المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصبر ومنزلته في العقيدة: - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد

[صالح الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الأصل الأول: الإيمان بالله عز وجل

- ‌مدخل

- ‌أولا: توحيد الربوبية

- ‌ثانيا: توحيد الألوهية

- ‌مدخل

- ‌علاقة توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية، والعكس:

- ‌أساليب القران في الدعوة إلى توحيد الإلهية:

- ‌حدوث الشرك في توحيد الإلهية:

- ‌خطر الشرك ووجوب الحذر منه بتجنب أسبابه:

- ‌نقض المشركين التى يتعلقون بها في تسويغ شركهم في توحيد الإلهية

- ‌بيان أنواع الشرك الأكبر

- ‌أمور أخرى تنافي التوحيد:

- ‌أمور يفعلها بعض الناس وهي من الشرك أو من وسائله:

- ‌الشرك الأصغر:

- ‌الصبر ومنزلته في العقيدة:

- ‌بيان ألفظ لا يجوز أن تقال في حق الله تعالي تعطيلا لشأنه

- ‌ثالثاُ: توحيد الأسماء والصفات

- ‌مدخل

- ‌وجوب احترام أسماء الله سبحانه وتعالى:

- ‌منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته:

- ‌منهج الجهمية وتلاميذهم في أسماء الله وصفاته:

- ‌الرد على المنحرفين عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته من المشبهة

- ‌‌‌الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة

- ‌الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة

- ‌‌‌الأصل الثالث: الإيمان بالكتب

- ‌الأصل الثالث: الإيمان بالكتب

- ‌الأصل الرابع: الإيمان بالرسل

- ‌مدخل

- ‌دلائل النبوة:

- ‌معجزات القران

- ‌عصمة الأنبياء:

- ‌دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحد:

- ‌ذكر خصائص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جمالا

- ‌كرامات الأولياء:

- ‌الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر

- ‌أولاً الإيمان بأشراط الساعة

- ‌مدخل

- ‌ظهور المهدي:

- ‌خروج الدجال:

- ‌نزول عيسى بن مريم عليه السلام:

- ‌خروج يأجوج ومأجوج:

- ‌خروج الدابة:

- ‌طلوع الشمس من مغربها:

- ‌حشر الناس إلى أرض الشام:

- ‌النفخ في الصور والصعق:

- ‌ثانيا: الإيمان باليوم الآخر

- ‌مدخل

- ‌الموت:

- ‌التوفي بالنوم والتوفي بالموت:

- ‌حقيقة الروح:

- ‌الروح مخلوقة:

- ‌كيفية قبض روح المتوفى ومآلها بعد وفاته:

- ‌هل الروح والنفس شيء واحد أو شيئان متغايران

- ‌ثالثا: فتنة القبر وعذابه ونعيمه

- ‌مدخل

- ‌سؤال الملكين

- ‌صفة سؤال الملكين للميت على ما وردت به الأحاديث:

- ‌تعلقات الروح البدن

- ‌عذاب القبر ونعيمه

- ‌أدلة عذاب القبر ونعيمه من القرآن الكريم

- ‌أدلة عذاب القبر من السنة والنبوية

- ‌تنبيه هام

- ‌المنكرون لعذاب القبر ونعيمه، وشبهتهم، والرد عليهم

- ‌أسباب عذاب القبر:

- ‌رابعا: البعث والنشور

- ‌مدخل

- ‌خامسا: الإيمان بما يكون يوم القيامة

- ‌مدخل

- ‌الحساب

- ‌إعطاء الصحائف

- ‌وزن الأعمال

- ‌الصراط والمرور عليه

- ‌الحوض

- ‌الشفاعة

- ‌الجنة والنار

- ‌الأصل السادس: الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌مدخل

- ‌ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الخاتمة

- ‌فصل في الولاء والبراء

- ‌مدخل

- ‌مظاهر موالاة الكفار

- ‌مظاهر موالاة المؤمنين

- ‌أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء

- ‌فصل في التحذير من البدع

- ‌أولا: تعريف البدعة؛ أنواعها وأحكامها

- ‌ثانيا: ظهور البدع في حياة المسلمين والأسباب التى أدت إلى ذلك

- ‌ثالثا: موقف أهل السنة والجماعة من المبتدعة ومنهجهم في الرد عليهم

- ‌رابعًا: بيان نماذج من البدع المعاصرة

- ‌خامسًا: ما يعامل به المبتدعة

الفصل: ‌الصبر ومنزلته في العقيدة:

‌الصبر ومنزلته في العقيدة:

تقدم الكلام في النهي عن قول "لو"عندما يقع الإنسان في مصيبة، وأن الواجب عليه الصبر والاحتساب.

قال الإمام أحمد رحمه الله: "ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعا من كتابه".

وفي الحديث الصحيح: "الصبر ضياء"، رواه أحمد ومسلم.

