الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. واستحب تأخير السحور. ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط. فهذا أولى بالعذر من الناسي اهـ.
ومن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال لم يكفر اتفاقًا. وقال ابن أبي موسى قولا واحدا. واختاره أبو حفص وصاحب الفائق والشيخ وغيرهم. وقال هذا قول طوائف من السلف والخلف وقال غير واحد النزع ترك للجماع وقال ابن القيم من طلع عليه الفجر وهو مجامع فالواجب عليه النزع عينًا.
ويحرم عليه استدامة الجماع واللبث ولا شيء عليه. اختاره شيخنا. وهو الصواب. والحكم في حقه وجوب النزع. والمفسدة في حركة النزع مفسدة مغمورة في مصلحة إقلاعه. ونزعه. وإن استدام فعليه القضاء والكفارة. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. لأنه جماع في نهار رمضان باختيار فلا فرق بين ابتدائه ودوامه.
باب ما يكره ويستحب في الصوم
أي باب بيان ما يكره في الصوم من شتم وقبلة ونحو ذلك. وبيان ما يستحب في الصوم من تعجيل فطور وتأخير سحور قال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} أي الكذب والبهتان
والباطل كغيبة ونميمة وشتم وفحش ونحوه. ويجب اجتنابه كل وقت وفي كل مكان. وفي رمضان والمكان الفاضل
آكد. لأن الحسنات والسيئات تتضاعف بالزمان والمكان الفاضل.
والنهي عن الزور كثير في الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} وقال {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} وقال {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} وقال {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فعلى المرء أن يسعى في حفظ لسانه عن جميع الكلام إلا ما ظهرت فيه مصلحة "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
قال أحمد ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري. ويصون صومه. وكانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا. ولا يعمل عملا يجرح به صومه. ويشرع له كثرة القراءة والذكر والصدقة لمضاعفة الحسنات في رمضان.
(وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لم يدع) أي يترك ويجتنب (قول الزور) وللطبراني من حديث أنس "من لم يدع الخنى والكذب"(والعمل به) أي بالزور (والجهل) أي السفه (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أي ليس المقصود من الصوم نفس الجوع والعطش. بل ما يتبعه من كسر
ثائرة الغضب وتطويع النفس الأمارة للطمأنينة.
فإذا لم يحصل لم يبال الله بصومه "رب صائم حظه من صيامه الجوع والظمأ"(رواه البخاري) ورواه أحمد وأهل السنن وغيرهم. وفيه الزجر والتحذير من قول الزور ومن العمل به. وأن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور. قال الشيخ وقد يكثر فيزيد على الصوم. وقد يقل وقد يتساويان. وهذا مما لا نزاع فيه. وفي المسند في المرأتين اللتين صامتا عما أحل الله لهما من الطعام وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس أمرهما أن يتقيئا فقاءتا ملء قدح قيحًا وصديدًا ولحمًا عبيطًا.
وذكر الشيخ وجها يفطر بغيبة ونميمة ونحوها. ونقل عن بعض السلف. لكن قال أحمد لو كانت الغيبة تفطر. ما كان لنا صوم. وذكره الموفق إجماعًا. وقول الأئمة لا تفطر أي لا يعاقب عقاب المعلن بالفطر. ومن قال يفطر بمعنى أنه لم يحصل له مقصود الصوم. أو قد تذهب بأجر الصوم. فقوله موافق لقول الأئمة.
ولا نزاع في تحريمها وفي الصحيحين "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" ولما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقال: "يا جبرائيل من
هؤلاء قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
(ولهما) أي وللبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد قوله "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب ولا يجهل" قال (وإن شاتمه أحد) أي شتمه متعرضًا لمشاتمته والشتم السب وهو رمي أعراض الناس بالمعائب القبيحة وذكرهم بقبيح القول حضرًا أو غيبًا (أو قاتله) أي نازه ودافعه ويحمل على ظاهره. وعلى اللعن. فيجعر إلى معنى الشتم والصائم مأمور أن يكف نفسه عن ذلك ولا يقابله بالشتم والسب.
(فيقل إني) امرؤ (صائم) أي صومي يمنعني من ذلك. وآكد للزجر ليرده به عن نفسه وظاهره أنه يقوله جهرًا اختاره الشيخ وغيره. لأن القول المطلق باللسان وفي الفرض لا نزاع فيه حكاه ابن العربي. وإنما الخلاف في التطوع بعدًا عن الرياء. قال النووي كل منهما حسن. والقول باللسان أقوى من القول في النفس ولو جمعهما لكان حسنًا.
(وعن عائشة) رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم (كان يقبل وهو صائم) ولهما عن أم سلمة أنه كان يقبلها وهو صائم. ولمسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال له "سل هذه "لأم سلمة فأخبرته أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال "أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له" وفيه أن أفعاله حجة. وقال لعمر أرأيت لو تمضمضت؟ رواه أبو داود. فدلت على أنه يجوز التقبيل للصائم. ولا يفسد به الصوم. قال النووي ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم. إلا أن أنزل بها (ويباشر وهو صائم) المباشرة الملامسة وترد بمعنى الوطء. وليس مرادا هنا. وذكر المباشرة بعد التقبيل من ذكر العام بعد الخاص. فإن المباشرة المذكورة هنا أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع. لأنها في الأصل التقاء البشرتين.
