المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الجَنَائِز أي صفة عيادة المريض وتلقينه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجَنَائِز

- ‌فصل في غسل الميت

- ‌فصل في كفنه

- ‌فصل في الصلاة عليه

- ‌فصل في دفنه

- ‌فصل في زيارة القبور

- ‌فصل في التعزية

- ‌كِتابُ الزكَاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة النقدين

- ‌فصل في الحلي

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

- ‌فصل فيمن لا تحل له

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتابُ الصِّيَام

- ‌باب ما يفسد الصوم

- ‌فصل في الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوم

- ‌فصل في القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌فصل فيما نهي عن صومه

- ‌فصل في ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتابُ المناسِك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌«باب صفة الحج»

- ‌فصل في الدفع إلى المزدلفة

- ‌فصل في الإفاضة

- ‌فصل في أيام منى

- ‌فصل في النفر

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحية

- ‌فصل في العقيقة

الفصل: ‌ ‌كتابُ الجَنَائِز أي صفة عيادة المريض وتلقينه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه

‌كتابُ الجَنَائِز

أي صفة عيادة المريض وتلقينه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وغير ذلك وأحكام ذلك. والجنائز بفتح الجيم جمع جنازة بكسرها اسم للميت أو للنعش عليه ميت وإلا فسرير.

وأتبع الصلاة لأن الصلاة على الميت من أهم ما يفعل بالميت كما يأتي وإلا فحقه أن يذكر بين الوصايا والفرائض وأفرد وأخر لمغايرتها لمطلق الصلاة نظرا لتلك المغايرة فإنها ليست صلاة من كل وجه ولتعلقها بآخر ما يعرض للحي وهو الموت.

وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي مخالفا لهدي سائر الأمم. مشتملا على إقامة العبودية لله تعالى على أكمل الأحوال وعلى الإحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده من عيادة وتلقين وتطهير وتجهيز إلى الله تعالى إلى أحسن أحواله وأفضلها. فيقفون صفوفا على جنازته يحمدون الله ويثنون عليه ويصلون على نبيه صلى الله عليه وسلم ويسألون للميت المغفرة والرحمة والتجاوز. ثم على قبره يسألون له التثبيت. ثم الزيارة إلى قبره

ص: 5

والدعاء له كمايتعاهد الحي صاحبه في الدنيا ثم بالإحسان إلى أهله وأقاربه وغير ذلك.

قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ} وهو مفارقة الروح الجسد وليس بإفناء وإعدام {وَالْحَيَاةَ} أوجد الخلائق من العدم وقدم الموت لأنه إلى القهر أقرب. أو لأنه أقدم ولما مجد تعالى نفسه وأخبر أنه بيده الملك وأنه المتصرف في جميع خلقه وعلى كل شيء قدير وأنه الذي خلق الموت والحياة أوضح لنا الحكمة في ذلك فقال {لِيَبْلُوَكُمْ} يختبركم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أي خيرا وأزكى وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته.

قال الفضيل: أيكم أحسن عملا أخلصه وأصوبه أو قال: العمل لا يكون خالصا حتى يكون لله. ولا يكون صوابا إلا إذا كان على السنة. ولا يقبل يكون خالصًا صوابًا ولا بن أبي حاتم من حديث قتادة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دارة جزاء ثم دار بقاء وهو العزيز في انتقامه ممن عصاه الغفور لمن تاب إليه".

وقال: {لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي كونوا على الإسلام فإذا ورد عليكم الموت صادفكم على ذلك وأول الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} بأداء ما يلزمكم على

ص: 6

قدر طاقتكم كقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فمن اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته. فإذا جاء الأجل إذا أنتم مسلمون مؤمنون مخلصون مفوضون أموركم إلى الله محسنون الظن به.

وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه" رواه أحمد وغيره. ويأتي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح "لايموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" وقال تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وفي هذه الآيات وغيرها الحض على التأهب للموت قبل نزوله. وفي الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

(وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا

ذكر هاذم اللذات الموت) أي قاطع اللذات ومفرق

الجماعات بعد رغد عيشهم. وميتم البنين والبنات بعد

عزهم بوالديهم (رواه الخمسة) بأسانيد صحيحة وصححه

ابن حبان والحاكم وابن السكن وابن طاهر وغيرهم وله

شواهد. وهو دليل على أنه لا ينبغى للإنسان أن يغفل عن

ذكر أعظم المواعظ وهو الموت فكفى به واعظا.

