الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ - كتابه (السعي المحمود في نظام الجنود)
نسخ الكتاب ودافع تأليفه:
النسخة التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة تحمل عنوان (السعي المحمود في نظام الجنود). ولكن تعدد النسخ من هذا الكتاب جعل عنوانه يتغير قليلا من نسخة إلى أخرى. ونفس العنوان تحمله نسختا إسطانبول (1)، وكذلك نسخة محمد بن عبد الكريم (2) أما بروكلمان فقد أورد كلمة (تأليف) بدل (نظام)(3)، وسار الزركلي في (الأعلام) على نفس النمط (4) وأورد عيسى إسكندر المعلوف أيضا كلمة (تأليف) بدل (نظام) نقلا عن نسخة الخزانة التيمورية (5) ولكننا اطلعنا على نسخة في الخزانة التيمورية فإذا عنوان الكتاب فيها هكذا (السعي المحمود في تأليف العساكر والجنود)(6) وانفردت المكتبة
(1) محمد بن عبد الكريم، مخطوطات جزائرية في مكتبات اسطنبول. دار مكتبة الحياة، بيروت 1972، ص 159. فقد ذكر له نسختين، الأولى بالمكتبة السليمانية، قسم شهيد علي باشا، رقم 1275، وتقع في182 صفحة. والثانية بنفس المكان، قسم أسعد أفندي، رقم 1885، وتقع في 140 صفحة.
(2)
من نسخة صور لي منها مشكورا صفحة العنوان. ولا أدري مصدرها، ولعلها صورة لإحدى النسختين المذكورتين في التعليق السابق (1).
(3)
بروكلمان، ملحق 2 ص 739.
(4)
الأعلام، 7، ص 311.
(5)
مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، م 3، (نوفمبر - ديسمبر 1923)، ص 364 - 365.
(6)
دار الكتب المصرية، الخزانة التيمورية، مخطوط رقم 1 ضمن مجموع، رقم 219.
البلدية بالإسكندرية إعطاء الكتاب عنوانا فيه تصرف كبير، فقد جاء في فهرسها أن لابن العنابي (رسالة في نظام العساكر الإسلامية)(7) ويبدو أن هذا عنوان وضعه صاحب الفهرس، وليس العنوان الأصلي للكتاب. أما إبراهيم السقا، تلميذ المؤلف، ومختصر الكتاب فقد جعل عنوان مختصره هكذا (بلوغ المقصود مختصر السعي المحمود في تأليف العساكر والجنود)(8)، وهذا العنوان لكتاب ابن العنابي ينسجم مع النسخة التيمورية التي اطلعنا عليها.
ويتبين مما سبق أن كتاب ابن العنابي قد تعددت نسخه وأنه سافر من مصر إلى اسطانبول. والغريب في الامر أننا لا نجد، حسب علمنا، نسخة منه في فهارس مخطوطات الجزائر. أما النسخة التي اعتمدنا عليها فهي نسخة سوهاج (مصر) المصورة لدى مكتبة معهد المخطوطات العربية بالجامعة العربية. وهي موجودة في قسم (فنون حربية وفروسية). أما في مكتبة سوهاج نفسها فالنسخة موضوعة في قسم (الأدب). ومقاسها 17 × 23 سم، وخطها رقعي جيد. وهي من نسخ السيد محمد الشربيني وبدون تاريخ، وعدد صفحاتها 120 صفحة (9) ولو كنا بصدد تحقيق هذه النسخة لقابلناها ببعض النسخ المشار إليها، ولكن هذا ليس من هدفنا الآن. ولذلك نكتفي منها بهذا التعريف القصير. وما دمنا قد اطلعنا على نسخة أخرى في المكتبة التيمورية فلنشر إلى أنها بخط رقعي جيد، ومنسوخة في جمادى الآخرة سنة 1268 (1852) أي سنة بعد وفاة المؤلف، ولا وجود فيها لاسم ناسخها، وتقع في 145 صفحة. وفيها أن المؤلف من علماء
(7) فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية، 4562 ج، والخطوط رقم 1 ضمن مجموع يحمل الرقم السابق، ونفس الشيء يقال عن نسخة تونس التي سماما واضع الفهرس بـ (كتاب في فن الجندية)، وهما من نسخ عمر الشريف سنة 1366، من 52 ورقة، رقم 3341، المكتبة القومية. تونس.
