المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌480 - باب الماء من الماء كان رخصة أول الأمر ثم نسخ - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٢

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌448 - بَابٌ: غُسْلُ الجُنُبِ مَعَ امْرَأَتِهِ

- ‌449 - بَابٌ: الِاغْتِسَالُ بِفَضْلِ المَرْأَةِ

- ‌450 - بَابٌ: النَّهْيُ عَنِ الِاغْتِسَالَ بِفَضْلِ المَرْأَةِ

- ‌451 - بَابٌ: تَرْكُ التَّنْشِيفِ بَعْدَ الغُسْلِ

- ‌452 - بَابٌ: النَّهْيُ عَنِ الِاغْتِسَالِ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ المُبَالِ فِيهِ

- ‌453 - بَابٌ: مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاغْتِسَالِ بِالمَاءِ المُشَمَّسِ

- ‌454 - بَابٌ: الِاغْتِسَالُ بِالمَاءِ المُسَخَّنِ

- ‌455 - بَابٌ: مَا رُوِيَ أَنَّ غُسْلَ الجَنَابَةِ مِنَ الأَمَانَةِ

- ‌456 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي الغُفْرَانِ لِلْمُغْتَسِلِ

- ‌457 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ

- ‌458 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي ثَوَابِ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ حَلَالًا

- ‌459 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي عُقُوبَةِ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ مَوْضِعِ شَعَرَةٍ مِنَ الجَنَابَةِ

- ‌460 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي تَفْرِيقِ الغُسْلِ

- ‌461 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِيمَنِ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُصِبِ المَاءُ بَعْضَ بَدَنِهِ

- ‌أَبْوَابُ مُوجِبَاتِ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ

- ‌462 - بَابٌ: المَاءُ مِنَ المَاءِ

- ‌463 - بَابٌ: إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ

- ‌464 - بَابٌ: وُجُوبُ الغُسْلِ عَلَى المُحْتَلِمَةِ إِذَا رَأَتِ المَاءَ

- ‌465 - بَابٌ: مَا رُوِيَ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا ومَنِ احْتَلَمَ ولم يَجِدِ البَلَلَ

- ‌أَبْوَابُ كَيْفِيَةِ الغُسْلِ

- ‌466 - بَابُ صِفَةِ الغُسْلِ

- ‌467 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي غَسْلِ الأَعْضَاءِ ثَلَاثًا

- ‌468 - بَابُ التَّيَمُّنِ فِي الغُسْلِ

- ‌469 - بَابٌ: يُجْزِئُ فِي الغُسْلِ إِفَاضَةُ المَاءِ

- ‌470 - بَابُ الوُضُوءِ بَعدَ الغُسْلِ

- ‌471 - بَابُ قَدْرِ مَاءِ الغُسْلِ

- ‌472 - بَابُ غُسْلِ المَرأَةِ المُتَضَفرَةِ

- ‌473 - بَابُ نَقْضِ المَرأَةِ شَعرَهَا عِنْدَ غُسْلِ المَحِيضِ

- ‌474 - بَابُ الاغْتِسَالِ وَعَلَى الرَّأْسِ الضِّمَادِ

- ‌475 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَخْلِيلِ لِحْيَةِ المُغْتَسِلِ

- ‌476 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي مَضْمَضَةِ المُغْتَسِلِ وَاسْتِنْشَاقِهِ

- ‌477 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً

- ‌478 - بَابُ مَا رُوِيَ في الاجْتِزَاءِ بِالخِطْمِيِّ فِي الاغْتِسَالِ

- ‌479 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ غُسْلَ الجَنَابَةِ كَانَ سَبْعًا

- ‌480 - بَابُ المَاءِ مِنَ المَاءِ كَانَ رُخْصَةً أَوَّلَ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ

- ‌481 - بَابُ الغُسْلِ مِنْ تَدَفُقِ المَنِيِّ بِلَا جِمَاعٍ

- ‌482 - بَابُ نَضْحِ المَاءِ فِي العَيْنَيْنِ عِنْدَ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ

- ‌483 - بَابٌ: في صِفَةِ المَنِيِّ

الفصل: ‌480 - باب الماء من الماء كان رخصة أول الأمر ثم نسخ

‌480 - بَابُ المَاءِ مِنَ المَاءِ كَانَ رُخْصَةً أَوَّلَ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ

2847 -

حديثُ أُبِّي بْنِ كَعْبٍ:

◼ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، ((أَنَّ الفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يفْتُونَ، أَنَّ المَاءَ مِنَ المَاءِ، كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَدْءِ (أَوَّلِ) الإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالاِغْتِسَالِ بَعْدُ)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: الترمذيُّ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والدارقطنيُّ، والإسماعيليُّ، والبيهقيُّ، والحازميُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وعبدُ الغنيِّ المقدسيُّ، والنوويُّ، وابنُ حَجَرٍ، والألبانيُّ.

[الفوائد]:

هذا القولُ لأُبَيٍّ رضي الله عنه هو فصلُ الخطابِ في هذه المسألةِ.

وبالعمل بالأحاديث كلها والجمع بينها يتبين ما يلي:

أولًا: أن كلَّ إنْزَالٍ للمنيِّ مهما كان سببُهُ يُعَدُّ جنابةً ويُوجبُ الغُسْلَ، سواء كان بجِمَاعٍ، أو مَنَامٍ، أو غير ذلك.

ثانيًا: أن كلَّ التقاءٍ بين الختانين يُوجبُ الغُسْلَ، سواء أَنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ، وسواء أكسلَ أو لم يكسلْ.

ثالثًا: أن المباشرةَ، وما يُسمَّى بالمفاخذةِ، أو المداعبةِ، بأي طريقةٍ كانت

ص: 582

وعلى أيِّ وجهٍ حصلتْ إذا لم يلتقِ الختانان ولم يحصلِ الإنزالُ؛ فلا تُعَدُّ جنابةً، ولا تُوجِبُ الغُسْلَ.

رابعًا: أن الرجلَ والمرأةَ في هذا كلِّه سواءٌ.

