الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة
كان
(1)
هديه في الزكاة أكملَ هدي في وقتها، وقَدْرها، ونصابها، ومن تجب عليه، ومَصرِفها. وراعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين، وجعلها الله سبحانه طُهْرةً للمال ولصاحبه، وقَيْدًا لنعمته به
(2)
على الأغنياء، فما أزالَ
(3)
النعمةَ بالمال على من أدّى زكاته، بل يحفظه عليه ويُنمِّيه له، ويدفع عنه بها الآفاتِ، ويجعلها سُوْرًا عليه وحِصْنًا له وحارسًا له.
ثم إنه جعلها في أربعة أصنافٍ من المال، وهي أكثر الأموال دَوْرًا
(4)
بين الخلق، وحاجتُهم إليها ضرورية:
أحدها: الزرع
(5)
والثمار.
الثاني: بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.
الثالث: الجوهران اللذان بهما قِوامُ العالم، وهما الذهب والفضة.
الرابع: أموال التجارة على اختلاف أنواعها.
ثم إنه أوجبها مرةً كلَّ عام، وجعل حولَ الزروع والثمار
(6)
عند كمالها
(1)
«كان» ليست في ق، ب، مب، المطبوع.
(2)
في المطبوع: «وقيَّد النعمة بها» خلاف النسخ.
(3)
مب: «فما زال» . وفي المطبوع: «فما زالت» . والمثبت من بقية النسخ.
(4)
في المطبوع: «دورانًا» . والمثبت من النسخ.
(5)
ق: «الزروع» .
(6)
ص، ج، ك، ع:«الثمار والزروع» .
واستوائها. وهذا أعدلُ ما يكون، إذ وجوبها كلَّ شهر أو كلَّ جمعة مما
(1)
يُضِرُّ بأرباب الأموال، ووجوبُها في العمر مرةً مما يُضِرُّ بالمساكين، فلم يكن أعدلَ من وجوبها كلَّ عام مرةً.
ثم إنه فاوتَ بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها، وسهولة ذلك ومشقَّته. فأوجبَ الخُمسَ فيما صادفَه الإنسان مجموعًا محصَّلًا من الأموال، وهو الرِّكاز
(2)
. ولم يعتبر له حَولًا، بل أوجب فيه الخُمسَ متى ظَفِرَ به.
وأوجب نصفه ــ وهو العُشر ــ فيما كانت مشقَّة تحصيله وتعبه وكُلْفته فوق ذلك، وذلك في الثِّمار والزروع التي يُباشِر حَرْثَ أرضها وشَقَّها
(3)
وبَذْرها، ويتولَّى الله سَقْيَها
(4)
من عنده بلا كُلْفةٍ من العبد، ولا شِراءِ
(5)
ماء، ولا إثارة بئرٍ ودولاب.
وأوجب نصفَ العُشر فيما تولَّى العبد سَقْيَه بالكُلْفة والدواليب
(6)
(1)
«مما» ليست في المطبوع.
(2)
كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (1499، 2355، 6912، 6913) ومسلم (1710).
(3)
في المطبوع: «سَقْيَها» ، تحريف مفسد للمعنى ومخالف للنسخ والسياق.
(4)
أخرجه البخاري (1483) من حديث عبد الله بن عمر، وأخرجه مسلم (981) من حديث جابر بن عبد الله.
(5)
ص: «شرى» .
(6)
ع: «والدولاب» . ب، ك، ص، مب، المطبوع:«والدوالي» . والدولاب: الآلة التي تُديرها الدابة ليستقى بها. والدوالي جمع دالية، وهي خشبة تُصنع على هيئة الصليب تثبت برأس الدلو، ثم يشدّ بها طرف حبل، وطرفه الآخر بجذع قائم على رأس البئر يستقى بها.
والنواضح ونحوها.
وأوجبَ نصفَ ذلك ــ وهو رُبعُ العُشر ــ فيما كان النَّماء فيه موقوفًا على عملٍ متصلٍ من رب المال متتابعٍ
(1)
، بالضّرب في الأرض تارةً، وبالإدارة تارةً، وبالتربُّصِ تارةً. ولا ريبَ أن كُلفة هذا أعظمُ من كُلفة الزُّروع والثمار. وأيضًا فإنَّ نموَّ الزُّروع والثمار أظهرُ وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة، وظهور النُّمو فيما سُقِي
(2)
بالسماء والأنهار أكثر مما سُقِي بالدواليب
(3)
والنواضِح، وظهورُه فيما وُجِدَ محصَّلًا مجموعًا كالكنز أكثرُ وأظهر من الجميع.
ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساةَ كلُّ مالٍ وإن قلَّ، جعل للمال الذي تحتمله المواساة نُصُبًا مقدَّرةً، المواساة فيها لا تُجْحِف بأرباب الأموال، وتقع موقعًا
(4)
من المساكين، فجعل للورِق مائتي درهمٍ
(5)
وللذهب عشرين مثقالًا، وللحبوب والثِّمار خمسةَ أوسُقٍ
(6)
، وهي خمسة أحمالٍ من
(1)
«متتابع» ليست في المطبوع.
(2)
في المطبوع: «يسقى» . والمثبت من النسخ.
(3)
مب، ب، ك:«بالدوالي» .
(4)
مب، ب:«موقعها» . والمثبت من بقية النسخ.
(5)
أخرجه البخاري (1454) من حديث أبي بكر الصديق في فريضة الصدقات، وفيه:«وفي الرقة ربع العشر» .
(6)
أخرجه مالك (653 و 652) والبخاري (1495، 1405، 1447، 1484) ومسلم (979) من حديث أبي سعيد الخدري.
أحمالِ إبل العرب، وللغنم أربعين شاةً، وللبقر ثلاثين بقرةً، وللإبل خمسًا. لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسه
(1)
أوجب فيها شاةً، فإذا تكرَّرت الخمس خمسَ مرات وصارت خمسًا وعشرين، احتملَ نصابها واحدًا منها، فكان هو الواجب.
ثم إنه
(2)
قدَّرَ سِنَّ هذا الواجب في الزيادة والنقصان بحسب كثرة الإبل وقلتها: من ابن مَخاض، وبنت مَخاض، وفوقه ابن لَبون، وبنت لَبون، وفوقه الحِقُّ والحِقَّة، وفوقه الجَذَع والجَذَعة
(3)
، وكلما كثرت الإبل زاد السنُّ، إلى أن يصل السنُّ إلى منتهاه، فحينئذٍ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال
(4)
.
فاقتضت حكمتُه أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة، ولا يُجْحِف بها، ويكفي المساكينَ، ولا يحتاجون معه إلى شيء، ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراءَ، فوقع الظلم من الطائفتين: الغنيُّ بمنْعِه
(5)
ما
(1)
في المطبوع: «جنسها» . والمثبت من النسخ.
(2)
بعدها في المطبوع: «لما» . وليست في النسخ.
(3)
ابن مخاض: ولد الناقة الذي استكمل سنةً ودخل في الثانية، والأنثى بنت مخاض. فإذا استكمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ابن لبون، والأنثى بنت لبون. فإذا مضت الثالثة ودخل في الرابعة فهو حِقٌّ، والأنثى حِقَّة. فإذا دخلت في الخامسة فالذكر جَذَع، والأنثى جَذَعة. انظر:«المطلع» للبعلي (ص 123، 124).
(4)
انظر: «صحيح البخاري» (1448، 1453).
(5)
في المطبوع: «يمنع» خلاف النسخ.
وجب عليه، والآخذُ بأخْذِه
(1)
ما لا يستحق، فتولَّد من بين الطائفتين
(2)
ضررٌ عظيم على المساكين، وفاقةٌ شديدة أوجبتْ لهم أنواعَ الحِيَل والإلحاف في المسألة.
والربُّ سبحانه تولَّى قِسمةَ
(3)
الصدقة بنفسه وجزَّأَها ثمانيةَ أجزاء، يجمعها صنفان من الناس:
أحدهما: من يأخذ لحاجته
(4)
، فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها، وهم: الفقراء، والمساكين، وفي الرِّقاب، وابن السبيل.
والثاني: من يأخذ لمنفعته، وهم: العاملون عليها، والمؤلَّفةُ قلوبُهم، والغارمون لإصلاح ذات البين، والغُزاة في سبيل الله.
فإن لم يكن الآخذ محتاجًا، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سَهْمَ له في الزكاة.
فصل
وكان
(5)
إذا عَلِم من الرجل أنه من أهل الزكاة أعطاه، وإن سأله أحدٌ من الزكاة
(6)
ولم يعرف حاله أعطاه، بعدَ أن يخبره أنه لا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا
(1)
في المطبوع: «يأخذ» خلاف النسخ.
(2)
ج، ع:«الظالمين» .
(3)
في المطبوع: «قسم» . والمثبت من النسخ.
(4)
ب، مب:«لحاجة» .
(5)
بعدها في المطبوع: «من هديه صلى الله عليه وسلم» . وليست في النسخ.
(6)
في المطبوع: «من أهل الزكاة» . والمثبت من النسخ.
لقويٍّ مكتسب
(1)
.
وكان يأخذها من أهلها، ويضَعُها في حقِّها.