(8)
دار الكتب المصرية، الخزانة التيمورية، فروسية، رقم 31.
(9)
تحمل النسخة في مكتبة سوهاج رقم 678. أما في مصورات معهد المخطوطات العربية فتحمل رقم 22 في الجزء الرابع الخاص بالمعارف العامة والفنون المتنوعة. وعندي صورة منها على الميكروفيلم.
القرن الثالث عشر وأن الكتاب (في فضل الجهاد وجواز تنظيم الجند على النظام الجديد)(10) والملاحظ أنها، بالرغم من نسخها سنة 1268، فإن اسم المؤلف لا يقترن بعبارة (المرحوم).وبدلا من ذلك وردت معه عبارة (نفعنا الله ببركته). فهل معنى هذا أنه كان ما يزال عندئذ حيا؟
ولكن ما مكان وزمان تأليف هذا الكتاب؟ أما المكان فالغالب على الظن أنه القاهرة، لسببين:
الأول: أن اسم المؤلف في جميع النسخ يأتي مقرونا بعبارة (نزيل مصر القاهرة).
والثاني: أننا قد عرفنا أن ابن العنابي قد تصدر للتدريس في الأزهر وأجاز بعض العلماء في نفس التاريخ الذي ألف فيه الكتاب. ومعنى هذا أن المؤلف كتب كتابه في القاهرة أثناء إقامة بها دامت حوالي تسع سنوات. وأن ذلك كان قبل استيطانه الإسكندرية منفيا من الجزائر. وأما زمان تأليف الكتاب فمن المؤكد أنه سنة 1242 (1826) لأنه قد ضبط ذلك بنفسه بالحروف والأرقام. غير أن نسخة محمد بن عبد الكريم تضيف تاريخا محيرا (11)، فقد جاء في صفحة العنوان بعد ذكر اسم المؤلف (نزيل مصر القاهرة الموجود سنة 1245). فما معنى كلمة (موجود) هنا؟ هل تدل على كونه موجودا في القاهرة أو موجودا على قيد الحياة؟ ووجه الحيرة من هذا التاريخ هو أننا قد عرفنا أن ابن العنابي كان موجودا ضمن قائمة من تولى الإفتاء في الجزائر بعد سنة 1244. فكيف نوفق بين وجوده في القاهرة، مثلا، ووجوده في الجزائر؟ الواقع أنه لا جواب لدينا الآن على هذه النقطة (*).
إن عقد العشرينات من القرن الماضي يمثل نقطة تحول في تاريخ الدولة
(10) دار الكتب المصرية، الخزانة التيمورية، مخطوط رقم 1 ضمن مجموع، رقم 219.
(11)
من نسخة صور لي منها مشكورا صفحة العنوان، ولا أدري مصدرها، ولعلها صورة لإحدى النسختين المذكورتين في كتابه (مخطوطات جزائرية في مكتبات اسطانبول).
(*) انظر المدخل الجديد لهذه الطبعة ففيه الجواب على هذا السؤال.
العثمانية. فبالإضافة إلى المسألة الشرقية القديمة هناك الحروب ضد روسيا، وثورة اليونان، والثورة الوهابية، وتهديد محمد علي، وضياع الجزائر ولكن القضية التي تمس خاصة موضوع كتاب ابن العنابي هي ذلك النزاع الطويل والخطير الذي كان بين السلطان محمود الثاني وفرقة الإنكشارية، وهو النزاع الذي انتهى بالقضاء نهائيا على هذه الفرقة سنة 1826، وهى السنة التي ألف فيها ابن العنابي كتابه. وكان مصدر ذلك النزاع هو رغبة السلطان في إدخال النظم الأوربية الحديثة على جيشه بعد الهزائم التي مني بها على يد الروس خاصة، بينما كانت فرقة الانكشارية وأنصارها يعارضون ذلك أشد المعارضة بدعوى أنه مخالف للشريعة الإسلامية.
وإذا كان السلطان ما يزال عندئد يواجه هذه المعارضة في الأخذ بالنظم الأوربية فإن محمد علي كان قد تجاوز هذه المرحلة. وبدأت تظهر النتائج الإيجابية من تقليد الأوربيين في انتصاراته الخارجية وتقدم نظامه في الداخل. ومن ثمة وجد ابن العنابي الجو ملائما له في القاهرة ليكتب كتابه ويطرح أفكاره بحرية في قضية خطيرة عندئذ، كالتي تناولها في كتابه، وهي جواز، بل وجوب، تعلم الحضارة من الأوربيين (أو الكفار كما يسميهم). ولعل ذلك يفسر لنا انتقال نسختين من كتابه إلى عاصمة الدولة العثمانية التي كانت في حاجة إلى مثل رأيه، كما يفسر لنا تكليف محمد علي للسيد إبراهيم السقا باختصار (السعي المحمود) وجعله في متناول القراء، لأنه كتاب يساير الاتجاه الذي كان هو يعمل بمقتضاه.
