المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أهل الزكاة - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجَنَائِز

- ‌فصل في غسل الميت

- ‌فصل في كفنه

- ‌فصل في الصلاة عليه

- ‌فصل في دفنه

- ‌فصل في زيارة القبور

- ‌فصل في التعزية

- ‌كِتابُ الزكَاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة النقدين

- ‌فصل في الحلي

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

- ‌فصل فيمن لا تحل له

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتابُ الصِّيَام

- ‌باب ما يفسد الصوم

- ‌فصل في الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوم

- ‌فصل في القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌فصل فيما نهي عن صومه

- ‌فصل في ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتابُ المناسِك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌«باب صفة الحج»

- ‌فصل في الدفع إلى المزدلفة

- ‌فصل في الإفاضة

- ‌فصل في أيام منى

- ‌فصل في النفر

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحية

- ‌فصل في العقيقة

الفصل: ‌باب أهل الزكاة

وفيها جواز تعجيل الزكاة قبل وجوبها. ولو لعامين. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير أهل العلم لأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين. والمراد بعد كمال النصاب. قال الموفق بغير خلاف أعلمه. وقال الشيخ وغيره يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سيب الوجوب عند جماهير العلماء. فيجوز تعجيل زكاة الماشية والنقدين وعروض التجارة إذا ملك النصاب. ويجوز تعجيل العشريات قبل وجوبها إذا كان قد طلع الثمر قبل بدو صلاحه ونبت الزرع قبل اشتداد حبه وصرح جماعة بجواز تعجيلها من ولي كمالك.

ولا يستحب تعجيلها خروجًا من خلاف من منعه. وإن أخذ الساعي منه زيادة على الواجب ونواه قال الشيخ باسم الزكاة ولو فوق النصاب بلا تأويل اعتد به. ويجوز للإمام التأخير إذا كان لصاحبها حاجة إليها ونحوه. لما روي عن عمر أنه أخرها عام الرمادة لجدب اتفق فيه. ثم أخذت منهم العام القابل.

‌باب أهل الزكاة

أي ذكر اصناف من يجوز دفع الزكاة إليه من أهلها الذين جعلهم الله محلا لدفعها. وذكر من لا يجوز دفعها إليه. وما يتعلق بذلك من بيان شروطهم. وقدر ما يعطاه كل واحد منهم.

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتِ} أي الزكاة المفروضة. قال

ص: 180

الشيخ ويدخل فيها صدقة التطوع وسائر المعروف اهـ. وسبب نزول هذه الآية لما لمز بعض المنافقين رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسم الصدقات. بين تعالى المستحقين لها. وأنه صلى الله عليه وسلم لا تعلق له منها بشيء. فلا مطعن عليه. وأتى تعالى بإنما المفيدة للحصر. المفصحة بإثبات ما بعدها. ونفي ما سواه.

ولأبي داود وغيره عن زياد بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء. فإن كنت منهم أعطيتك" قال الموفق وغيره لا نعلم خلافا بين أهل العلم أنه لا يجوز دفعها إلى غيرهم. إلا ما روي عن أنس والحسن. فلا يجوز صرفها في بناء المساجد والقناطر وسد البثوق وتكفين الموتى ووقف المصاحف وغيرها من جهات الخير. وحكاه الوزير وغيره اتفاقا. لتعينها لمن عينت له.

قال الشيخ ولا ينبغي أن تعطى إلا لمن يستعين بها على طاعة الله. فإن الله فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين أو لمن يعاونهم. فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطى منها حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة. قال ولا يجوز أن يعطى من الزكاة من يصنع بها دعوة وضيافة للفقراء ولا يقيم بها سماطا لا لوارد ولا لغير وارد بل أن تعطي ملكا للفقراء المحتاجين ينفقونها على أنفسهم وعيالهم. ويقضون بها ديونهم ويصرفونها في حاجاتهم.

ص: 181

{لِلْفُقَرَاءِ} بدأ تعالى بهم لشدة حاجاتهم ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم وهم من لا يجدون شيئا أو يجدون بعض الكفاية والفقير من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول. أي مفقور. وهو الذي نزعت فقرة ظهره. فانقطع صلبه. ومثلوه بالزمن والأعمى (وَالْمَسَاكِينَ) وهم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره. لخبر "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف" وقال تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} .

والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة. والفقر والمسكنة عبارتان عن شدة الحاجة وضعف الحال. فالفقير هو الذي كسرت الحاجة فقار ظهره والمسكين هو الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت وهما صنفان في الزكاة عند الاقتران. وصنف واحد في سائر الأحكام لأن كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما فيعطى الصنفان من الزكاة كفايتهما مع عائلتهما لأن كل واحد مع عائلته مقصود دفع حاجته سنة يتكرر بتكرر الحول.

ومن ملك ولو أثمانا لا تقوم بكفايته أعطي تمام كفايته. فإن الغني الذي لا يجوز إعطاؤه منها هو ما يعده الناس غنيا. ويحصل به الكفاية على الدوام. إما من إجارة أرض أو عقار أو غير ذلك. فمن كان محتاجا حلت له. وإن ملك نصبا. قال الشافعي وغيره قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسبه. ولا

ص: 182

يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه. وكثرة عياله.

وقال أحمد وغيره إذا كان له عقار وضيعة يستغلها عشرة آلاف مثلا أو أكثر ولا تكفيه يأخذ من الزكاة. ويكون له الزرع القائم وليس له ما يحصده يأخذ منها. وقال الشيخ وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته. وإن لم ينفقه بعينه فيها. وكذا من له كتب يحتاج للحفظ والمطالعة. أول لها حلي للبس أو كراء تحتاج إليه لا يمنع ذلك الأخذ من الزكاة.

{وَالْعَامِلِينَ} أي الساعين {عَلَيْهَا} الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها. كجباتها وحفاظها وحسابها وكتابها وقسامها بين مستحقيها. وعدادها وكيالها ووزانها. وجماع المواشي ورعاة وجمال. ومن يحتاج إليهم فيها. لدخولهم في مسمى العاملين عليها فيجوز إعطاؤهم قدر أجرتهم. ولو أغنياء إجماعا. وكان صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عليها. فبعث عمر وأبا موسى وغيرهما. ولانزاع في ذلك. ويلزمهم رفع حساب ما تولوه إذا طلب منهم وفي الفروع مع التهمة.

ويشترط التكليف والإسلام والأمانة والكفاية اتفاقا. لأنها ضرب من الولاية. ويأتي المنع من تولية أهل الذمة في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. وجوز بعضهم أن يكون الحامل والراعي ونحوهما من ذوي القربى ومواليهما. قال في الإنصاف بغير خلاف. لأن ما يأخذه للعمل لا للعالمة.

ص: 183

{الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} جمع مؤلف. وهو السيد المطاع في عشيرته. وهم قسمان مسلمون وكفار. والمسلمون أقسام من أشراف العرب كعيينة والأقرع. فيعطون لتقوى رغبتهم في الإسلام. وقسم نيتهم قوية فيعطون تألفا لقومهم. وترغيبا لأمثالهم في الإسلام. وقسم بإزاء قوم كفار في موضع لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بكلفة. وقوم بإزاء قوم يمنعون الزكاة فيأخذها منهم.

ومؤلفة الكفار كصفوان بن أمية. لما يرى من ميلهم إلى الإسلام. فيعطون رجاء إسلامهم. أو من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وشر غيره. أو إسلام نظيره. وحكمهم باق لإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. وأما ترك عمر وعثمان فلعدم الحاجة إليهم في خلافتهم. لاف في سقوط سهمهم. وهذا مذهب جمهور العلماء.

ومنع وجود الحاجة على ممر الزمان واختلاف أحوال الناس في القوة والضعف لا يخفى فساده، وقال الشيخ ويجوز بل يجب الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليف قلبه. وإن كان لا يحل له أخذ ذلك كما في القرآن العزيز. وكما كان صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الفيء {وَفِي الرِّقَابِ} اي وي فك الرقاب رقاب المماليك. فيشتري بها رقبة لا تعتق عليه فيعتقها. وأما من تعتق عليه فكدفعها إليه. ويعطى المكاتب وفاء دينه لعجزه عن وفاء ما عليه. ولو مع قدرته على التكسب. وقال تعالى

ص: 184

{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} والجمهور على أنهم من الرقاب. ولا نزاع في ثبوت سهمهم.

{وَالْغَارِمِينَ} أي المدينين والغرم في الأصل لزوم ما يشق على النفس وسمي الدين غرما لكونه شاقا على الإنسان والغارمون نوعان. غارم لإصلاح ذات البين وهي الوصل لقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وقوله {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وللخبر الآتي وغيره. وذلك بأن يقع بين جماعة –كقبيلتين- تشاجر في دماء أو أموال. وتحدث بينهم الشحناء والعداوة. فيتوسط بالصلح لهم. ويلتزم في ذمته عوضا عما بينهم. ليطفئ الثائرة بينهم فقد أتى معروفا ومن المعروف حمله عنه من الزكاة. لئلا يجحف بسادات المصلحين. أو يوهن عزائمهم. وقد جاء الشرع بجعل نصيب لهم في الزكاة. ولو مع غناهم.

والنوع الثاني من استدان لنفسه فيعطي عنه دينه بلا نزاع. لكن مع الفقر في مباح لا معصية. قال الشيخ من أظهر بدعة أو فجورا فإنه يستحق العقوبة بالهجر والاستتابة فكيف يعان على ذلك اهـ. ومن به سببان أخذ بهما اتفاقا (وفي سبيل الله) أي وفي النفقة في سبيل الله. والمراد الغزاة المتطوعة الذين لا ديون لهم. أو لهم لكن دون ما يكفيهم والسبيل عند الإطلاق هو الغزو. لقوله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} وإنما استعملت

ص: 185

هذه الكلمة في الجهاد. لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين. ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم في الديوان إذا كانوا متطوعة. لأن من له رزق راتب يكفيه فهو مستغن به.

وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور يأخذ الغني منهم كما يأخذ الفقير ذهابا وإيابا. وثمن سلاح ودرع وفرس ونحو ذلك لأنه مصلحة عامة. وفرضه الله ورسوله. ومتى ادعى أنه يريد الغزو قبل قوله ودفع إليه دفعا مراعا من سائر ما يحتاج إليه.

ويجزئ أن يعطي منها فقير لحج وعمرة لقوله صلى الله عليه وسلم "اركبها فإن الحج من سبيل الله" ولا يحج بزكاة ماله ولا يغزو بها ولا يشتري بها فرسا يحسبها في سبيل الله أو عقارا يقفه على الغزاة اتفاقا. لأن نفسه ليست مصرفا لزكاته. كما لا يقضي بها دينه. ولأن الشراء المذكور ليس من الإيتاء المأمور به.

{وَابْنَ السَّبِيلِ} أي الطريق. سمي من لزمها ابن سبيل. كما يقل ولد الليل لمن يكثر خروجه فيه. وكل من لزم شيئا سمي به في الغالب. وابن السبيل هو المسافر المنقطع به. لا المنشئ للسفر من بلد إلى غيره. لأنه ليس في سبيل. ولا يتناوله النص اتفاقا. وإنما يصير ابن سبيل في ثاني حال. فيعطى ما يوصله إلى بلده. ولو كان موسرا في بلده. وأما مع فقره فيعطى لفقره. ولكونه ابن سبيل ما يوصله. ولا خلاف في استحقاق ابن السبيل. وبقاء سهمه ويدخل في ابن السبيل الضيف.

ص: 186

وإن فضل مع ابن سبيل أوغاز أو غارم أو مكاتب شيء رده. لأنهم لا يملكون ذلك من كل وجه. بل ملكا مراعا. ولزوال السبب. فيجب رد الفاضل بزوال الحاجة. بخلاف الأربعة الأول. فإنهم لا يردون شيئا لأن اللام في ذلك للملك. فثبت لهم ملك مستقر. والحاصل أن أهل الزكاة قسمان. قسم يأخذ بسبب يستقر الأخذ به هو الفقر والمسكنة والعمالة والتأليف وقسم يأخذ بسبب لا يستقر الأخذ به وهو الكتابة. والغرم. والغزو والسبيل. فالأول من أخذ شيئا صرفه فيما شاء كسائر ماله. والثاني إذا أخذ شيئا صرفه فيما أخذه له فقط. لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه فإن التعبير في الآية للأول باللام للملك. وفي الثاني ينادي على المراعاة في ذلك بفي. وهي للظرفية.

ثم لما أخبر تعالى أنه حصرها في الأصناف الثمانية قال {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بمصالح عباده {حَكِيمٌ} فيما فرضه عليهم. لا يدخل في تدبيره وحكمه نقص. ولا خلل. وذكر ابن جرير وغيره أن عامة أهل العلم يقولون للمتولي قسمتها ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء بحسب المصلحة الشرعية. وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاما منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجابا بقسمتها بين الأصناف الثمانية.

ص: 187

ويؤيده قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} "تؤخذ من أغنائهم فترد على فقرائهم" وذكر غير واحد أنها جعلت لسد خلة المسلمين ومعونة الإسلام.

وتقويته. فيلحق به من كان في مصلحة عامة للمسلمين مدة قيامه بها. وهو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه والسلف بعدهم. قال الشيخ ويجب تحري العدل بحسب الإمكان.

(وقال صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة) أي الزكاة المفروضة (لغني) إجماعا. وهو من عده الناس غنيا كما تقدم (ولا لذي مرة) بكسر الميم وتشديد الراء أي قوة على الكسب (سوي) أي سوي الأعضاء سالمها (رواه الخمسة) أحمد وأبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو. وأحمد أيضا والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة.

وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورآهما جلدين فقال "إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم. وظاهرهما أن مجرد القوة لا تقتضي عدم الاستحقاق إلا إذا اقترن بها الكسب. وهذا الحديث وما في معناه دليل على تحريمها على الغني سوى ما استثناه الشارع. كما هو مفهوم الآية. وإن القوي المكتسب يصير بالحرفة في حكم الغني تحرم عليه الصدقة.

ص: 188

(ولأبي داود) وأحمد وابن ماجه ومالك والبزار وعبد الله بن حميد وأبي يعلى والبيهقي والحاكم وصححه (عن أبي سعيد مرفوعا) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تحل الصدقة) أي ولا يجزئ دفعها (لغني إلا لخمسة) أي فتحل لهم مع الغنى لأنهم أخذوها بوصف آخر (لعامل عليها) أي على الزكاة. وإن كان غنيا. لأنه يأخذ أجره على عمله لا لفقره.

(أو رجل اشتراها) أي الزكاة (بماله) من الفقير الذي أخذها فإنها قد وافقت مصرفها. وزال عنها اسم الزكاة وتغيرت الأحكام المتعلقة بها. وصارت ملكا لمن صرفت إليه فإذا باعها فقد باع ما ليس بزكاة حين البيع بل ملك له (أو غارم) والمراد لإصلاح ذات البين فتحل له وإن كان غنيا. فإنه يجوز أن يقضي ذلك الغرم من الزكاة وتقدم (أو غاز في سبيل الله) فيحل له أن يتجهز من الزكاة. وإن كان غنيا لأنه ساع في سبيل الله.

(أو مسكين تصدق عليه) أي على المسكين بشيء من الزكاة (فاهدى) ما دفع إليه (منها لغني) فتحل له لأن الزكاة بلغت محلها. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة "هو عليها صدقة وهو لنا منها هدية" وليس بقيد ولأبي داود "ورجل تصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك" قال ابن عبد البر وغيره هذا الحديث مفسر لمجمل قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" وأنه لس على عمومه.

