الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المواقيت
جمع ميقات كمواعيد وميعاد لغة الحد. والتوقيت التحديد. وبيان مقدار المدة. وأصله أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان. واصطلاحا موضع العبادة وزمنها. واعلم أن البيت الحرام لما كان معظمًا مشرفًا جعل له حصن وهو مكة. وحمى وهو الحرم. وللحرم حرم وهو المواقيت. حتى لا يجوز لمن دونه أن يتجاوزه إلا بالإحرام تعظيمًا لبيت الله الحرام.
قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج أشهر معلومات. حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فخصصه الله تعالى من بين سائر شهور السنة وفي الصحيح عن ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج. وروي مرفوعا "لا ينبغي أن يحرم بالحج إلا بأشهره" قال ابن كثير وغيره لا بأس به. قال الموفق وغيره يكره أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج بغير خلاف علمناه. ولا ينعقد عند الشافعي. وعند الجمهور: مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم ينعقد مع الكراهة، ولا نزاع في افضليته في أشهره لموافقته الأحاديث الصحيحة وفعله صلى الله عليه وسلم. وكالمكاني.
(قال ابن عمر) وجمع من الصحابة منهم عمر وعلي وابن مسعود وابن الزبير وابن عباس وغيرهم (أشهر الحج) أي التي شرع الله الإحرام بالحج فيها ثلاثة. وحكي إجماعا (شوال)
مأخوذ من شالة الإبل بأذنابها للطراق (ذو القعدة) لقعودهم عن القتال فيها والترحال (وعشر من ذي الحجة) لإقامتهم الحج فيه. وقاله جماعة من التابعين وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وابن جرير وغيرهم. قال وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب.
وقال مالك وذو الحجة جميعه. وقال الوزير ليست له فائدة تخصه حكمية ومن عشر ذي الحجة يوم النحر. وهو يوم الحج الأكبر وإنما فات الحج بفجر يوم النحر بخروج وقت الوقوف لا لخروج وقت الحج. فهذا وقت الحج الزماني.
(وعن ابن عباس مرفوعًا "عمرة في رمضان تعدل حجة" متفق عليه) أي في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط فرض الحج للإجماع على أن الاعتمار لا يجزء عن حج الفرض. وفيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت.
وتقدم أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم العمرة أشهر الحج. وهذا الحديث دليل على أن رمضان وقت لفعل العمرة وهو اتفاق. وكذا جميع السنة وقت لفعل العمرة وتقدم أنها في أشهر الحج أفضل لاختيار الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم.
(وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت) أي جعل ميقاتا للإحرام. والمراد بالتوقيت هنا بالتحديد. أو تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشروط المعتبرة (لأهل المدينة ذا الحليفة) ولهما من حديث ابن عمر قال "يهل أهل المدينة من
ذي الحليفة" وفي لفظ "أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة" والحليفة تصغير الحلفة بفتحتين واحدة الحلفات. نبات معروف.
قال الشيخ وتسمى وادي العقيق ومسجدها يسمى مسجد الشجرة. وفيها بئر تسميها العامة بئر علي. لظنهم أن عليا رضي الله عنه قاتل فيها الجن. وهو كذب. وهي أبعد المواقيت من مكة. بينها وبين مكة عشر مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق. فإن منها إلى مكة عدة طرق. وبينها وبين المدينة ستة أميال وتعرف اليوم بآبار علي. وهي قرية خربة. وفيها اليوم عشش قليلة.
(ولأهل الشام) زاد النسائي من حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي والمغرب (الجحفة) بضم الجيم. قال الشيخ وغيره كانت قرية قديمة كبيرة معمورة جامعة. وكانت تسمى مهيعة. فجحف السيل بأهلها فسميت الجحفة بقرب رابغ علىيسار الذاهب إلى مكة. وهي اليوم خراب. ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى رابغا.
ومن أحرم منه فقد أحرم قبل محاذات الجحفة، وليس الإحرام منه مفضولا لضرورة انبهام الجحفة على أكثر الحاج ولعدم مائها. قال الشيخ وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب. لكن إذا اجتازو بالمدينة النبوية كما يفعلونه في هذه الأوقات احرموا من ميقات أهل المدينة فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق. وكان بالجحفة غدير غم
وبينها وبين مكة خمس مراحل أو ست، وست أو سبع من المدينة.