ص: 7

وفيه (فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلله) ففي كثرة ذكره قصر الأمل وانتظار الأجل "ولا ذكر في قليل إلا كثره) لاستقلال ذاكره ما بقي من عمره لأن قليل الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت استكثره ما عنده. وللديلمي "أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت" ولابن حبان وغيره "أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره عبد قط في ضيق إلا وسعه ولا في سعة إلا ضيقها".

فإنه لا بد للإنسان في هذه الدار من ضيق وسعة.

ونعمة ونقمة. فيحتاج إلى ذكر الموت لينخفض عنه بعض ما هو فيه من صعوبة الشدة وغفلة النعمة. وروي من حديث أنس "أكثروا ذكر الموت فإن ذلك تمحيص للذنوب وتزهيد في الدنيا" ولابن أبي الدنيا "فإنه يمحق الذنوب ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم" وللترمذي وغيره عن ابن مسعود "وليذكر الموت والبلى" ولابن ماجه وغيره بسند جيد سئل أي الناس أكيس وأحزم؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة".

ودلت هذه الأحاديث ونحوها على تأكد سنية الإكثار من ذكر الموت لأنه أدعى إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي

وإلى الاستعداد له بالمبادرة إلى التوبة من المعاصي

والخروج من المظالم لئلا يفجأه الموت بغتة.

ص: 8

(وعن أنس مرفوعا "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) من بلاء ومحنة أو خشية من عدو أو مرض أو فاقة أو نحوها من مشاق الدنيا لما في ذلك من الجزع وعدم الصبر على القضاء وعدم الرضا. والخبر خرج مخرج العالب لأن المرء لايتمنى الموت إلا من ضر. فيكره تمنيه ولو لغير ضر أصابه. ولهما "لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" ولمسلم "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه. إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا".

ولأحمد وغيره: "إن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة". وعن بعض السلف: إن كان من أهل الجنة فالبقاء خير له. وإن كان من أهل النار فما يعجله إليها. ولما في التمنى المطلق من الاعتراض ومراغمة القدر. والمرض ونحوه كفارة له. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" وقال "ما من شئ يصيب المؤمن إلا يكفر الله به عنه سيئاته ".

وهو موعظة في المستقبل إلا لضرر في دينه من خوف وقوع في فتنة ونحوها فلا يكره فإن الخبر يرشد إلى أنه لا بأس به بل يستحب. وفي الحديث "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" صححه الترمذي وغيره ولقوله تعالى {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وقوله {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} ويستحب تمني

ص: 9

الشهادة لا سيما عند حضور أسبابها لما في الصحيح وغيره "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء".

(فإن كان لا بد) أي لا محالة (متمنيا) وفي لفظ "فاعلا"(فليقل) بدلا عن لفظ التمنى (اللهم أحينى إذا كانت الحياة خيرا لي) أي من الموت. وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية (وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) أي من الحياة بأن يكون الأمر عكس ما تقدم (متفق عليه) والأولى أن لا يفعل. وعن عمار مرفوعًا "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينى إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي" رواه أحمد وغيره.

وهذا الحديث ونحوه يدل على وجوب الصبر وحكاه الشيخ وغيره إجماعا: فإن الثواب في المصائب معلق على الصبر عليها. وأما الرضى: فمنزلة فوق الصبر. فإنه يوجب رضى الله عز وجل. والصبر حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التشكي. والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها والشكوى إلى الله لا تنافي الصبر. بل مطلوبة شرعا مندوب إليها اتفاقا.

ومن شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا لقوله (مسني الضر) وقوله عليه السلام "أجدني مغموما" و"أنا وارأساه"، "كما يوعك رجلان منكم" ونحو

ص: 10

ذلك مما يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من المصائب وإذا كانت مما يمكن كتمانه فكتمانها من أعمال الله الخفية.

وذكر الشيخ أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة. وفي الصحيحين "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فيحسن العبد ظنه بربه عند إحساسه بلقاء الله بأن يغفر له ويرحمه لئلا يكره الله لقاءه ويتدبر ما ورد في الآيات والأحاديث من كرم الله وعفوه ورحمته وما وعد به أهل توحيده وطاعته. وفي الصحيح "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" وفيهما "أنا عند ظن عبدي بي" ولأحمد "فليظن بي خيرا".

