الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينه. ولا حوالة بها. ولا يقضي منها دين ميت غرم لمصلحة نفسه أو غيره. حكاه ابن عبد البر إجماعا. لعدم أهليته لقبولها. وهذا مذهب الجمهور وقال شيخ الإسلام يوفى الدين عن الميت في أحد قولي العلماء ولأن الله قال "والغارمين" ولم يقل وللغارمين فالغارم لا يشترط تمليكه على هذا. وعليه يجوز الوفاء عنه. وأن يملك لوارثه ولغيره.
باب صدقة التطوع
الصدقة ما يعطى لوجه الله ديانة وعبادة محضة من غير قصد إلى شخص معين. ولا طلب عوض من جهته وهي سنة كل وقت بإجماع المسلمين. لإطلاق الحث عليها في الكتاب والسنة. وقال غير واحد من أهل العلم هي أفضل من الجاهد لا سيما إذا كان زمن مجاعة على المحاويج. خصوصا صاحب العائلة. خصوصا القرابة. ومن الحج لأنه متعد. والحج قاصر. وافضل من العتق لقوله لميمونة "لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" متفق عليه وقد حث تعالى عليها في كتابه العزيز ورغب فيها صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث.
قال تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني أن التصدق خير لكم وأفضل. لأن في الثناء الجميل في الدنيا. والثواب الجزيل في العقبى.
وقال: {وَآتَى الْمَالَ} أي أعطى المال {عَلَى حُبِّهِ} أي
أخرجه وهو محب له راغب فيه. وفي الصحيح: "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر"{ذَوِي الْقُرْبَى} قرابات الرجل. وهم أولى من أعطى من الصدقة. للآيات وللأخبار (الآية) وآخرها {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} يعني المسافر {وَالسَّائِلِينَ} يعني الطالبين المعترضين للصدقات. وفي الخبر "وإن جاء على فرس"(وَفِي الرِّقَابِ) وتقدم.
وقال {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أي جوع. وقلبها قوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام المساكين. وهو مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في عمل الخير والبر. فجعله كالذي يفك من صعود العقبة أو لم يحمل نفسه المشقة بعتق الرقبة. والإطعام (يتيما) أي أطعم في هذا اليوم يتيما (ذا مقربة) اي قرابة بينه وبينه (أو مسكينا ذا متربة) أي فقيرا مدقعا قد لصق بالتراب من فقره وضره. ليس له شيء وفي الحديث "من أعطم مؤمنا جائعا: أطعمه الله من ثمار الجنة"{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أي: برحمة الناس. وفيه الإشارة إلى تعظيم أمر الله. والشفقة على خلق الله.
وقال {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} أي تظهروها والصدقات. ما يظهره الإنسان على وجه القربة. فيدخل فيه الزكاة الواجبة.
وصدقة التطوع {فَنِعِمَّا هِيَ} أي فنعمت الخصلة هي {وَإِنْ تُخْفُوهَا} أي تسروا الصدقة {وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ} في السر {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يعني إخفاء الصدقة أفضل من إعلانهاز وكل مقبول إذا كانت النية صادقة. ولكن السر أفضل.
واتفق العلماء على أن إخفاء صدقة التطوع أفضل وخير من إظهارها. لأن ذلك أبد من الرياء. وأقرب إلى الإخلاص. وفيه بعد عما تؤثره النفس من إظهار الصدقة. وفائدة ترجع إلى الفقير الآخذ. وهي أنه إن أعطي في السر زال عنه الذل والانكسار. إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به. فيكون أفضل من هذه الحيثية.
والأصل أن السر أفضل لهذه الآية وغيرها {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي بالصدقات. ولا سيما إذا كانت سرا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سواء كان سرا أو علانية. والآيات في فضل الصدقة كثيرة. منها قوله {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} .
وقال {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} وذلك أن معاذا وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فنزلت {قُلِ الْعَفْوَ} يعني الفضل. وذلك أن لا يجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس. وفي الخبر "ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسك شر لك ولا تلام على كفاف"
فمعناه التصدق عن ظهر غنى. حتى لا يبقى كلا على الناس كما سيأتي.
