المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في القضاء - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجَنَائِز

- ‌فصل في غسل الميت

- ‌فصل في كفنه

- ‌فصل في الصلاة عليه

- ‌فصل في دفنه

- ‌فصل في زيارة القبور

- ‌فصل في التعزية

- ‌كِتابُ الزكَاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة النقدين

- ‌فصل في الحلي

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

- ‌فصل فيمن لا تحل له

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌كتابُ الصِّيَام

- ‌باب ما يفسد الصوم

- ‌فصل في الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوم

- ‌فصل في القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌فصل فيما نهي عن صومه

- ‌فصل في ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتابُ المناسِك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌«باب صفة الحج»

- ‌فصل في الدفع إلى المزدلفة

- ‌فصل في الإفاضة

- ‌فصل في أيام منى

- ‌فصل في النفر

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحية

- ‌فصل في العقيقة

الفصل: ‌فصل في القضاء

وإن شاء قال "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم" وعن ابن عمر "اللهم إني أسألك رحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي" فإن للصائم دعوة عند فطره لا ترد. كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "للصائم عند فطره دعوة لا ترد" وعنه "ثلاثة لاترد دعوتهم. منهم الصائم" ويستحب تفطير الصائم. لحديث "من فطر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء" صححه الترمذي. قال الشيخ المراد أن يشبعه.

‌فصل في القضاء

أي في حكم قضاء رمضان وغيره. وما يتعلق بذلك.

قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} أي فمن شهد منكم الشهر في الحضر مقيمًا وكان مريضًا فعدة من أيام أخر {أو} من كان منكم {عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أباح تعالى الفطر لعذر المرض والسفر. وتقدم. وأعاد تعالى ذكر الرخصة للمريض والمسافر في الإفطار بشرط القضاء. ليعلم أن هذا الحكم ثابت في الناسخ ثبوته في المنسوخ.

وقال جل وعلا {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} تيسيرا عليكم روحمة بكم. {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} أي عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في مرضكم وسفركم. وذلك

ص: 261

إذا أمكن بعد البرء وبعد الإقامة وجب القضاء اتفاقًا على التراخي مفرقًا ومتابعًا. وإن مات قبل التمكن فلا شيء عليه باتفاق أهل العلم. وقال الشيخ لا يأثم بتأخير قضاء رمضان ولو مات لأنه وقت موسع. وإن فرط أطعم عنه كما سيأتي.

(وعن عائشة قالت كان يكون) بتكرير الكون لتحقيق القصة وتعظيمها. وتكرار الفعل أي يكون مرارا (علي الصوم) أي قضاء (من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) وللترمذي وغيره: ما قضيت شيئًا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه).

ولفظ البخاري لشغل النبي صلى الله عليه وسلم.اي من كونها مهيئة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. متربصة لاستمتعاه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك. وهذا من الأدب ولا ريب في إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية. وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيها حينئذ في النهار. ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فلا يجوز تأخيره عنه.

ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" ويخص منه رمضان والقضاء المضيق قال المجد

ص: 262

وغيره يجوز تأخير قضاء رمضان بلا عذر ما لم يدرك رمضان ثان. ولا نعلم فيه خلافًا وكذا ذكر غير واحد مذهب الأئمة وجماهير السلف والخلف أن القضاء يجب على التراخي. ولا يشترط المبادرة فيه في الإمكان. قال النووي الصحيح عند محققي الفقهاء وأهل الأصول فيه وفي كل واجب موسع أنه يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله. وإذا لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليه وجب فورا إجماعا.

ويستحب قضاؤه مع سعة الوقت متتابعًا على الفور اتفاقًا مسارعة لبراءة الذمة. ولا بأس أن يفرقه اتفاقًا. وقاله البخاري عن ابن عباس. وعنه مرفوعا "قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع" رواه الدارقطني. وله عن محمد بن المنكدر قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان فقال "ذلك إليك أرأيت لو كان على أحد دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضى؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر".

ولأنه لا يتعلق بزمان معين فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق. ومن فاته رمضان قضاه عدد أيامه تامًا كان أو ناقصًا إجماعًا. وهل يجوز له التطوع قبل القضاء مع سعة الوقت؟ نقل عن أحمد وغيره لا يجوز. لخبر "من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه لم يتقبل منه حتى يصومه" وقال الموفق متروك. ولأن المبادرة إلى إبراء الذمة من أكبر العمل الصالح. وإن نواه في نحو عشر ذي الحجة أجزأ.

ص: 263

وعن أحمد يجوز التطوع قبله ويصح. وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة للعموم. كالتطوع بصلاة في وقت فرض متسع قبل فعله فالأوجه أن يجوز صوم العشر ونحوها تطوعًا وقضاء. والتطوع أفضل كالسنن الراتبة في أول وقت الصلاة وإن أخره بلا عذر إلى رمضان آخر حرم عليه، ووجب عليه إطعام مسكين لكل يوم عند الجمهور مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وروي عن أبي هريرة بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل مرض في رمضان فأفطر ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر فقال:"يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم كل يوم مسكينا" ورواه الدارقطني موقوفًا.

وعن ابن عباس فإذا قضى أطعم. عن ابن عمر نحو. قال يحيى بن أكثم وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم مخالفًا. وقال أبو العباس إن ترك الأداء لغير عذر وجبت وإلا قضى فقط اتفاقًا. ويجزئ الإطعام قبل القضاء وبعده ومعه. وقال المجد الأفضل عندنا تقديمه مسارعة إلى الخير. وتخلصًا من آفات التأخير. وإذا تكرر رمضان لا يلزمه أكثر من فدية واحدة لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب كما لو أخر الحج لسنين لم يكن عليه أكثر من فعله.