ويسن لمن عند المريض ونحوه تحسين ظنه وتطميعه في رحمة ربه ويذكر له الآيات والأحاديث في الرجاء وينشطه لذلك وقيل بوجوبه إذا رأى منه إمارات اليأس والقنوط لئلا يموت على ذلك فيهلك فهو من النصيحة الواجبة. ويغلب الرجاء لقوله {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته ليحسن ظنه بربه بخلاف الصحة يغلب الخوف ليحمله على العمل.

ونص أحمد: يكون خوفه ورجاؤه واحدا فأيهما غلب على صاحبه هلك قال الشيخ هذا العدل لأن من غلب عليه حال

ص: 11

الخوف أوقعه في نوع من اليأس. ومن غلب عليه الرجاء أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله والرجاء بحسب رحمة الله يجب ترجيحه. وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد. وينبغي للمريض أن يشتغل بنفسه وما يعود عليه ثوابه.

(ولهما عن ابن مسعود قال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) فدل الحديث على تحريم التداوي بمحرم مأكولا كان أو غيره. وهو مذهب جماهير العلماء ولأبي داود عن أبي الدرداء مرفوعا "إن الله أنزل الداء والدواء. وجعل لكل داء دواء. فتداووا ولا تداووا بحرام" ولأحمد وغيره "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث" وفي صحيح مسلم في الخمر "إنه ليس بدواء ولكنه داء".

ويحرم التداوي بسم ونحوه لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ويدخل فيما تقدم ترياق فيه لحوم حيات أو ضفدع. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع لذلك. وقال شيخ الإسلام وغيره في التلطخ بالخمر ونحوه ثم يغسله بعد ذلك. الصحيح أنه يجوز للحاجة كما يجوز استنجاء الرجل بيده وإزالة النجاسة بيده. وكلبس الحرير للتداوي به لا ما أبيح للضرورة كالمطاعم الخبيثة فلا يجوز التداوي بها وذكر الدليل والتعليل في غير موضع.

ويحرم بصوت ملهاة وغيره كسماع الغناء، ويجوز ببول

ص: 12

مأكول اللحم لقصة العرنيين وتحرم التميمة وهي: عوذ أو خرز أو خيوط ونحوها يتعلقها، لقوله عليه الصلاة والسلام "من تعلق تميمة فلا أتم الله له) وفي رواية "من تعلق تميمة فقد أشرك" ولا بأس بكتب قرآن وذكر في إناء ثم يسقى منه مريض وحامل لعسر ولادة.

ويباح التداوي بمباح إجماعا. ولا يجب عند جمهور العلماء. ولو ظن نفعه واختار القاضي وغيره فعله وفاقا لأكثر الشافعية. وعند الحنفية أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب.

ومذهب مالك أن التداوي وتركه سواء. والمشهور في مذهب أحمد وغيره أن تركه أفضل لأنه أقرب إلىلتوكل لحديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون. ولا يكتوون. ولا يتطيرون. وعلى ربهم يتوكلون.

وصفهم بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم. أن يرقيهم لرضاهم عنه. وثقتهم به. وصدق الالتجاء إليه. وإنزال حوائجهم به تعالى. واعتماد قلوبهم عليه. مع أن مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهة فيه غير قادح في التوكل فلا يكون تركه مشروعا لحديث "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" كما أنه لا يقدح فيه دفع ألم الجوع والعطش.

(وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "حق المسلم على المسلم خمس) والمراد الحق الذي لا ينبغي تركه ويكون فعله

ص: 13

إما واجبا وإما مندوبا مؤكدا شبيها بالواجب الذي لا ينبغي تركه وفي لفظ "خمس" تجب للمسلم على أخيه (وذكر) من الخمس (عيادة المريض متفق عليه) وهي سنة إجماعا حكاه النووي وغيره.

وقال شيخ الإسلام الذي يقتضيه النص وجوب عيادة المريض. كرد السلام وأوجبها البخاري وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهما. والسنة تدل على أنها واجبة أو سنة مؤكدة شبيهة بالواجب. ففي الصحيح "عودوا المريض" ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب. قال الحافظ يعني على الأعيان وعامة في كل مرض ولعل المراد مرة ويسن أكثر لقصة سعد فيقال هو واجب على الكفاية. أو في حق بعض دون بعض. ولابن ماجه بالمعروف أي يأتي به على الوجه المعتاد عرفًا.

ويعاد من كل مرض. وكان عليه الصلاة والسلام "يعود من الرمد وغيره" قال ابن القيم في عيادته صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم من وجع كان بعينه فيه رد على من زعم أنه لا يعاد من الرمد وعللوه بأنه يرى في بيته ما لا يراه وهذا باطل من وجوه اهـ، ويغيب بها عند الأكثر والأوجه أنها تختلف باختلاف حال الناس والعمل بالقرائن وظاهر الحال ونحو قريب ومن يشق عليه عدم رؤيته كل يوم يسن لهم المواصلة ما لم يفهموا كراهيته.

ومن أول المرض لخبر "إذا مرض فعده" قال ابن القيم

ص: 14

وغيره لم يخص صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام ولا وقتا من الأوقات بعيادة بل في سائر الأوقات. ولا يطيل الجلوس في الجملة. ويعمل بالقرائن، وظاهر الحال، وورد في فضلها آثار كثيرة منها ما رواه مسلم وغيره "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة" أي في اجتناء ثمارها حتى يرجع وورد عن أكثر من عشرة من الصحابة مرفوعا "من عاد مريضا خاض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح" وهو عند الخمسة وغيرهم.

ونص أحمد وغيره لا يعاد المبتدع والداعية فقط. وفي النوادر تحرم عيادة المبتدع ومن جهر بالمعصية. ومن فعل بحيث يعلم جيرانه ولو في داره فمعلن. والمستتر من لا يعلم به غالبا إما لبعد أو نحوه غير من حضره واعتبر الشيخ المصلحة في ذلك. وقال في عيادة النصراني: لا بأس بها فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام وعاد النبي صلى الله عليه وسلم يهوديا فأسلم. وعاد عمه وهو مشرك.

ويسن السؤال عن حاله ويقول: كيف تجدك؟ ويسأل عما يشتهيه ويخبره المريض بما يجده بلا شكوى. ويأخذ الزائر بيده ويقول: لا باس طهور إن شاء الله. وينفس له في أجله لما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما "إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله. فإن ذلك لا يرد شيئا". وإنما هو تطييب لنفسه.

ص: 15

وإدخال السرور عليه. وتخفيف لما يجده من الكرب وقيل لهارون وهو عليل: هون عليك وطيب نفسك فإن الصحة لا تمنع من الفناء والعلة لا تمنع من البقاء فقال والله لقد طيبت نفسي. وروحت قلبي.

ويسن أن يدعو له لما ورد كما في صحيح مسلم أنه دعا لسعد "اللهم اشف سعدا" ثلاثًا وكان أحيانا "يضع يده على جبهة المريض ثم يمسح صدره وبطنه ويقول: "اللهم اشفه ويمسح بيده اليمنى على المريض ويقول أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما" متفق عليه ولأحمد أنه قال "ما من مسلم يعود مريضا لم يحضره أجله فيقول سبع مرات: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي".

وعاد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال "باسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك" رواه مسلم وكان يرقي عليه السلام من به قرحة أو جروح أو شكوى فيضع سبابته بالأرض ثم يرفعها فيقول "بسم الله بتربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا" متفق عليه ولهما أنه كان ينفث على نفسه. وقال لعثمان بن أبي العاص "ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا. وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".

ص: 16

ويسن أن يذكره التوبة لأنه أحوج إليها من غيره لنزول مقدمات الموت به. ويذكره الخروج من المظالم لأنه شرط لصحة التوبة. ويذكره الوصية ويرغبه فيها. ولو كان مرضه غير مخوف لأن ذلك مطلوب حتى من الصحيح. وذهب بعضهم إلى وجوبها. والجمهور على استحبابها في المتبرع به. وأما بأداء الديون ورد الأمانات ونحو ذلك مما يتوقف على الإيصاء به فواجب عليه.

وينبغي له أن يحرص على تحسين خلقه. وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا. وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار العمل فيختمها بخير. ويستحل أهله وجيرانه ومن بينه وبينه معاملة. ويوصي أهله بالصبر عليه والدعاء له.

(ولمسلم) والخمسة وغيرهم عنه مرفوعا "لقنوا موتاكم" أي ذكروهم عند الاحتضار (لا إله إلا الله) ولابن عدي "أكثروا من لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها. ولقنوها موتاكم" أي لتكون آخر كلامهم وروي من حديث عطاء عن أبيه عن جده "من لقن عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة" ولأحمد وغيره عن معاذ مرفوعا "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" ولمسلم "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" وله "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" ولابن أبي حاتم من حديث

ص: 17

حذيفة "فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا".