(ولكنه أملككم لإربه) بكسر الهمزة أي حاجته ووطره. وقيل لعضوه. وقيل لنفسه. وهي رواية وآمنكم من الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس. والمقصود أملككم لنفسه. فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرم (متفق عليه).
(ولأبي داود عن أبي هريرة نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شابا) سأله عن المباشرة للصائم فنهاه. وقال: "الشاب يفسد صومه" خشية أن تغلبه الشهوة وأن لا يملك نفسه عند التقبيل. ولذلك ذهب قوم إلى تحريم التقبيل على من تحرك شهوته الشاب مظنة لذلك. وقال المجد تحرم القبلة إن ظن إنزالا بغير خلاف. لتعريضه للفطر. ثم إن أنزل أفطر بلا خلاف وإن لم ينزل لم يفطر ذكره ابن عبد البر إجماعًا.
(ورخص الشيخ) سأله عن المباشرة للصائم. وقال الشيخ يملك إربه. وإسناده صحيح. ورواه البيهقي وهذا لفظه. ورواه سعيد عن أبي هريرة وأبي الدرداء وابن عباس بإسناد صحيح. ولفعله عليه الصلاة والسلام. والتعبير بالشيخ والشاب جرى على الغالب. فلو انعكس الأمر انعكس الحكم.
وليست محرمة على من لم تحرك شهوته. ولا يقال إنها مكروهة له. وإنما هي خلاف الأولى في حقه. لثبوت فعله صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه يؤمن في حقه مجاوزة القبلة. ويخاف على غيره مجاوزتها. والمراد قبلة من تباح قبلته في الفطر. كزوجته وسريته تلذذا لا رحمة وتوددًا. فأما من تحرم قبلته في الفطر ففي الصوم أولى بالتحريم. وكذا دواعي الوطء كمعانقة ولمس وتكرار نظر للتلذذ والشهوة. وأما اللمس لغير شهوة كلمس اليد ليعرف مرضها ونحوه فلا يكره اتفاقًا.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما (لا بأس بذوق طعام لحاجة رواه البخاري) وكذا قال أحمد وغيره لا بأس به لحاجة ومصلحة. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وكالمضمضة. ويكره بلا حاجة لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره. قال أحمد أحب إلي أن يجتنبه فإن فعل فلا بأس. وقال الشيخ إذا ذاق طعامًا ولفظه أو وضع فيه عسلا ومجه فلا بأس به لحاجة كالمضمضة والاستنشاق اهـ.
ويكره مضغ علك قوي لا يتحلل اتفاقًا. ويحرم المتحلل إجماعًا. لأنه يكون قاصدًا لإيصال شيء من خارج إلى جوفه مع الصوم وهو حرام ويكره أن يدع بين أسنانه بقايا من الطعام خشية خروجه فيجري به ريقه إلى جوفه.
ويكره جمع ريقه فيبتلعه خروجًا من الخلاف. ويحرم بلع النخامة وقيل يفطر بها إن وصلت إلى فمه وفاقًا للشافعي. كالقيء. وعن أحمد وغيره لا يفطر لأنه معتاد في الفم كالريق. فالأولى اجتنابه ولا يفطر به إجماعًا.
(وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسحروا) فيه الأمر بالسحور فإن في السحور بركة متفق عليه) لأنه يقوي على الصيام وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر. وقال الحافظ الأجر والثواب. ولابن ماجه عن ابن عباس: "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار". فحكمته التقوي على الصيام.
وسمي فلاحًا لأنه سبب لبقاء الصوم ومعينًا عليه
ولابن حبان عن ابن عمر "ولو أن يجرع أحدكم جرعة
من ماء" ولأحمد عن أبي سعيد "السحور بركة فلا تدعه
ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء. فإن الله وملائكته
يصلون على المتسحرين" ولأبي داود "نعم سحور المؤمن
التمر" والسحور بفتح السين اسم لما يؤكل في السحر.
وبالضم اسم الفعل على الأشهر. والمراد هنا
الفعل. وكل ما حصل من أكل وشرب حصل به فضيلة السحور.
(ولمسلم عن عمرو بن العاص مرفوعًا فصل ما بين صيامنا) أي الفارق بين صيامنا معشر المسلمين (و) بين صيام أهل الكتاب) اليهود والنصارى (أكلة السحر) أي السحور لأن الله أباحه لنا إلى الصبح وحرمه عليهم بعد أن يناموا. ومخالفتنا إياهم مأمور بها شرعا. فتأكدت بالتعيين. وتقع هنا موقع الشكر لتلك النعمة. وفيه "أن هذا الدين يسر لا عسر فيه".
وقد تقدم {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} وفرحوا به بعد المنع. والأمر بالسحور والحث عليه مستفيض وأجمعوا على ندبيته ولا يجب إجماعا حكاه ابن المنذر وغيره لما ثبت من الوصال.
