المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود): - رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌الجديد عن ابن العنابي *

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌القسم الأول: حياته

- ‌عصره:

- ‌ثقافته:

- ‌وظائفه:

- ‌علاقته بالفرنسيين بعد احتلال الجزائر:

- ‌إجازاته وتلاميذه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌اختصار كتابه:

- ‌مراسلاته:

- ‌شخصيته:

- ‌القسم الثاني: آثاره

- ‌أ - كتابه (السعي المحمود في نظام الجنود)

- ‌نسخ الكتاب ودافع تأليفه:

- ‌تحليل محتوى الكتاب:

- ‌القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود):

- ‌منهج ابن العنابي في الكتاب:

- ‌ب - آثاره الأخرى

- ‌الفتاوى

- ‌ أجوبته على آداب مجلس قراءة القرآن:

- ‌ التحقيقات الإعجازية:

- ‌ صيانة الرياسة:

- ‌ متفرقات:

- ‌ مجموعة من الرسائل

- ‌ شرح متن البركوي في التوحيد

- ‌ شرح الدر المختار في الفقه الحنفي

- ‌القسم الثالث: نصوص منه وعنه

- ‌ مقدمة كتاب (السعي المحمود في نظام الجنود)

- ‌ مقدمة (بلوغ المقصود مختصر السعي المحمود)

- ‌ إجازة ابن العنابي لمحمد بيرم الرابع

- ‌ رأيه في المرأة

- ‌ من شعر ابن العنابي

- ‌ تقريظ محمد بيرم الرابع لكتاب(شرح الدر المختار)لابن العنابي

- ‌ رسالة من محمد بيرم الرابع إلى ابن العنابي

- ‌ مصطفى بيرم يستجير ابن العنابي

- ‌الفهارس

الفصل: ‌القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود):

تعلم العلوم الآلية من الكفرة، (36) والعنوان، أو إذا شئت، الفتوى واضحة. ولكن ابن العنابي تدرج في إصدار رأيه. فهو لم يجد آية أو حديثا صريحا عن جواز تعلم العلوم الآلية من الأوربيين، ولذلك راح يبحث في نصوص أخرى يمكنه بعدها أن (يقيس) عليها. فقد جاء أولا بأحاديث عن جواز تعلم اللغات من غير المسلمين، مثل حديث تعلم السريانية الموجه لزيد بن ثابت، لأن كتبا كانت تأتي للرسول بها، فتعلمها الصحابي في سبعة عشر يوما، كما تعلم العبرية في نصف شهر. وقد استنتج ابن العنابي من ذلك جواز تعلم الكتابة أيضا من غير المسلمين، ودل ذلك الجواز غير المشروط، في نظره، على (جواز تعلم العلوم الآلية التي لها منفعة في أمر الدين من الكفار). ولا يتوقف الأمر عند تعلم اللغات والكتابة بها من غير المسلمين بل يتعداه إلى جواز تعلم كل معارفهم إذا توقف عليها أمر من أمور الدين، لأنه إذا جاز تعلم اللغة السريانية واللغة العبرية والكتابة بهما، (فغير ذلك من معارفهم الصناعية التي لها موقع في أمر الدين، كالذي نحن فيه، بالأولى). ومن هذه المعارف أيضا الطب والحساب اللذان يعتبران من علوم فلاسفة غير المسلمين، حسب تعبير ابن العنابي. وقد اعتبر شيوخ ابن العنابي هذين العلمين فرض كفاية على المسلمين. وهذه هي عبارته في ذلك (وعن هذا ونحوه (يعني المعارف الصناعية للكفار) عد جمع من مشائخنا وغيرهم، الحساب والطب في جملة العلوم المفروضة على سبيل الكفاية، مع أنهما من علوم كفار الفلاسفة) (37).

