الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
بيان المنهج والأسلوب الصحيحين للأخذ بالسنة والدعوة إليها
المظاهر والأدلة
…
المنهج والأسلوب الصحيحان في الأخذ بالسنة والدعوة إليها
- المَظَاهِرُ والأدلة-
لكلٍ من المنهج والأسلوب ارتباطٌ وثيق بالفكرة -أيّ فكرة- وبطريقةِ عرْضها. ولأثر كلٍ منهما انعكاسٌ تلقائي على الفكرة، وكم من قضية كانت حقاً ولكن أساء إليها منهجُ أو أسلوبُ عرْضها.
ولا يكفي أن تكون الدعوى صحيحة لِيَقْبَلها الناس، حتى تُعْرَض عليهم بما يناسبها من المنهج والأسلوب الصحيحين.
وهذا هو الأمر الذي يَفْرِضه الإسلام على الداعية حين يدعو إلى شيء من هَدْي الدين؛ فأوجب أن يُدْعى إليه بمنهجٍ سديد وأسلوب صحيح، وإلا فلا يَسُوغ لغير القادر أن يسيء إلى هذا الدين بأخطائه الشخصية منهجاً أو أسلوباً، وأنّ عليه -إذا كان غير متأهّلٍ للدعوة إليه-أن يتأهّل أَوّلاً، قبل أن يدعو إليه.
والأدلة الموجبة لاتّباع المنهج والأسلوب الصحيحين كثيرة، وسأقتصر هنا على ذكر بعض الآيات والأحاديث في الموضوع، ومن ذلك:
1-
اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم أُسوةً حسنة:
قال الله تعالى آمراً بالاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنته والاهتداء بهدْيه:
وقال صلى الله عليه وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" 2 وقال: "خذوا عنّي مناسككم فإني لا أدري، لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه"3.
2-
الدعوة على بَصيرةٍ:
قال تعالى في أهمية البصيرة في الدعوة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من يُرِد الله به خيراً يفقّهه في الدّين"5.
1 21: الأحزاب: 33.
2 أخرجه البخاري: 10- الأذان، 18- باب الأذان للمسافر، فتح الباري:2/111 من حديث مالك بن الحويرث، رضي الله عنه، وأخرجه أيضاً في كتاب الأدب، باب27، وأخرجه أحمد في المسند: 5/53.
3 أخرجه أحمد بن حنبل: 3/337، 338، ومسلم: 15-الحج، ح3102/943، وأبو داود: 5-المناسك، باب رقم78،2/496، والنسائي: الحج، باب الركوب إلى الجمار
…
ح3064، 5/219.
4 108:يوسف:12.
5 أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها: 57-فرْض الخمس، 7-باب قول الله تعالى:{فأَنّ لله خُمُسَهُ وللرسول} ، الفتح6/217، و96-الاعتصام بالكتاب والسنّة، 10- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين
…
"، 13/293، وأخرجه مسلم: 33-كتاب الإمارة ح175، 3/1524، وأخرجه في الكتاب نفسه ح100، وأخرجه الترمذي وغيرهم.
3-
الحكمة والرفق في الدعوة:
قال سبحانه في أهمية: الحكمة1، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين} 2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من يُحْرم الرفق يُحْرم الخير"3.
وقال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنْزع من شيء إلا شانه"4.
وقال: "إن الله رفيق يُحِبُّ الرفْق في الأمر كله"5.
وقال: "يَسِّروا ولا تُعسّروا وَبشِّروا ولا تُنفّروا"6.
1 يُنظر الموضوع الآتي بعنوان: الحكمة في الدعوة إلى السنّة وصُوَرٌ مِن مظاهرها، ويُنظر تفنيد الشبهة المثارة حول هذا المبدأ في الموضوع الآتي بعنوان: أحاديث ظاهرها يُعارِض مبدأ الرفق والحكمة.
2 125: النحل: 16.
3 أخرجه مسلم: 45- كتاب البر والصلة والآداب، ح74-76 4/2001، وأخرجه ابن ماجه: 33- كتاب الأدب، 9- باب الرفق 2/1216، وأحمد في المسند: 4/362،366.
4 أخرجه مسلم، في الموضع السابق، ح78 4/200، وأخرجه أبو داود 9- الجهاد، 1- باب ما جاء في الهجرة وسكنى البدو 3/7، وأخرجه أحمد 6/58 و112، و125 و171، و206، و222.
