الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الخارج من الأرض
من الحبوب والثمار والعسل والمعادن والركاز وغير ذلك. والأصل في زكاة الحبوب والثمار الكتاب والسنة والإجماع. وكذا الكاز والمعادن وأما لعسل فتواردت به الآثار.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ} من خيار {مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} من الثمار كتمر وزيبب والحبوب كبر وشعير التي أنبتناها لكم. ويدخل فيه الركاز والمعادن وغيرها. قال البغوي وغيره هذا أمر بإخراج العشور من الثمار والحبوب واتفق أهل اعلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم. وفيما يقتات من الحبوب. إن كان بسانية أو نضح ففيه نصف العشر.
ورجح الشيخ أن المعتبر لوجوب زكاة الخارج من الأرض هو الادخار لا غير. لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه. بخلاف الكيل فإنه تقدير محض فالوزن في معناه {وَلَا تَيَمَّمُوا} تقصدوا {الْخَبِيثَ} الرذل والدنيء. وما لا خير فيه {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} أي الخيبث {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم. والمراد إذا كان المال كله جيدا. وإلا فمن جنسه إجماعا.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وإن أمركم بالصدقات فهو (غني) عنها وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير (حميد):
محمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره. وقال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قال ابن عباس وغيره حقه الزكاة المفروضة.
(وعن أبي سعيد) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون) أي أقل من (خمسة أوسق صدقة متفق عيه) والأوساق جمع وسق. ووسقت الشيء، ضممت بعضه إلى بعض. والوسق ستون صاعا إجماعا. وجاء مرفوعا. وهو المعتمد في تقديره. والصاع أربعة أمداد فالخمسة الأوساق ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وهي ألف وستمائة رطل عراقي تقريبا. وتعتبر بالبر الرزين. ولمسلم:"ليس فيما دون خمسة أوساق من ثمر" بالمثلثة "ولا حب صدقة" ولأبي داود "زكاة".
قال ابن عبد البر الخطابي والنووي وغيرهم هذا الحديث أصل في مقادير ما يحتمل حال الأموال من المواساة وإيجاب الصدقة فيها. وإسقاطها عن القليل الذي لا يتحملها. لئلا يجحف بأرباب الأموال. ولا يبخس الفقراء حقوقهم. وإذا بلغه النصاب وجب الحق ولا يجب فيما دونه. وهو مذهب جماهير العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وتضم أنواع ثمرة الجنس من العام الواحد وزرعه بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. وقال الشيخ يضم القمح والشعير والسلت في الزكاة وتضم القطاني بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. قال ابن القيم والسلت نوع غير البر أدق منه حبًا.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء) يعني بمطر أو ثلج أو برد أو طل العشر (و) فيما سقت (العيون) الأنهار الجارية التي يسقى منها بإساحة الماء من غير اغتراف له. وفي لفظ "ما سقت الأنهار"(أو كان عثريا العشر) إجماعا حكاه جماعة.
قال الشيخ وغيره العثري ما تسقيه السماء. وقيل ما يجمع له ماء المطر فيصير سواق يتصل الماء بها اهـ. ـ. قيل سمي عثريا لأنه يجعل في مجرى الماء عاثورا. فإذا صدمه الماء تراد فدخل تلك المجاري فتستقيه وقال الجمهور المراد منه ههنا ما يشرب بعروقه من غير سقي. سمي عثريا لأنه عثر على الماء. حيث كان قريبا من وجه الأض. فهو البعل. وفي الموطأ وغيره "فيما سقت العيون والبعل".
قال الشيخ أيضا وغيره: البعل هو ما شرب بعروقه يمتد بها في الأرض الندية. ولا يحتاج إلى سقي من الكرم والنخل. وهو ظاهر لعطفه على ما سقت السماء. والعطف يقتضي المغايرة (وفيما سقي بالنضج) أي السانية من إبل أو بقر وغيرها من الحيوانات. جمع ناضح. سمي بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه. أو بالدوالي يستقى بها الماء من بئر ونهر للزرع والنخيل والأشجار وغيرها (نصف العشر. رواه البخاري) وغيره.
ولمسلم من حديث جابر "وفيما سقي بالسانية نصف
العشر" وللشافعي وغيره "وما سقي بالدوالي نصف العشر" والمراد ما كان بتعب وعناء قال النووي وجماعة هو قول أهل العلم. ويجب ثلاثة أرباع العشر فيما يشرب نصفين بمؤنة وبلا مؤنة. قال في المبدع وغيره بلا خلاف. وإن كان أحدهما أكثر فالحكم له اتفاقا ومع الجهل العشر ليخرج من عهدة الواجب بيقين. ويجتمع العشر والخراج في أرض خراجية. لأن العشر حق الزرع. والخراج حق الأرض. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث وغيرهم.
