الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيما نهي عن صومه
أي في بيان ما يكره صومه ويحرم صومه. وما يتعلق بذلك.
(عن أبي هريرة أن سول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقدموا رمضان).
أي لا تستقبلوا رمضان. وفي السنن "ولا تستقبلوا الشهر استقبالا"(بصوم يوم أو يومين) أي نقلا مطلقا لم تجر به عادة. لأن الحكم علق بالرؤية. فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم.
(إلا أن يكون رجل يصوم صوما) أي معتادا كالاثنين والخميس. أو كان عليه قضاء أو نذر أو كفارة (فليصمه) قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان. واقتصر صلى الله عليه وسلم على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد الاحتياط لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه كما نهى أن توصل صلاة بصلاة.
فأما إن وافق عادة فلا يكره اتفاقا. لأنه اعتاده وألفه وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء أو كان موصولا بصيام أيام قبله لم يكره لما يأتي. أو كان قضاء أو نذرا أو كفارة فإنه يجب صومه. ومنع بعض الشافعية من صوم النصف الأخير من شعبان مستندين إلى ما رواه العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" وقال أحمد وابن معين منكر.
وذهب الجمهور إلى استحبابه لما تقدمه من الحث على صيام شعبان وقال الشيخ لا يكره صوم العشر الأخير من شعبان عند أكثر أهل العلم.
(وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام) لكونه عيدنا أهل الإسلام. فيكره إفراده اتفاقا. إلا ما روي عن مالك. وعن علي من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة. فإنه يوم طعام وشراب وذكر لله. فيستحب فطره ليكون أعون على هذه الوظائف وأدائها. بنشاط وانشراح لها وتلذذ من غير ملل ولا سآمة ولأنه يوم عيد الأسبوع.
(إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) أن يكون يصوم يوما ويفطر يوما أو وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو نذرا أو قضاء ونحوه لم يكره. قال الوزير اتفقوا على كراهته إلا أن يوافق عادة والحديثان (متفق عليهما) من غير وجه.
(ولهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة أي وحده"(إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده) وفي لفظ إلا "وقبله يوم أو بعده يوم" ولأحمد "يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم "إلا أن تصوموا قبله أو بعده" وله عن ابن عباس "لا تصوموا يوم الجمعة وحده" وله عن جنادة الأزدي دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة في
سبعة من الأزد وهو يتغذى فقال "هلموا إلى الإذاء" فقلنا إنا صيام. فقال "اصمتم أمس" قلنا لا. قال "أفتصومون غدا" قلنا لا. قال" فافطروا" فأكلنا معه. وللبخاري عن جويرية نحوه.
فيتعين القول بكراهة صومه وحده إلا ويوم قبله أو بعده. وإلا وجب فطره ومالك معذور. قال الداودي لم يبلغه هذا الحديث. ولو بلغه لم يخالفه. ففي الصحيحين سئل جابر أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال نعم. وللبخاري أن يفرد بصوم. وحكى ابن المنذر وغيره عن علي وغيره المنع من صومه وحده. وقال ابن حزم لا نعلم لهم مخالفًا في الصحابة.
وقال الشيخ وكراهة إفراد رجب وكذا الجمعة بصوم سدا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان أو مكان لم يخصه الله كما وقع من أهل الكتاب ويكره إفراد قيام ليلتها باتفاق أهل العلم. ولمسلم وغيره "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي" وفيه دليل على كراهة الصلاة التي تسمى الرغائب. وفي قوله "إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده" ونحوه أن صيام يوم السبت ويوم الجمعة أو السبت والأحد لا يكره وهو إجماع.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" وقال مالك منكر. وأبو داود منسوخ. وقال
الشيخ شاذ أو منسوخ. واختار هو وغيره من المحققين أنه لا يكره صومه منفردا. وأنه قول أكثر العلماء. لقول أم سلمة أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول "إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أريد أن أخالفهم" صححه ابن خزيمة وغيره. وللترمذي عن عائشة كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين. ومن الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس.
ويكره صوم النيروز والمهرجان وكل عيد للكفار. أو يوم يفردونه بالتعظيم لما فيه من موافقة الكفار في تعظيمها. قال عبد الله بن عمر من صنع ببلاد الأعاجم نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم. قال الشيخ وغيره ما لم يوافق عادة أو يصمه عن نذر ونحوه. قال وكذلك يوم الخميس الذي يكون في آخر صومهم يوم عيد المائدة. ويوم الأحد الذي يسمونه يوم عيد الفصح وعيد النور والعيد الكبير ونحو ذلك. ليس للمسلم أن يشابههم في أصله ولا في وصفه.
وقال لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم. لا من طعام ولا من لباس ولا اغتسال. ولا إيقاد نيران. ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعله وليمة. ولا الإهداء. ولا الصنع بما يستعان به على ذلك. ولا تمكين الصبيان. ونحوهم من اللعب التي في الأعياد. ولا إظهار زينة. وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم
بشيء من شعائرهم. بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام. لا يخصه المسلمون. بشيء من خصائصهم.
وتخصيصه بما تقدم لا نزاع بين العلماء في كفر من يفعل هذه الأمور. لما فيها من تعظيم شعائر الكفر. وقد اشترط عمر الصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في ديار المسلمين. فكيف إذا أظهرها المسلمون. قال عمر لا تتعلموا رطانة الأعاجم. ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم. فإن السخطة تنزل عليهم.
وإذا كان كذلك فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هو من شعائر دينهم. قال غير واحد من السلف في قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال أعياد الكفار، وفي المسند والسنن "من تشبه بقوم فهو منهم""ليس منا من تشبه بغيرنا" وإن كان في العادة. فكيف بما هو أبلغ من ذلك؟.
