الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقياساً له دائما في تمييز الحق والصواب.
وبهذا المسلك استحكمت في بعض الناس ظاهرة التعصب والغلوّ، وأصبح بعض الناس يتعامل مع ظاهرة الخلافات الفقهية تعاملاً غير فقيه، وأصبح بعضهم يتجاوز الحق إذا جاء على لسان المخالف له؛ وحصلت-بسبب هذا التنازع والخلاف في العبادات الظاهرة والشعائر-أنواعٌ مِن الفساد الذي يكرهه الله ورسوله وعباده المؤمنون.
أنواع الفساد المترتبة على الخلاف:
وأهم أنواع الفساد المترتبة على هذا الخلاف ما يلي:
أحدها: جهْل كثير من الناس أو أكثرهم بالأمر المشروع المسنون، الذي يحبه الله ورسوله، والذي سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمّته، والذي أمرهم باتباعه.
الثاني: ظلْم كثير من الأمة أو أكثرهم بعضهم لبعض، وبغيهم عليهم:
تارة بنهْيهم عمّا لم ينه الله عنه.
وبغْضهم على ما لم يبغضهم الله عليه.
وتارة بترك ما أوجب الله من حقوقهم وصلتهم، لعدم موافقتهم لهم على الوجه الذي يؤثرونه، حتى إنهم يُقَدِّمون في الموالاة والمحبة وإعطاء الأموال والولايات مَنْ يكون مؤخَّراً عند الله، ورسوله، ويَتْركون من يكون مقدَّماً عند الله ورسوله لذلك1.
1 وهذا مشاهَدٌ اليوم لدى كثيرٍ مِن المختلفين مِن المسلمين، للأسف، وأمثلته تتكرر على الناس.
الثالث: اتّباع الظن وما تهوى النفس، حتى يصير كثير منهم متديِّناً باتّباع الأهواء في هذه الأمور المشروعة، وحتى يصير في كثير من المتفقهة والمتعبدة من الأهواء من جنس ما في أهل الأهواء الخارجين عن أهل السنّة والجماعة، كالخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم.
وقد قال تعالى في كتابه: {وَلَا تَتَّبِع الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} 1.
وقال في كتابه: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} 2.
الرابع: التفرّق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف، حتى يصير بعضهم يبغض بعضاً ويعاديه، ويحب بعضاً ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المهاجرة والمقاطعة حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض3.
وهذا كله من أعظم الأمور التي حرّمها الله ورسوله.
وكثير من هؤلاء يصير من أهل البدعة بخروجه عن السنّة التي شرعها
1 26: سورة ص: 38.
2 77: المائدة: 5.
3 وهذا أمرٌ مشاهدٌ في الناس اليوم يَشهد بصدْق ما قاله هذا الإمام الموفَّق، رحمه الله تعالى.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، ومِنْ أهل الفُرْقة بالفُرْقة المخالفة للجماعة التي أمر الله بها رسوله، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ في شَيءٍ} 1.
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} 2.
وقال تعالى: {وَآتَيناهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} 5.
وقال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم يَومَ الْقِيَامَة} 6.
1 159: الأنعام: 6.
2 213: البقرة: 2.
3 4،5: البينة: 98.
4 19: آل عمران: 3.
5 17: الجاثية: 45.
6 93: يونس: 10.
النوع الخامس: هو شكُّ كثير من الناس وطعْنهم في كثير مما أهلُ السنّة والجماعة عليه متفقون، بل وفي بعض ما عليه أهل الإسلام، بل وبعض ما عليه سائر أهل الملل متفقون، وذلك:
- من جهة نقلهم وروايتهم تارة.
- ومن جهة تنازعهم ورأيهم أخرى.
أما الذي مِن جهة النقل والرواية: فقد عُلِم أن الله حفظ هذا الدين، كما قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظَون} 1؛ فحفظ الله الذكر الذي أنزله على رسوله.