وسماهم موتى باعتبار ما يؤولون إليه. والمراد من قرب منه الموت. ولا يقال له قل بل يتشهد عنده ليقولها فيموت عليها فتنفعه بحصول ما وعده الله عليها. ولأن تلك حالة يتعرض فيها الشيطان لإفساد اعتقاد الإنسان فيحتاج إلى مذكر له. ومنبه على التوحيد. والتلقين سنة مؤكدة مأثورة عمل بها المسلمون وأجمعوا عليها وعلى القيام بحقوق الميت واستفاض من غير وجه. في الصحيحين وغيرهما أن قول لا إله إلا الله من موجبات دخول الجنة من غير تقييد بحال الموت فبالأولى إذا كان في وقت لا تعقبه معصية. وإن لم يجب أعاد تلقينه برفق إجماعا ليكون آخر كلامه الشهادة. وفي قصة أبي طالب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه.

ويسر التلقين برفق لأنه مشغول بما هو فيه فربما حصل له التأذي به إذا كان بعنف. ويسن تعاهد أرفق أهله وأتقاهم وأعرفهم بمدارات المريض ببل حلقه بماء. أو شراب. فيجرع الماء والشراب إن ظهرت أمارة تدل على احتياجه له. كأن يهش إذا فعل به ذلك لأن العطش يغلب عند شدة النزع. وقبض الروح.

ويندي شفتيه بقطنة لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة. ويسهل عليه النطق بالشهادة. وأجمع أهل العلم على

ص: 18

وجوب الحضور عنده لتذكيره وتأنيسه. وتغميضه والقيام بحقوقه كما هو ظاهر الحديث. ويستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتمال الصبر على ما يشق من أمره. وكذا من قرب موته بسبب حد أو قصاص أو نحوهما لقوله عليه الصلاة والسلام لولى التي زنت "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها"

(ولأبي داود عن معقل) بن يسار بن عبد الله المزني حفر نهر معقل بالبصرة بأمر عمر فسمي به ومات في آخر خلافة معاوية رضى الله عنهما (مرفوعا) يعنى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اقرءوا على موتاكم يس) بسكون النون على الحكاية ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه وأعله الدارقطني وابن القطان. وقال أحمد حدثنا صفوان قال كانت المشيخة يقولون إذا قرئت يس عند الموت خفف عنه بها. وفي الفردوس عن أبي الدرداء وأبي ذر مرفوعا "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون الله عليه".

وذكر ابن القيم رواية: "عند موتاكم" أي من حضره الموت منكم لأن الميت لا يقرأ عليه. وقال ابن حبان المراد من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه. وقال شيخ الإسلام القراءة على الميت بعد موته بدعة. بخلاف القراءة على المحتضر فإنها تستحب بيس وقيل الحكمة في قراءتها: اشتمالها على أحوال القيامة وأهوالها، وتغير الدنيا وزوالها ونعيم الجنة وعذاب جنهم

ص: 19

فيتذكر بقراءتها تلك الأحوال الموجبة للثبات.

(وأوصى البراء) بن معرور الأنصاري الخزرجي السلمي أول من بايع واستقبل القبلة حيا وعند وفاته ما تقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بشهر فأوصى عند وفاته (أن يوجه إلى القبلة إذا احتضر فقال صلى الله عليه وسلم أصاب السنة) وفي رواية أصاب الفطرة ثم صلى عليه وقال "اللهم اغفر له وأدخله الجنة"(صححه الحاكم) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي النيسابوري الشافعي الحافظ سمع من نحو ألفي شيخ مات سنة خمس وأربعمائة ورواه البيهقي وغيره.

وقال الحاكم لا أعلم في توجيه المحتضر غيره. وأمر حذيفة أصحابه عند موته أن يوجهوه إلى القبلة وروي عن فاطمة وغيرها ويأتي ما رواه أبو داود وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال عن البيت الحرام "قبلتكم أحياء وأمواتا" ولا نزاع في توجيه المحتضر إلى القبلة بل العمل عليه خلفا عن سلف. وعلى جنبه الأيمن أفضل إن كان المكان واسعا وهو مذهب الجمهور.