‌القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود):

ونصل الآن إلى القسم الثاني من الكتاب، وهو الخاص (بالأمور السياسية). وقد عرف المؤلف السياسة بأنها مصدر ساس الرعية يسوسها سياسة، إذا أمر فيها ونهى. فهي، بناء على هذا التعريف، سلطة الحكم وسلوك

(36) نفس المصدر، الفصل 16.

(37)

نفس المصدر، ص 98.

ص: 75

الحاكم. وتطلق السياسة أيضا على حسن التدبير وجودة الرأي. ونقل عن بعضهم تعريفا آخر للسياسة يحصرها في القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال.

وإذا كان ابن العنابي يرى ضرورة تقليد غير المسلمين في الأمور الحربية والصناعية والعلوم العملية فإنه لا يرى ذلك بخصوص التشريع والعلوم السياسة، بل صرح بأن السياسة (العقلية) لغير المسلمين لا يحتاجها المسلمون، فهو يقول إن ما عليه (الكفرة من سياستهم العقلية فنحن في غنى عنه)، لأن للمسلمين الكتاب والسنة، وفيهما من التشريعات السماوية ما يغني عن قوانين الأروبيين الوضعية. وهذا الرأي للمؤلف يدل على أنه كان مطلعا على الاتجاه الليبرالي العقلاني الذي بدأ ينتشر في أروبا بعد الثورة الفرنسية. ومن الغريب أننا نجد ما عبر عنه ابن العنابي هنا شبيها بما عبر عنه مواطنه ومعاصره، حمدان خوجة، بعد أقل من عشر سنوات، حين قال وهو يحاجج الليبراليين الأروبيين أنهم لو اطلعوا على ما لدى المسلمين من قوانين وأحكام لغيروا موقفهم من الحضارة الإسلامية من جهة وغيروا من سياستهم الاستعمارية في الجزائر (38) وعلى كل حال فإن رأي هذين المفكرين جدير بالدراسة والمقارنة، لأن كليهما يؤمن بضرورة التقدم والتجديد والأخذ عن أروبا نظامها العسكري واختراعها العلمي، ولكن ليس كذلك في التشريع والسلوك والسياسة.

وقد أوضح ابن العنابي بأن مبنى السياسة الشرعية ثلاثة أمور هي:

1 -

اللين وترك الفضاضة، أو بعبارة أخرى تبصر الحاكم ومرونته وقدرته على خفض الجناح وكبح الغضب.

(38) أبو القاسم سعد الله (الحركة الوطنية الجزائرية)، دار الآداب، بيروت، 1969، ص 43 - 44. انظر أيضا أبو القاسم سعد الله (مساهمة بعض المفكرين الجزائريين في الحضارة الإسلامية) في (محاضرات الملتقى السادس للتعرف على الفكر الإسلامي)، طبع وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، الجزائر 1973، الجزء الرابع، ص 95 - 146 وفي هذا البحث تحليل سريع لكتاب العنابي الذي نحن بصدده، ولآراء حمدان خوجة وغيرهما.

ص: 76

2 -

المشاورة، أو بتعبيرنا اليوم ديمقراطية الحكم وعدم الاستبداد بالرأي والتصرف.

3 -

عدم استعمال الولاة أو (الإطارات) إذا كانوا راغبين في الولاية أو (الوظيفة).

ورغم أن الحاكم ما هو إلا فرد من الأمة فإن المشورة ضرورية له لأن رأيه الفردي لا يستطيع أن ينفذ إلى كل الأغوار ولا أن يحيط بكل شيء. لذلك وجب عليه شرعا أن تكون له مجالس (استشارية) مع العلماء وأصحاب الرأي في الأمة. وقد أورد المؤلف آيات وأحاديث في الأمور الثلاثة السابقة. ومما جاء في الأمر الأخير أن رجلا جاء للرسول يطلب تعيينا فرد عليه الرسول (لا نستعمل على عملنا من طلبه)، وعلق ابن العنابي على ذلك بقوله أن الولايات أمانات، وطلب الأمانة دليل على الخيانة.

