الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: بيان تطبيقي لبعض المسالك المخالفة
مسالك مخطئة تجاه الخلافات الفرعية
…
مسالك مخطئة تجاه الخلافات الفرعية
لقد ابتليتِ الأمَّة الإسلامية في هذا العصر بظهور مسالك مخطئة مضرة بالأمة تجاه التعامل فيما بين أفرادها بشأن المسائل الفرعية والخلافات الفرعية، ولقد ظهر شيء من الروح الجدَلِيّة لدى كثيرٍ من المسلمين الصالحين مع نزعة إلى الشدة والغِلْظة والفظاظة، في طريقة الدعوة، وفي الحوار، والموقف، حتى في المسائل الفقهية الخلافية، ويمكن تلخيص مسالك هذه الطريقة فيما يلي:
أ - الروح الجدلية في مجال التعرّف أو التعريف بالأحكام الشرعية.
ب- الشدة والفظاظة في الحوار.
جـ- التحزب على أساس الخلافات الفرعية.
د- تجرؤ صغار الطلاب على الخوض في تفاصيل الخلافات الفرعية وأدلتها والترجيح بينها.
وقد ترتّب على هذه الطريقة كثير من المفاسد التي لا يقرّها الإسلام،
ومن ذلك:
- تَفَرُّق الصف الإسلامي على مسائل فرعية، ففي سبيل الحماس لها والأخذ بالصواب فيها نُسِيَتْ وحدة الأمة واجتماع كلمتها على هذا الدين. بل ونُسِيَتْ بعض الأصول في كثير من الأحيان في سبيل التمسك بالصواب في المسائل الخلافية في تلك الفروع!.
- ترتّب على ذلك التفرّق وذلك الأسلوبِ كثيرٌ من الجدل العقيم المنهي عنه شرعاً، القاتل للوقت وللمودة، وكثيرٌ من المشاحنات والبغضاء المذمومة شرعاً والتي لا تليق في حق المسلم تجاه أخيه المسلم!.
- وترتّب على ذلك ظهور التعصّبات والتحيّزات التي يرافقها الجهل والظلم، بدعوى الحرص على الحق والصواب في تلك الأمور الخلافية من المسائل الفرعية والأساليب والوسائل!!.
- وترتّب على ذلك تجرؤ كثير من صغار الطلاب على الاجتهاد والفتيا و "المشيخة" أو "الزعامة" العلمية أو الدعوية من قِبَل هؤلاء الصّغار الذين لم يأتوا بجديد سوى الخلاف والفرقة والابتعاد عن الجادة، مع التجاهل لآداب العلم وحقوق التعامل، وكان يسعهم الحرص على الخير في منهجٍ وسط يُبْعدهم عن كل هذه الأنواع من الشر!.
- لقد نَتَجَ عن هذه المسالك المخطئة في الدعوة وفي طلب العلم والتفقّه في الدين والتعامل مع المخالفين تضخيم بعض الأحكام الفرعية والغلوّ في السنن والمستحبات، وذلك أمرٌ لا يقرّه الدين، لأن السنن والمستحبات هي من الدين وينبغي أن تؤخذ على أنها كذلك، ولا يجوز أن يُتَجاوز بها قَدْرها، كما أنه لا يجوز أن تُنْقص عن قَدْرها الذي وضعها الله فيه، وإلى هذا المعنى يُشير ما جاء عن علي رضي الله عنه من قوله في الوتر: إن الوتر ليس بحتم، ولا كصلواتكم المكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر. ثم قال: "يا أهل القرآن
أوتروا فإن الله وِتْرٌ يحب الوتر1".
والدِّين بين الغالي والجافي، والمُفْرِط والمفرّط، ونتج عن هذا الخلل -كما قلت- الوقوع فيما نهى الله تعالى عنه من التفرّق في الدين والتفرّق في الصف، وآياتُ الله تعالى أعظمُ شاهد في نهي الله تعالى أشد النهي عن الأمرين كليهما، وكذا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة فقهاء هذه الأمة: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من أئمة السلف، فمن تأمل ذلك كله أدرك الحق في هذه المسألة.
وإن المُصْلِحَ الحقّ هو ذلك الذي يسعى في الإصلاح من غير أن يرافق إصلاحه إفساد، أو مِنْ غير أن يتلبّس إصلاحه بإفساد يَعْلَمُهُ أو لا يَعْلَمُهُ!.
1 المغني، لابن قدامة 2/593. وقد رواه أحمد في المسند 1/110،143،144،145،148، وأبو داود في كتاب الوتر، باب استحباب الوتر، والترمذي. يُنظَر: حاشية الصفحة الآنفة من المغني. ويُنظَر ما نقلته عن الإمام ابن تيمية رحمه الله، في هذا الموضوع في المبحث السادس مِن هذا الكتاب.