[التخريج]:

[د 214 (واللفظ له) / جه 586/ حم 21100 - 21104/ مي 778، 779/ خز 239/ حب 1175/ علحم 5778، 5779/ جا 91/ سرج 1380، 1506، 1622، 1623/ منذ 572/ طب (1/ 200/ 538) / طس 2147/ طش 2992/ هق 789، 792/ هقغ 137/ تمهيد (23/ 107، 108) / حاكم (معرفة صـ 79) / فق 359/ خشف 32/ علحا 86/ قط 456/ ضيا (3/ 382/ 1177) / شا 1421/ بقي (بيان الوهم 2/ 426) / تطبر (النكت الظراف 1/ 17) / استذ (3/ 85، 94) / جوزي (ناسخ 75)].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه عقب الرواية التالية:

ص: 583

روايةُ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا:

• وفي روايةٍ: بِلفظِ: ((إِنَّمَا كَانَ ((الماءُ مِنَ المَاءِ)) رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا)).

[الحكم]:

صحيحٌ.

[التخريج]:

[ت 111، 112 (واللفظ له) / حب 1169/ عر 14/ عتب (صـ 32) / هق 790/ هقخ 769/ طح (1/ 57) / طوسي 94/ خط (2/ 211) / ذهبي (1/ 266) / ضح (1/ 440) / سبكي (صـ 349) / ناسخ 18/ شا 1421/ حاكم (معرفة صـ 78) / ضيا 1178/ نبلا (8/ 380) / شذا 34/ استذ (3/ 84)].

[التحقيق]:

هذا الحديث له طريقان:

الطريقُ الأولُ:

رواه أبو داودَ، والدارميُّ، عن محمد بن مهران، ثنا مبشر الحلبيُّ، عن محمد بن مطرف أبي غسان، عن أبي حازم عن سهل بن سعد، حدَّثني أُبيُّ بنُ كَعبٍ، به.

ورواه ابنُ حِبَّانَ، والطبرانيُّ، والدارقطنيُّ، وغيرُهُم، من طريقِ محمدِ بنِ مِهْرانَ، به.

وهذا سندٌ صحيحٌ، رجالُهُ ثقاتٌ، رجالُ الشيخينِ، غير مبشر، فمن رجال أبي داود، وهو ثقةٌ.

ص: 584

ولذا صَحَّحَهُ الدارقطنيُّ، في (السنن 1/ 126/ طبعة المعرفة)

(1)

.

والبيهقيُّ في (عقب رقم 791)، وعبدُ الغَنيِّ المقدسيُّ كما في (المبدع 1/ 154).

وأشارَ أبو حاتمٍ إلى إعلالِهِ بقولِهِ: "ذكرتُ لعبدِ الرحمنِ الحلبيِّ ابن أخي الإمام -وكان يفهمُ الحديثَ- فقلتُ لَهُ: تعرف هذا الحديث؟

"، فذكره، ثم قال: "قال لي: قد دَخَلَ لصاحبِكَ حديثٌ في حديثٍ، ما نعرف لهذا الحديثِ أصلًا" (علل الحديث 86).

كذا قال، وتَعَقَّبَهُ ابنُ رَجبٍ فقال:"وفي ذلك نَظَرٌ"(فتح الباري 1/ 382).

قلنا: وقدِ احتجَّ أبو حاتم بحديثِ سهلِ بنِ سعدٍ هذا؛ فقد قال ابنه: "سمعتُ أَبِي

، وذكرَ الأحاديثَ المرويةَ في الماءِ منَ الماءِ

، فقال: هُو منسُوخٌ، نَسخَهُ حديثُ سهل بن سعد، عن أُبيِّ بنِ كعبٍ" (العلل 114).

فإما أنه لم يذهبْ إلى هذا التعليلِ المذكورِ، أو رجعَ عنه، أو أنَّ الأمرَ كما قال ابنُ دَقيقٍ:"وكأنَّه أرادَ هذه الروايةَ لا أصلَ الحديثِ"، ثم استدلَّ عليه بما ذكرناه (الإمام 3/ 28)، وانظر (صحيح أبي داود 1/ 388).

الطريق الثاني:

رواه أحمدُ، والترمذيُّ، وابنُ ماجه، وغيرُهُم، من طرقٍ عنِ الزهريِّ، عن سهلِ بنِ سعدٍ، عن أُبيِّ بنِ كعبٍ، به.

وهذا سندٌ صحيحٌ، ورجالُهُ ثقاتٌ، وقال الترمذيُّ عقبه:"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

(1)

ولم يثبته محققوا طبعة الرسالة.

ص: 585

وقال الإسماعيليُّ: "هو صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ"(الفتح 1/ 397).

وأعلَّهُ بعضُهُم بأن الزهريَّ لم يسمعْهُ من سهلٍ، واستدلوا:

بما رواه أبو داودَ، وغيرُهُ، من طريقِ عمرِو بنِ الحارثِ، عنِ الزهريِّ، قال: حدَّثني بعضُ مَنْ أَرْضَى، عن سهلٍ، به.

ولذا قال الدارقطنيُّ: "لا يصحُّ؛ لأن الزهريَّ لم يسمعْهُ من سهلٍ".

قال البرقانيُّ: " قلتُ له: فقد سمعَ منه فما تنكر أن يكون سمع هذا منه؟ فقال: الدليل عليه أن عمرَو بنَ الحارثِ رواه عنِ الزهريِّ، فقال فيه: حدَّثني مَن أَرْضَاهُ عن سهلِ بنِ سعدٍ"(سؤالات البرقاني 657).

وقال البيهقيُّ: "هذا الحديثُ لم يسمعْهُ الزهريُّ من سهلٍ، إنما سمعه عن بعضِ أصحابِهِ عن سهلٍ"(السنن عقب رقم 790).

وبهذا تَعَقَّبَ مغلطاي على الترمذيِّ تصحيحه إيَّاهُ، انظر (شرح ابن ماجه 3/ 61).

وهذه علةٌ مدفوعةٌ من أربعةِ أوجهٍ:

الوجه الأول: أن الزهريَّ صرَّحَ في بعضِ طرقه بسماعِهِ من سهلٍ:

فرواه ابنُ خزيمةَ من طريقِ غُندر، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ قال: أخبرني سهلٌ من قولِهِ

، لم يذكرْ فيه أُبيًّا.

ثم قال ابنُ خزيمةَ: "في القلبِ من هذه اللفظةِ التي ذكرها محمدُ بنُ جَعفرٍ-أعني: قولَهُ أخبرني سهل بن سعد-، وأَهَابُ أن يكونَ هذا وهمًا من محمدِ بنِ جعفرٍ، أو ممن دونه؛ لأن ابن وهب روى عن عمرو بن الحارث، عنِ الزهريِّ، قال: أخبرني من أرضى عن سهل بن سعد

". اهـ. (صحيح

ص: 586

ابن خزيمة عقب رقم 243).

