الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: أمثلة تطبيقية على الموضوع
أمثلة لتعدد الصور لبعض السنن
…
أمثلة لتعدُّدِ الصُّوَر لبعض السنن
تعدُّد الصوَر مِما يتبيّن به منهج الإسلام في الدعوة إلى السنة، ويتبين به كذلك طبيعة السنة في هذا الدين.
وقد تَبَيَّنَ مما سبق أنّ السنّة في أمرٍ ما قد لا تَلْزم صورة واحدة محدّدة في جميع الأحوال، بل قد تكون السنّة في أمْرٍ ما على صُوَرٍ متعددة، والسنن التي جاءت على هذا الوجه كثيرة، ومن هنا لَزِم التنبيه إلى هذا الأمر؛ كي لا يأخذ المرء وجهاً واحداً من السنّة في موضوعٍ ما ويُبْطلُ الوجه الآخر من السنّة، ولا أريد حصْر هذا النوع من السنن هنا، وإنما أضرب بعض الأمثلة لها فيما يلي ليستبين المعنى، فمن ذلك:
1-
الدعاء للميت في صلاة الجنازة1، قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر الآثار الواردة في ذلك: وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه، وليس فيه شيء مؤقت2 أي محدّد لا يجوز إلا به.
2-
ويُسنّ تعزية أهل الميت، قال ابن قدامة رحمه الله: يستحبّ تعزية أهل الميت. لا نعلم في هذه المسألة خلافاً3.
ومع ذلك فليس في ألفاظ التعزية شيء محدَّد لا تجوز إلا به أو ينبغي
1 يُنْظر: المغني: 3/416-431.
2 المغني: 3/416.
3 المغني 3/485.
التقيّد به، قال ابن قدامة رحمه الله: ولا نعلم في التعزية شيئاً محدوداً1.
3-
والردّ من المعزَّى على من عزّاه ليس فيه ألفاظ محدّدة من باب أولى.
4-
وغسْل الأعضاء في الوضوء بين مرّة واحدة إلى ثلاث مرات، كل ذلك مجزئ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم2.
5-
وعدد الركعات في قيام الليل أقله ركعتان سوى الوتر، ولا حدّ لأكثره. وقد جاءت روايات متعدّدة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، وبين بعضها خلاف في العدد، فبعضها أنه كان يصلّي إحدى عشرة ركعة، وفي بعضها أنه كانه يصلّي ثلاث عشرة ركعة3.
والصواب أن التحديد في عدد الركعات ليس هو الأصل في قيام الليل، وأن الصحابة الذين رووا التحديد في قيام النبي صلى الله عليه وسلم كل منهم روى ما رأى، رضي الله عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى
…
" 4، فأطلق ولم يحدد.
1 المغني: 3/485.
2 يُنْظر: المغني: 1/179،192-193.
3 يُنْظر: صحيح الإمام البخاري: 19- التهجد. الأبواب الأُولى منه، ولاسيما العشرة الأُولى، وكتاب التروايح، والباب رقم 24 من كتاب المناقب منه أيضاً. ويُنْظر: 6-صلاة المسافرين. من صحيح الإمام مسلم. ويُنْظر: "المغني" لابن قدامة: 2/560-561.
4 متفق عليه، أخرجه البخاري في مواضع متعددة من صحيحه منها: كتاب الصلاة:
باب الحِلَق والجلوس في المسجد. ومسلم في صحيحه في: صلاة المسافرين: باب صلاة الليل مثنى مثنى
…
ومن هنا يُعْلَم أنه ما كان ينبغي أن تُجْعل صلاة التراويح وعدد ركعاتها -هل هي عشرون ركعة أو أقل أو أكثر- قضيةً يُثار فيها الخلاف والتعصب للآراء!.
6-
وعدد ركعات الوتر قد جاءت فيه روايات متعددة مختلفة، ما بَيْنَ ثلاث ركعات إلى تسع أو إحدى عشرة ركعة1. وليس الأصل في ذلك تحديد عددٍ مُعَيّن، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خِفْت الصبح فأوتر بواحدة". متفق عليه2.
7-
وكيفية صلاة الوتر، قد جاءت بها الروايات على صور متعددة، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "فإن أوتر بإحدى عشرة سلّم من كل??أوتأو ركعتين وإن أوتر بثلاث سلّم من الثنتين وأوتر بواحدة، وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، وإن أوتر بسبع جلس عقيب السادسة فتشهّد ولم يُسلّم، ثم يجلس بعد السابعة فيتشهّد ويسلّم، وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا عقيب الثامنة، فيتشهّد ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويُسلّم
…
"3.
فإذا كانت الروايات في كيفية صلاة الوتر يُفْهَمُ منها هذه الصُّوَرُ كلها فلماذا تثار فيها الخلافات والتعصبات للآراء ومذاهب الأئمة؟!.
1 يُنْظر: "المغني" لابن قدامة: 2/588-589.
2 مضت الإشارة آنفاً إلى موضعه من الصحيحين.
3 المغني: 2/589، ويُنْظر باقي المبحث إلى ص591.
لعلّ في هذه الأمثلة التفصيلية كفاية لإثبات الحقيقة التي أشرت إليها من أنّ السنة في بعض الأمور قد لا تَلْزم صورة واحدة أو وجهاً واحداً. ولولا خوف الإطالة لذكرت أمثلة أخرى كثيرة غير هذه. ولكن أكتفي -إضافة إلى ما سبق- بسرد إجماليّ لبعض الأمثلة الأخرى فيما يلي:
8-
الترجيع في الأذان، وعدم الترجيع، كل ذلك جائز1.
9-
الإفراد في الإقامة، والتثنية، كل ذلك جائز2.
10-
الجهر بالبسملة، والمخافتة بها في الصلاة، كلاهما جائز3.
11-
ألفاظ التشهّد المتعددة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلها جائزة، ولا ينبغي أن يُرَدَّ بعضها ببعض.
12-
أنواع الاستفتاح الثابتة في الصلاة، كلها جائزة.
13-
ألفاظ الدعاء الثابتة للمتزوج، كلها جائزة.
14-
ألفاظ الدعاء الثابتة لمن أطعم الطعام، كلها جائزة.
15-
وكذلك الحال بالنسبة لخطبة الحاجة، فهي واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها ليست لازمة في كل حال، كما تدل عليه الروايات الأخرى الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1 يُنْظر ما في الصفحات: 149، 155. مِن هذا الكتاب.
2 يُنْظر ما في ص: 149-150، 155. مِن هذا الكتاب.
3 يُنْظر ما في الصفحات: 150-151، 153-156. مِن هذا الكتاب.