(ولأهل نجد) والطائف 0قرن المنازل) والمراد نجد اليمن ونجد الحجاز وهو ما بين جرش إلى سواد الكوفة وقرن بسكون الراء. قال الجوهري: ميقات أهل نجد. قال المهلبي: قرية. وفيه آثار ومساكن اليوم مشهورة بالسيل. وفي المعجم الوباءة موضع في وادي نخلة اليمانية عنده يكون مجتمع حاج البحرين واليمن وعمان. بينه وبين مكة مرحلتان.
(ولأهل اليمن يلملم) ويقال ألملم وهو الأصل والياء تسهيل لها. وهو جبل من جبال تهامة. وقيل واد هناك يحرم منه أهل اليمن وفيه مسجد معاذ. وبينه وبين مكة مرحلتان. واليمن ما كان عن يمين الكعبة. كما أن الشام بالعكس. فإذا أتى من سواكن إلى جدة فإن رابغا ويلملم يكونان أمامه فيصل جدة قبل محاذاتهما فيحرم منها. لأنها على مرحلتين من مكة.
(هن لهن) أي المواقيت المذكورة للبلدان المذكورة. والمراد أهلها أي للجماعات المذكورة فإن مقتضاه لهم. لكن عدل عن ذلك للتشاكل. وفي رواية (هن لهم) أي لأهلها الذي تقدم ذكرهم على حذف المضاف كما في رواية هن لأهلهن (ولمن أتى عليهن) أي على المواقيت (من غير أهلهن) أي أهل البلاد المذكورة. فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها.
ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي. فإن
أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور. وادعى النووي الإجماع على ذلك. تعقب بأن بعض المالكية يجيزه والخبر يرد ذلك. فإن قوله ولمن أتى عليهن من غير أهلهن يشمل الشامي وغيره إذا مر بذي الحليفة وغيرها. ولأن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم. فكان من مر بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته.
(ممن أراد الحج العمرة) فيجب أن لا يجاوزها إلا محرما باتفاق الأئمة حكاه الوزير وغيره. وقال الخطابي معنى التحديد في هذه المواقيت أن لا تتعدى ولا تجاوز إلا باستصحاب الإحرام. وإن لم يرد أحد النسكين أو كلاهما كمن قصد مكة لتجارة أوزيارة. فقال شيخ الإسلام ينبغي له أن يرحم. وفي الوجوب نزاع اهـ. لأنه صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت. وللشافعي قول يجب صححه جماعة لإطباق الناس عليه. ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم تجاوزوها إلى الحرم بغير إحرام إلا لقتال مباح إجماعا. أو خوف لدخوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر. ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه الإحرام يومئذ.
وعن ابن عباس مرفوعًا وفيه ضعف "لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام" وصح من قوله رضي الله عنه واختاره الأكثر. لأنه من أهل فرض الحج. ولعدم تكرر حاجته، ولأن الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة. فإن الله جعل البيت معظمًا وجعل المسجد الحرام فناء له وجعل مكة فناء للمسجد الحرام. وجعل
المواقيت فناء للحرم. والشرع ورد بكيفية تعظيمه. وهو الإحرام علي هيئة مخصوصة فلا يجوز تركه.
وظاهر مذهب الشافعي جوازه. وهو رواية عن أحمد. واستظهره في الفروع. وحكاه أحمد وغيره عن ابن عمر وهي ظاهر النص. والاصل عدم الوجوب. ومن قال بجوازه ممن لم يقصد النسك كره تركه إلا أن يتكرر دخوله ولو تجاوزه بلا إحرام لم يلزمه قضاء الإحرام جزم به جماعة. ولأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة. فلو وجب على كل من دخل مكة أن يحج ويعتمر لوجب أكثر من مرة.
ومن دخل مكة لا ينوي نسكا ثم بدا له أحرم من حيث أراد ولا يلزمه أن يعود إلى ميقاته عند جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد. وأما من أراد نسكا وجاوزه لزمه أن يرجع ليحرم منه تداركا لتقصيره. لأنه واجب أمكنه فعله فلزمه كسائر الواجبات ما لم يخف فوت حجز أو على نفسه. فيحرم من موضعه. وعليه دم سواء كان لعذر أو لا اتفاقا لحديث ابن عباس مرفوعا "من ترك نسكا فعليه دم".
