الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 -
السماحة فيما يتعلق باختلاف تخصصات الدعاة:
فمِن الحكمة والفقه السماحة في مجال اختلاف الأساليب والطرائق الدعوية، وفي مجال اختلاف تخصصات الدعاة، وتنوِّع الجهود الدعوية، طالما أنها سائرة في الطريق الدعويّ الشرعيّ؛ وليس في شيء مِن نصوص الشرع ما يوجب أن تكون الدعوة على نمطٍ واحدٍ أو مجالٍ واحدٍ، وإنما الذي جاءت به النصوص هو رسْم المنهج، وتحديد الغاية والهدف؛ فإذا تحققَ لداعيةٍ ما هذا وذاك كان سائراً في طريق الدعوة إلى الله تعالى؛ فلا يصحّ التحجير عليه بتحليلٍ أو تحريمٍ لم يأذن به الله تعالى.
وبناءً على هذا فإنّ اختلاف تخصصات الدعاة ومجالاتهم، لا يصحّ أن يُنظر ‘إليه على أنه مِن قبيل الخلاف، وإنما هو مِن قبيل اختلاف التنوّع المطلوب لتحقيق الغاية الواحدة، وهي دعوة الناس إلى الله سبحانه، وإلى الأخذ بدينه الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. وعلى النهج كان المحققون أئمة السلف الصالح أئمة الهدى.
وإنْ شئتَ فاقرأ شاهداً على هذا جواب الإمام مالك للعُمري العابد: فقد كتب هذا الثاني رسالةً إلى الإمام مالك يحضّه فيها على العزلة والانفراد والانقطاع للعبادة، ويُرغِّب مالكاً عن اجتماع الناس إليه لأخذ العلم؛ فكتب الإمام مالك له بقوله:
إنّ الله تعالى قسّمَ الأعمال كما قسّم الأرزاق؛ فرُبَّ رجلٍ فتُح له في الصلاة، ولم يُفتَح له في الصوم، وآخَر فتُح له في الصدقة ولم يُفتَح له في
الصيام، وآخر فُتِح له في الجهاد ولم يُفتح له في الصلاة. ونشْرُ العلم وتعليمه مِن أشرفِ أعمال البر، وقد رضيتُ بما فتح الله عز وجل فيه مِن ذلك، وما أظن ما أنا فيه بِدُونِ [أيْ أَقَلَّ] مما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خيرٍ وبِرٍّ، ويجب على كلٍ منّا أن يَرضى بما قُسِمَ له. والسلام1.
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيها الإمام، وَلَيْتَك تعلم ما أصاب كثيراً مِن المسلمين مِن البعد عن هذا الهدْي، وهذا الفقه النفيس!.
وما أسعدَ مَن أَخذَ بقولة هذا الإمام هذه، في قضايا التخصص في الدعوة، وتنوِّعِ الجهود الدعوية؛ فقال لأخيه: كلانا على خيرٍ وبِرٍّ، ويجب على كلٍ منّا أن يَرضى بما قُسِمَ له. والسلام!.
1 مختصر منهاج القاصدين، 46، الحاشية، وهو في "سير أعلام النبلاء، للذهبي، كما في تهذيبه: نزهة الفضلاء، لمحمد حسن عقيل موسى، 2/625، وفي سِواهما بألفاظٍ، هذا واحدٌ منها.