الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الأول: الإيمان بالله عز وجل
مدخل
…
الأصل الأول: الإيمان بالله عز وجل
وهو أساس العقيدة وأصلها، وهو يعني الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده، لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى -:{ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 1، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب، وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
أولا: توحيد الربوبية
.
فأما توحيد الربوبية؛ فإنه الإقرار بأن الله وحده الخالق للعالم، وهو المدبر، المحيي، المميت، وهو الرزاق، ذو القوة، المتين.
والإقرار بهذا النوع مركوز في الفطر، لا يكاد ينازع فيه أحد من الأمم؛ كما قال تعالى -:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} 2، وقال تعالى -:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالآرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 3، وقال تعالى -: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ
1 سورة الحج، الآية:62.
2 سورة الزخرف، الآية:87.
3 سورة الزخرف، الآية:9.
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} 1
…
وهذا في القرآن كثير، يذكر الله عن المشركين أنهم يعترفون لله بالربوبية والانفراد بالحلق والرزق والإحياء والإمانة.
ولم ينكر توحيد الربوبية ويجحد الرب إلا شواذ من المجموعة البشرية، تظاهروا بإنكار الرب، مع اعترافهم به في باطن أنفسهم وقرارة قلوبهم، وإنكارهم له إنما هو من باب المكابرة؛ كما ذكر الله عن فرعون أنه قال:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} 2،وقد خاطبه موسى عليه السلام بقوله:{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالآرْضِ بَصَائِرَ} 3، وقال تعالى -:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} 4.
وهم لم يستندوا في جحودهم إلى حجة، وإنما ذلك مكابرة منهم؛ كما قال تعالى-:{وَقَالُوا مَا هِيَ إلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إلاّ يَظُنُّونَ} 5، فهم لم ينكروا عن علم دلهم على إنكاره ولا سمع ولا عقل ولا فطرة.
ولما كان هذا الكون وما يجري فيه من الحوادث شاهدًا على وحدانية الله وربوبيته؛ إذ المخلوق لا بد له من خالق، والحوادث لا بد من محدث؛ كما قال تعالى-:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالآرْضَ} 6.
وقال الشاعر:
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
لما كان لا بد من جواب على هذه الحقيقة؛ اضطرب هؤلاء المنكرون لوجود الخالق في أجوبتهم:
1 سورة المؤمنون، الآية:86.
2 سورة القصص، الآية:38.
3 سورة الإسراء، الآية:102.
4 سورة النمل، الآية:14.
5 سورة الجاثية، الآية:24.
6 سورة الطور، الآيتان: 35 - 36.
فتارة يقولون: هذا العلم وجد نتيجة للطبيعة التي هي عبارة عن ذات الأشياء من النبات والحيوان والجمادات؛ فهذه الكائنات عندهم هي الطبيعة، وهي التي أوجدت نفسها.
أو يقولون: هي عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وخشونة، وهذه القابليات من حركة وسكون ونمو وتزاوج وتوالد، هذه الصفات وهذه القابليات هي الطبيعة بزعمهم، وهي التي أوجدت الأشياء.
وهذا قول باطل على كلا الاعتبارين؛ لأن الطبيعة بالاعتبار الأول - على حد قولهم - تكون خالقة ومخلوقة؛ فالأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء
…
وهكذا، وهذا مستحيل، وإذا كان صدور الخلق عن الطبيعة بهذا الاعتبار مستحيلاً؛ فاستحالته بالاعتبار الثاني أشد استحالة؛ لأنه إذا عجزت ذات الشيء عن خلقه؛ فعجز صفته من باب أولى؛ لأن وجود الصفة مرتبط بالموصوف الذي تقوم به؛ فكيف تخلقه وهي مفتقرة إليه؟! وإذا ثبت بالبرهان حدوث الموصوف؛ لزم حدوث الصفة، وأيضا، فالطبيعة لا شعور لها؛ فهي آلة محضة؛ فكيف تصدر عنها الأفعال العظيمة التي هي في غاية الإبداع والإتقان، وفي نهاية الحكمة، وفي غاية الارتباط؟!
ومن هؤلاء الملاحدة من يقول: إن هذه الكائنات تنشأ عن طريق المصادفة؛ بمعنى أن تحميع أن الذرات والجزئيات عن طريق الماصادفة يؤدي إلى ظهور الحياة بلا تدبير من خالق مدبر ولا حكمة.
وهذا قول باطل، ترده العقول والفطر؛ فإنك إذا نظرت إلى هذا الكون المنظم بأفلاكه وأرضه وسمائه وسير المخلوقات فيه بهذه الدقة والتنظيم العجيب؛ تبين لك أنه لا يمكن أن يصدر إلا عن خالق حكيم.