الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دل على أنه لم يأمرهم وثبت عن عمر أنه أفطر ثم تبين النهار فقال لا نقضي فإنا لم نتاجنف لإثم. وهذا القول أقوى أثرا ونظرا وأشبه بدلائل الكتاب والسنة والقياس وكذا قال ابن القيم. وأنهم اتفقوا على أن الإثم موضوع عنه فصار فعله غير منسوب إليه كالناسي. لا سيما وهو مأمور بالمبادرة إلى الفطر.
قال الشيخ فإذا أكل عند غروبها بناء على غلبة الظن فظهرت ثم أمسك فكالناسي. وكما لو أكل ظانا غروبها ولم يتبين له الخطأ واختار أنه لا قضاء على من أكل أو جامع معتقدا أنه ليل فبان نهارا. وقال قال به طائفة من السلف والخلف. وهو الثابت عن عمر وغيره. فأما إذا أكل شاكا في طلوع الفجر فالأصل بقاء الليل. ولأنه لا يمنع نية الصوم إلا اليقين.
فصل في الكفارة
أي في بيان ما يتعلق بالجماع في نهار رمضان من الكفارة. وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها. وهي فعالة للمبالغة: فدية تلزم المجامع في نهار رمضان من غير عذر وعقوبة وزجر للواطئ وتكفير لجرمه. واستدراك لفرطه. وجبر لوهن الصوم. والجماع في نهار رمضان مفسد للصيام بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} أي أبيح لكم ليلة الصيام {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} يعني مجامعة النساء تيسيرًا عليكم
وكان في ابتداء الأمر إذا أفطر الرجل حل له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء أو يرقد قبلها، فإذا صلى أو رقد قبلها حرم عليه إلى الليلة القابلة {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي تخونون {أَنْفُسَكُمْ} بالمجامعة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} أي تجاوز عنكم {وَعَفَا عَنْكُمْ} محا ذنوبكم {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} جامعوهن حلالا {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} من الولد أو الرخصة {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر ثم أتموا الصيام إلى الليلِ} .
فأباح الأكل والشرب والجماع في أي الليل شاء. إلى أن يتبين ضياء الصباح ثم حرمه إلى الليل. فدلت الآية على أن الصيام المأمور بإتمامه ترك الوطء والأكل. فإذا وجد فيه الجماع لم يتم فيكون باطلا واتفق العلماء على أن من جامع في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة في الجملة ولما ذكر الشيخ انقسام المفطرات بالنص والإجماع. قال وأما الجامع فاعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام.
فإنه من نوع الاستفراغ. ومن جهة أنه إحدى الشهوتين فجرى مجرى الأكل والشرب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "يدع طعامه وشرابه من أجلي" فترك الإنسان ما يشتهيه لله هوعبادة مقصودة يثاب عليها. والجماع
من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها. وهو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل. فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم والغذاء يبسط الدم. فتنبسط نفسه إلى الشهوات. فهذا المعنى في الجماع أبلغ. فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات ويضعف إرادتها عن العبادة أعظم.
بل الجماع هو غاية الشهوات. وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب ولهذا وجب على المجامع كفارة الظهار. فوجب عليه العتق. أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع لأن هذا أغلظ وداعيه أقوى. والمفسدة به أشد فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع. وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ فذلك حكمة أخرى. فصار فيها كالاستقاء والحيض. وهو في ذلك أبلغ منهما. فكان إفساده الصوم أعظم من إفساد الأكل والحيض.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال جاء رجل) هو سلمة بن صخر الأنصاري الخزرجي البياضي (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت) وللدارقطني "وأهلكت" فيدل على أنه كان عامدًا. لأن الهلاك هنا عبارة عن العصيان المؤدي إلى ذلك (قال وما أهلكك؟) استفهام منه صلى الله عليه وسلم عن الذي أهلكه (قال وقعت على امرأتي في رمضان) أي جامعها في نهار رمضان.
(قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تجد ما تعتق رقبة) بالنصب بدل من ما. وظاهره الإطلاق. فيحمل على المقيد في
كفارة القتل بالإيمان. وهو قول الجمهور ولا بد أن تكون سليمة من العيوب الضارة بالعمل (قال لا) أي لا أجد رقبة. ولابن ماجه قال لا أجدها (قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) وحكى الوزير وغيره الإجماع على وجوب التتابع فيها (قال لا) اي قال لا استطيع صوم شهرين متتابعين.
(قال فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال لا) أي لا أجد ما أطعم به ستين مسكينا. قال النووي أجمع عليه العلماء في الأعصار المتأخرة وهو اشتراط إطعام ستين مسكينًا والجمهور على أن لكل مسكين مدًا من طعام ربع صاع مما يجزئ في فطرة كما تقدم عن شيخ الإسلام. وظاهر الحديث الترتيب لأنه نقله من أمر بعد عدمه إلى آخر ولم يأمره إلا عند العجز. وليس هذا شأن التخيير وهو مذهب جمهور العلماء.
ولابن ماجه قال "أعتق رقبة" قال لا أجدها. قال "صم شهرين متتابعين" قال لا أطيق. قال "أطعم ستين مسكينا" وفيه دلالة قوية على الترتيب "ثم جلس" غير قادر على شيء مما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم "فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق) بفتح الراء (فيه تمر) اي في العرق وهو المكتل أو الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا. وروي فيه خمسة عشر صاعًا (فقال تصدق به).
فدل على أن الكفارة تجب على الرجل وهو اتفاق وعند الجمهور وعلى المرأة. وسكوته صلى الله عليه وسلم لكونها لم تسأل. فلا حاجة
ولاحتمال أن تكون مكرهة. لقوله "هلكت وأهلكت" وإن كانت مطاوعة عالمة فك الرجل عند الجمهور لأن تمكينها كفعله في حد الزنا. ففي الكفارة أولى. وتسقط بتكفير غيره عنه "فقال أعلى أفقر منا" فهم من الأمر بالتصدق به أن يكون المتصدق عليه فقيرا "فما بين لابتيها" أي ما بين حرتي المدينة (أهل بيت أحوج إليه منا).
(فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتىبدت نواجذه) جمع ناجذ والمشهور أنها أقصى الاضراس استغرب وضحك صلى الله عليه وسلم مما شاهده من حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه. فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه في الكفارة أو من حسن بيانه (وقال اذهب فأطعمه أهلك. متفق عليه).
فدل على أنه إذا لم يجد شيئًا يطعمه المساكين سقطت الكفارة. لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بكفارة أخرى ولم يذكر له بقاءها في ذمته قال الوزير أجمعوا على أنه إذا عجز عن كفارة الوطء حين الوجوب سقطت إلا الشافعي في أحد قوليه وأوجب بعض العلماء على الرجل الكفارة ولو ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلاً قالوا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل المواقع عن حاله ولأن الوطء يفسد الصوم فأفسده على كل حال كالحج.
وعن أحمد لا تجب اختاره شيخ الإسلام وغيره وقال هو قياس أصول أحمد وغيره لأن الكفارة ماحية ومع النسيان
والإكراه والجهل لا إثم يمحى وقا قد ثبت بالكتاب والسنة أن من فعل محظورا مخطئًا أو ناسيًا لم يؤاخذه الله وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله فلا يكون عليه إثم ومن لا إثم عليه لم يكن عاصيًا ولا مرتكبًا لما نهي عنه ومثل هذا لا تبطل عبادته.
ونقل ابن القاسم كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة قال أكثر الأصحاب وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة. وقال ابن عبد البر الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما لا يفطرانه. وكذا قال غير واحد من أهل العلم الجماع كالأكل فيما مر فيه من الإكراه والنسيان والجهل قال النووي وهو قول جمهور العلماء والصحيح من مذهبهم. لأنه صح الحديث أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه.
والأحاديث في العامد لقوله "هلكت وأهلكت" وهذا لا يكون إلا في العامد. فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع. وقال الشيخ لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ولا يصح منه. وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه. وضعف أمر المجامع بالقضاء لعدول البخاري ومسلم عنه. والجمهور على خلافه وذكر الحافظ أن له طرقًا تثبت أن له أصلاً. ولفظه عند أبي داود وصم يوما مكانه. والاحتياط والخروج من الخلاف مستحب.
وإن كرر الجماع في يوم فكفارة واحدة. قال الوزير أجمعوا
أنه إذا وطئ وكفر ثم عاد فوطئ ثانيًا في يومه ذلك أنه لا يجب عليه كفارة ثانية. وإن جامع في يومين متفرقين لزمه كفارتان عند الجمهور مالك والشافعي وأحمد وكما لو كفر عن اليوم الأول فإنه يلزمه لليوم الثاني كفارة ثانية. ذكره ابن عبد البر إجماعًا.
ومن جامع وهو معافى ثم مرض أو جن أو سافر لزمته الكفارة اتفاقًا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأعرابي هل طرأ له بعد وطئه مرض أو غيره بل أمره بالكفارة. ولو اختلف الحكم لسأله عنه. ولأنه أفسد صيامًا واجبًا من رمضان بجماع فاسقرت كفارته. وإن جامع من نوى الصوم في سفره أفطر ولا كفارة عليه.
وأجمعوا على أنه إذا أفطر في السفر يباح له الجماع. وينبغي أن يفطر بنية الفطر. فيقع الجماع بعده.
ومن لزمه الإمساك ثم جامع فعليه الكفارة اتفاقًا. ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان إجماعًا. ولا كفارة بجماع دون الفرج ولا بمباشرة أو قبلة ونحوها ولو مع الإنزال اتفاقًا. ولا بالجماع في قضاء رمضان أو نذر أو كفارة. لأن الكفارة لهتك حرمة الشهر وغيره لا يساويه.
وقال طوائف من السلف من جامع معتقدا عدم طلوع الفجر ثم تبين أنه طلع فلا قضاء عليه. وقال الشيخ هذا القول أصح الأقوال وأشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة. فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ وقد أباح الله الأكل