وقال عمر رضي الله عنه: "وجدنا خير عيشنا بالصبر"، رواه البخاري. وقال علي رضي الله عنه:"إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"، ثم رفع صوته وقال:"ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له".

وقد روى البخاري ومسلم مرفوعا: "ما أعطي أحد عطاء خيرًا أوسع من الصبر".

والصبر مشتق من صبر: إذا حبس ومنع؛ فهو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب.

وهو ثلاثة أنواع:

1-

صبر على فعل ما أمر الله به.

2-

وصبر على ترك ما نهى الله عنه.

3-

وصبر على ماقدره الله من المصائب.

قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 1.

1 سورة التغابن، الآية 11.

ص: 134

قال علقمة: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله؛ فيرضى ويسلم".

وقال غيره في معنى الآية: أي: من أصابته مصيبة، فعلم أنها بقدر الله، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدىً في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه".

وقال سعيد بن جبير:" {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ؛ يعني: يسترجع، ويقول:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1.

وفي الآية الكريمة دليل على أن الأعمال من الإيمان، وعلى أن الصبر سبب لهداية القلوب، وأن المؤمن يحتاج إلى الصبر في كل المواقف: يحتاج إليه مع نفسه أمام أوامر الله ونواهيه؛ بإلزام نفسه بالتزامها.

ويحتاج إلى الصبر في مواقف الدعوة إلى الله تعالى على ما يناله في سبيلها من مشقة وأذى، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

} إلى قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ} 2.

ويحتاج إلى الصبر في موقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما يلاقيه من أذى الناس؛ قال تعالى عن لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} 3.

والمؤمن بحاجة إلى الصبر أمام مواجهته المصائب التي تجري عليه؛ بأن يعلم أنها من عند الله؛ فيرضى، ويسلم، ويحبس نفسه عن الجزع والتسخط

1 سورة البقرة، الآية 156.

2 سورة النحل، الآيات 125 ـ 127.

3 سورة لقمان، الآية 17.

ص: 135

الذي قد يظهر على اللسان والجوارح، وهذا من صميم العقيدة؛ لأن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، وثمرته الصبر على المصائب، فمن لم يصبر على المصائب؛ فهذا دليل على فقدان هذا الركن أو ضعفه لديه، ومن ثم سيقف أمام المصائب موقف الجزع والتسخط، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلمأن هذا كفر يخل بالعقيدة الإسلامية:

ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت"؛ فهاتان الخصلتان من خصال الكفر؛ لأنهما من أعمال الجاهلية، بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة"، وبين "كفر"منكرًا؛ كما في هذا الحديث.

وفي "الصحيحين": "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".

وقوله في الحديث: "ودعا بدعوى الجاهلية"؛ قال ابن القيم: "الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بعض؛ يدعو إلى ذلك، ويوالي عليه، ويعادي؛ فكل هذا من دعوى الجاهلية

" انتهى.

والله - سبحانه - يجري المصائب على عباده لحكم عظيمة؛ منها أنه يكفر بها خطاياهم؛ كما في حديث أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "إذا أراد الله بعبده الخير؛ عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد به الشر؛ أمسك عنه بذنبه، حتى يوافي به يوم القيامة"، رواه الترمذي وحسنه الحاكم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المصائب نعمة؛ أنها مكفرات

ص: 136

للذنوب، وتدعوا إلى الصبر؛ فيثاب عليها، وتقتضى الإنابة إلى الله والذل له والإعراض عن الخلق

إلى غير ذلك من المصالح العظيمة؛ فنفس البلاء يكفر الله به الذنوب والخطايا، وهذا من أعظم النعم، فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق؛ إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مما كان قبل ذلك، فيكون شرًا عليه من جهة ما أصابه في دينه؛ فإن من الناس من إذا ابتلى بفقر أو مرض أو وجع؛ حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه؛ فهذا كانت العافية خيراً له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة؛ كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة؛ كانت في حقه نعمة دينية؛ فهي بكونها فعل الرب عز وجل رحمة للخلق، والله تعالى محمود عليها، فمن ابتلى فرزق الصبر؛ كان الصبر عليه نعمة في دينه، وحصل هل بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له ثناء ربه عليه؛ قال تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} 1، وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات، فمن قام بالصبر الواجب؛ حصل له ذلك" انتهى.

ومن الحكم الإلهية في إجراء المصائب ابتلاء العباد عند وقوعها من يصبر ويرضى ومن يجزع ويسخط؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي؛ فله الرضى، ومن سخط؛ فله السخط"، رواه الترمذي وحسنه.

والرضى هو أن يسلم العبد أمره إلى الله، ويحسن الظن به، ويرغب في ثوابه.

والسخط: هو الكراهية للشيء، وعدم الرضى به؛ أي: من سخط على الله فيما دبره؛ فله السخط من الله.

1 سورة البقرة، الآية 157.

ص: 137