وقد روى ابن العنابي في مقدمة كتابه هذه الظروف بشيء من الاختصار. فالأوروبيون، في رأيه، قد نظموا جندهم ليضروا بالإسلام وأهله. وأمام هذا الخطر الداهم أصبح من المحتم على المسلمين أن يتعلموا منهم ما اخترعوه من صنائع ونظم، لأن في ذلك مصلحة عليا للدين والأمة الإسلامية فقد قال (لما حدث في هذه الأعصار الآخرة، تطاول طغاة الأمم الكافرة، بترتيب أجنادهم على طريقة محكمة ابتدعوها، وتدريبهم على فنون حيل اخترعوها، قصد
المكيدة للإسلام وأهله، وسعيا في استباحة حماه وتمزيق شمله. عظم الخطب (12)، فدعت ضرورة الحال إلى استعلام ذلك من قبلهم، والتدرب على ما ألفوا من صنائعهم وحيلهم). وقد أشار ابن العنابي إلى أن الدولة العثمانية قد أخذت بهذا النظام الجديد، وهذا يدل على أن تأليفه كان قريب عهد بحادثة الإنكشارية. كما لمح إلى أن هذا النظام لم يكن مقبولا لدى الجميع، وأن هناك معارضة له من بعض رجال الدين وبعض الجنود المتمسكين بالنظام القديم، وحتى من بعض المتزمتين من شرائح المجتمع الأخرى. فقد قال في هذا المعنى (فرتبت العساكر الإسلامية على نحو من ذلك نظاما جديدا، وصدر به من جانب السلطة العليا، أدام الله تأييدها، وضيقت ملابس الجند، واختصرت، وفتنت ألوانها وقصرت، فاستكره ذلك أناس ..)(13).
أما الدافع الذي حمل ابن العنابي على وضع هذا الكتاب فالظاهر أنه إجابة أحد السائلين المستزيدين من آرائه في الموضوع. ذلك أن موضوع تجديد الجيش والأخذ بأسباب الحضارة. أو إذا شئت الخصام بين أنصار التقليد والتجديد، كان على أشده خلال عقد العشرينات، وكان حديث المجالس، ومدار الدروس، ولعله كان أيضا مصدر الهمس والنكتة. ومن ذلك ما جرى في أحد المجالس التي حضرها ابن العنابي في القاهرة وقد نطق أثناء ذلك بكلام جعل بعضهم يرسل إليه، بعد افتراق المجلس، طالبا منه كتابة رسالة في الموضوع. وهذا نص كلامه في عبارات مسجعة ثقيلة (وقد جرى بيني وبين أفاضل الإخوان، في مجمع أنس جاد به الزمان، كلام علق منه بباله، فوجه إلي خطابه بكتابة جواب على منواله، فلزمني أن أسعفه بما رام، وأزيده بسطا يناسب المقام، فأقول في جوابه، متلذذا بتجديد خطابه)(14).
ولكن هذا دافع تقليدي لتأليف الكتاب، فالمؤلفون كثيرا ما يخلقون
(12) هنا كلمات غير مقروءة على الميكروفيلم.
(13)
السعي المحمود، المقدمة.
(14)
نفس المصدر.
شخصا يطلب منهم أو يحثهم على وضع كتاب في الموضوع الذي اختاروه. فهل كان بطل ابن العنابي حقيقيا أو تصوريا؟ وإذا كان حقيقيا فمن يكون يا ترى؟ هل هو من أصحاب محمد علي نفسه الذي أمر فيما بعد، كما عرفنا، إبراهيم السقا، باختصار الكتاب؟ وإذا كان تصوريا فهل كان اقتناع ابن العنابي شخصيا بفكرة تجديد الجيش وتقليد الحضارة الأوربية اقتناعا كاملا جعله يقدم على هذا العمل تلقاتيا ليدعو إلى مذهب التجديد الذي آمن بفوائده على دينه وقومه؟ ومهما يكن بطل ابن العنابي، حقيقيا أو تصوريا، فإن إقدام المؤلف على هذا العمل يخدم أنصار التجديد عندئذ، وفيهم السلطان محمود الثاني ومحمد علي والي مصر، كما يخدم نزعة شخصية واضحة لدى ابن العنابي.