(ولهما عن سهل مرفوعًا لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) أي لا يزالون بخير في دينهم مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة. ولأبي داود "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر. لأن اليهود والنصارى يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم" ونحوه في الصحيحين. فقوام الدين على مخالفة الأعداء. فدلت هذه الأحاديث أنه لا يزال أمر هذه الأمة
معظمًا. وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة. مخالفين لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين.
وفيها إشارة إلى أن تغيير هذه السنة علم على فساد الأمر. فتأكد الفعل. ولأحمد والترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا "يقول الله تعالى أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا" ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة. وكان صلى الله عليه وسلم يعجل الإفطار صححه الترمذي.
(زاد أحمد عن أبي ذر وأخروا السحور) ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر" قال ابن عبد البر وغيره أحاديث تعجيل الفطور وتأخير السحور صحيحة متواترة. وأجمع العلماء علىن تجعيل الفطور وتأخير السحور سنة متبعة. حكاه الوزير وغيره. وجزم به الشيخ وغيره.
وقوله (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) يقتضي الإفطار عند غروب الشمس. حكمًا شرعيًا لما في الصحيحين وغيرهما "إذا اقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" أي دخل في وقت الفطر وجاز له أن يفطر.
وأجمعوا على أن الصوم ينقضي ويتم بتمام الغروب. وأن السنة أن يفطر إذا تحقق غروب الشمس. وله الفطر بغلبة الظن.
اتفاقا. إقامة له مقام اليقين. ولأن ما عليه إمارة يدخله التحري كالوقت.
قال الشيخ ومع الغيم المطبق لا يمكن اليقين الذي لا يقبل الشك لا بعد أن يذهب وقت طويل من الليل يفوت المغرب ويفوت تعجيل الفطور. والمصلي مأمور بصلاة المغرب وتعجيلها. وثبت في صحيح البخاري عن أسماء أفطرنا يوما من رمضان في غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس. فدل على أنه لا يستحب التأخير مع الغيم إلى أن يتيقن الغروب. فإنهم لم يفعلوا ذلك. ولم يأمرهم به. والصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أعلم وأطوع لله.
وكره الفطر مع الشك في غروب الشمس. لا في طلوع الفجر. قال ابن عباس وغيره كل ما شككت حتى لا تشك. وقال الصديق يا غلام أجف الباب لا يفاجأنا الفجر. ولا يعرف لهما مخالف. بخلاف الجماع لما في الشك من التعرض لوجوب الكفارة. وليس مما يتقوى به. ولا يستحب اتفاقا. ولأبي داود "إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه".
والمراد والله أعلم ما لم يعلم طلوع الفجر. ولإمكان سرعة أكله وشربه لتقارب وقته واستدراك حاجته. واستشراف نفسه. وقوة نهمته. وتوجه شهوته بجميع همته. مما يكاد يخاف عليه أنه
لو منع منه لما امتنع. فأجازه الشارع رحمة عليه. قوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أي ينتشر ويظهر ويستطير معترضا. كما بينه الشارع.
وهو من باب الرخصة. والأخذ بها محبوب إلى الله وندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما إذا علم انتشار الصبح فيحرم اتفاقًا. بل امتناع السحور بطلوع الفجر قول الأئمة وفقهاء الأمصار.
(وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي) وللطبراني "إذا كان صائمًا لم يصل حتى يأتيه برطب وماء فيأكل ويشرب" ففيه أيضًا سنية تعجيل الفطور قبل صلاة المغرب. وهو أفضل اتفاقًا. وأنه على رطب قدمه على اليابس. فيقدم عليه إن وجد (فإن لم تكن) أي فإن لم توجد رطبات (فتمرات) أي فيفطر على تمرات. ولفظ الطبراني. وإذا لم يكن رطب لم يصل حتى يأتيه بتمر وماء. ولأن التمر حلو وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم.
(فإن لم تكن) أي توجد رطبات ولا تمرات (حسا حسوات من ماء) أي يشرب شربات من ماء والحسوة الجرعة من ماء بقدر ما يحسى مرة واحدة وحسا الماء شربه شيئًا بعد شيء والحديث (رواه أبو داود) ورواه الترمذي وغيره وحسنه وللخمسة وصححه ابن خزيمة من حديث سليمان بن عامر "إذا أفطر أحدكم فيلفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور".
وروي من طرق عن جماعة من الصحابة تدل على أن الإفطار بما ذكر سنة. وفي صحيح مسلم "فاجدح لنا" وهو خلط السويق بالماء. فنزل فجدح له. فشرب. وفي معنى الرطب والتمر كله حلو لم تمسه النار لأنه يرد للبصر ما زاغ منه بالصوم. قال ابن القيم وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو. مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به. لا سيما القوى الباصرة. فإنها تقوى به.
وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القب لا يعلمها إلا أطباء القلوب.
(وله عن معاذ بن زهرة) بضم الزاي ذكره يحيى بن يونس في الصحابة وقال ابن معين حديثه مرسل (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر) أي إذا كان عند الفطر (قال اللهم لك صمت) أي أمسكت عن الطعام والشراب والجماع وغيره (وعلى رزقك) الذي أطعمتنيه (أفطرت) أي أكلت وشربت. وإن شاء زاد "فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".