قلنا: لكن محمد بن جعفر تُوبعَ على قولِهِ هذا:

فرواه ابنُ شاهينَ، والخطيبُ من طريقِ معلى بنِ منصور.

ورواه بقيُّ بنُ مخلدٍ، والطبريُّ، عن أبي كُريبٍ.

كلاهما -معلى، وأبو كريب-: عن ابن المبارك، عن يونس، عنِ الزهريِّ قال: حدثني سهل، به.

قال ابنُ حَجَرٍ: "وهي متابعةٌ قويةٌ لمحمدِ بنِ جعفرٍ غُندر"(الإتحاف 1/ 208).

وقال: "فإن كان محفوظًا فلعلَّ ابنَ شهابٍ سمعه أولًا عن سهلٍ بواسطةٍ، ثم لقيه فحدَّثه، وسماعه منه ثابتٌ في (الصحيح) في غير هذا الحديثِ"(النكت الظراف مع التحفة 1/ 17). وانظر: (بيان الوهم 2/ 426)، (التلخيص 1/ 234).

الوجه الثاني: أن أكثرَ أصحابِ الزهريِّ: يونس، ومعمر، وابن جريج، وشعيب، وعقيل، رووه عنِ الزهريِّ، عن سهلٍ لم يذكروا بينهما أحدًا، غير عمرو بن الحارث، قال ابنُ رجبٍ: "فلا نقضي له على سائرِ أصحابِ الزهريِّ

" (فتح الباري 1/ 381، 382).

قلنا: وهذا الوجهُ قويٌّ.

الوجه الثالث:

أن هذا الرجلَ الذي رَضِيَهُ الزهريُّ ولم يسمه هو أبو حازم سلمةُ بنُ دِينَارٍ؛ فإنه لا يُعلم روى هذا الحديث عن سهل أحدٌ بعد الزهري غير أبي حازم،

ص: 587

وهو ثقةٌ إمامٌ، فيَصحُّ الحديثُ من هذا الوجه أيضًا، وإلى هذا مالَ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ.

قال الحافظُ موسى بنُ هارونَ: "وقد روى أبو حازم هذا الحديث عن سهل بن سعد، وأَظنُّ ابن شهاب منه سمعه؛ لأنه لم يسمعه من سهل بن سعد، وقد سمعَ من سهلٍ أحاديثَ، فإن كان ابن شهاب سمعه من أبي حازم فإنه ثقةٌ رضًا"(الاستذكار 3/ 85)، وانظر (التمهيد 23/ 107).

وقال ابنُ خزيمةَ: "وهذا الرجلُ الذي لم يُسمِّه عمرو بن الحارث يشبه أن يكونَ أبا حازمٍ سلمة بن دينار؛ لأن مُبَشَّرَ بن إسماعيل

(1)

روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد" (الصحيح 226).

وقال ابنُ حِبَّانَ: "وقد تتبعتُ طرقَ هذا الخبر على أن أجدَ أحدًا رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحدًا إلا أبا حازم، ويشبه أن يكون الرجلُ الذي قال الزهريُّ: حدثني مَن أَرْضى، عن سهل بن سعد؛ هو أبو حازم رواه عنه"(الصحيح 1173).

وتعقبه مغلطاي فقال: " وأما قول ابن حبان: لم أرَ أحدًا في الدنيا رواه عن سهل إلا أبا حازم؛ فيشبه أن يكون وهْمًا لما أسلفناه من تصريحِ الزهريِّ بسماعه من سهلٍ هذا الحديث"(شرح ابن ماجه 3/ 64).

(1)

كذا على الصواب، وتصحف في بعض النسخ وطبعة التأصيل إلى:"ميسرة بن إسماعيل"، والصواب المثبت كما في مصادر التخريج، وكذا هو المعروف في تلاميذ أبى غسان محمد بن مطرف، بل لا يُعرف أصلًا في الرواة من يسمى (ميسرة بن إسماعيل).

ص: 588

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "إنما رواه عن أبي حازم، عن سهلِ بنِ سعدٍ، وهو حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ بنقلِ العُدولِ والثقات له"(الاستذكار 1/ 550).

وقال الحازميُّ: "ويشبهُ أن يكونَ الزهريُّ أَخْذَهُ عن أبي حازمٍ عن سهلٍ، وعلى الجملةِ: الحديثُ محفوظٌ عن سهلٍ عن أُبيٍّ"(الاعتبار 1/ 193).

الوجه الرابع:

وهو ما ذكره ابنُ رجبٍ بقوله عن رواية عمرو بن الحارث: "وبتقدير أن يكون ذلك محفوظًا؛ فقد أخبر الزهريُّ أن هذا الذي حدَّثه يرضاه، وتوثيقُ الزهريِّ كَافٍ في قبولِ خبرِهِ"(فتح الباري 1/ 382). وانظر: (شرح ابن ماجه 3/ 62).

ولكن الصحيحُ: أن الراوي إذا وثَّقَ مَن رَوى عنه وأبهمه فلا يعتدُّ بتوثيقه؛ لاحتمال أن يكونَ ضعيفًا عند غيرِهِ، انظر:(نزهة النظر 1/ 99).

وأصحُّ منه أن يُقَالَ: إن الزهريَّ سمعه بواسطة عن سهل، ثم سمعه منه دون واسطة، كما قال ابن حجر، وسبقه إلى ذلك ابنُ حبانَ في (صحيحه 1169).

وقال ابن حجر: "وفي الجملةِ هو إسنادٌ صالحٌ لأنْ يحتج به، وهو صريحٌ في النسخِ"، (الفتح 1/ 397).

والحديثُ صَحَّحَهُ: الترمذيُّ، والطوسيُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والدارقطنيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والإسماعيليُّ، كما سبقَ ذِكرُهُ.

وممن صَحَّحَهُ أيضًا: النوويُّ في (المجموع 2/ 137)، وإليه مالَ مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 63، 64)، وابنُ حَجَرٍ كما سبقَ عنه، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 385).

