الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاُ: توحيد الأسماء والصفات
مدخل
…
ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات.
تقدم أن بيَّنا أن التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وقد تكلمنا فيما سبق عن النوعين الأولين منه، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ لأن كل نوع من هذه الأنواع جحده طائفة من البشر.
فتوحيد الربوبية جحده المعطلة الذين أنكروا وجود الله؛ كالدهرية، والملاحدة، ومنهم الشيوعية في عصرنا الحاضر، وإن كان جحودهم له إنما هو في الظاهر مكابرة منهم، وإلا؛ فهم يقرون به في الباطن وفي قرارة أنفسهم؛ إذ لا يعقل وجود مخلوق بدون خالق.
والقسم الثاني: - وهو توحيد الألوهية - جحده أكثر الخلق، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بالدعوة إليه، وقد جحده المشركون قديما وحديثا، وجحودهم له يتمثل بعبادة الأشجار والأحجار والأصنام والقبور والأضرحة وعبادة مشايخ الصوفية باعتقاد النفع والخير فيهم من دون الله عز وجل ممن ينتسبون إلى الإسلام زورًاوبهتانا.
والقسم الثالث - وهو توحيد الأسماء والصفات، ويعني إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص، على حد قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.
وهذا القسم قد جحده الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة، وهو في الحقيقة داخل في توحيد الربوبية، لكن لما كثر منكروه وروجوا الشبه حوله؛
1 سورة الشورى، الآية 11.
أفرد البحث، وجعل قسما مستقلاً، وألفت فيه المؤلفات الكثيرة؛ فألف الإمام أحمد رده المشهور على الجهمية، وألف ابنه عبد الله كتاب (السنة) ، وألف عبد العزيز الكناني كتاب (الحيدة) في الرد على بشر المريسي، وألف أبو عبد الله المروزي كتاب (السنة) ، وألف عثمان بن سعيد كتاب (الرد على بشر المريسي) ، وألف إمام الأئمة محمد بن خزيمة كتاب (التوحيد) ، وألف غير هؤلاء كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الردود على هؤلاء ومن جاء بعدهم وسار على نهجهم؛ فلله الحمد والمنة على بيان الحق ودحض الباطل.
وأول من عرف عنه إنكار الصفات بعض مشركي العرب الذين أنزل الله فيهم قوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} 1.
وسبب نزول هذه الآية أن قريشا لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك؛ فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} .
وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية حين كتب الكاتب: {بسم الله الرحمن الرحيم} ؛ قالت قريش: أما الرحمن؛ فلا نعرفه.
روى ابن جرير - أيضا - عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدًا يقول: "يا رحمن! يا رحيم! ". فقال المشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدًا، وهو يدعو مثنى. فأنزل الله:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} 2، وقال تعالى في سورة الفرقان:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} 3.
فهؤلاء هم سلف الجهمية والأشاعرة في إنكار أسماء الله وصفاته، وبئس السلف لبئس الخلف:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} 4.
1 سورة الرعد، الآية 30.
2 سورة الإسراء، الآية 110.
3 سورة الفرقان، الآية 60.
4 سورة الكهف، الآية 50.
أما الرسل وأتباعهم - خصوصا محمدًا صلى الله عليه وسلموصحابته الكرام والذين اتبعوهم بإحسان؛ فهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، وينكرون على من يخالف هذا المنهج.
فقد روى عبد الرازق عن معمر عن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؛ أنه رأى رحلاً انتفض لما سمع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات؛ استنكار لذلك؛ فقال: "ما فرق هؤلاء؟، يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه؟! "؛ يشير رضي الله عنه إلى أناس يحضرون مجلسه من عامة الناس؛ بأنهم إذا سمعوا شيئا من نصوص الصفات، وهي من المحكم؛ حصل معهم فرق - أي: خوف، وانتفضوا كالمنكرين لها، فهم كالذين قال الله فيهم:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 1، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه، ويؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض.
ونصوص الصفات من المحكم لا من المتشابه، يقرؤها المسلمون ويتدارسونها، ويفهمون معناها ولا ينكرون منها شيئا.
قال وكيع: "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث [يعني: أحاديث الصفات] ولا ينكرونها
…
" انتهى.
وإنما ينكرها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الذين ساروا على منهج مشركي قريش، الذين يكفرون بالرحمن، ويلحدون في أسماء الله، وقد قالتعالى:{وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2؛ فأثبت لنفسه الأسماء الحسنى، وأمر أن يُدعى بها، وكيف يُدعى بما لا يسمى به ولا يفهم معناه على زعم هؤلاء؟! وتوعد الذين يلحدون في أسمائه فينفونها عنه أو يؤولونها عن
1 سورة آل عمران، الآية 7.
2 سورة الأعراف، الآية 180.