الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزمان، وذكروا ذلك ضمن مباحث العقيدة، فمن أنكر خروجه؛ فقد خالف ما دلت عليه الأحاديث المتواترة، وخالف ما عليه أهل السنة والجماعة.
ولم ينكر خروجه إلا بعض المبتدعة كالخوارج والجهمية، وبعض المعتزلة، وبعض الكتاب العصريين، والمنتسبين إلى العلم، ولم يعتمدوا على حجة يدفعون بها النصوص المتواترة سوى عقولهم وأهوائهم، ومثل هؤلاء لا عبرة بهم ولا بقولهم.
والواجب على المسلم الإيمان بما صح عن الله ورسوله، واعتقاد ما يدل عليه، وأن لا يكون من الذين قال الله تعالى فيهم:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه} 1؛ لأن مقتضى الإيمان بالله ورسوله هو التسليم لما جاء عنهما والإيمان به، ومن لم يفعل؛ فإنه متبع لهواه بغير هدى من الله.
نسأل الله العافية والسلامة من الشك والشرك والكفر والنفاق وسوء الأخلاق، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، والحمد لله رب العالمين.
نزول عيسى بن مريم عليه السلام:
إن نزول المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام كما دل عليه القرآن فقد أخبر به الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتواتر النقل عنه بذلك، وأجمع عليه علماء الأمة سلفا وخلفا، وعدوه مما يجب اعتقاده والإيمان به.
قال السفاريني: "ونزوله عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
1سورة يونس، الآية:39.
مَوْتِهِ} 1؛ أي: ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك عند نزوله من السماء آخر الزمان، حتى تكون الملة واحدة، ملة إبراهيم حنيفا مسلما
…
".
إلى أن قال: "وأما السنة؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده؛ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية
…
" الحديث. وفي مسلم عنه: "والله لينزلن ابن مريم حكما عدلاً، فيكسر الصليب"؛ بنحوه. وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين، إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل بنا. فنقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة".
وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة أو من لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أن ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية وليس بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء، وإن كانت النبوة قائمة به، وهو متصف بها، ويتسلم الأمر من المهدي، ويكون المهدي من أصحابه وأتباعه كسائر أصحاب المهدي" انتهى كلام السفاريني رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وعيسى حي في السماء، لم يمت بعد، وإذا نزل من السماء؛ لم يحكم إلا بالكتاب والسنة، لا بشيء يخالف ذلك".
وقال - أيضا -: "عيسى عليه السلام حي، وقد ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً وإماما مقسطا، فيكسر الصليب،
1 سورة النساء، الآية:159.
ويقتل الخنزير، ويضع الجزية"، وثبت في "الصحيح"عنه؛ أنه ينزل على المنارة البيضاء شرق دمشق، ويقتل الدجال. ومن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي؛ فإنه يقوم من قبره، وأما قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1؛ فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت إذ لو أراد بذلك الموت؛ لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء، وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه} 2؛ فقوله هنا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه} يبين أنه رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في"الصحيح" أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته؛ لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات، ولهذا قال من قال من العلماء:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ؛ أي: قابضك؛ أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته، ولفظ التوفي لا يقتضي توفي الروح دون البدن ولا توفيهما جميعا؛ إلا بقرينة منفصلة، وقد يراد به توفي النوم؛ كقوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 3، وقوله:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} 4 انتهى.
وقال القاضي عياض: "نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله؛ فوجب إثباته، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 5، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي"، وإجماع المسلمين أنه لا نبي
1 سورة آل عمران، الآية:55.
2 سورة النساء، الآيتان: 157 ـ 158.
3 سورة الزمر، الآية:42.
4 سورة الأنعام،:60.
5 سورة الأحزاب، الآية:40.
بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة ولا تنسخ، وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا، بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس
…
" انتهى.
أقول: وفي عصرنا هذا ينكر بعض الكتاب الجهال وأنصاف العلماء نزول عيسى عليه السلام اعتمادًا على عقولهم وأفكارهم، ويطعنون في الأحاديث الصحيحة، أو يؤولونها بتأويلات باطلة، والواجب على المسلم التصديق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح عنه اعتقاده؛ لأن ذلك من الإيمان بالغيب الذي أطلع الله رسوله عليه.
قال العلامة السفاريني رحمه الله: "ويكون مقرِّرًا لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول لهذه الأمة كما مر، ويكون قد علم أحكام هذه الشريعة بأمر الله تعالى وهو في السماء قبل أن ينزل".
قال: "وزعم بعض العلماء أنه بنزول سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام يرفع التكليف، وهذا مردود؛ للأخبار الواردة أنه يكون مقرِّرً لأحكام هذه الشريعة ومجدِّدًا لها؛ إذ هي آخر الشرائع، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، والدنيا لا تبقى بلا تكليف؛ فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف، إلى أن لا يقال في الأرض: الله الله. ذكره القرطبي في تذكرته".
قال: "وأما مدته ووفاته؛ فقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني وابن عساكر؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل عيسى بن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة"، وعند الإمام أحمد وأبي شيبة وأبي داود وابن جرير وابن حبان عنه؛ أنه يمكث أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون، ويدفنوه عند نبينا