ص: 589

هذا وقد روى صالحُ بنُ أبي الأخضرِ هذا الحديث عنِ الزهريِّ وأخطأَ فيه:

فرواه الطبرانيُّ في (الأوسط 2147)، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: نا محمد بن المثنى، قال: نا سعيد بن سفيان الجحدري، قال: نا صالح بن أبي الأخضر، عنِ الزهريِّ، عن عطاء بن يزيد، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ:((أَنَّ الفُتْيَا الَّتِي كَانَتْ تُفْتِي بِهَا الأنْصَارُ: المَاءُ مِنَ المَاءِ، رُخْصَةٌ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ)).

قال الطبرانيُّ: "لم يروه عنِ الزهريِّ عن عطاءٍ إلا صالح، ورواه أصحابُ الزهريِّ، عنِ الزهريِّ، عن سهلِ بنِ سعدٍ، وهو الصوابُ"(الأوسط 2147).

قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، بل منكرٌ؛ فيه: صالح بن أبي الأخضر، وهو:"ضعيفٌ" كما في (التقريب 2844).

وقد خالفَ أصحابَ الزهريِّ فجعله من حديثِ عطاءِ بنِ يزيدَ، بينما أصحاب الزهري الأثبات رووه عنِ الزهريِّ عن سهل، كما تقدم.

ص: 590

روايةُ

لِقِلَّةِ الثِّيَابِ:

• وَفي روَايَةٍ بلَفْظِ: ((إِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ لِقِلَّةِ الثِّيَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ)).

[الحكم]:

صحيحٌ دون قوله: ((لِقِلَّةِ الثِّيَابِ)).

[الفوائد]:

قد استشكلَ صاحبُ (عون المعبود) قولَهُ في الحديثِ: ((لِقِلَّةِ الثِّيَابِ))، فقال: "هكذا في عامَّةِ النُّسخِ

جمع ثوب، والذي في (كشف الغمة):(الثَّبَات) بالباء الموحدة

لكن لم يظهرِ المعنى على ما في عامة النسخ، ولم يفهم تعليل الرخصة بقلة الثوب، اللهم إلا أن يقال: إنهم كانوا في بدء الإسلام محتاجين، لم يكن عندهم كثير من الثياب

، فلو كان الدخول بلا إنزال موجبًا للاغتسال في ذلك الزمان لتحرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولوقعوا في المشقة العظيمة؛ لأن من له ثوب واحد لو اغتسل كل مرة من الدخول مُنْزِلًا وغير مُنْزِلٍ لتحمل المشقة الكثيرة، وعلى النسخة التي في (كشف الغمة) معناه ظاهر، فإن الناس كانوا في أوائل الإسلام ضعيفي الإيمان قليلي الاستقامة والثبات في أمور الدين، ولم يعرفوا كثيرًا من أحكام الشرع، فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم تخفيفهم بذلك، والله أعلم"، (عون المعبود 1/ 249).

قلت: لا يُقضى بالخطأ على عامة النسخ-كما ذكر-من أجل ما في (كشف الغمة) خاصة، وأنه ورد هكذا بلفظ:((الثِّيَابِ)) في المصادر الأخرى، وفي رواية أحمد:((لِقِلَّةِ ثِيَابِهِمْ))، والوجه الذي ذكره من تحمل المشقة فيه تكلفٌ واضحٌ، والصوابُ: أن هذه الجملة لا تصحُّ سندًا ولا

ص: 591

متنًا، فلا حاجةَ للتكلف في تأويلها، والله أعلم.

[التخريج]:

[د 213 (واللفظ له) / حم 21105/ هق 791/ ناسخ 5/ علحم 5780].

[السند]:

رواه أبو داود، عن أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو-يعني: ابن الحارث-عن ابن شهاب، حدثني بعض مَنْ أرضى: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره، أن أُبيَّ بنَ كعبٍ أخبرَهُ به.

ورواه الباقون من طريق عمرو بن الحارث، به.

[التحقيق]:

هذا سندٌ ضعيفٌ؛ لإبهام الراوي عن سهلٍ، وقد خُولِفَ فيه عمرو بن الحارث، فقد تقدَّمَ أن أصحابَ الزهريِّ رووه عنه عن سهلٍ به، وصرَّحَ في بعضِ طرقه بسماعه منه، وتقدَّمَ أيضًا: أن أبا حازم رواه عن سهلٍ، به.

وقد قال بعضُهُم: بأن هذا الذي أبهمه الزهري ورضيه هو: أبو حازم، ولكن كلا الطريقين -طريقِ الزهريِّ عن سهلٍ، وطريقِ أبي حازم عن سهلٍ- لم يرد فيهما هذه الزيادة التي لا وجه لها وهي قوله:((لِقِلَّةِ الثِّيَابِ))، فالحديثُ صحيحٌ بدونها.

ص: 592

روايةُ ثُمَّ أُمِرْنَا بالغُسْلِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا مَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ:

• وَفي روَايَةٍ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -لَم يُذكَرْ فِيهِ أُبيٌّ- قَالَ: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الأَنْصَارِ: المَاءُ مِنَ المَاءِ، رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ أُمِرْنَا (أَخَذْنَا) بالغُسْلِ [بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا مَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ])).

[الحكم]:

صحيحٌ، وإنما أخذه سهل من أُبيِّ، كما سبقَ في الروايةِ الأُولى.

[التخريج]:

[خز 243 (واللفظ له) / طب (6/ 121/ 5696) / عب 960 (والرواية والزيادة له) / ش 957/ هقع 1365/ عتب (صـ 32) / شف 101/ سرج 1381، 1382، 1507، 1508].

[السند]:

رواه عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن سهلِ بنِ سعدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، والمحفوظُ فيه: عن سهلٍ، عن أُبيِّ بنِ كعبٍ كما سبقَ، وانظر (الإمام 3/ 29)، و (شرح ابن ماجه 3/ 62)، وهذا مُرسلُ صحابِيِّ ولا خلافَ بينَ أهلِ العلمِ على قبولِهِ.

