المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علاقته بالفرنسيين بعد احتلال الجزائر: - رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌الجديد عن ابن العنابي *

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌القسم الأول: حياته

- ‌عصره:

- ‌ثقافته:

- ‌وظائفه:

- ‌علاقته بالفرنسيين بعد احتلال الجزائر:

- ‌إجازاته وتلاميذه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌اختصار كتابه:

- ‌مراسلاته:

- ‌شخصيته:

- ‌القسم الثاني: آثاره

- ‌أ - كتابه (السعي المحمود في نظام الجنود)

- ‌نسخ الكتاب ودافع تأليفه:

- ‌تحليل محتوى الكتاب:

- ‌القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود):

- ‌منهج ابن العنابي في الكتاب:

- ‌ب - آثاره الأخرى

- ‌الفتاوى

- ‌ أجوبته على آداب مجلس قراءة القرآن:

- ‌ التحقيقات الإعجازية:

- ‌ صيانة الرياسة:

- ‌ متفرقات:

- ‌ مجموعة من الرسائل

- ‌ شرح متن البركوي في التوحيد

- ‌ شرح الدر المختار في الفقه الحنفي

- ‌القسم الثالث: نصوص منه وعنه

- ‌ مقدمة كتاب (السعي المحمود في نظام الجنود)

- ‌ مقدمة (بلوغ المقصود مختصر السعي المحمود)

- ‌ إجازة ابن العنابي لمحمد بيرم الرابع

- ‌ رأيه في المرأة

- ‌ من شعر ابن العنابي

- ‌ تقريظ محمد بيرم الرابع لكتاب(شرح الدر المختار)لابن العنابي

- ‌ رسالة من محمد بيرم الرابع إلى ابن العنابي

- ‌ مصطفى بيرم يستجير ابن العنابي

- ‌الفهارس

الفصل: ‌علاقته بالفرنسيين بعد احتلال الجزائر:

‌علاقته بالفرنسيين بعد احتلال الجزائر:

وليس من المؤكد الآن أن المفتي الحنفي وقت دخول الفرنسيين للجزائر كان هو ابن العنابي. فقد عرفنا أسماء عدد من المفتين تولوا في الفترة القصيرة من 1244 هـ (1828 م) إلى 1251 هـ (1835 م) من بينهم ابن العنابي مع إغفال تواريخ تعيين بعضهم. وهذا الغموض في تلك الفترة الدقيقة لا يساعد على فهم الحوادث التي سيرد فيها اسم ابن العنابي، ومن هذا الغموض أيضا أن وظيفة المفتي الحنفي قد تعرضت إلى تقلبات خلال السنة الأولى من الاحتلال مع عدم ذكر اسم المفتي المعني بالأمر. فقد جاء في أخبار الحملة الفرنسية على الجزائر أن الداي حسين باشا قد عزل في آخر لحظة قبل دخول الفرنسيين، المفتي الحنفي (التركي) وعين بدله مفتيا عربيا من أهل البلاد آملا أن يكون ذلك سببا في التفاف الجزائريين حوله في مقاومته للجيش الفرنسي. فمن هو المفتي المعزول؟ ومن هو المفتي الجديد؟ هذه نقطة تظل بدون جواب أيضا. كذلك تتحدث الأخبار عن أن الباشا قد استدعى، بعد هزية جيشه في واقعة سطاولي، (المفتي الحنفي، شيخ الإسلام)(*) وسلمه سيفا وطلب منه أن يدعو الناس للجهاد دفاعا عن البلاد (43) ولكن هذه الأخبار لا تذكر اسم هذا المفتي شيء الحظ الذي وضعته الأقدار في مفترق الطرق (44).

(*) انظر المدخل الجديد، ففيه أنه ابن العنابي، وأنه عين لرئاسة العسكر. (43) حمدان خوجة، (المرآة) ترجمة العربي الزبيري 1975، ص 198، انظر بليسييه ديرينو (الحوليات الجزائرية) ج 1، باريس، 1854، ط 2، ص 53، وكذلك أبو القاسم سعد الله (تاريخ الجزائر الحديث، بداية الاحتلال). معهد البحوث والدراسات العربية القاهرة، 1970، ص 69 - 71.

(44)

يذكر خوجة أيضا أن بورمون قائد الحملة الفرنسية على الجزائر، وقد وشى بالقاضي الحنفي (ولم يذكر اسمه) فنفاه. ص 229. فمن يكون هذا القاضي؟ جاء في كتاب تاريخ الأمير عبد القادر أن القاضي الحنفي العنابي قد كتب على لسان مسلمي الجزائر إلى أهل وهران يدعوهم إلى أن يفعلوا نحو الفرنسيين ما فعل أهل مدينة الجزائر

نحوهم، أي عدم محاربتهم، وهذا الخبر يزيد الأمر تعقيدا. انظر المخطوط المذكور، المكتبة الوطنية الجزائرية. ص 72.

