الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أنكر بعض المعاصرين خروج هذه الدابة، واستبعدوا ذلك، وبعضهم يؤولونها بتأويلات فارغة، وليس حجة في ذلك سوى أن عقولهم لا تتحمل ذلك.
والواجب على المسلم التصديق والتسلم لما جاء عن الله ورسوله؛ لأن هذا من الإيمان بالغيب، الذي مدح الله به المؤمنين.
هذا ونسأل الله الهداية والتوفيق لمعرفة الحق والعمل به.
طلوع الشمس من مغربها:
قال الحافظ بن كثير في "النهاية": "قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا رآها الناس؛ آمن من عليها؛ فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل"، وقد أخرجه بقية الجماعة؛ إلا الترمذي
…
" انتهى.
وقال السفاريني: "قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: طلوع الشمس من مغربها ثابت بالسنة الصحيحة والأحبار الصريحة، بل وبالكتاب المنزل على النبي المرسل:
قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً..} 2؛ أجمع المفسرون أو جمهورهم على أنها طلوع الشمس من مغربها، وحاصل ذلك
1 سورة الأنعام، الآية:158.
2 سورة الأنعام، الآية:158.
والمقصود من الآية الكريمة: أن من لم يكن إيمانه متحققا إذا طلعت الشمس من مغربها؛ لم ينفعه تجديد الإيمان، ولم ينفعه فعل بر من جميع الأعمال؛ لأنه فقد الإيمان الذي هو الأساس لما عداه من تلك الأعمال؛ فلا ينفعه إيمانه الحادث حينئذ، ولا ما صدر منه قبل ذلك من الإحسان وعمل البر من صلة الأرحام وإعتاق الرقاب وقري الأضياف وغير ذلك مما هو مكارم الأخلاق، لأنها على غير أساس؛ قال تعالى:{الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهمْ أَعْمالُهمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ} 1، والإيمان الحادث في ذلك الوقت ليس مقبولاً.
وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس؛ آمنوا أجمعون؛ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها".
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححة النسائي وابن ماجه من طريث عاصم بن أبي النجود، عن زر ابن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون "أو قال: أربعون" عاما للتوبة، ثم لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها".
فهذا الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانا وتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل منه، وإنما كان كذلك - والله أعلم؛ لأن ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها؛ فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة؛ كما قال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا} 2، وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا
1 سورة إبراهيم، الآية:18.
2 سورة الأنعام، الآية:158.
رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} 1، وقال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} 2 انتهى.
وقال - أيضا - في "تفسيره": {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} 3؛ "أي: إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ؛ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك؛ فإن كان مصلحا في عمله؛ فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحا، فأحدث توبة حينئذ؛ لم تقبل منه توبته؛ كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، وعليه يحمل قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 4؛ أي: لا يقبل منه كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملاً به قبل ذلك". انتهى.
وقال البغوي: " {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} 5؛ أي: لا ينفعهم الإيمان عند ظهور الآية التي تضطرهم إلى الإيمان، {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 6؛ يريد: لا يقبل إيمان كافر ولا توبة فاسق) انتهى.
وقال القرطبي رحمه الله في "تفسيره": "قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفير كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها في أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال؛ لم تقبل توبته؛ كما لا تقبل توبة من حضره الموت؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"؛ أي: تبلغ روحه رأس حلقه، وذلك وقت المعاينة، الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار؛ فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله".
1 سورة غافر، الآية:84.
2 سورة محمد، الآية:18.
3 سورة الأنعام، الآية:158.
4 سورة الأنعام، الآية:158.
5 سورة الأنعام، الآية:158.
6 سورة الأنعام، الآية:158.