ص: 189

وأجمع أهل العلم على أن الصدقة المفروضة لا تحل لغير الخمسة المذكورة. كما ذكره الباجي وغيره. فإن دفعها لغني غير هؤلاء عالما بغناه لم تجز بلا خلاف. وما ورد بدليل خاص. كان تخصيصا لهذا العموم "وفي لفظ أو ابن سبيل) وهو المسافر المنقطع به كما تقدم. فيأخذ من الزكاة ما يوصله وإن كان غنيا في بلده.

(ولمسلم) وأحمد وأبي داود والنسائي وغيرهم (عن قبيصة) ابن مخارق بن عبد الله بن شداد العامري الهلالي. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ستة أحاديث هذا الخبر (مرفوعا إن المسألة) أي الطلب من أموال الناس (لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل) بالكسر بدل من ثلاثة ويصح الرفع بتقدير أحدهم (تحمل حمالة) بفتح الحاء. وهو المال يتحمله الإنسان عن غيره. والحميل الضامن سواء كان دينا أو دية أو غرامة أو ليصلح بمال بين طائفتين (فحلت له المسألة) أي جازت له المسألة من أموال الناس مع غناه. لأنه لا يلزمه تسليمها من ماله لكن بشرط (حتى يصيبها) أي يجد ما يؤدي حمالته. أو يأخذ الصدقة (ثم يمسك) عن المسألة وهذا أحد الخمسة المتقدمة.

(ورجل أصابته جائحة) أي آفة مهلكة للثمار والأموال. سماوية أو أرضية كالبرد والجراد والغرق ونحو ذلك (اجتاحت ماله) أي أهلكت ماله بحيث لم يبق له ما يقوم

ص: 190

بعيشته (فحلت له المسألة) من أموال الناس وإن كان قبل غنيا (حتى يصيب قواما) بكسر القاف ما يقوم بحاجته وسد خلته. وقوام الشيء عماده القائم به (من عيش) أي ما يقوم بمعيشته يعني بحاجته الضرورية من أكل ولباس وغيره.

(ورجل أصابته فاقة) أي حاجة شديدة اشتهر بها بين قومه (حتى يقول) على رءوس الأشهاد (ثلاثة من ذوي الحجى) بكسر الحاء أي ذوي العقول الكمل (من قومه) والمراد حيث كان معروفا بالغنى ثم افتقر. وخص ذوي الحجى من قومه لأنهم أخبر بحاله يقولون (لقد أصابت فلانا فاقة) ولا يقبل من غلب عليه الغباوة والتغفيل. وكونهم ثلاثة هو مذهب الجمهور.

(فحلت له المسألة) بسبب هذه القرائن الدالة على صدقه (حتى يصيب قواما من عيش) يقوم بحاجته (فما سواهن من المسألة يا قبيصة) أي في هذه الأحوال الثلاث.

وكذا ما في حديث سمرة من جواز سؤال السلطان. وفي الأمر الذي لا بد منه (سحت) بضم السين المهملة. والسحت الحرام الذي لا يحل كسبه. سمي سحتا لأنه يسحت البركة ويذهبها (يأكلها) أي يأكل السائل ما لا يحل له من الصدقة (سحتا) أي حراما لا يجوز سؤاله. فلا يجوز دفع الزكاة لغني إلا لمن قام به أحد هذه الأوصاف ونحوها.

ص: 191

(ولهما أنه) صلى الله عليه وسلم (أعطى المؤلفة قلوبهم) فمن حديث أبي سعيد وغيره صلى الله عليه وسلم أعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة العامري وزيد الطائي فقالت قريش: تعطي صناديد نجد فقال: "لا تألفهم وأعطى صناديد الطلقاء وأشرافهم وعد ابن الجوزي المؤلفة نحو الخمسين ولمسلم عن صفوان بن أمية قال أعطاني يوم حنين يعني قبل إسلامه. وإنه لأبغض الناس إلي. فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي. وذكر أنه استبصره أربعة أشهر لينظر في أمره وأومأ له عام حنين إلى إبل محملة. فقال "هذا لك" فقال: صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر.