ذلك أن ابن العنابي لم يكن شخصية بسيطة ولا ضيق الأفق. فقد عرفنا أنه من أسرة توارثت القضاء والإفتاء، وكانت قريبة من مقاليد السلطة وذوي النفوذ في البلاد. وكان هو شخصا قد تولى، إلى جانب وظائفه الدينية، بعض المهمات السياسية. وكان قد شاهد أسطول بلاده يتحطم أمام الغزو الإنكليزي- الهولاندي، وأمام الأسطول الأمريكي في فترة قصيرة، ولاحظ مدى الصراع على السلطة لدى (الوجق) أو الإنكشارية في الجزائر. وقد تجول في البلاد الإسلامية فرأى ما عليه حال جيش المغرب الاقصى، وما عليه حال جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا، وسمع عن انتصارات الأوربيين على إنكشارية الدولة العثمانية، وعاش في زمن شهد الحروب النابوليونية ومؤتمر فيينا. فهل نستغرب منه بعد ذلك أن يكتب (السعي المحمود) داعيا فيه إلى تجديد الجيوش الإسلامية والاستعداد للجهاد الحق على غرار ما كان عليه الجهاد زمن الانتصارات الباهرة؟ وهل نستغرب منه أيضا تأييده لحججه بالآيات والأحاديث وآراء المجتهدين من أئمة الإسلام الأوائل ليبرهن على أن دعوته نابعة من الكتاب والسنة والسلف وأنها في صميم التقاليد الإسلامية؟ ومما يلفت النظر أن ابن العنابي يرى أن ما جاء به الأوربيون من جديد في نظام الجيش تتلازم فيه الفكرة العسكرية والسياسية للارتباط الوثيق بينهما، لأنه لا جيش بدون حكم ولا حكم بدون جيش. وقد جاء في نص كلامه ما يلي (اعلم أولا أنه قد عرف أن ترتيب
نظام الجند على الوجه الذي ابتدعه الكفرة يحصره أمران؛ أحدهما أمور حربية، والثاني أمور سياسية).
واعتبارا لهذه الفكرة قسم ابن العنابي كتابه إلى قسمين رئيسيين، أطلق على كل منهما عبارة (مقصد)، وهما: المقصد الأول في الأمور الحربية، والمقصد الثاني في الأمور السياسية. وفي نهاية الكتاب جاء بخاتمة طرح فيها ما لم يذكره في المقصدين من أفكار. والمقصد الأول هو أساس الكتاب، فكرة وحجما. أما الأفكار فسنتعرض إليها، وأما الحجم فقد خصص له 97 صفحة من مجموع 120 صفحة. وبينما قسم هذا المقصد إلى ستة عشر فصلا، اكتفى في المقصد الثاني بإيراد أفكاره دون منهج. مهملا استعمال الفصول. وهذه الخطة تنسجم تماما مع عنوان الكتاب الذي يجعله خاصا بنظام الجند، أي بالأمور الحربية. وإذا كان هذا صحيحا فإن اشتمال الكتاب على قسم خاص بالأمور السياسية يصبح خارجا عن الموضوع. غير أننا سنعرف لماذا جاء المؤلف بهذا القسم في آخر الكتاب.
ولنذكر الآن عناوين الفصول الواردة ضمن المقصد الأول (الأمور الحربية)، ثم نعود إليها بشيء من التفصيل وقد فضلنا وضع رقم إزاء كل فصل ليعرف القارىء حجم كل فصل من الكتاب:
الفصل: ....................................................... الصفحة
الفصل الأول: في اتخاذ الجند وتجنيده ........................... 12
الفصل الثاني: في تريب الجند ................................... 18
الفصل الثالث: في تصنيف الجند ................................ 22
الفصل الرابع: في ضبط عدد الجند .............................. 24
الفصل الخامس: في قواد الجند وعرفائه قواد الجيش ............... 26
الفصل السادس: في تسويم الجند ................................ 28
الفصل السابع: في تضييق ملابس الجند ......................... 30
الفصل الثامن: في تعيين مواقف الجند وتخصيص عملهم .......... 36