الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
مقدمة كتاب (السعي المحمود في نظام الجنود)
(1)
يا من يؤيد بنصره من يشاء، وله العزة والجبروت والكبرياء، أحمدك على ما أوليت من الآلاء، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء، وعلى آله وصحبه الأتقياء الأحفياء.
أما يعد يقول العبد المستمد من الفيض الوهابي، محمد بن محمود الجزائري بن العنابي، انه لما حدث في هذه الأعصار الآخرة، تطاول طغاة الأمم الكافرة، بترتيب أجنادهم على طريقة محكمة ابتدعوها، وتدريبهم على فنون حيل اخترعوها، قصدا لمكيدة الإسلام وأهله، وسعيا في استباحة حماه وتمزيق شمله - خيب الله آمالهم، وأكذب ظنونهم، وأبطل أعمالهم - عظم الخطب في تفريق نظامهم، وتفاني الحماة دون نيل مرامهم، فدعت ضرورة الحال إلى استعلام ذلك من قبلهم، والتدرب على ما ألفوا من صنايعهم وحيلهم، فرتبت العساكر الإسلامية على نحو من ذلك نظاما جديدا وصدر به من جانب السلطنة العلية - أدام الله تأييدها - أمرا أكيدا، وضيقت ملابس الجند، واختصرت، وفننت ألوانها، وقصرت. فاستكره ذلك أناس، وطرق أسماعهم من بعض متصلفة وسواس.
وقد جرى بيني وبين أفاضل الإخوان، في مجمع أنس جادبه الزمان، كلام علق منه بباله، فوجه إلي خطابه بكتابة جواب على منواله، تلزمني أن أسعفه بما
(1) المخطوط رقم 22 فنون حربية. مصورات معهد المخطوطات العربية ج 4 مأخوذ من مكتبة سوهاج (مصر) رقم 678.
رام، وأزيده بسطا يناسب المقام، فأقول في جوابه، متلذذا بتجديد خطابه.
اعلم أولا أنه قد عرف أن ترتيب نظام الجند على الوجه الذي ابتدعه الكفرة يحصره أمران أحدهما أمور حربية والثاني أمور سياسية. فنرتب الجواب على مقصدين، ونذيله بخاتمة، مستعينين بحوله تعالى وقوته.
المقصد الأول في الأمور الحربية ونعني بها كل ما أنتج قوة محسوسة أو معقولة على دفاع الأعداء وإرهابهم وإغاظة نفوسهم وإتعابهم. فكل هذه المعاني أمور شرعية، لأن فيها إذلال الكفر وعز الإسلام وعلو كلمته وأنه المقصود الأعظم من شرعية الجهاد بإشارة قوله تعالى:{وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا} وقوله (ص)، فيما روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
فكل ما يفيد منفعة لها تعلق بإعزاز الدين ورفعة شأنه، مما اشتمل عليه النظام المستجد للكفرة، من ترتيب العساكر وتصنيفهم وحصر أعدادهم وتعديد قواتهم وعرفائهم وتسويم أصنافهم، وكبرائهم بخصوص لباس أو علامة وتضييق ملابسهم وتقصيرها وتعيين مواقفهم وعملهم وتخصيص كل فريق براية أو لواء ثم تدريبهم على عمل الحرب بتعليمهم كيفية الرمي والطعن والضرب وغير ذلك مما يقتضيه أمر الحرب من تصفيف وإغارة واجتماع وافتراق وإقدام وإحجام وكر وفر وركوب ونزول وظهور وكمون وتحريض وتثبيت ورفع صوت وخفضه ورد منهزم وحراسة، وغير ذلك مما قد تدعو إليه الحاجة - فهو أمر مشروع بالنظر لأصله لما ذكرنا ولاندراجه في عموم قوله تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} على ما نبينه.
واعلم أن هذه الآية الكريمة من أبدع جوامع كلم القرآن وأظهرها إعجازا لفظا ومعنى لانتظامها جميع الأدوات الحسية والمعنوية المورثة قوة ظاهرة أو باطنة تنتج إرهاب الأعداء وانطباقها على جميع ما حدث قبل نزولها، واستحدث بعده كالأدوات والأعمال البارودية المتأخرة عنه بنحو من ثمانمائة سنة، الباهرة
القوة حتى كأنها المقصودة بالذات، وغير ذلك من المعاني الفاضلة بأوجز عبارة وأوضح بيان. فإعجازها مما يشترك في معرفته الخاص والعام. فسبحان اللطيف الخبير. فقوله {أعدوا} أمر من الإعداد وهو تهيئة الشيء لوقت الحاجة. وضمير {لهم} للكفار على الإطلاق، لأنه الأنسب بسياق النظم الكريم، فعلى أمة الإسلام وأمرائه ما (كلمة غير مقروءة على الميكرو فيلم). مرتبهم من تنظيم الأجناد وانتخاب الرجال واستجلاب قلوبهم ببذل المستحق وإظهار العدل والمبرة والإحسان وتهيئة الأدوات والذخائر وتسديد الرأي في ذلك، وإعمال المشورة والاستعانة بذوي الصلاح والرأي في الأخذ بالمغرم (بالحزم؟) بترك الركون إلى السكون والدعة والتهاون بالأعداء وإن ضعفت شوكتهم.
وعلى المنتخبين لإقامة هذا المهم الشريف من رئيس ومرؤوس بذل ما يلزمهم من امتثال أمر السلطان والمسارعة إلى إجابته لذلك لأنه من فروض الكفايات وإنها تتعين إذا عينها الإمام لوجوب طاعته في المباح للنصوص التي جاءت بوجوب طاعته ما لم يأمر بمعصية فضلا عما هو فرض كفاية. وعليهم، مع ذلك، أن يطيبوا أنفسهم لامتثال أمره ويوفوا حق رتبته فإنه في نهوضه لهذا الأمر قائم بأمر الله نائب عنه سبحانه في تنفيذ أمره ونصرة دينه وإعلاء كلمته فأمره تبليغ لأمر الله وطاعته طاعة لله ورسوله فلا يلاحظ في مثل هذا الأمر إلا بالتعظيم ولا يقابل إلا بالثناء والتكريم.
والمراد من الطاعة المطلوبة شرعا الانقياد ظاهرا وباطنا بالامتثال ومدافعة الكراهة الطبيعية حتى لا تجره إلى غيبة أو بعض من عظم الله حرمته وجعل طاعته طاعته فيقع في كبيرة الغيبة ونفاق القلب ويخرج عن الطاعة المطلوبة منه. وعلى القاعدين الترغيب في ذلك والحث عليه لأنه من بواعث القوة وفيه فضيلة الدلالة على الخير.
وإنهم (الكفار) إذا ابتدعوا من أدوات الحرب وصنائعه أمرا له موقع لا نؤمن من اسطالتهم به علينا لزمنا بذل الوسع في تعلمه وإعداده لهم والاجتهاد في مجاوزتهم فيه، وإنه إذا لم يمكن استعلام ذلك إلا من قبلهم وجب استعلامه
منهم لأنه مستطاع لنا. وإنهم إذا أعدوا لنا صواعق البارود فأعددنا لهم القسى والمنجنيق اللذين صارا اليوم كالشريعة المنسوخة أو اقتصرنا على السيوف والبندقيات أو شمروا لنا الثياب فأعددنا للقائهم الثياب المجررة والأكمام المطولة والعمائم المكبرة لم نخرج عن عهدة الأمر ولزمنا الإثم والعار، فلا غرض الشارع حصلنا ولا سبيل الرجولية سلكنا.
***