ص: 593

2848 -

حديثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ:

◼ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ -وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا-، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ يُفْتِي النَّاسَ فِي المَسْجِدِ، -قَالَ زُهَيرٌ

(1)

فِي حَدِيثِهِ: النَّاسَ بِرَأْيِهِ- فِي الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ، فَقَالَ: أَعْجِلْ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، أَوَ قَدْ بَلَغْتَ أَنْ تُفْتِيَ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْيِكَ؟ قَالَ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي عُمُومَتِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَيُّ عُمُومَتِكَ؟ قَالَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، -قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَبُو أَيُّوبَ، وَرِفَاعَةُ بنُ رَافِعٍ-، فَالتَفَتُّ إِلَى مَا يَقُولُ هَذَا الفَتَى، -وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي حَدِيثِهِ: مَا يَقُولُ هَذَا الغُلَامُ؟ -، فَقُلْتُ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَسَأَلْتُمْ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: ((كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِهِ، فَلَمْ نَغْتَسِلْ))، قَالَ: فَجَمَعَ النَّاسَ، وَأَصْفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ المَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ المَاءِ، إِلَّا رَجُلَيْنِ: عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، قَالَا:((إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ)) قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذَا أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ:((لَا عِلْمَ لِي))، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ:((إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ، وَجَبَ الغُسْلُ)) قَالَ: فَتَحَطَّمَ عُمَرُ، -يَعْنِي: تَغَيَّظَ-، ثُمَّ قَالَ:((لَا يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا فَعَلَهُ، وَلَا يَغْتَسِلُ، إِلَّا أَنْهَكْتُهُ عُقُوبَةً)).

[الحكم]:

صحيحٌ بطرقِهِ، وأصلُ القصةِ في (الصحيح) بغيرِ هذا اللفظ.

(1)

أحد رواة الحديث عن ابن إسحاق، وهو زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ الْجعْفِيّ الْكُوفِي ..

ص: 594

[اللغة]:

((عَقَبِيًّا)): أي: ممن شهد بيعة العقبة.

((بَدْرِيًّا)): أي: ممن شهد غزوة بدر.

[الفوائد]:

قال الحافظُ ابنُ رَجبٍ: "وفي روايةٍ: أن سعيدَ بنَ المسيبِ، قال: سمعتُ عمرَ بنَ الخطابِ على المنبرِ، يقول:((لَا أَجِدُ أَحَدًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، إِلَّا عَاقَبْتُهُ)). وقد قال عمر هذا بمحضر من المهاجرين والأنصار، ولم يخالف فيه أحد.

والظاهرُ: أن جميعَ من كان يخالف فيه من الأنصار رجع عنه، ورأسهم: أُبيُّ بنُ كعبٍ، وزيد بن ثابت، ومن المهاجرين عثمان بن عفان.

وفي رجوعِ أُبيِّ بنِ كعبٍ، وعثمان بن عفان مع سماعهما من النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك: دليل على أنه ظهر لهما أن ما سمعاه زال حكمه، واستقر العمل على غيره.

وعامة من رُوي عنه: ((إِنَّ الماءَ مِنَ الماءِ)) رُوي عنه خلاف ذلك، والغسل من التقاء الختانين، منهم: عثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأُبي بن كعب، ورافع بن خديج.

وهذا يدلُّ على رجوعهم عما قالوه في ذلك؛ فإن القولَ بنسخِ: ((الماء من الماء)) مشهورٌ بين العلماء، ولم يقلْ أحدٌ منهم بالعكس.

وقد روتْ عائشةُ، وأبو هريرة، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ((الغسل بالتقاء الختانين)).

وقد رُوي ذلك-أيضًا-من رواية عبد الله بن عمرو، ورافع بن خديج،

ص: 595

ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وأبي أمامة وغيرهم، إلا أن في أسانيدِها ضعفًا، وفي حديث رافع: التصريحُ بنسخِ الرخصةِ أيضًا.

أعلم؛ أن هذا الضعفَ إنما هو في الطرقِ التي وصلتْ إلينا منها هذه الأخبار، فأما المجمع الذي جمع عمر فيه المهاجرين والأنصار، ورجع فيه أعيان مَن كان سمعَ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الرخصةَ، فإنهم لم يرجعوا إلا لأَمْرٍ ظهرَ لهم في ذلك الجمع وبعده، وعلموه وتيقنوه، وإن كانت تفاصيله لم تنقل إلينا، واستقرَ من حينئذٍ العمل على (الغسل من التقاء الختانين)، ولم يصحَّ عن أحدٍ من الصحابةِ بعد ذلك إظهار الفُتْيَا بخلافه، فوجبَ اتباع سبيل المؤمنين، والأخذ بما جمع عليه الأمةَ أميرُ المؤمنينَ، والرجوع إلى مَنْ رجعت إليه الصحابة في العلم بهذه المسألة؛ وهي أم المؤمنين.

والمخالف يُشَغِّبُ بذكر الأحاديث التي رجع عنها رواتها، ويقول: هي صحيحةُ الأسانيدِ، وربما يقول: هي أصحُّ إسنادًا من الأحاديث المخالفة لها. ومن هنا: كره طوائفُ من العلماءِ ذكر مثل هذه الأحاديث والتحديث بها؛ لأنها تورثُ الشبهةَ في نفوسِ كثيرٍ من الناسِ" (فتح الباري 1/ 387 - 388).

[التخريج]:

[حم 21096، 21097 (واللفظ له) / ش 952/ صبغ 676/ طح (1/ 58) / مشكل (5/ 117)، 3965/ طحق 1527].

[السند]:

رواه أحمدُ، عن يحيى بن آدم، قال: حدثنا زهير، وابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حبيبة

(1)

، عن

(1)

كذا عند أحمدَ، والطحاويِّ، والطبرانيِّ، ووقع عندَ ابنِ أبي شيبةَ "مَعمَر بن أَبي حُيَيَّة"، وصوابُهُ: ابنُ أَبي حُيَيَّة، قاله الدارقطنيُّ في (المؤتَلِف والمُختلف 2/ 876)، والذهبيُّ في (المشتبه صـ 214)، وابنُ ناصرِ الدينِ في (توضيح المشتبه 3/ 96)، وقال ابنُ ماكولا:"ومن قال فيه: ابنُ أَبي حَبِيبةَ فقد غَلِطَ"(الإكمال 3/ 120)، وأقرَّهُ ابنُ حَجَرٍ في (تبصير المُنتبه 1/ 407).

ص: 596

عبيد بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، به.

ومداره عندهم على ابن إسحاق به.

[التحقيق]:

هذا سندٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير ابن إسحاق، فصدوقٌ، ولكنه مدلِّسٌ، وقد عنعنَ، إلا أنه لم ينفردْ به؛ فقد تابعه الليثُ، وابنُ لهيعةَ، عن يزيدَ به، كما سيأتي ذكرُهُ قريبًا.

إلا أنهما -أي: الليث، وابن لهيعة- جَعَلَاهُ من حديثِ عُبيدِ بنِ رفاعةَ، لم يذكرا فيه أَبَاهُ، والظاهرُ من مجموعِ الرواياتِ: أن عُبيدًا كان في مجلسِ زيدٍ حين حَدَّثَ، وكان أبوه رفاعةُ عندَ عمرَ حينَ أَرْسَلَ إلى زيدٍ، فَحَدَّثَ عبيدٌ بما رآه وسمعه في مجلسِ زيدٍ، وأَخَذَ عن أبيهِ ما رآه وسمعه وقاله في مجلسِ عمرَ، والله أعلم. كما قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (موافقة الخبر الخبر 1/ 97).

وقد ذكر ابنُ حَجرٍ أنه اختُلِفَ فيه على الليثِ أيضًا، فقال:"فرُوِيَ عنه بإسنادٍ عن عُبيدِ بنِ رفاعةَ، عن أبيه، وهو الصوابُ"(تهذيب التهذيب 7/ 65).

وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، والطبرانيُّ في (الكبير)، ورجالُ أحمدَ ثقاتٌ، إلا أنَّ ابنَ إسحاقَ مدلسٌ، وهو ثقةٌ، وفي (الصحيح) طرفٌ منه" (مجمع

ص: 597

الزوائد 1439).

وحَسَّنَهُ الحافظُ في (موافقة الخبر الخبر 1/ 97).

روايةُ فَإِذَا لَمْ نُنْزِلْ لَمْ نَغْتَسِلْ:

• وفي روايةٍ: عَنْ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:((كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا لَمْ نُنْزِلْ لَمْ نَغْتَسِلْ)).

[الحكم]:

صحيح بطرقه.

[التخريج]:

[بز 3730/ طب (5/ 42/ 4537)].

[السند]:

رواه البزار، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقيِّ، قال: نا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن عبد الله بن أبي حبيبة، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، به.

ورواه الطبرانيُّ من طريق عبد الله بن إدريس، وعبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، به.

قال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا يرويه بأحسن من هذا الإسنادِ، ولا نعلمُ معمر بن أبي حبيبة أسند عن عبيد غير هذا الحديث".

[التحقيق]:

تقدَّمَ الكلامُ عليه في الروايةِ السابقةِ.

ص: 598

روايةُ فَلَمْ يَأْتِنَا فِيهِ مِنَ اللَّهِ تعالى تَحْرِيمٌ:

• وفي روايةٍ: عَنْ رِفَاعَةَ رضي الله عنه، قال: إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَفْتَى عَلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ: أَوَ كُنتُم تَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ ثُمَّ أَكْسَلَ لَمْ يَغْتَسِلْ؟.

قَالَ: قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأْتِنَا فِيهِ مِنَ اللَّهِ تعالى تَحْرِيمٌ، وَلَمْ يَكُنْ فيه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهْيٌ".

[الحكم]:

صحيحٌ بطرقِهِ.

[الفوائد]:

الأُولى: قوله: ((وَلَمْ يَأْتِنَا فِيهِ مِنَ اللَّهِ تعالى تَحْرِيمٌ))؛ أي: في القرآن، ولا يلزم نفيه بالكليةِ إذا ثبتَ عنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ذلكَ.

الثانيةُ: قوله: ((وَلَمْ يَكُنْ فيه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهْيٌ))، وذلك بحسب ما بلغه منَ العلمِ، وقد ثبتَ وجوبُ الغُسْلِ من التقاءِ الختانينِ من طرقٍ عنِ الصحابةِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلا يضرُّ عدمُ بلوغِ الحكمِ أحدًا إذا عَرَفَهُ آخرون؛ إذ العمدةُ ثبوتُهُ من أيِّ وجهٍ كانَ.

الثالثةُ: فيه دلالةٌ أن الحُكْمَ من اللهِ ومن رسولِهِ سواءٌ.

الرابعةُ: أنه قد يفوتُ العَالِمُ بعضَ العلمِ؛ فالسعيدُ من تتبع العلم وجمعه، لا مَنْ رَكَنَ إلى عالمٍ واحدٍ وقلَّدَهُ.

[التخريج]:

[مش (مط 186/ 1)، (خيرة 658/ 1)].

ص: 599

[السند]:

رواه ابنُ أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن ابن إسحاق به.

[التحقيق]:

تقدم الكلام عليه.

ص: 600

2849 -

حديثُ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ:

◼ عَنْ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُصُّ، فَقَالَ فِي قَصَصِهِ:((إِذَا خَالَطَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ، فَلَمْ يُمْنِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ائْتِنِي بِهِ لأَكُونَ عَلَيْهِ شَهِيدًا، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، أَنْتَ تُضِلُّ النَّاسَ بِغَيْرَ عِلْمٍ؟ ! ، قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَمَا وَاللهِ مَا ابْتَدَعْتُهُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَامِي، قَالَ: أَيُّ أَعْمَامِكَ؟ قَالَ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ رِفَاعَةُ -وَكَانَ حَاضِرًا-: لَا تَنْهَرْهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَدْ كُنَّا وَاللهِ نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يَصْلُحُ، [وَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يَصْلُحُ] 1، فَقَالَ: مَنْ أَسْأَلُ بَعْدَكُمْ يَا أَهْلَ بَدْرٍ الأَخْيَار؟ ! فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَرْسِلْ إِلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: (لَا عَلِمَ لِي)، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ:(إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ)، [فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه عِنْدَ ذَلِكَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَعَلَهُ ثُمَّ لَمْ يَغْتَسِلِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا] 2.

ثُمَّ أَفَاضُوا فِي ذَكْرِ العَزْلِ، فَقَالُوا: لَا بَأْسَ، فَسَارَّ رَجُلٌ صَاحِبَهُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ المُنَاجَاةُ؟ أَحَدُهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا المَوْؤُودَةُ الصُّغْرَى، فَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: ((إِنَّهَا لَا تَكُونُ مَوْؤُودَةً حَتَّى تَمُرَّ بِسَبْعِ تَارَاتٍ، قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةَ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةَ

ص: 601

فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأَنْاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 13]))، فَتَفَرَّقُوا عَلَى قَوْلِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ)).

[الحكم]:

صحيحٌ بطرقِهِ، دون الزيادة الأخيرة في ذكرِ العزلِ.

