الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها المَوْقِفَ نَفْسَه ولا ينبغي أن يَقْتصر فِقْهنا للحديث على أنه يجوز أن يُخْتم الكتابُ، وأنه يجوز لبْس خاتم الفضة1.
إنّ على الداعية -كي ينجح في إيصال الدعوة إلى قلوب المدعوين- أن يُراعيَ أعرافهم وتقاليدهم وأمزجتهم وثقافاتهم في حدود ما يجيزه الإسلام، ولاسيما في دعوتهم أول الأمر، طالما أن ذلك لا يُخْرج الداعية إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، فإن هذا أمر إذا تَنَبَّه له قد يكون مفتاحاً لقلوبهم، وسبباً لهدايتهم.
1 الإمام ابن حجر في شرحه للحديث واستنباط الأحكام منه لم يزد على حكم لبس الخاتم. يُنْظر: فتح الباري في شرح الأحاديث ذات الأرقام: 65، 2938، 5870،5872،5874-5875،7162، ولا بأس؛ لأنه لم يَقْصد هذا الجانب مِنْ فقه الحديث. ولكن علينا أن لا نقتصر عليه.
5
الدعوة إلى الفقه في الدين، والتربية عليه
عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يُرِد الله به خيراً يفقّهْهُ في الدين، وإنما أنا قاسمٌ والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"2.
ومن الأساليب النبوية في الدعوة: الدعوة إلى الفقه في الدين، والتدريب عليه.
2 أخرجه البخاري: 3- العلم 13- باب من يُرِد الله به خيراً يفقّهْهُ في الدين الفتح: 1/164. وأخرجه في مواضع أُخر.
إن هذا الحديث تربيةٌ على الفقه في الدين، ودعوة للفقه في الدين، فما أحرى المسلم أن يقف عند معنى هذه التربية، وهذه الدعوة:"مَنْ يُرِد الله به خيراً يفقّهْهُ في الدين".
إنه ينبغي للمسلم أن يسائل نفسه: ماذا يفقه من دينه؟ والفقه شيء نفيس ليس هو الحفظ، بل الحفظ شيء آخر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"ليبلِّغ الشاهد الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يُبلِّغ من هو أوعى له منه"1.
والداعية إلى الإسلام هو أَولى المسلمين بالفقه في الدين، حتى يدعو إليه على بصيرة، ويعرف إلى ماذا يدعو الناس؟ وكيف يدعو الناس؟ وما هي الأولويات؟ وهل يتدرج في الدعوة؟ وأيّ أسلوب يعتمد في دعوته؟ فما أحوجه إلى أن يتعرف: هل رُزِق الفقه في الدين؟.
ما أكثر مَنْ يُحْسن الظن بنفسه، وهو لا يتجاوز وظيفة الحفظ فقط، وما أكثر مَنْ لا يعرف الفقه أصلاً، ولا يظنه غير الحفظ، أوْ لا يعرف الفقه إلا التمذهب بمذهب أحد الأئمة أو قراءة عبارات الفقهاء وحفظ آرائهم.
وما أحوج الداعية إلى أن يسلك هذا الأسلوب النبويّ في التربية على الفقه في الدين، فبالفقه يكون الخير للإنسان وللمجتمع.
وكثير من الدعاة قد يَجْمع الناسَ على عواطف فقط، قد تكون طيبة ولكنها لا تكفي، ولكنها ليست هي نصوص الدين، ولكنها ليست هي
1 أخرجه البخاري: 3-العلم، 9-باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"رُبّ مبلَّغ أَوْعَى مِن سامعٍ" الفتح: 1/157-158.
مقاصد الدين كلها، ويُربّي أتباعه وتلاميذه على العاطفة وعلى الغيرة ولكن على غير بصيرة. وهذا نقْص، وخلل شديد، تكون له آثاره السيئة فيما بعد
-ولو أرضى العواطف الإيمانية أول الأمر- وقد قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {قُل هَذِهِ سَبِيلِي أُدعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبعَني} 1.
فإذا كانت الدعوة واجبة، فإن الواجب أن تكون على بصيرة وعلى فقه وفهم ووعي. وبذلك الفهم والفقه ينبغي أن يكون الداعية أول مَنْ يَعْتني.
وينبغي أن يكون العِلْم هو الأساس الذي تُبنى عليه الدعوة، بل العلم شرط للقول والعمل.
ولهذا قال الإمام البخاري: العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى:{فَاعْلم أنَّه لا إِلهَ إلاّ الله} 2. فبدأ بالعلم. وإن العلماء هم ورثة الأنبياء. ورّثوا العلم، مَنْ أَخَذَه أخذ بحظ وافر. ومَنْ سلك طريقاً يَطْلب به عِلْماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة.
وقال جلّ ذكره: {
…
إنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماءُ} 3.
وقال: {
…
وَمَا يَعْقِلُهَا إلَاّ الْعَالِمُون} 4.
وقال: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصحابِ السَّعير} 5.
1 108: يوسف: 12.
2 19: محمد: 47.
3 28: فاطر: 35.
4 43: العنكبوت: 29
5 10: الملك:67
وقال عز وجل: {
…
هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} 1.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِد الله به خيراً يفقّهْه في الدين"2. "وإنما العلم بالتعلّم" 3.
وقال ابن عباس: كونوا ربانيين حكماء فقهاء علماء4.
1 9: الزمر: 39.
2 مضى تخريجه.
3 قال ابن حجر: "هو حديث مرفوع، أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضاً بلفظ "يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين
…
"، إسناده حسن، إلا أن فيه مبهماً اعتضد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفاً". الفتح 1/161.
4 صحيح البخاري: 3-العلم، 10- باب العلم قبل القول والعمل
…
، الفتح: 1/159-160.
ولم يفتأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التعليم والتعلّم وإلى الفقه في الدين، وأقوالُه وسيرتُه تشهد بذلك.