(عن عمار) بن ياسر رضي الله عنه أنه قال (من صام اليوم الذي يشك فيه) هل هو من رمضان أو من شعبان كأن يحول بينهم وبينه غيم أو قتر أو يتحدث الناس فيه برؤية ولم تثبت رؤيته، أو شهد واحد فردت شهادته. أو فاسقًا فأكثر فردت (فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) كنيته صلى الله عليه وسلم. لأنه هو يقسم
بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك. ونهى في
حياته أن يتكنى بها غيره (رواه الخمسة وصححه الترمذي) وقال
العمل عليه عند أكثر أهل العلم. ورواه البخاري تعليقا جزما لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه. فحكمه الرفع. قال ابن عبد البر هو مسند عندهم اتفاقا. ورجح الحافظ أنه موقوف لفظًا مرفوع حكما.
وقال ابن عبد البر نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك اطراحًا لأعمال الشك. وهذا أصل عظيم من أصول الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين في انتقالها. وقال الشيخ هو يوم شك أو يقين من شعبان. ينهى عن صومه بلا توقف. لأن الأصل والظاهر عدم الهلال. فصومه تقدم لرمضان بيوم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه. وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره. فإن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله ولا يستحب. بل يستحب تركه احتياطا.
وعن أحمد تحريمه وفاقا لمالك وأبي حنيفة والشافعي. واختاره الشيخ وجمهور المحقيقين من أصحاب أحمد وغيرهم. وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة. منها النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين. وللخمسة عن ابن عباس "فإن حال بينكم وبينه سحاب فاكملوا العدة ثلاثين. ولا تستقبلوا الشهر استقبالا" ومنها الأحاديث الصحيحة الصريحة بالنهي عن صيامه كقوله "فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين" وهي مستفيضة من غير وجه. والأمر بالشيء نهي عن ضده. ولما فيه
من الزيادة في الفرض. ويستثنى القضاء والنذر والعادة على ما تقدم.
فائدة: كره الوصال بعض أهل العلم لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقالوا إنك تواصل فقال "إني لست مثلكم إني أطعم وأسقي" ولا يحرم لأنه نهى عنه رفقًا بهم. وقيل يحرم حكاه ابن عبد البر عن الجمهور. ولا يبطل الصوم حكاه الموفق إجماعا. ولا يكره إلى السحر لما في الصحيح "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" وتركه أولى محافظة على الإتيان بالسنة في تعجيل الفطر. وتقوية البدن على العبادة.
(وعن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صيام يومين) من أيام السنة. وللبخاري "لا صوم في يومين" ولمسلم "لا يصح الصوم في يومين (يوم الفطر) وهو يوم عيد الفطر (ويوم النحر) وهويوم عيد الأضحى (متفق عليه) ولهما عن أبي عبيد قال شهدت العيد مع عمر رضي الله عنه فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال: إن هذين يومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم. واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم.
فأشار إلى العلة في وجوب فطرهما بالفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده، ليتميز وقت العبادة عن
غيره. لئلا يكون ذريعة إلى الزيادة في الواجب. كما فعل بالنصارى. وأكده الشارع باستحباب تعجيل الفطر. وتأخير السحور. واستحباب تعجيل الفطر يوم العيد قبل الصلاة. والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه. ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى. فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك. لأنه يستلزم النحر. ولما في صومهما من الإعراض عن ضيافة الله تعالى لعباده.
قال النووي وغيره أجمع أهل العلم على تحريم صومهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك. ولو نذر صومهما متعمدًا، ولا ينعقد عند الجمهور. ولا يلزمه قضاؤهما. لقوله "لا نذر في معصية".
(وللبخاري عن ابن عمر لم يرخص) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (في أيام التشريق أن يصمن) وهي ثلاثة بعد يوم النحر. سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها. وهو تقديدها ونشرها في الشمس. وهي الأيام المعدودات ولمسلم من حديث نبيشة" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" ولأحمد نحوه من حديث أبي هريرة وسعد "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى أيام أكل وشرب ولا صوم فيها".
وللخمسة من حديث عقبة وللبزار من حديث ابن عمر "أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد"
ولأحمد عن أنس "نهى عن صوم خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحرو ثلاثة أيام التشريق. وحكي أن النهي عن صومها متوتر. وقال الوزير وغيره أجمعوا على كراهة صيام أيام التشريق. ومن قصده نفلا فقد عصى الله. ولم يصح له إلا أبا حنيفة فقال ينعقد مع الكراهة. ولعل من رخص في صيامها أنه لم يبلغه النهي. قال المجد أو تأوله على أفرادها. كيوم الشك.
(إلا لمن لم يجد الهدي) فيصوم الثلاثة فيها إذا لم يصمها قبل رخصة لمن كان متمتعا أو قارنا أو محصرا. لإطلاق الحديث وعموم الآية. وهو مذهب أحمد ومالك والشافعي في القديم. وعن أحمد لا يجوز وحكي اتفاقا لخبر "هي أيام أكل وشرب" والحديث يدل على الجواز، فإن حمل المطلق على المقيد واجب. وكذا بناء العام على الخاص. وللبخاري عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى.
وهذه الصيغة لها حكم الرفع. وأخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لللمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق" وإن كان فيه مقال. فأصله متفق على صحته. والقول به أقوى. فيصح صوم أيام التشريق لمن عدم الهدي إذا لم يصمها قبل ويأتي.