الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنكر، ولكن حرصه على ذلك لم يُخْرجه عن الحكمة واختيار أفضل السبل وأيسرها للوصول للغاية.
كان صلى الله عليه وسلم، بتدرجه في التعليم وتحيّنه الفرص والمناسبات يختار الوقت المناسب للكلمة الطيبة، لأن وضع الكلمة الطيبة في غير موضعها ليس بمحمود وليس دعوة.
رأيت مرة رجلاً يبدو لي أن فيه خيراً، ومعه كتاب، فجلس في غرفة الانتظار في المستشفى مع المنتظرين، وأخذ يقرأ في الكتاب لنفسه رافعاً صوته طمعاً في أن يستفيد المنتظرون معه دورهم للطبيب. لم يُقَدِّر ظروفهم النفسية وطبيعة المكان الذي هم فيه!!.
ما أجمل الفقه في الدين مع الإيمان القوي، وإن النية الطيبة والرغبة في الخير وحدها لا تكفي ما لم ينضم إليها الفقه والحكمة والأسلوب الحسن لوضع النصيحة والكلمة الطيبة في موضعهما.
وما أعظم الفرق بين مَثَل وَمَثَل، ورَجُل ورَجُل، وداعية وداعية!!.
نسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والاقتداء بخير العباد.
3
استخدام الرسائل والوسائل المتاحة المشروعة
عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلمّا قرأه
مزّقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمَزَّقوا كل ممزق1.
ومن الأساليب النبوية في التربية والتعليم: استخدام الرسائل وجميع الوسائل المتاحة المشروعة.
وهذا أسلوبٌ دعوي نبويّ آخر يَظهر فيه حِرْص النبي صلى الله عليه وسلم على استخدام الوسائل الدعوية المشروعة الممكنة ويدل على أنه لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على وسيلة واحدة في الدعوة كالاتصال الشخصيّ مثلاً. فها هو ذا هنا يستخدم أسلوب الرسائل يوجهها إلى البلدان
…
ومِن ذلك رسالته هذه إلى كسرى، ورسالةٌ أُخرى إلى هِرَقْل عظيم الروم2، وسِوى ذلك مِن الرسائل.
إنه الاستثمار للإمكانات المتاحة كلها التي يسخّرها الله تعالى للداعية، وما إرسال الرسائل منه صلى الله عليه وسلم إلا عنوانٌ لهذا المعنى، ودعوةٌ عملية للدعاة في عصره، ومِنْ بعد عصره لتذكُّر هذا الأمر.
فإذا تهيأت أسبابٌ أخرى بعد ذلك للدعوة فينبغي أن يأخذ بها الداعية، سواء أكانت "إذاعة مسموعة" تَبْلُغ بها الكلمةُ الواحدة مسامع الدنيا كلها وتصل إلى مسامع ملايين البشر مئات الأقطار! أم كانت إذاعة مرئية، أو "انترنت"، أو بريداً "إلكترونياً"، أو شريطاً مسجَّلاً، "كاسيت" أو "فيديو" أو
1 أخرجه البخاري: 3-العلم 7- باب ما يُذْكر في المناولة
…
الفتح: 1/154. وأخرجه في مواضع أُخر.
2 البخاري، ح7، بدْء الوحي.
كتاباً، أو رسالة مخطوطة أو مطبوعة أو صحيفة أو مكالمة هاتفية أو غير ذلك.
لا شكّ في أن وجوب امتداد كلمة الداعية من وجوب الدعوة ذاتها، فإذا كانت الدعوة واجبة على المسلم بإمكاناته المحدودة، فإنها واجبة عليه عند توافر الإمكانات المؤثِّرة لديه، كوجوب الدعوة أو أشد، وعندما يُتِيح الله للمسلم وسيلة للدعوة واسعة الانتشار فإن استخدامه لها في الدعوة واجب أيضاً كوجوب الدعوة أو أشد.
إن كلمة في المسجد للتوجيه والدعوة أمْرٌ طيب، ولعل أطيب منه كلمة في الإذاعة المسموعة، تتجاوز حدود المسجد، وعدد المصلين، وتتجاوز حدود القطر الذي يقف فيه المتكلم.
وإنّ كلمةً يقولها الداعية نصحاً لبائع أشرطة الغناء الماجن مثلاً أَمْرٌ طيب، ولعل أطيب منه رسالة يكتبها في ذلك المعنى ويوجهها لأَلْفِ بائعٍ مثله.
ومع هذا فإنه يلزم الأخذ بكل الطرق هذه، ولا يُكتفى بواحد منها عن الآخر.
ترى ما مدى استخدام الداعية للوسائل المتاحة؟.
لاشك في أن التقصير كبير.. ولو أن كل مسلم أخذ بالوسائل المتاحة له في الدعوة لكان الأثر كبيراً أيضاً، ولبلغت الكلمة الطيبة القلوب والأسماع في مختلف بقاع الأرض، ولكننا قصّرنا في هذا الجانب، فكانت النتيجة ما نرى الآن!! وكثير ممن يُفكر في الدعوة لا يكاد يراها سوى كلمة عابرة يقولها في الطريق وهو ماض لشأنه ثم هو يرى بعد ذلك أنه قد قام بواجب الدعوة، وهيهات هيهات!! والله المستعان.