وفي الصحيحين وغيرهما: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ ثم اضطجع على شقك الأيمن" وفيه "فإن مت من ليلتك

فأنت على الفطرة" وغيره مما فيه إشارة إلى أن يكون المحتضر على تلك الهيئة وإن ضاق المكان فعلى ظهره مستلقيا

ورجلاه إلى القبلة كوضعه على مغتسله. وعند أكثر

ص: 20

أصحاب الأئمة وغيرهم. وهو رواية عن أحمد أنه يوجه مستلقيا على قفاه. سواء كان المكان واسعا أو ضيقا لأنه أيسر لخروج الروح. وندي شفتيه وتغميضه وشد لحييه وأمنع من تقويس أعضائه. وقال جماعة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة.

(وعن أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة" بن عبد الأسد الأسدي هاجر إلى الله ورسوله وتوفي سنة أربع فدخل عليه (وقد شق بصره) بفتح الشين يقال شق الميت بصره إذا حضره الموت وصار ينظر إلى شئ لا يرتد عنه طرفه (فأغمضه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم) والحديث دليل على استحباب تغميض بصره إذا مات وهذا بإجماع المسلمين وذكر أبو داود أن أبا ميسرة غمض جعفرا المعلم في حالة الموت فرآه في منامه يقول. أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل الموت. وفيه أن الأرواح أجسام هوائية لطيفة وليست بعرض.

ولأحمد عن شداد مرفوعا "إذا حضرتم الميت فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح" ولأنه إذا لم تغمض العينان

بقيت مفتوحة فيقبح منظره ويساء به الظن. وفي حديث

أم سلمة: قال صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لأبي سلمة. وارفع درجته في المهديين. واخلفه في عقبه في الغابرين.

واغفر لنا وله يا رب العالمين. وأفسح له في قبره ونور

له فيه" فينبغى أن يقال نحو ذلك وفيه:

ص: 21

"لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" وفي حديث شداد "وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت" ويقول حال تغميضه "بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما رواه البيهقي وغيره عن بكر بن عبد الله المزني ولفظه "وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ويسن إذا مات شد لحييه بعصابة ونحوها تجمع لحييه ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى فمه مفتوحا. ويتشوه خلقه وتدخله الهوام. وقال عمر لما حضرته الوفاة لابنه عبد الله: إذا رأيت روحي بلغت لهاتي. فضع كفك اليمنى على جبهتى واليسرى تحت ذقنى وينبغى تليين مفاصله عقب موته ليسهل تغسيله فإن شق تركه.

(ولهما عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي) أي غطي جميع بدنه صلوات الله وسلامه عليه (ببرد حبرة) وزن عنبة ويجوز إضافة البرد إلى الحبرة ووصفه بها والحبرة ما كان لها أعلام. والتسجية مستحبة إجماعا بعد نزع الثياب التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها. والحكمة صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين. قال الجوهري: سجيت الميت إذا مددت عليه ثوبا.

وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بعد أن زاغت الشمس لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة عشر. ودفن صلوات الله

ص: 22

وسلامه عليه ليلة الأربعاء وله ثلاث وستون سنة. منه أربعون قبل النبوة وسيرته صلى الله عليه وسلم وشرفه ملء النفوس والمكاتب. وتولى غسله ودفنه علي والعباس وأسامة. وقيل: والفضل وشقران.

ويسن وضع حديدة أو نحوها على بطنه فوق ثوبه المسجى به. قال أنس: ضعوا على بطنه شيئا من حديد لئلا ينتفخ بطنه ويقبح منظره. وقدر بعضهم ما يوضع عليه بقدر عشرين درهما. ويوضع على سرير غسله ليرتفع عن الهوام ونداوة الأرض منحدرا نحو رجليه لينصب عنه ما يخرج منه.

(وعن الحصين) بن وحوح الأنصاري قال البخاري: له صحبة قال ابن السكن: قتل بالعذيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لاينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني) زيد فيه الألف والنون تأكيدا وفي لفظ "أظهر" وفي لفظ "ظهري"(أهله) وذلك أن طلحة بن البراء الأنصاري مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال "إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا" الحديث (رواه أبو داود) ولأحمد وغيره عن علي نحوه.

ويشهد له أحاديث الحث على الإسراع بالجنازة وأجمع العلماء على سنية الإسراع في تجهيزه إن مات غير فجأة وسماه جيفة لما يؤول إليه حاله. والجيفة جثة الميت إذا أنتن فالإسراع

ص: 23

في تجهيزه أحفظ له وأصون من التغير وإن كان صالحا فخير يقدم إليه كما سيأتي. وقال أحمد: كرامة الميت تعجيله ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من ولي أوغيره إن كان قريبا ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين.