5 أخرجه البخاري: 88- استتابة المرتدين، 4- إذا عرّض الذمي أو غيره بسبّ النبي صلى الله عليه وسلم....، الفتح 12/280، وفي مواضع أُخَرَ. وأخرجه مسلم في مواضع متعددة، منها الموضع السابق، ح77، وأخرجه ابن ماجه: 33- كتاب الأدب، 9- باب الرفق 2/1216 وغيرهم.
6 أخرجه البخاري عن أنس، 3-كتاب العلم، 11- باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّلهم بالموعظة والعلم كي لا يَنْفِرُوا، الفتح 1/163، وفي مواضع أخر. وأخرجه مسلم في: 32- الجهاد، ح 4، وفي مواضع أُخَرَ، وأحمد في مواضع متعددة منها: 1/229و283.
وفي الآية الآتية إشارة إلى أهمية المنهج الصحيح في مجادلة المخالفين من الكافرين من أهل الكتاب، فهي تَنْهى المؤمنين عن مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن، وليس هذا فحسب بل الآية تأمر المؤمنين بإعلان الحق الذي يؤمنون به ويدعوهم إليهم دِينُهم، ومِنْ ذلك ما يوافقهم عليه أهل الكتاب من أصول الإيمان، وفي هذا إشارة إلى عدم تحاشي إعلان الحق الذي يشاركنا في الإيمان به أهل الكتاب:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَينَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُم وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} 1.
بل تذهب الآية الآتية إلى أبعدَ مِنْ هذا، إذ تأمر المؤمنين أن يبتعدوا عن سبّ الآلهة الزائفة التي يعبدها المشركون من دون الله، ومع أن مثل هذا المسلك حق في ذاته إلا أنه قد يجرّ المشركين إلى أن يسبّوا الله عَدْواً بغير علم، فلهذا نهى الله المؤمنين عن سبّ آلهة المشركين الزائفة، وفي هذا تفقيه للمؤمنين وأَمْر لهم أن ينظروا في عواقب الأمور وفي تحقيق المقاصد الشرعية:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْم} 2.
1 46: العنكبوت: 29.
2 108: الأنعام: 6.
4-
تبليغ الدعوة البلاغ المبين:
قال تعالى مبيّناً لعباده المؤمنين أهمية البلاغ والبيان وضرورة العناية بهما وبما يحققهما من الوسائل: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 1.
5-
العناية بفقه الدين وفقه الدعوة إليه:
قال تعالى في أهمية الفقه في الدين والدعوة إليه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجُدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً، وَإِذَا جَاءَهُم أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَولا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَاّ قَلِيلاً} 3.
وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 4.
والفقه والبصيرة مما وصف الله به عباده الذين سمّاهم سبحانه: "عباد الرحمن" فَذَكَر أن مِنْ صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا
1 54: النور: 24.
2 4: إبراهيم: 14.
3 82-83: النساء: 4.
4 24: محمد: 47.
عَلَيْهاصُمّاً وَعُمْياناً} 1.
6-
الوسطية في الدعوة:
قال سبحانه في وصْف عباد الرحمن أيضاً منبّهاً على أهمية التوسط وعدم الإفراط والتفريط: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} 2.
وقال عز وجل محذّراً من الغلوّ: {يا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاّ الْحَقَّ} 3.
7-
سلامة القلب للمؤمنين:
ذَكَر اللهُ عز وجل أَنّ من وصْف المؤمنين: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِم يَقُولُون رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} 5.
1 73: الفرقان: 25.
2 67: الفرقان: 25.
3 171: النساء: 4.
4 77: المائدة: 5.
5 10: الحشر: 59.
8-
تحاشي ما يَصْرف الناس عن الهداية:
قال سبحانه على لسان فئة من المؤمنين المفلحين: {وَقَالَ مُوسَى يا قَوْمِ إِن كُنْتُمْ آمُنْتُم باللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ، فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظّالِمينَ} 1.
وقال على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} 2.
9-
بَذْل الوسع في الاستمساك بالدِّين:
قال تعالى في الاستمساك بأحكام الإسلام وتعاليمه بقَدْر الاستطاعة من غير تقصير: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا
…
} 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"4.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنّ هذا الدين يُسْر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا"5.
1 84-85: يونس: 10.
2 5: الممتحنة: 60.
3 16: التغابن: 64.
4 أخرجه مسلم: 15- الحج، ح 412، باب فرض الحج مرة في العمر 2/975،
وأخرجه غيره.
5 أخرجه البخاري: 2- الإيمان، 29- باب الدّين يسر
…
، الفتح 1/93، وفي مواضع أخرى، وأخرجه النسائي، 47- كتاب الإيمان، 28- باب الدّين يُسْرّ، 8/106، وأحمد بن حنبل: 5/69.
1 125: النحل: 16.