معروفاً في شخص فقال له: شكراً. فقال: لا أريدها. يريده أن يقول له: جزاك الله خيراً بهذه الصيغة فقط!.
وهذه مسألةٌ ذات ارتباطٍ بالناحية الذوقية والناحية الشرعية؛ ومعلومٌ أنه لاشيء مِن ذلك يَمْنع مِن شكْر صانعِ المعروف بأيّ أسلوبٍ مقبولٍ فِطْرةً، وإنْ وَرَد في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ؛ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاء"1. لكن ليس في الحديث ما يَمْنع مِن الشكر بغير ذلك. ومعلومٌ أن المقصود الشرعيّ إنما هو حفْظ المعروف وشكْر صاحبهِ؛ والواجب في فقْه الدين وأحكامه أنْ تُرْبط الأحكام وما جاء فيها مِن نصوصٍ شرعيّةٍ بمقاصدها؛ لكي تُحْفظ هذه المقاصد وتراعى، ولا تُتَنكّبَ بشيءٍ مِن الفهم أو السلوك بظاهريةٍ بعيدةِ عن المراد بالنص أو الحكم.
نظر رجلٌ في كتابٍ ما؛ فلما رأى أول صفحةٍ منه، فلم يَرَ البدْء بخطبة الحاجة، طرحه وقال: لقد عرفتُ منذ البداية أن المؤلف ليس حريصاً على السّنَّة!. هذا على الرغم مِن أنه يجوز أن يبدأ بخطبة الحاجة، وأن يبدأَ بخطبةٍ سِواها يحمد فيها الله تعالى.
كان رجلٌ يُصلِّي في المسجد، وكان في أثناء السجود يرفع أصابع رجليه عن الأرض؛ فشاهده أحدهم؛ فقام إليه وهو في الصلاة؛ فضغط على
1 الترمذيّ، برقم: 2035، البر والصلة.
رجليه ليُنزِلها على الأرض؛ فارتاع المصلِّي ووجِلَ؛ فلما قضى صلاته عرَفَ السبب؛ فقال: هلاّ انتظرتني حتى أقضي صلاتي؛ فتخبرني؛ فأُصلِّي بدلاً مِن الركعتين عشراً!!.
رأيتُ رجلاً نصحْتُه في غُلوِّه في تقصير ثوبه ومبالغته فيه، فقال لي: إلى منتصف الساق، فقلت له: لكنك قد رفعته إلى أكثر من منتصف الساق. فقال لي: هذا فيما يبدو لك، ولكن نظرك ليس أصدق من المتر، لقد قستُ ساقي بالمتر، فحددت نصف الساق بالمتر!!. قلت في نفسي: لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعديِّ بن حاتم حينما فهم أن الخيط في الآية هو الحبل حقيقة، في قوله تعالى:{فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر} 1؛ فأخذ حبلين: أسود وأبيض، فجعل يأكل وينظر إليهما حتى تبينا له فأمسك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك لعريض الوساد".
فماذا يقال عن فهم صاحب المتر هذا؟!.
وهل هذا القياس بالمتر سنة؟!.
أخذ أحد الناس شريطاً لأحد الدعاة إلى الله تعالى، وداس عليه برجله؛ لأنه ليس في الخطّ الدعويّ ضمْن الفهم الضيّق الذي هو عليه، فعل هذا على الرغم مما في الشريط من اسم الله تعالى والآيات والأحاديث!!.
قيل لبعضهم في معرض النقاش حول قضية مهمّة وقع فيها خلاف
1 187: البقرة: 2.
بين فريقين من المسلمين: إن شريط "الفديو" موجود وقد صوّرنا فيه هذا؛ فلْتشاهدوا الشريط؛ للتثبت والعدل في الحُكْم بين الطرفين. فقالوا: نحن لا نشاهد "الفديو".
نعم: لا يشاهد "الفديو" حتى في مثل هذا المباح. ولا يشاهد "الفديو" حتى في مثل هذه القضية الواجب فيها التثبت، ولا يشاهد "الفديو" مع أنه يفجر في الخصومة، ولا يلتزم الصدق، ويكفِّر بعض المسلمين بل العلماء المجاهدين محدَّدين بأسمائهم!! فأي ورعٍ هذا؟! وأي فهمٍ هذا؟!.
قال خطيبٌ في خطبةِ الجمعة في مسجدٍ من المساجد: أُفٍ لإسلامٍ فيه أناشيد إسلامية!!.
أَحدُ الناس إذا وَجَدَ شريطاً فيه أناشيد إسلامية، فإنه يدوس عليه بقدمه؛ ولا يراعي حتى ما فيه من اسم الله تعالى!!.
قال بعض الناس لشخصٍ: هل فلان من جماعةِ كذا-وسمّى جماعةً يعاديها-؟. قيل له: ولماذا السؤال؟. قال: لأني رأيته واقفاً يوماً مع فلان، وهو مِن هذه الجماعة!!.
وهذا مِن أغرب ما يُمْكِن سماعُهُ مِن المقاييس؛ فهل إذا وقفَ شخصٌ مع يهوديّ يُصْبح يهوديّاً، وهل إذا وقف كافر مع مسلم يصبح مسلماً، وهل إذا وقف إنسانٌ مع سلفيّ يصبح سلفيّاً، وهل إذا وقف إنسان مع شافعيٍّ يصبح شافعيّاً!!.
سأل أحد الناس شيخه عن الدليل على: أن منهجهم وأسلوبهم في الدعوة هو المنهج الصحيح. فقال: الذي يدل على هذه الحقيقة، هو أننا ندعو
للكتاب والسنّة، وماذا بعد الكتاب والسنّة؟!.
ولا أدري كيف يَصْدر مثلُ هذا الجواب، لولا الغفلة ولولا الخطأ البشري، الذي قد يُعْذر فيه الإنسان بَيْد أن ذلك لا يُسوِّغ للإنسان الاستمرارَ في خطئه أو التمادي فيه.
إنّ منهج اتّباع الكتاب والسنّة لا يُسوِّغ لصاحبه الخلط بين نصوص الوحي الإلهيّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والاجتهاد البشري الذي قد يخطئ وقد يصيب عند فهم تلك النصوص أو عند تطبيقها.
ولاشك في أن الورع، والفقه في الدين، والغيرة على الدين، كل هذه تدعو الإنسان لإدراك هذا المعنى نظريّاً وعمليّاً، وما سيرةُ أئمة السلف من هذه الأمة عنّا ببعيد، وفّقنا الله تعالى وإخواننا المسلمين لذلك، ووقانا شرّ أنفسنا وسيئات أعمالنا!.