الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينصره، ومن يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وتعذيب الزناة والزواني وأكله الربا، والذي تتثاقل رؤوسهم عن صلاة الفجر، وتعذيب الذين يمنعون الزكاة، والذين يوقدون الفتنة بين الناس، والجبارين، والمتكبرين، والمرائين، والهمازين، واللمازين.
وقد أنكر الملاحدة والزنادقة عذاب القبر ونعيمه اعتمادًا على عقولهم وحواسهم لأنهم لا يشاهدون شيئا من ذلك" انتهى.
ونرد عليهم بأن عذاب القبر من علم الغيب الذي يعتمد عليه على النصوص الصحيحة، وليس للعقل ولا الفكر دخل فيه، وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وعدم إدراك الإنسان للشيء لا يدل على عدم وجوده، والله أعلم.
رابعا: البعث والنشور
مدخل
…
راب عًا: البعث والنشور
اعلم أن وقوع البعث من القبور قد دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، أخبر الله عنه في كتابه العزيز، وأقام عليه الدليل، ورد على منكريه في آيات كثيرة في القرآن العظيم، وقد أخبرت عنه جميع الأنبياء أممها، وطالبت المنكرين بالإيمان به.
ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين "يعني: السبابة والوسطى"؛ بيَّن تفصيل الآخرة تفصيلاً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء قبله.
والقيامة الكبرى معروفة عند جميع الأنبياء من آدم إلى نوح إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام.
وقد أخبر الله من حين اهبط آدم بالقيامة؛ فقال تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} 1، وقال:{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} 2.
ولما قال إبليس اللعين: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} 3.
ونوح عليه السلام قال لقومه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} 4.
وقال إبراهيم عليه السلام: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} 5.
وموسى عليه السلام؛ قال الله له: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} 6، وقال موسى في دعائه:{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} 7.
وقد أخبر الله عن الكفار إذا أدخلوا النار يقرون أن رسلهم أنذرتهم هذا اليوم؛ كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 8؛ فجميع الرسل أنذروا بما ختم به خاتمهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
وقد أخبر الله تعالى أن الموتى يقومون من قبورهم إذا نفخ في الصورالنفخة الثالثة؛ قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} 9، وقال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} 10.
1 سورة البقرة، الآية:36.
2 سورة الأعراف، الآية:25.
3 سورة الحجر، الآيات: 36 ـ 38.
4 سورة نوح، الآية:17.
5 سورة الشعراء، الآية:82.
6 سورة طه، الآيتان: 15 ـ 16.
7 سورة الأعراف، الآية:156.
8 سورة الزمر، اآية:71.
9 سورة الزمر، الآية:68.
10 سورة ياسين، الآية:51.
قال السفاريني: "وفي تفسير الثعلبي عن أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير سورة الزمر مرفوعا: "إن الله يرسل مطرًا على الأرض، فينزل عليها أربعين يوما، حتى يكون فوقهم اثني عشر ذراعا، فيأمر الله تعالى الأجساد أن تنبت كنبات البقل، فإذا تكاملت أجسادهم كما كانت؛ قال الله تعالى: ليحيا حملة العرش، ليحيا جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. ثم يأمر الله تعالى إسرافيل، فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يدعو الأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نوراً، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمره أن ينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كلها كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، ثم يقول الله تعالى: وعزتي وجلالي؛ لترجعن كل روح إلى جسدها. فتدخل الأرواح إلى الخياشيم، ثم تمشي مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنها سراعا؛ فأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها إلى ربكم تنسلون".
وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ينزل من السماء ماء، فينبتون كما تنبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى؛ إلا عُظَيْم واحد وهو عجز الذنب، منه يركب الخلق يوم القيامة".
وفي روايات مسلم: "إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدًا، منه يركب الخلق يوم القيامة". قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: عجب الذنب".
قال العلماء: وعجب الذنب هو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وقد جاء في الحديث أنه مثل حبة الخردل، منه ينبت جسم الإنسان.
وقد استبعد المشركون إعادة الناس في حياة أخرى بعد الموت، فأنكروا البعث والنشور، فأمر الله نبيه أن يقسم به على وقوعه، وأنه كائن لا محالة؛ فقال
تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} 1، وقال تعالى:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} 2، وقال تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 3.
وأخبر عن اقتراب ذلك؛ فقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} 4، {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} 5.
وذم المكذبين بالبعث؛ فقال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} 6، {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} 7، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاّ كُفُوراً} 8.
وقال: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} 9؛ فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً} 10.
قال شارح "الطحاوية"على هذه الآيات الكريمة: "فتأمل ما أجيبوا به عن كل سؤال على التفصيل؛ فإنهم قالوا أولاً: {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيدا} 11؛ فقيل لهم في جواب هذا السؤال: إن كنتم
1 سورة سبأ، الآية:3.
2 سورة يونس، الآية:53.
3 سورة التغابن، الآية:7.
4 سورة القمر، الآية:1.
5 سورة الأنبياء، الآية:1.
6 سورة يونس، الآية:45.
7 سورة الشورى، الآية:18.
8 سورة الإسراء، الآيات: 97 ـ 99.
9 سورة الإسراء، الآية:49.
10 سورة الإسراء، الآيات: 50 ـ 52.
11 سورة الإسراء، الآية:49.