وإن كان غير مكلف فلا دم عليه لأنه ليس من أهل فرض الحج. وكرقيق وكافر أسلم. قال الشيخ إنما يجب الإحرام على الداخل إذا كان من أهل وجوب الحج، وأما العبد والصبي والمجنون فيجوز لهم الدخول بغير إحرام. لأنه إذا لم تجب
عليهم حجة الإسلام وعمرته فلأن لا يجب عليهم الإحرام بطريق الأولى.
(ومن كان دون ذلك) أي المذكور من المواقيت المحدودة (فمن حيث أنشأ) أي أنشأ الإحرام إذ السفر من مكانه إلى مكة. وفي لفظ "فمهله من أهله" أي يحرم من محل أهله كأهل عسفان وخليص اتفاقا. ولو من غير أهلها ممن جاوزها ثم بدا له النسك. فإن كان له منزلان جاز أن يحرم من أقربهما إلى مكة. والأولى من البعيد (حتى أهل مكة) أي يهلون بحج أو عمرة أو بهما (من مكة) وفي لفظ "حتى أهل مكة يهلون منها"(متفق عليه) أي يهلون من مكة وأنها ميقاتهم.
سواء كانوا من أهلها أو من المجاورين أو الواردين إليها إجماعا فليس قوله "وأهل مكة" قيد إذ من كان بها من غير أهلها فحكمه كذلك. فلا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه. بل منها كالآفاقي الذي بينها وبين الميقات. ولمسلم عن جابر: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، فأهللنا من الأبطح" وظاهره لا ترجيح لموضع على موضع والأهلال أصله رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام. ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا.
وزعم المحب الطبري أنه لا يعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة. وجوابه هذا الحديث المتفق على صحته. أنه صلى الله عليه وسلم -
جعلها ميقاتا ويأتي ما وضحه الشيخ وابن القيم. وقال طاووس لا أدري الذين يعتمرون من التنعيم يؤجرون أو يعذبون. قيل له فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع البيت والطواف ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء اربعة أميال قد طاف مائتي طواف. وكلما طاف كان أعظم أجرا من أن يمشي في غير ممشى.
(ولمسلم من حديث جابر) نحو حديث ابن عباس وابن عمر، ولفظه: أن ابن الزبير سمع جابرا سئل عن المهل؟ فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مهل أهل المدينة من ذي الحليفة" والطريق الآخر الجحفة. "مهل أهل العراق ذات عرق" بكسر العين وكانت قرية قديمة. ومن علاماتها المقابر القديمة؛ بينها وبين مكة مرحلتان وسمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير المشرف على العقيق. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود والنسائي ولأبي داود من حديث الحارث ابن عمرو السهمي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنى أو عرفات وقد أطاف به الناس قال "ووقت ذات عرق لأهل العراق" وفي البخاري أن الذي وقت ذات عرق عمر رضي الله عنه. وتبعه الصحابة. وذلك أن عمر والله أعلم لم يبلغه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فاجتهد بما وافق النص وليس ببدع وقوع اجتهاده على وفق الشرع.
وهذا الحديث له طرق وشواهد يجب العلم بمثلها مع
تعددها مجيئها مسندة ومرسلة من وجوه شتى. تثبت أن لهذا التوقيت أصلا. وقال ابن عبد البر ميقات بالإجماع. قال رضي الله عنه "ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم. ورواه أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك. وقال شيخ الإسلام هذه المواقيت كلها ثبتت بالنص والإجماع.
ومن لم يمر بميقات أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه. بحيث أنه إذا حاذى أحدهما يبقى بينه وبينه يوم وإذا حاذى الآخر يبقى بينه وبينه يومان. وهو عند محاذات أحدهما غير محاذ للآخر. فيحرم إذا حاذى الأقرب إليه. ولو كان الآخر ابعد من مكة. لقول عمر: فانظروا حذوها من طريقكم. رواه البخاري. وينبغي أن يحتاط مع جهل المحاذات. فيحرم من حذو الأبعد. وكذا من أول كل ميقات. ويتعين الاحتياط.
وإن لم يحاذ ميقاتا احرم عن مكة بمرحلتين. ومن كان طريقه على ميقات كره أن يحرم قبل الميقات الذي وقته الشارع. وفعله فإنه صلى الله عليه وسلم أخر إحرامه من المدينة إلى الحليفة وبينهما ستة أميال في حجة الوداع. وكذا في عمرة الحديبية. وبلغ عمر إحرام عمران بن حصين من مصر فلامه وغضب. وقال يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احرم من مصر ولام عثمان عبد الله على إحرامه من خراسان ولأبي يعلى عن أبي أيوب مرفوعا "يستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا