الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمدان خوجة بعد نفيهما من الجزائر، وقد تكون هناك علاقات ودية بينه وبين مصطفى بن الكبابطي الذي لحقه منفيا إلى الإسكندرية. ولعل له غير ذلك من المراسلات مع غير هذا وذاك. وقد أبى أحد الشعراء المصريين، وهو محمد عاقل صاحب ديوان (لسان الشباب)، إلا أن يؤرخ وفاة ابن العنابي في الإسكندرية بقوله (وأرخت وفاة الشيخ الجزائري مفتي الإسكندرية المتوفي 267 بقولي (اليوم رمس مفتي إسكندرية)(78).
شخصيته:
وقد اختلفت الآراء حول شخصية ابن العنابي. فقد عرفنا وصف تلاميذه من كونه شخصا يتبرك به ويرام الثواب عنده. وجاء في نسخة (السعي المحمود) التي سندرسها أنه (شيخنا وأستاذنا العالم الرباني).
ووصفه السقا في (بلوغ المقصود)(بكشاف الحقائق، ومنبع الرقائق والدقائق، شيخنا المحفوف باللطف الخفي الخ). وتوافق هذه الأوصاف المصطبغة بالمشاعر الدينية والصوفية الأوصاف التي أطلقها عليه معاصره ومواطنه حمدان بن عثمان خوجة، وهو رجل سياسي واقتصادي. فقد لاحظ خوجة على تكليف الباشا للمفتي (إذ صح أنه ابن العنابي) بالدعوة إلى الجهاد إبان الحملة الفرنسية بأن المفتي كان رجلا صالحا وعادلا ولكنه لم يكن محاربا (79) ويتفق هذا الحكم تقريبا مع حكم ديرينو الفرنسي المعاصر له أيضا (80) وعندما حل بتونس، قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر بوقت قصير، خلعت عليه ألقاب علمية كبيرة واستقبله حاكم البلاد استقبالا حارا. وقد ظلت المراسلات تشير، حتى عشية وفاته وبعد نفيه من بلاده، إلى مكانته العالية وتأثيره في الأوساط العلمية والسياسية.
(78) ديوان (لسان الشباب) - مخطوط - تيمور، رقم 1264 - شعر - ص 199.
(79)
خوجة، ص 198.
(80)
ديرينو، ص53.
وعندما تقرر نفي ابن العنابي من الجزائر كتب خوجة (كان المفتي سيدي محمد العنابي رجلا نزيها وفاضلا
…
كان يكتب دائما إلى كلوزيل يلومه على تصرفاته التي كانت تبدو له مخالفة لوثيقة الاستسلام) (81) وقد عرفنا أنه كان محل ثقة لبعض دايات الجزائر الذين كلفوه بسفارة للمغرب واستكتبوه لباي تونس، كما أصبح محل ثقة محمد على الذي عينه مفتي الحنفية بالإسكندرية (82) وقد قال فيه عبد الحميد بك في تاريخه:(كان إماما فاضلا عارفا بالعبادات والأحكام في المذاهب الأربعة على اختلافها واختلاف أقوالها والراجح منها والضعيف فيها، وعالما في باقي المنقول والمعقول، والسياسات العمومية والخصوصية، الخارجية والداخلية).
وهكذا يتضح أن ابن العنابي كان شخصية مرموقة بين قومه في عصره. ويمكن تقسيم دوره إلى ديني وسياسي. فالدور الديني لعبه وهو يباشر وظيفة الإفتاء ويتصدر للتدريس ويمنح الإجازات لتلاميذه والمعجبين بعلمه. أما الدور السياسي فيتمثل في صلته بدايات الجزائر وفي موقفه من الاحتلال الفرنسي لبلاده وفي إشادته بدولة آل عثمان (سنعرف هذا منه) وتوليه وظيفة الإفتاء بمصر باعتباره عالما منفيا لأسباب سياسية.
ويضاف إلى ذلك دوره الفكري، وهو الذي يظهر فيما طرحه في كتابه (السعي المحمود) من آراء في الحضارة الغربية وضرورة أخذ المسلمين منها ما يرقيهم وينسجم مع شريعتهم. وإذا كنا قد تعرضنا إلى دوره الأول والثاني فقد بقي علينا أن ندرس دوره الثالث.
(81) خوجة، ص 259. أيضا ديرينو، ص 155 - 156، وسعد الله، ص 69 - 71.
(82)
احتضنت مصر مند القديم علماء الجزائر، ومنهم أحمد المقري صاحب (النفح) ويحي الشاوي، وأقام فيها ابن عمار، والمقايسي، وبراس- وفي العهد الفرنسي ابن العنابي والكبابطي. وهناك غيرهم كثيرون، سيما مند فاتح القرن الحالي.