[التخريج]:

[مع (مط 186/ 4) (خيرة 658/ 2) (مختصرًا والزيادة الأولى له) / طب (5/ 42/ 4536) (واللفظ له) / طح (1/ 58) (والزيادة الثانية له)].

[السند]:

رواه الطبرانيُّ، عن مطلب بن شعيب، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد به.

ومداره عندهم عن يزيد به.

[التحقيق]:

هذا سندٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير ابن صالح؛ فقد تكلَّموا فيه، وقال الحافظُ:"صدوقٌ، كثيرُ الغلطِ، ثبتٌ في كتابِهِ، وكانتْ فيه غفلةٌ"(التقريب 3388)، وقد تفرَّدَ بزيادةِ العزلِ في آخرِ الحديثِ، أما باقي الحديث فقد توبع عليه:

فرواه ابنُ مَنيعٍ كما في (المطالب)، عن يحيى بن سعيد، عن الليث، به مختصرًا.

وسندُهُ صحيحٌ.

ورواه الطحاويُّ، عن صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

ص: 602

وهذا سندٌ حسنٌ في (المتابعات)؛ صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث؛ محله الصدق كما في (الجرح والتعديل 4/ 408)، ورواية المقرئ -وهو من العبادلة- عن ابن لهيعة أعدل من غيرها.

ص: 603

2850 -

حديثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ:

◼ عَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ، فَنَادَاهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَمَشَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى المَسْجِدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ أَثَرُ الغُسْلِ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ نِدَاءَكَ وَأَنَا أُجَامِعُ امْرَأَتِي، فَقُمْتُ قَبْلَ أَنْ أَفْرُغَ فَاغْتَسَلْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ:((إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ وَجَبَ الغُسْلُ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ: ابنُ عَدِيٍّ، وابنُ طاهر، والضياءُ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ رَجبٍ، والزيلعيُّ، ومغلطاي، وابنُ أبي العز الحنفيُّ، وابنُ الملقنِ، والهيثميُّ، والعينيُّ، والشوكانيُّ، والمباركفوريُّ.

وهذه القصةُ إنما صحتْ مع عتبانَ بنِ مالكٍ، خرَّجه مسلمٌ من حديثِ أبي سعيدٍ كما سبقَ، وقوله: ((إِذَا جَاوَزَ

)) إلخ. صَحَّ من حديثِ عائشةَ، وقد سبقَ أيضًا.

[التخريج]:

[طب (4/ 267/ 4374) / طس 6513 (واللفظ له) / ناسخ 27/ عد (4/ 578) / غو (1/ 378) / إمام (3/ 32)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية التالية:

ص: 604

روايةُ لَا عَلَيْكَ؛ المَاءُ مِنَ المَاءِ:

• وفي روايةٍ بلفظِ: نَادَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي، فَقُمْتُ وَلَمْ أُنْزِلْ، فَاغْتَسَلْتُ، وَخَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي، وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي فَقُمْتُ وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْتُ [وَخَرَجْتُ]. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا عَلَيْكَ؛ المَاءُ مِنَ المَاءِ)).

قَالَ رَافِعٌ: ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِالغُسْلِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[حم 17288 (واللفظ له) / عتب (صـ 32، 33) (والزيادة له)].

[التحقيق]:

حديث رافع هذا له طريقان:

الطريقُ الأولُ:

رواه أحمدُ -ومن طريقه الحازمي-، قال: ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا رشدين بن سعد، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن بعض ولد رافع بن خديج، عن رافع بن خديج، به.

وولد رافع هذا هو سهل بن رافع، كما بين ذلك أبو الطاهر بن السرح:

فرواه الطبراني، وابن عدي: من طريق أبي الطاهر بن السرح، ثنا رشدين بن سعد، عن موسى بن أيوب، عن سهل بن رافع بن خديج، عن أبيه، به.

ورواه ابن بشكوال من طريق رشدين بن سعد، به.

وهذا سندٌ ضعيفٌ؛ فيه: رشدين بن سعد؛ ضَعَّفَهُ الأئمةُ، ولا يعتبرُ به عند

ص: 605

بعضِهِم. (تهذيب التهذيب 3/ 277).

والحديثُ عَدَّهُ في مناكيرِهِ ابنُ عَدِيٍّ، وتبعه ابنُ طاهرٍ في (ذخيرة الحفاظ 2075)، فَضَعَّفَ الحديثَ به، وكذا ضَعَّفَهُ من هذا الطريق: الضياءُ في (السنن والأحكام 467)، والهيثميُّ في (مجمع الزوائد 1432، 1438)، والعينيُّ في (البناية 1/ 329).

وحَسَّنَهُ الحازميُّ فقال: "هذا حديثٌ حسنٌ، وقد ذكرنا حديثَ عائشةَ، وسؤال أبي موسى، وحديث أبي هريرة، وهي أحاديث صحاح تشدُّ هذه الآثار"(الاعتبار 1/ 194).

وتَعَقَّبَهُ ابنُ دَقِيقٍ فقال: "كذا قال! وفيه رشدينُ، فإن استمرَّ على استحسانِ روايةِ رشدينَ، فبعضُ ولدِ رافع بن خديج في هذه الرواية مجهولُ العينِ والحالِ، ومن كان كذلك فكيف يمكنه أن يحكم بحسن روايته وهو عنده مجهولٌ؟ ! "(الإمام 3/ 32).

وتَعَقَّبَهُ مغلطاي بقوله: "وفيه نظر؛ لأن روايةَ رشدينَ وحديثَهُ لا يحسن وفيه رجلٌ لم يسمه فهو منقطعٌ"(شرح ابن ماجه 3/ 48).

وأيضًا الزيلعيُّ حيثُ قَالَ: "وهذا فيه نظرٌ، فإنَّ فيه رشدينَ بنَ سعدٍ أكثر الناس على ضَعْفِهِ. وبعض ولد رافع مجهول العين والحال، وحديث يشتمل سنده على ضعيف ومجهول كيف يكون حسنا؟ ! "(نصب الراية 1/ 88).

وقال الشوكانيُّ: "حَسَّنَهُ الحازميُّ وفي تحسينِهِ نظر؛ لأن في إسنادِهِ رشدينَ وليسَ من رجالِ الحسنِ"(نيل الأوطار 1/ 280).

وقال المباركفوريُّ: "الأمرُ كما قال الشوكانيُّ"(تحفة الأحوذي 1/ 306).

ص: 606

الطريقُ الثاني:

رواه ابنُ شاهينَ من طريقِ يحيى بنِ بكير، عنِ ابنِ لهيعةَ، عن موسى بنِ أيوبَ، عن سَهْلٍ، به.

وهذا سندٌ ضعيفٌ؛ فيه: ابنُ لهيعةَ؛ وهو ضعيفٌ، وكان يتلقن، فلعلَّهم لقَّنوه إيَّاهُ وليس من حديثِهِ.

والحديثُ ضَعَّفَهُ غيرُ مَن تَقَدَّمُوا: ابنُ رَجبٍ في (فتح الباري له 1/ 388)، وابنُ أبي العز الحنفيُّ في (التنبيه على مشكلات الهداية 1/ 307)، وابنُ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 517).

* * *

ص: 607

2851 -

حديثُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:

◼ عنِ الزهريِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ عَنِ الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ، قَالَ: عَلَى النَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا بِالآخِرِ، وَالآخِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ؛ ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالغُسْلِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وقوله:((قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ)) منكرٌ، وأشارَ إلى نَكَارِتِهِ: العقيليُّ، والحازميُّ، ومغلطاي.

[الفوائد]:

قوله: ((

بِالآخِرِ، وَالآخِرُ

)) أي: آخر ما كان من أَمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يشيرُ بذلك إلى أنَّ آخرَ ما كان منه وجوبُ الغُسْلِ من التقاءِ الختانينِ.

[التخريج]:

[حب 1176 (واللفظ له) / قط 457/ ناسخ 28/ عتب (صـ 34، 35) / فقط (أطراف 56) / عق (1/ 471) مختصرًا].

[السند]:

أخرجه العقيليُّ في (الضعفاء)، قال: حدَّثناه يوسف بن موسى المروذي، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثني عتاب بن زياد المَروزي، قال: حدثنا أبو حمزة السكري-واسمه: محمد بن ميمون-، قال: سمعت الحسين بن عمران يحدث عنِ الزهريِّ، عن عروة قال: حدثتني عائشة، به.

وأخرجه ابنُ حبانَ: من طريق عثمان بن جبلة، عن أبي حمزة السكري، عن الحسين، به

(1)

.

(1)

إلا أنه تحرف اسم (الحسين بن عمران) في بعض نسخ (صحيح ابن حبان) إلى (بن عثمان)، والصواب:(بن عمران)، كما جاء في بقية المصادر، وكذا ترجم له العقيلي وغيره، وكذا جاء على الصواب في نسخة (التقاسيم والأنواع 5807) من (صحيح ابن حبان)، وكذا في (موارد الظمآن 230). وانظر:(إتحاف المهرة 17/ 171).

ص: 608

ومداره عندهم على أبي حمزة السكري، به.

وقال الدارقطنيُّ: "غريبٌ من حديثِ الزهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ، تَفَرَّدَ به الحسينُ بنُ عمرانَ عنه، ولم يروه عنه غير أبي حمزة السكريِّ"(أطراف الأفراد).

[التحقيق]:

هذا سندٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير الحسين بن عمران هذا؛ فمختلفٌ فيه: وَثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 1176، وذكره أيضًا في (الثقات 6/ 207)، وقال الدارقطنيُّ:"لا بأس به"(الميزان 2036)، وقال البخاريُّ:"لا يُتابعُ في حديثِهِ، وقال أبو ضمرة: حدثنا حسين بن عمران، عنِ الزهريِّ، مناكير"(التاريخ الكبير 2/ 387).

وذكره العقيليُّ في (الضعفاء 1/ 471) وذكرَ كلامَ البخاريِّ السابق، ثم أسندَ له هذا الحديث، وقال:"والحديثُ ثابتٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغُسْلِ لالتقاءِ الختانينِ، عن عائشةَ وغيرها، ولا يُحْفَظُ هذا اللفظُ عن عائشةَ، إلا في هذا الحديثِ".

ولخَّصَ الحافظُ حالَ الحسينِ، فقال:"صدوقٌ يهمُ"(التقريب 1338).

قلنا: ومثله لا يحتمل هذا التفرد عنِ الزهريِّ؛ فأينَ أصحابُ الزهريِّ عن هذا الحديثِ؟ وقد قال مسلمٌ مُمثلًا للحديثِ المنكرِ: "فأما مَنْ تراه يَعْمدُ

ص: 609

لمثلِ الزهريِّ في جلالتِهِ وكثرةِ أصحابِهِ الحفَّاظِ المتقنينَ لحديثِهِ وحديثِ غيرِهِ، أو لمثلِ هشامِ بنِ عروةَ، وحديثهما عند أهلِ العلمِ مبسوطٌ مشترك

فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحدٌ من أصحابهما، وليسَ ممن قد شاركهم في الصحيحِ مما عندهم، فغيرُ جائزٍ قبولُ حديثِ هذا الضربِ منَ الناسِ، والله أعلم" (مقدمة صحيحه 1/ 6).

وقال الحازميُّ: "هذا حديثٌ قد حَكم أبو حاتم بنُ حِبَّانَ بصحته، وأخرجه في (صحيحه)، غير أن الحسين بن عمران قد يأتي عنِ الزهريِّ بالمناكيرِ، وقد ضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ من أصحابِ الحديثِ"، وأشارَ إلى ما في متنِ الحديثِ من نَكارةٍ، فقال:"وعلى الجملةِ الحديث بهذا السياقِ فيه ما فيه"، ثم قال:"ولكنَّه حسنٌ جيدٌ في الاستشهادِ"(الاعتبار صـ 34).

يعني: الاستشهاد به على أصلِ المسألةِ، وهي النسخ، وبهذا صرَّحَ مغلطايُ في (شرح ابن ماجه 3/ 60)، وذلك بعد قوله:"وهو حديثٌ لا حجةَ به، لضعفِ راويه الحسينِ بنِ عِمرانَ"، وذكر كلامَ التابعيِّ، والعقيليِّ.

وتعقب الحازمي قوله (ضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ) فقال: "ولم أرَ أحدًا فيما أعلم أساءَ عليه الثناء غير مَن ذكرتُ". اهـ.

وكذا تعقبه قبله ابن دقيق العيد، فقال:"بل لو قيلَ: ليس فيه جزمٌ بالتضعيفِ لم يبعدْ ذلك"(الإمام 3/ 31).

* * *

ص: 610