ولا بأس بتقبيله والنظر إليه بعد تكفينه. قالت عائشة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون. وقبل جابر أباه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ولتقبيل أبي بكر له صلى الله عليه وسلم ولم ينكر فكان إجماعا. ويباح إعلام الناس بموت قريبهم للمبادرة لتهيئته وشهود جنازته والصلاة عليه وغير ذلك بخلاف نعي الجاهلية من النداء بموت الشخص وذكر مآثره ومفاخره.

قال ابن العربي وغيره: يؤخذ من مجموع الأحاديث في النعي ثلاث حالات إعلام الأقارب والأصحاب وأهل الصلاح فسنة. ودعوة الحفل للمفاخرة فتكره. والإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فتحرم اهـ. ونعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه ونعى الأمراء والنعي ليس ممنوعا كله وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.

وإن مات فجأة بسبب صعقة أو هدم أو حرق أو خوف من حرب أو سبع أو ترد من جبل أو في بئر ونحو ذلك أو كان مبطونا أو مطعونا ونحو ذلك انتظر يه حتى يتيقن موته بعلامات

ص: 24

تدل عليه كانخساف صدغيه. وغيبوبة سواد عينيه. وميل أنفه. وانفصال كفيه. واسترخاء رجليه. وامتداد جلدة وجهه. وغير ذلك مما يدل على موته. ووجه جواز تأخيره لاحتمال أن يكون عرض له سكتة ونحوها وقد يفيق بعد يوم أو يومين. أو ثلاثة. وقد يعرف موت غير الفجأة بهذه العلامات وغيرها.

وموت الفجأة أشق وفي الأثر "وأعوذ بك من موت الفجأة" ولأحمد قال: أكره موت الفوات ولعله لما فيه من خوف حرمان الوصية وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة والأعمال الصالحة. وعن عائشة وابن مسعود: موت الفجأة راحة للمؤمن. وأسف على الفاجر. وذكر المدائني أن الخليل في جماعة من الأنبياء ماتوا فجأة. قال: وهو موت الصالحين وهو تخفيف على المؤمنين وقد يقال: إنه لطف ورفق بأهل الاستعداد للموت.

(وعن أبي هريرة مرفوعا نفس المؤمن) أي روحه الذي إذا فارق البدن ليس بعده حياة (معلقة بدينه) أي مطالبة بما عليه ومحبوسة عن مقامها الكريم أو عن دخولها الجنة في زمرة الصالحين ولأحمد عن سمرة أنه قال صلى الله عليه وسلم "إن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه"(حتى يقضى عنه) دينه أي يقضيه وارث ونحوه ففيه الحث على قضاء دينه في الحياة وقضاء الولي

والورثة وغيرهم. عنه بعد الوفاة رواه أحمد والشافعي وغيرهما و (حسنة الترمذي) ولحديث "قضى بالدين قبل

ص: 25

الوصية" ولما فيه من إبراء ذمته ويجب إن أمكن قبل الصلاة عليه لعدم صلاته عليه الصلاة والسلام على من عليه دين وقوله "صلوا على صاحبكم".

فإن تعذر قضاؤه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه لقصة أبي قتادة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعليه دين" قالوا نعم قال: "صلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلي دينه. ولما قال له: قضيتها، قال نعم، قال:"الآن برد عليه جلده" وسواء كان الدين عليه من نذر أو زكاة أو حج أو كفارة أو غير ذلك أو لآدمي كرد أمانة وغصب وعارية وغير ذلك أوصى به أو لم يوصِ به ويقدم على الوصية. وإنما قدمها في القرآن لمشقة إخراجها على الوارث. فقدمت حثًّا على الإخراج ولذلك جيء بكلمة أو التي تقتضي التسوية. فاستويا في الاهتمام وعدم التضييع وإن كان الدين مقدمًا عليها وهو مقيد بمن له مال يقضى منه دينه أو وجد من يتبرع عنه بالقضاء أو من لا مال له ومات عازمًا على القضاء فقد ورد أحاديث تدل على أن الله يقضي عنه. بل محبته لقضائه موجبة لقضاء الله عنه. ويقضى عنه. من بيت مال المسلمين وهو أحد المصارف الثمانية. ولما في الصحيح "ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني" وفي لفظ "فإليَّ وعليَّ" وثبت أنه كان يصلي بعد أن وسع الله على من مات مديونا ويقضي عنه.

ص: 26