وقال ابن عباس كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيرضخ لهم من الزكاة فإذا أعطاهم قالوا هذا دين صالح. وإلا عابوه. وتقدم أن سهمهم باق للآية. وبراءة من آخر ما نزل. ومن زعم أنه منسوخ فقد أبعد النجعة.

(ولمسلم قال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقم يا قبيصة) أمر من الإقامة. بمعنى أثبت أي امكث عندنا واصبر. وكن في المدينة مقيما. وكان تحمل حمالة فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فيها فقال اقم (حتى تأتينا الصدقة) أي يحضرنا مال من الزكاة (فنأمر لك بها) أي بالصدقة أو بالحمالة. وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر. فدل على جواز الاقتصار على

شخص واحد من الأصناف الثمانية. قال في

ص: 192

المبدع وغيره في قول جماهير العلماء. ولأنه لما لم يمكن استغراق الأصناف حمل على الجنس. وكالعامل اتفاقا. ولما في الاستيعاب من العسر. وهو منتف شرعا. ويجوز دفعها لى غريمه أو مكاتبه ما لم يكن حيلة. كأن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه. فلا يجزئه. لأن من شرطها تمليكا صحيحا فإذا شرط الرجوع لم يوجد التمليك. ولأنها لله فلا يصرفها على نفعه وقال أحمد وسفيان وغيرهما كانت العلماء تقول: لا يحابي بها قريبا. ولا يدفع بها مذمة ولا يقي بها ماله. وقال الشيخ الذي عليه الدين لا يعطيه ليستوفي دينه. وإسقاط زكاة العين عن المعسر لا يجزئ بلا نزاع. وقدر زكاة دينه فيه قولان أظهرهما الجواز.

وذكر ابن القيم من الحيل الباطلة دفع زكاته إلى غريمه المفلس ليطالبه بالوفاء. فإذا وفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع. قال وهذه الحيلة باطلة محرمة. سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف فيما دفع إليه. أوملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه. فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة. ولا يعد مخرجا لها لا شرعا ولا عرفا. كما لو أسقط دينه وحسبه من الزكاة.

"وقال" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعمر) وكان حمل على فرس في سبيل الله وقد أضاعه الذي هو عنده فأراد أن يشتريه منه برخص فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لا تعد في صدقتك) وفي لفظ "لا تشتره ولا تعد في صدقتك" وفي لفظ "وإن أعطاكه

ص: 193

بدرهم" مبالغة في رخصه. فمنعه من العود في صدقته بشراء أو نحوه. ولو وجده يباع في السوق. سدا لذريعة العود فيما خرج منه لله. لو بعوض. فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوض. فتمكلها بغير عوض أشد منعا. وأفطم للنفوس عن تعلقها مما خرجت منه لله. وقال ابن عمر لا تشتر طهور مالك.

(فإن العائد في صدقته) شمل البيع وغيره (كالعائد في قيئه متفق عليه) وفي لفظ "كالكلب يعود في قيئه" أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل ما قاءه. كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بأي وجه من الوجوه. وشبهه بأخس الحيوان في أخس أحواله. تصويرا للتهجين. وتنفيرا منه. فدل على حرمة العود فيها. وهو مذهب جمهور العلماء. وقال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتري صدقته للنهي. ويلزم من ذلك فساد البيع. إلا أن يثبت الإجماع على جوازه. ولم يثبت.

قال ابن القيم والصواب ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من المنع من شرائها مطلقا. ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحيل على الفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها. فمن محاسن الشريعة سد هذه الذريعة. فإن رجعت إليه بإرث ونحوه جاز تملكها، لما روى مسلم وغيره أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركتها، فقال:"وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث".

ص: 194