الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل
مدخل
…
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل أحد أصول الإيمان؛ لأنهم الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ رسالته وإقامة حجته على خلقه، والإيمان بهم يعني التصديق برسالتهم والإقرار بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، وقد بلغوا الرسالات، وبينوا للناس ما لا يسع أحدًا جهله.
والأدلة على وجوب الإبمان بالرسل كثيرة؛ منها:
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} 1. وقوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} 2.
ففي هذه الآيات قرن الله الإيمان بالرسل بالإيمان به - سبحانه - وبملائكته وكتبه، وحكم بكفر من فرق بين الله ورسله؛ فآمن ببعض وكفر ببعض.
1 سورة البقرة، الآية:177.
2 سورة البقرة، الآية:285.
3 سورة النساء، الآية:150.
وبَعْث الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن حاجة البشرية إليهم ضرورية؛ فلا تنتظم لهم حال، ولا يستقيم لهم دين؛ إلا بهم، فهم يحتاجون إلى الرسل أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الله - سبحانه - جعل الرسل وسائط بينه بين خلقه، في تعريفهم بالله وبما ينفعهم وما يضرهم، وفي تفصيل الشرائع، والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه؛ فلا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهة الرسل؛ فإن العقل لا يهتدي إلى تفصيل هذه الأمور، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.
وحاجة العباد إلى الرسالات أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبيب؛ فإن غاية ما يحصل بعدم وجود الطبيب تضرر البدن، والذي يحصل من عدم الرسالة تضرر القلوب، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة فيهم، فإذا ذهبت آثار الرسالة من الأرض؛ أقام الله القيامة.
والرسل الذين ذكر الله لأسماءهم في القرآن يجب الإيمان بأعيانهم، وهم خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر ذكرهم الله تعالى في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ
…
} إلى قوله: {وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} 2، والباقون - وهم سبعة - ذكروا في آيات متفرقة.
ومن لم يسَّم في القرآن من الرسل؛ وجب الإيمان به إجمالاً؛ قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} 3، وقال تعالى:{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} 4.
1 سورة البقرة، الآية:213.
2 سورة الأنعام، الآيات: 83 ـ 68.
3 سورة غافر، الآية:78.
4 سورة النساء، الآية:164.
وهنا مسألة تحتاج إلى بيان، وهي الفرق بين النبي والرسول: فالفرق بين النبي والرسول على المشهور: أن الرسول إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي إنسان ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وكل من النبي والرسول يوحى إليه، لكن النبي قد بيعث في قوم مؤمنين بشرائع سابقة كأنبياء بني إسرائيل؛ يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قضية معينة، وأما الرسل فإنهم يبعثون في قوم كفار؛ يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته؛ فهم يرسلون إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم. والرسول أفضل من النبي.
والرسل يتفاضلون؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1.
وأفضل الرسل أولو العزم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وهم المذكورون في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} 2، وقوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} 3.
وأفضل أولي العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، وأفضل الخليلان محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا؛ والنبوة تفضل واختيار من الله - تعالى؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 4، وليست النبوة كسبا يناله العبد بالجد، والاجتهاد، وتكلف أنواع العبادات، واقتحام أشق الطاعات، والدأب في تهذيب النفس وتنقية الخاطر وتطهير الأخلاق ورياضة النفس؛ كما
1 سورة البقرة، الآية:253.
2 سورة الأحزاب، الآية:7.
3 سورة الشورى، الآية:13.
4 سورة الحج، الآية:75.