(وعن عتاب) بالتشديد ابن أسيد بفتح الهمزة الأموي رضي الله عنه قال (أمر صلى الله عليه وسلم أن يخرص) أي يحزر (العنب) وهو على عروشه (كما يخرص النخل) أي كما يقدر ما على النخل من الرطب حين يبدو صلاحه وقبل أن يؤكل منه. وفي رواية "كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم" وظاهره أنه خرص النخل كان معروفا عندهم. ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم "خرص حديقة امرأة عشرة أسوق".
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر يخرص عليه النخل حين يبدو صلاحه وقبل أن يؤكل منه فيقول في ذه كذا وكذا ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص. أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي يحصي
الزكاة قبل أن تؤكل أو تفرق" رواه أحمد وأبو داود. وصح عن عمر أنه أمر بذلك.
وله شواهد تدل على مشروعية بعث الإمام خارصًا إذا بدا صلاح الثمر. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير أهل العلم. ويقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه بالخرص من الحبوب وغيرها. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر "فخرصها عليهم" وحديث عائشة وحديث جابر عند أبي داود وغيرهما ما يدل على مشروعية الخرص مما يمكن ضبطه به كالزرع. وقال بعضهم لا تخرص الحبوب. وعمل المسلمين على خلافه. لإمكانه فيه كالثمر.
وفائدة الخرص أمن الخيانة من رب المال. ولذلك يجب عليه البينة في دعوى النقص بعد الخرص ومطالبة القابض بقدر ما خرص. ويكون الخارص عالما بالخرص عدلا. قال ابن القيم والصحيح في الخارص الاكتفاء بالواحد كالمؤذن والمخبر بالقبلة. ولاجتزائه بعبد الله بن رواحة (وتؤخذ زكاته) يعني العنب (زبيبا كما تؤخذ زكاة التمر يابسا إجماعا (رواه الخمسة) وفيه مقال. والعمل عليه عند الأئمة الأربعة وغيرهم.
ولا يسمى زبيبا وتمرا إلا اليابس. وقيس عليهما ما سواهما من الثمار وكذا الحبوب يجب إخراجها مصفاة إجماعا.
قال الشيخ وغيره ويعتبر عندهم اليبس والتصفية في الحبوب والجفاف في الثمار. ومالا يزبب من العنب ولا يتمر من الرطب تخرج زكاته من ثمنه أو غيره وفي الإنصاف إن احتيج لقطعة قبل كماله أخرج منه رطبا وعنبا وتجب فيه إجماعا. وإن قطعه قبل. سقطت. وفرارا تجب، اهـ.
ولا يستقر وجوب الزكاة إلا بجعله في البيدر. فإن تلف بغير تعد سقطت. ويحرم شراء زكاته أو صدقته بعد دفعها. لحديث عمر "لا تشتره ولا تعد في صدقتك. فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" متفق عليه لا بإرث ونحوه. لحديث بريدة "وجب أجرك وردها عليك الميراث" رواه مسلم.
(ولهم) أي للخمسة إلا ابن ماجه "عن سهل" بن أبي حثمة "مرفوعا" إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا خرصتم" أي حزرتم الثمار على أهلها. وحزر الخارص باطراد العادة كالمكيال (فخذوا) أي الزكة من المخروص إن سلم من الآفة. جواب للشرط تقديره إذا خرصتم فبينوا مقدار الزكاة. ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار.
(ودعوا) أي اتركوا (الثلث) لأهل المال (فإن لم تدعوا الثلث) لهم مما تخرصونه (فدعوا الربع) توسعة لأجل ما يخرج من الثمرة لضيف ونحوه. واختاره الشيخ وغيره. وقال هذا الحديث جار على قواعد الشريعة ومحاسنها. موافق لقوله
"ليس في الخضروات صدقة" لأنها قد جرت العادة أنه لا بد لرب المال بعد كمال الصلاح أن يأكل هو وعياله ويطعم الناس. ما لا يدخر. فكان ما جرى العرف بإطعامه وأكله بمنزلة الخضراوات التي لا تدخر.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خففوا على الناس فإن في المال الوطية والأكلة والعربة" رواه سعيد. وأمر عمر عماله أن يتركوا لهم ما يأكلونه. وقال ابن عقيل والآمدي وغيرهما يترك قدر أكلهم وهديتهم بالمعروف بلا تحديد للأخبار الخاصة. وللحاجة للأكل والإطعام وغير ذلك. وهو قول أكثر أهل العلم. قال الشيخ وتسقط فيما خرج منه مؤنة للزرع والثمرة لأن الشارع أسقط في الخرص زكاة الثلث والربع من أجل ما يخرج من الثمرة بالإقراء ونحوه. وهو تبرع فما يخرج عنه لمصلحته التي لا يحصل إلا بها أولى بإسقاط الزكاة عنه.
قال في الخلاف وأسقط أحمد عن أرباب الزرع الزكاة في مقدار ما يأكلون. كما أسقط في الثمار. وإن ترك الساعي شيئا من الواجب وجب إخراجها. لأنها لا تسقط بتركه. ولا يزكي ما نقص عما قال الخارص لأنه لا زكاة عليه فيما ليس في ملكه.
(وعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في الخضراوات) الفواكه والبقول (صدقة) لكونها لا تدخر (رواه الترمذي) وغيره وللدارقطني عن علي. وعائشة معناه. وللأثرم
وعن موسى بن طلحة. وروي بألفاظ متعددة عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي لا يصح فيه شيء. والعمل عليه عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة. وقال البيهقي إلا أنها من طرق مختلفة يؤكد بعضها بعضا. ومعها أقوال الصحابة.
وقال الخطابي يستدل بحديث "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" إنها لا تجب في شيء من الخضراوات. وهو دليل في أنها إنما تجب فيما يوسق ويدخر من الحبوب والثمار دون ما لا يكال ولا يدخر من الفواكه والخضراوات ونحوها. وعليه عامة أهل العلم اهـ. وتركه صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة منها وخلفائه من بعده والناس يزرعونها بجوارهم ولا يؤدون زكاتها هو السنة المتبعة.
(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده (مرفوعا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (في العسل) هو مجاج النحل ويسمى الشهد (من كل عشر قرب) بالكسر وهي ما تخرز من جانب للماء ونحوه (قربة رواه أبو داود) وابن ماجه وأبو عبيد والأثرم وغيرهم (وفيهما ضعف) الأول ضعفه الترمذي وغيره واعتضد بغيره. والثاني له شاهد عند الترمذي من حديث ابن عمر في عشرة ازقاق زق. وفيه ضعف.
وعن أبي سيارة المتعي قلت يا رسول الله إن لي نحلا قال "فأد العشور" قلت احم لي جبلها "فحمى لي جبلها" رواه أحمد
وابن ماجه وفيه ضعف أيضا. وعن ابن أبي ذئاب نحوه قال ابن المنذر ليس في الباب شيء ثابت. وذهب إليه الشافعي ومالك. وقال أحمد اذهب إلى أن في العسر زكاة العشر. قد أخذها منهم عمر. يشير إلى قوله: إن أديتم صدقتها من كل عشر أفراق فرقا حميتها لكم. وقاله ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وهو مذهب أبي حنيفة وإسحاق. وأحد قولي الشافعي. وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
فإذا حصل له من ملكه أو موات ثلاثون صاعا مائة وستون رطلا ففيه عشرة. قال شيخ الإسلام أوجبها أحمد في العسل لما فيه من الآثار التي جمعها. وإن كان غيره لم يبلغه إلا من طريق ضعيف. وتسوية بين جنس ما أنزل الله من السماء وما أخرجه من الأرض. ولكونه يبقى ويدخر. فاشبه التمر.
ولا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن والزنجبيل. ولا تجب الزكاة في المعشرات بعد الاول لأن الله علق وجوب الزكاة بحصاده. والحصاد لا يتكرر. وهذا قول العلماء كافة. إلا ما روي عن الحسن. وقال الماوردي خالف الإجماع.
(وله عن بلال بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية) المعادن جمع معدن. والمعدن المكان الذي عدن فيه شيء من جواهر الأرض. سمي معدنا لعدون ما أنبته الله
فيه. والقبلية بفتحتين اسم موضع من ناحية الفرع. القرية المشهورة بين مكة والمدينة من جهة البحر. أقطعه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل فيها. ويخرج منها الذهب والفضة لنفسه. فأخذ منها (الصدقة) قال ربيعة عن غير واحد فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. ورواه مالك وغيره.
وهو داخل في قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} فإن كان ذهبا أو فضة ففيه ربع عشرة إن بلغ نصابا في الحال إجماعا. وقال الشيخ هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وأما أبو حنيفة فيجعل فيه الخمس. وإن كان غير الذهب والفضة فربع عشر قيمته إن بلغت نصابا في الحال. وفاقا بعد السبك والتصفية.
وقال ابن الجوزي أحصيت المعادن فوجودوها سبعمائة معدن. قال أحمد وكلما وقع عليه اسم معدن ففيه الزكاة حيث كان في ملكه أو البراري. لا البحار اتفاقا. إذا كان المخرج له من أهل وجوب الزكاة.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه (وفي الركاز الخمس متفق عليه) والركاز هو ما وجد من دفن الجاهلية. قاله الموفق وغيره وقال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون
إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية. ما لم يطالب