(ولهما عنها) رضي الله عنها (مرفوعًا) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من مات وعليه صوم) أي واجب بالنذر. وقيل أو قضاء عن فائت. مثل أن يكون مسافرًا وأمكنه القضاء ففرط

ص: 264

فيه حتى مات. أو يكون مريضا فيبرا ولا يقضي. (صام عنه وليه) أي ليصم عنه وليه. خبر بمعنى الأمر. وفي البزار بسند حسن "فليصم عنه وليه إن شاء".

فدل الحديث على أنه يصوم الولي. وهو كل قريب عصبة كان أو نسبًا وارثًا أو غير وارث قال البيهقي. هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها وإن صام غير ولي الميت جحاز مطلقا بإذن الولي والورثة وعدمه. لأن الصيام من الأجنبي تبرع فجاز منه كقضاء الدين لتشبيهه به كما يأتي ولا يجب على الولي اتفاقًا. وإنما يسن فعله عنه لتفرغ ذمته كقضاء دينه وقال الشيخ إن تبرع عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران يتوجه جوازه لأنه اقرب إلى المماثلة من المال. ويأتي الجمع بين الآثار.

(وعن ابن عباس أن امرأة) من جهينة (قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي ماتت وعليها صوم نذر) وهو إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر (أفأصوم عنها؟) اي ما نذرته وللبخاري صوم شهر وفي رواية خمسة عشر يوما ولعله تعدد في الواقعة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه عنها) أي ذلك الدين (أكان ذلك يؤدي عنها؟ قالت نعم).

وفيه مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أوقع في نفس السامع. وأقرب إلى سرعة فهمه (قال فصوم عن أمك

ص: 265

متفق عليه) ولأبي داود وغيره أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرًا. فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها. فقال "صومي عنها" وعن بريدة أن امرأة قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفاصوم عنها. قال "صومي عنها" قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال "حجي عنها" رواه مسلم.

وعن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال "نعم حجي عنها" رواه البخاري وغيره من غير وجه. ولأبي داود عن سعد بن عبادة قال إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه قال "أقضه عنها" ومعناه في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ويروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وغيرهما ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة. ولأن النيابة تدخل في العبادة حسب خفتها. وهو أخف حكما من الواجب بأصل الشرع أوجبه الناذر على نفسه.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما (يطعم عن الفرض) أي إذا مرض الرجل في رمضان أو سافر وأمكنه القضاء ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء. وللترمذي عن ابن عمر مرفوعًا "من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين" وقال الصحيح إنه موقوف. وعن أبي هريرة وعائشة نحوه. وللنسائي ومالك وغيرهما لا يصوم أحد عن أحد. وهو قول أكثر أهل العلم مالك وأبي حنيفة

ص: 266

والشافعي وأحمد وغيرهم.

قال مالك لم أسمع عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أمر بصوم عن أحد ولا صلاة عن أحد. وأجمع أهل العلم على أن الصلاة المفروضة من الفروض التي لا تصح فيها النيابة بنفس ولا مال. والصوم الواجب بأصل الشرع له بدل شرعي وهو الإطعام. وفي أجزاء الصوم خلاف قوي والإطعام لا خلاف فيه فالإطعام أولى واتفقوا على أنه إذا أفطر في المرض والسفر ثم لم يفطر في القضاء حتى مات فلا شيء عليه ولا يجب الإطعام عنه ولو مضى عليه أحوال لأنه حق لله وجب بالشرع ومات من وجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل كالحج.

قال رضي الله عنه (ويقضى عنه النذر) وفي رواية عنه أما رمضان فيطعم عنه. وأما النذر فيصام قال ابن القيم وهذا أعدل الأقوال وعليه يدل كلام الصحابة وبهذا يزول الإشكال.

وقال الشيخ: ابن عباس الذي روى الأحاديث أمر أن يقضى عن الميت الصوم المنذور. وأما رمضان فيطعم عنه كل يوم مسكين. وبذلك أخذ أحمد وإسحاق وغيرهما وهذا مقتضى النظر كما هو موجب الأثر. فإن النذر كان ثابتا في الذمة كالدين فيفعل عنه بعد الموت. وأما صوم رمضان فإن الله لم يوجبه على عاجز عن الصوم بل أمر العاجز بالفدية طعام مسكين.

ص: 267

والقضاء إنما يجب على من قدر عليه لا على من عجز عنه، فلا يحتاج أن يقضي أحد عن أحد. وأما الصوم وغيره من المنذورات فيفعل عنه بلا خلاف للأحاديث الصحيحة، والواجب بالشرع ايسر من الواجب بالنذر. وقال ابن القيم: يصام عن النذر دون الفرض الأصلي، وهذا القول مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس وعائشة، ولا تعارض بين روايتهما ورأيهما.

وبهذا يظهر اتفاق الروايات وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع وإنما أوجبه العبد علىنفسه فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم به، والدين تدخله النيابة، وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء، فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال. كما لا تدخل الصلاة والشهادتين. فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه وقيامه بحقوق العبودية والتي خلق لها وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره.

وهكذا من ترك الحج عمدًا مع القدرة عليه حتى مات، أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع إن فعلها عنه بعد الموت لا يبرئ ذمته، ولا يقبل منه، والحق أحق أن يتبع اهـ. فيقضي عنه وليه كما تقدم، فإن لم يفعل الولي ولا غيره فعلى الولي أن يدفع في الصوم عن كل يوم طعام مسكين، لأنه فدية الصوم، وكمتعة حج.

ص: 268