وأَمرَ أزواجَ نبيه بذكْره، أي بأن يَذكرنَهُ، حيث يقول:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَة} 2. وحَفِظه من أن يقع فيه من التحريف ما وقع فيما أَنزل قبله.
كما عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة.
فعصم حروف التنزيل أن تُغَيَّر.
وحفظ تأويله أن يَضِلّ فيه أهل الهدى المتمسكون بالسنّة والجماعة.
وحفظ أيضاً سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما ليس فيها، من الكذب عمداً أو خطأ، بما أقامه من علماء أهل الحديث وحفّاظه الذين فحصوا عنها وعن
1 9: الحجر: 15.
2 34: الأحزاب: 33.
نَقَلَتِها ورواتها، وعلموا من ذلك ما لا يعلم غيرهم، حتى صاروا مجتمعين على ما تلقوه بالقبول منها إجماعاً معصوماً من الخطأ، لأسباب يطول وصفها في هذا الموضع، وعلموا، هم خصوصاً، وسائر علماء الأمة، بل وعامتها، عموماً ما صانوا به الدّين عن أن يزاد فيه أو ينقص منه مثلما علموا أنه لم يفرض عليهم في اليوم والليلة إلا الصلوات الخمس، وأن مقادير ركعاتها ما بين الثنائي، والثلاثي، والرباعي، وأنه لم يفرض عليهم من الصوم إلا شهر رمضان، ومن الحج إلا حج البيت العتيق، ومن الزكاة إلا فرائضها المعروفة، إلى نحو ذلك.
وعلموا كَذِبَ أهل الجهل والضلالة فيما قد يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم لعلْمهم بكذب من يَنْقل عنه نقلاً واضح الكذب؛ إمّا لمعارضته للأمر المنقول الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، أو لكونه مما تتوافر الدواعي لتواتر نقْله عنه، لو كان صحيحاً1.
1 هنا ذَكَر شيخ الإسلام ابن تيمية أمثلةً مِن المنقولات المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، التي عَلِم كَذِبَها أئمة الحديث، فقال: - زعْم الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على عليّ بالخلافة نصاً قاطعاً جلياً.
- وزعْم آخرين أنه نص على العباس.
- أكاذيب الرافضة والناصبة التي يأثرونها، مثل:
- الغزوات التي يروونها عن عليّ وليس لها حقيقة، كما يرويها المُكِدُّون الطرقية مثل: أكاذيبهم الزائدة في سيرة عنترة والبطال، حيث علموا مجموع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن القتال فيها كان في تسعِ مغازٍ فقط، ولم يكن عِدّةُ المسلمين، ولا العدوّ، في شيء من مغازي القتال عشرين ألفاً.
- ومثل الفضائل المرويّة ليزيد بن معاوية ونحوه.
- والأحاديث التي يرويها كثير من الكرّامية في الإرجاء ونحوه.=والأحاديث التي يرويها كثير من النسّاك في صلوات أيام الأسبوع، وفي صلوات أيام الأشهر الثلاثة.
- والأحاديث التي يروونها في استماع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وتواجده، وسقوط البردة عن ردائه، وتمزيقه الثوب، وأخذ جبريل لبعضه وصعوده به إلى السماء.
- وقتال أهل الصُفّة مع الكفار.
- واستماعهم لمناجاته ليلة الإسراء.
- والأحاديث المأثورة في نزول الرب إلى الأرض يوم عرفة وصبيحة مزدلفة، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له في الأرض بعين رأسه.
- وأمثال هذه الأحايث المكذوبة التي يطول وصفها.
فإن المكذوب من ذلك لا يحصيه أحد إلاّ الله تعالى؛ لأن الكذب يحدث شيئاً فشيئاً، ليس بمنزلة الصدق الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يحدث بعده، وإنما يكون موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، وهو محفوظ محروس بنقل خلفاء الرسول وورثة الأنبياء.