قال {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي يقدمون المحاويج على أنفسهم ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به. وفي الصحيحين أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء.
ثم الأخرى مثل ذلك. ثم قال "من يضيفه يرحمه الله" فقال أبوطلحة أنا. فقال لامرأته هل عندك شيء قالت لا. إلا قوت صبياني. قال علليهم بشيء ونوميهم. فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل. ثم اطفئ السراج ففعلت.
فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجب الله من صنيعكما" فنزلت الآية. ثم أثنى الله عليهم فقال {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فالذين أنفقوا الفضل قد لا يكون لهم إليه حاجة. ولا ضرورة. وهؤلاء آثروا على أنفسهم لشدة ثقتهم ومن هذا المقام تصدق الصديق بجميع ماله. ويأتي أنه يختلف باختلاف أحوال الناس.
(وفي الصحيحين) وغيرهما (من حديث أبي هريرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ولسعيد بن منصور من حديث سلمان في ظل عرشه
(وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وفيه فضيلة المبالغة في الإخفاء وإبعاد الصدقة عن مظان الرياء. وفضل الإخفاء على الإبداء إلا للاقتداء. والمرأة كالرجل. فلا مفهوم له.
وبقية السبعة "الإمام العادل، وشاب نشأ في طاعة الله. ورجل معلق قلبه بالمساجد. ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وافترقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ووردت خصال أخرى تقتضي الظل. أبلغها الحافظ ثمانيا وعشرين والسيوطي سبعين. ولابن حبان والحاكم من حديث عقبة "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس".
ومن فوائد صدقة التطوع أنها تطفئ غضب الرب. وتدفع ميتة السوء. رواه الترمذي وفي الصحيحين "إن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل" وإنها تكون توفية للزكاة إن وجدت في الآخرة ناقصة كما تقدم في التطوع. وللحاكم من حديث ابن عمر "انظروا في زكاة عبدي فإن كان ضيع منها شيئا فانظروا هل تجدون لعبد نافلة من صدقة لتتموا بها ما نقص من الزكاة" وذلك من رحمة الله وعدله.
(وفيهما) أي في الصحيحين البخاري ومسلم (عن ابن
عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس أي في جميع خصال الخير وأكثرهم جودا. لكونه مطبوعا على الجود مجبولا على الإعراض عن متاع الدنيا "وكان أجود ما يكون في رمضان" فإن الحسنة فيه بسبعين حسنة فيما سواه وللترمذي عن أنس مرفوعا "أي الصدقة أفضل" أي أعظم أجرا قال "صدقة في رمضان".
وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض. ومن فطر صائما كان له مثل أجره وكذا الصدقة في العشرة والحرمين. وكل مكان وزمان فاضل. وفي شدة حاجة. لما روي "أيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الهل من ثمار الجنة" وبطيب نفس أفضل. وكذا في الصحة كما تقدم.
(ولأحمد عن أبي أيوب مرفوعا أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" أي العدو المضمر للعداوة. الطاوي عليها كشحه أي باطنه. والذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك. وتقدم أنها "على ذي الرحم صدقة وصلة" فمع العداوة هي أفضل منها على ذي الرحم غير الكاشح. لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها. وهذا الحديث صححه ابن طاهر وأقره المنذري والحافظ. ونحوه عند أبي داود والترمذي من حديث أبي سعيد. والطبراني عن أم كلثوم بنت عقبة. ورجاله رجال الصحيح.
(وعن حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليد العليا) وهي المعطية (خير من اليد السفلى) وهي السائلة وروي "اليد العليا التي تعطي ولا تأخذ" فالأيدي اثنتان: معطية عليا. وسائلة سفلى. وباعتبار الأيدي أربعا: يد المعطي وتضافرت الأخبار بأنها عليا. ويد السائل وتضافرت بأنها سفلى. أخذت أم لا. ويد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا فهي عليا علوا معنويا.
ويد الآخذ بغير سؤال قيل سفلى نظرا إلى المحسوس. وأما المعنوي فلا يطرد. فقد تكون عليا في بعض الصور. وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل سفلى باستعماله. دون من فرض عليه إتيان الشيء فأتى به فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل من الذي يعطي. فأعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة. عن الأخذ. ثم الآخذة بلا سؤال. وأسفل الأيدي المانعة والسائلة.
(وابدأ) أيها المتصدق (بمن تعول) أي تمون ممن تلزمك نفقته فقدمه على التصدق على غيرهم. تقديما للواجب على المندوب وفيه البداءة بالأهم فالأهم. فيبدأ بنفسه وعياله. كما يأتي لأنهم الأهم (وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي عفوا قد فضل عن غنى أو فضل عن العيال. والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام. وتمكينا. كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال.
فدل على أن افضل الصدقة ما بقي صاحبها بعد إخراجها مستغنيا. إذ معنى أفضل الصدقة ما أبقى المتصدق من ماله ما يستظهر به على حوائجه ومصالحه. فالاختيار للمرء أن يتبقى لنفسه قوتا. وأن لا ينخلع من ملكه أجمع مرة واحدة لما يخاف عليه من فتنة الفقر. وشدة نزاع النفس إلى ما خرج من يده فيندم ويذهب ماله ويبطل أجره. ويصير كلا على الناس.
بل يأثم إن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه لتركه الواجب. أو بما يضر بنفسه أو غريمه أوكفيله في مال أو بدن. لقوله صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يفوت" رواه أبو داود. وقال ابن الجوزي الأولى أن يدخر لحاجة تعرض. وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج: ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضراء ومن الذل ما يكون الموت دونه. فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال. بل يصور كلما يجوز وقوعه. وأكثر الناس لا ينظر في العواقب. وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما بأيديهم. ثم احتجاجوا. فدخلوا في مكروهات.
والحازم من يحفظ ما في يده. والإمساك في حق الكريم جهاد. كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد. وقال غير واحد نحن في زمان من احتاج فأول ما يبذل دينه. وأما من أراد أن يتصدق بماله كله وله عائلة لهم كفاية. أو يكفيهم بكسبه استحب له ذلك. لأن أبا بكر جاء بجميع ماله. فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك" قال الله ورسوله. وكان تاجرا ذا كسب.
أو كان وحده ويعلم من نفسه حسن التوكل. واثقا بما عند الله. آيسا مما في أيدي الناس استحب له. قال القاضي وغيره عند جمهور العلماء وأئمة الأمصار. لقوله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} وإلا حرم عليه ذلك. ويمنع منه. ويحجر عليه لتبذيره. ولو تبرع بماله بحيث لا يبقى لأهل الحقوق ما يستوفونه فهو باطل في أحد قولي العلماء. من جهة أن قضاء الدين واجب ونفقة الولد كذلك.
فيحرم عليه أن يدع الواجب ويصرفه فيما لا يجب فيرد إلى ملكه. ويصرف في قضاء دينه. ونفقة ولده. وعن جابر: جاء رجل بمثل بيضة من ذهب. وقال خذها ما أملك غيرها. قال "فحذفه بها" وقال "يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة. ثم يقعد يتكفف الناس. خير صدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه أبو داود.
(ومن يستعفف) أي من يطلب من نفسه العفة ويتكلفها. ويكف عن سؤال الناس. أو يطلب العفة من الله
(يعفه الله) أي يعطيه إياها ويعنيه عليها. ويجعله عفيفا والعفة الحفظ عن المناهي (ومن يستغن) بما عنده وإن قل:
وعما في أيدي الناس (يغنه الله) بإلقاء القناعة في قلبه.
والقنوع بما عنده. وهي الكنز الذي لا يفنى ويعطيه الله من فضله. ومن يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف يغنه الله فيجعله غني القلب (متفق عليه) وفي الخبر "ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس".
(وعن أبي هريرة مرفوعا) قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال (أفضل الصدقة جهد المقل رواه أبو داود) الجهد بضم الجيم وسكون الهاء الوسع والطاقة. وبالفتح المشقة. والمراد قدر ما يحتمله قليل المال. كما في حديث "سبق درهم ألف درهم" رجل له درهما تصدق بأحدهما. ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه ألف درهم فتصدق بها. لدلالة المقل على الثقة بالله. والزهد في الدنيا.
فصدقته أفضل الصدقة. وهو أفضل الناس. وإذا صدقت نية العبد وقصده رزقه الله وحفظه من الذل. ودخل في قوله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وجمع البيهقي وغيره بين الحديثين أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية.
(وله عنه) أي لأبي داود عن أبي هريرة (أنه صلى الله عليه وسلم قال تصدقوا) فحث على الصدقة ورغب فيها (فقال
رجل عندي دينار) أي أريد أن أتصدق به وهو مثقال من الذهب مضروبا كان أو غير مضروب (قال تصدق به على نفسك) ففيه أن النفقة على النفس صدقة. وأنه يبدأ بها (قال عندي آخر) أي دينار آخر (قال تصدق به على ولدك) ففيه تقديم الولد على من بعده لشدة افتقاره إلى النفقة. ولأنه بعض منه ولاسيما إذا كان صغيرا ونحوه.
قال أبو قلابة وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم. أو ينفعه الله بهم ويغنيهم. ولمسلم "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله"(قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك" إن كان مملوكا أو مطلق من يخدمه (قال عندي آخر قال أنت أبصر) أي اعلم إن شئت تصدقت به وإن شئت أمسكت.
وتقدم تقديم الأهم فالأهم. رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم ولم يذكر في الحديث الزوجة "وقدم في صحيح مسلم الزوجة على الولد" من حديث جابر ولفظه "ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فأهلك. فإن فضل شيء فلذي قرابتك" ويأتي تقديمها في النفقات إن شاء الله تعالى.
(وله) أي مسلم في صحيحه (عن أبي هريرة مرفوعا من يسأل الناس أموالهم تكثرا) اي قصدا للجمع من غير حاجة
(فإنما يسأل جمرا) أي فإن الذي يسأل يصير جمرا يكوى به كما في مانع الزكاة (فليستقل أوليستكثر) أي من جمر جهنم. ففيه أن سؤال التكثر محرم. والنهي عن السؤال أكثر من أن يحصر. وتقدم طرف منه. ومنه "لا يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم" متفق عليه.
(وللبخاري عن الزبير مرفوعا) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب) وفي لفظ "فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه (خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) وفي لفظ لهما من حديث أبي هريرة "فيبيعها فيستغني بها عن الناس خير له" الخ. ولو أدخل على نفسه المشقة. وذلك لما يدخل السائل على نفسه من ذل السؤال. وذلة الرد إن لم يعط.
ودل الحديث وما قبله على قبح السؤال مع الحاجة. وزاد بالحث على الاكتساب. ومن له قدرة على الكسب فصحح بعضهم أنه حرام للأخبار. وكرهه بعضهم بشروط. أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد أحدها حرم اتفاقا. وعن سمرة مرفوعا "إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا" لأن لكل حقا في بيت المال. وإنما السلطان وكيل "أو في أمر لا بد منه" نسأل الله السلامة.
ولأحمد عن خالد بن عدي مرفوعا "من بلغه معروف من أخيه عن غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله. ولا يرده. فإنما هو رزق ساقه الله إيه" وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا "إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه. وما لا فلا تتبعه نفسك" وفي المال حقوق سوى الزكاة: نحو مواساة قرابة وصلة إخوان. وإعطاء سائل. وإعارة محتاج. نحو دلو وركوب ظهر. وإطراق فحل.
قال الشخ وإعطاء السائل فرض كفاية إن صدق. وقال القرطبي اتفق العلماء علىنه إذا نزل بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها. قال مالك يجب على الناس فداء أسرهم. وإن استغرق ذلك أموالهم. وفي الإقناع وغيره وإطعام الجائع ونحوه واجب إجماعا مع أنه ليس في المال حق واجب سوى الزكاة اتفاقا. لكن ما يعرض لجائع وعار ونحوهما فيجب عند وجود سببه.