ص: 39

وفي العهد الأول للجنرال كلوزيل (45)، ظهر اسم ابن العنابي من جديد. فقد كان هذا المفتي موضع شبهة السلطات الفرنسية منذ دخولها، وكانت العلاقات متوترة بينهما، وتأزم الموقف بين الطرفين فحيكت له مؤامرة قرر إثرها كلوزيل سجن المفتي ثم نفيه خلال مدة قصيرة. ويبدأ هذا التوتر، حسب أخبار الحملة الفرنسية على الجزائر، حينما أجير كلوزيل المفتي على تسليمه بعض المساجد في المدينة لجعلها مستشفيات للجيش، متعهدا له باستعمالها مدة شهرين فقط (46) وكان ابن العنابي شديد النقد للسلطات الفرنسية على خرقها للاتفاق الموقع بين الداي حسين باشا والكونت دي بورمون. وكان يكتب بنقده ولومه إلى الجنرال كلوزيل (47). وضاق كلوزيل ذرعا بجرأة المفتي فقرر وضع حد لها. فقد ألقى عليه رجال الدرك القبض وقادوه إلى السجن وتعرضت أسرته خلال ذلك إلى المهانة (48) وكانت التهمة التي وجهت إليه هي تدبير مؤامرة ضد الوجود الفرنسي وإعادة الحكم الإسلامي (العثماني) للجزائر.

وتروي المصادر الفرنسية أن المخبرين قد وشوشوا في أذن كلوزيل بأن المفتي الحنفي لمدينة الجزائر رجل خطير على الوجود الفرنسي، وأن له تأثيرا قويا على أهل البلاد. وهذا ما ادعاه لنفسه (49) ويعلق ديرينو على ذلك بأن المفتي لم يكن له ذلك التأثير المشار إليه. أما حمدان خوجة الجزائري فيفصل الحادثة،

(45) تولى الجنرال كلوزيل قيادة الإدارة الفرنسية في الجزائر مرتين: الأولى (1830 - 1831) والثانية (1835 - 1836) وكان شديد الحماس للاستعمار ولذلك شن حملة ضد الجزائريين المعارضين للاحتلال الفرنسي فنفى بعضهم إلى المشرق ونفى آخرين منهم إلى فرنسا وشرد وسجن الباقي منهم في الجزائر نفسها.

(46)

خوجة ص 250.

(47)

نفس المصدر ص 259.

(48)

يستعمل خوجة، نفس المصدر، عبارة (وتعرضت أسرته لجميع الإهانات بحجة أنها كانت تدبر مؤامرة يا ترى ماالجناية التي يمكن إسنادها للنساء والأطفال)؟. وهذا برهان على أنه كان للمفتي أسرة كبيرة ومتفرعة. وقد يكون بين المفتي وخوجة مصاهرة.

(49)

ديرينو، ص 155 - 156. وسعد الله، ص 69 - 71. ويقول خوجة إنه سأل كلوزيل عن التهمة الموجهة إلى المفتي أجابه بأنه كان يعد القبائل للثورة ضد الفرنسيين، خوجة ص 259.

ص: 40

حسبما رواها له المفتي نفسه، فيما يلي:(جاء الترجمان إلى منزل ابن العنابي وطرح عليه بعض الأسئلة تتعلق بمكانته في البلاد وخططه المستقبلة. من ذلك أن الترجمان أخبره بأن كلوزيل ينوي الجلاء عن الجزائر وتسليم الحكم له، وسأله ما إذا كانت لديه القدرة على تنظيم جيش والدفاع عن البلاد، فأجابه المفتي بأن ذلك في استطاعته إذا اقتضى الأمر. ثم سأل الترجمان هل جيشه سيكون من داخل البلاد أو من مدينة الجزائر وحدها، فأجاب المفتي بأنه سيجيش جيشا يبلغ ثلاثين ألفا من كل البلاد. وكان الترجمان قد أخفى، حسب هذه الرواية، شخصين ظلا ينصتان لهذه المحادثة. ليكونا شاهدين ضد المفتي)(50).

فكم بقي ابن العنابي في السجن؟ هذا ما لا نعلمه الآن. والذي نعلمه حقا هو أن كلوزيل قد أمر بنفيه فورا (51)، ولم يمهله، رغم أنه كان صاحب أسرة وأطفال وأملاك وديون وغيرها مما يستوجب مهلة معقولة لتصفية هذه الأمور قبل مغادرة البلاد. وهذا الجانب الإنساني هو الذي جعل خوجة يتدخل لدى كلوزيل لصالح المفتي، رغم توجس هذا منه (52) فقد رجاه أن يمهله حتى يبيع أملاكه ويصفي ديونه ويسفر أسرته. ولم يحمل له خوجة على مهلة عشرين يوما إلا بصعوبة كبيرة. وبعد انقضاء ذلك الأجل رحل ابن العنابي إلى الإسكندرية (53)

(50) خوجة، ص260. اخبرني محمد بن عبد الكريم بتاريخ 9 سبتمبر 1976 أنه عثر على نص لكاتب من قسنطينة يعرف ابن العنابي تحدث فيه على أن المفتي كان يحرض الناس على قتال الفرنسيين ويشجعهم على حمل السلاح. ولكن ابن عبد الكريم لم يخبرني عن اسم الكتاب ولا أين عثر على النص المذكور.

(51)

يؤكد المهدي البوعبدلي في رسالة إلى المؤلف أن المفتي كان يباشر وطيفته عند دخول الفرنسيين وأن كلوزيل قد (عزله) منها. وهذا يؤكد أهمية دور ابن العنابي في تلك الظروف.

(52)

يقول خوجة، ص 198، أن الواشين قد زعموا للمفتي بأن خوجة عميل للفرنسيين لأنه زار بلادهم وأعجب بحضارتهم، وأوصوه بالاحتراس منه.

(53)

خوجة، ص 261، ورسالة البوعبدلي، وابن عبد الكريم، ص 161.

ص: 41