وربط المؤلف بين عدة أمور أخرى تعتبر من صميم نجاح الحكم وقوته. من ذلك أن نجاح أي حكم يتوقف على إجراء العدل بالدرجة الأولى، لأن الظلم مصدر خراب الدولة. وبين أهمية الجيش لقوة الدولة، وكذلك وفرة المال، وحرمة العلماء، وانتشار العمران، وقد أعطى أهمية خاصة لمكانة العلماء والجيش في الدولة. وحذر من مغبة التبذير والإسراف في صرف أموال الأمة وجمعها بطريقة الإكراه وأخذها ممن يعجز عن دفعها. ومما نقله عن بعضهم تأييدا لرأيه أن (الملك بناء والجند أساسه، فإذا قوي الأساس دام البناء وإذا ضعف الأساس انهار البناء. فلا سلطان إلا بجند، ولا جند إلا بمال، ولا مال إلا بجباية، ولا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل. فصار العدل أساسا لسائر الأساسات).

ومن مظاهر عدل الحكام (والمؤلف يستعمل عبارة السلطان) أن يقرب منه (حملة العلم الذين هم حفاظه ورعاته وفقهاؤه، وهم الأدلاء على الله، والقائمون بأمر الله، والحافظون لحدود الله، والناصحون لعباد الله). وعلى الحاكم كذلك أن يتفقد جيشه باستمرار ويتعهده، لأن الجيش أساس الملك وهو حامي (الدين والحريم). أما المال فهو (قوة السلطان وعمارة المملكة). وعلى الحاكم أن لا

ص: 77

يأخذ من الرعية (إلا ما فضل عن مصالحها ومعاشها). وأن ينفقه فيما يعود بالفائدة على الرعية كمـ الطرق ورفع الجسور وإقامة الثغور. وقد قارن بين السياسة المالية للصينيين والفرس والعرب، ووجد أن أولئك يدخرون الأموال لوقت الحاجة أما هؤلاء فينفقونها فييا ينفع الرعية ويوسع عليما، لأن الرعية هي الجند، وعلى ذلك السيرة النبوية.

إن هذه الآراء للمؤلف حول سياسة الحكم، وإن كان جلها منقولا عن غيره، فإنها توضح مدى تبنيه لها وتحبيذه لها. والقضايا التي ذكرها في هذا المجال، كالعدل، والجند، ومكانة العلماء، والضرائب، والعمران، والمشاورة الخ. كانت حديث الساعة عندئذ لا سيما في مصر واسطانبول. وقد شاهد هو من استبداد الدايات في الجزائر وإرهاقهم الرعية بجباية الأموال قسرا واستعمالهم البايات (الولاة) الطاليين للعمل والمتآمرين من أجله مع الطائفة اليهودية (أسرة بكري وبوشناق)(39) ما حرك في نفسه هذه الخواطر وجعله يكتب بإلحاح ما كتب. ولا شك أن ابن العنابي يقف، بآرائه السابقة، في طليعة المتنورين بالنسبة لوقته.

أما الخاتمة التي جعلها (في أمور شتى من أسباب النصر والقوة)، فقد حصرها المؤلف في معنى الآية الكريمة (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}.وهناك أربعة شروط تشترط في الحكام المرضي عنهم من الله والعباد، وهي:

1 -

إقامة العدل.

2 -

إظهار شعائر الدين.

(39) اسماعيل العربي (دور اليهود في الدبلوماسية الجزائرية في أواخر عهد الدايات) في (ملة تاريخ وحضارة المغرب، عدد 12، ديسمبر 1974، ص 37 - 71 انظر أيضا أطروحة العربي الزبيري (التجارة الخارجية للشرق الجزائري)، كلية الآداب - جامعة الجزائر، سنة 1972. وقد طبعت في كتاب.

ص: 78