وكان من هديه تفريقُ الزكاة على المستحقّين الذين في بلد المال، وما فضَلَ عنهم منها حُمِلَتْ إليه ففرَّقَها هو صلى الله عليه وسلم، ولذلك
(2)
كان يبعث سُعَاتَه إلى البوادي، ولم يكن يبعثهم إلى القرى، بل أمر معاذًا
(3)
أن يأخذ الصدقة من أهل
(4)
اليمن ويعطيها فقراءهم، ولم يأمره
(5)
بحملها إليه.
ولم يكن من هديه أن يبعث سُعاتَه إلا إلى أهل الأموال الظاهرة من المواشي والزروع والثمار، وكان يبعث الخارصَ فيخرُصُ على أرباب النخيل ثمرَ نَخلِهم
(6)
، وينظر كم يجيء منه وَسَقًا، فيَحْسِب عليهم من الزكاة بقدره
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (17972، 23063) وأبو داود (1633) والنسائي في «المجتبى» (2598) و «الكبرى» (2390) والدارقطني (1994) من حديث عبد الله بن عدي بن خيار عن رجلين أو رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده صحيح، والحديث صححه الألباني في «صحيح أبي داود- الأم» (5/ 335) و «إرواء الغليل» (876). وأخرج مسلم (1044) من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي في توجيهه له أن المسألة لا تحل إلا لأحد الثلاثة: متحمِّل الحمالة ومصاب بالجائحة ومصاب بالفاقة.
(2)
ج، ص:«وكذلك» .
(3)
في المطبوع: «معاذ بن جبل» . والمثبت من النسخ.
(4)
في المطبوع: «من أغنياء أهل» خلاف النسخ.
(5)
ك، ج:«ولم يأمرهم» .
(6)
مب: «تمر نخيلهم» . والمثبت من بقية النسخ. وفي ج، ع بعدها:«وعلى أهل الكروم كرومهم» . وعليها علامة الحذف في ص. وليست في بقية النسخ.
(7)
أخرجه أبو داود (1603) والترمذي (644) والنسائي (2618) وابن ماجه (1819) وابن خزيمة (2317) والبيهقي (4/ 122) من حديث عتاب بن أسيد، قال أبو داود عقب (1604):«سعيد لم يسمع من عتاب» . وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (617). وقد خرص النبي صلى الله عليه وسلم حديقة امرأة في طريقه إلى تبوك، أخرجه البخاري (1481).
وكان يأمر الخارصَ أن يدَعَ لهم الثلث أو الربع فلا يخْرُصه عليهم
(1)
، لما يَعْرُو النخيلَ من النوائب، وكان هذا الخرص لكي تُحصَى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتُفرَّق
(2)
، وليتصرَّف فيها أربابُها بما شاؤوا ويَضْمَنوا قدرَ الزكاة.
وكذلك
(3)
كان يبعث الخارصَ إلى من ساقاه من أهل خيبر وزارعَه
(4)
، فيخرُصُ عليهم الثِّمار والزروعَ ويُضمِّنُهم شَطْرَها. وكان يبعث عليهم
(5)
عبد الله بن رَواحة، فأرادوا
(6)
أن يَرْشُوه مرةً
(7)
، فقال عبد الله: «تُطعِموني السُّحْتَ؟ والله لقد جئتُكم من عند أحبِّ الناس إليَّ، ولأنتم أبغضُ إليَّ من
(1)
أخرجه أحمد (15713، 16093، 16094) وأبو داود (1605) والترمذي (642) والنسائي في «المجتبى» (2491) و «الكبرى» (2282) وابن خزيمة (2319، 2320) وابن حبان (3280) والحاكم (1/ 402) من حديث سهل بن أبي حثمة، وفيه عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، مجهول، وسكت عنه الحافظ في «الفتح» (3/ 274). والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود- الأم» (10/ 115). قال الحاكم:«وله شاهد بإسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به» .
(2)
في المطبوع: «وتُصرم» خلاف النسخ.
(3)
في المطبوع: «ولذلك» خلاف النسخ.
(4)
ص: «وزارعوه» . ك: «وزراعه» .
(5)
في المطبوع: «إليهم» . والمثبت من النسخ.
(6)
من هنا بداية الورقة 48 من نسخة م بعد خرم كبير بدأ من منتصف الجزء الأول.
(7)
«مرة» ليست في ق، ب، م، مب.
عِدَّتكم من القِرَدة والخنازير، ولا يَحمِلُني بُغضي لكم وحُبِّي إيَّاه أن لا أَعدِلَ عليكم»، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض
(1)
.
ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل، ولا
(2)
الرقيق، ولا البِغال، ولا الحمير، ولا الخضراوات، ولا المباطخ، والمَقَاثي، والفواكه التي لا تُكال وتُدَّخَر
(3)
إلا العنب والرُّطَب، فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملةً، ولم يفرِّق بين ما يَبِسَ منه وما لم يَيْبَسْ.
فصل
واختُلِف عنه في العسل، فروى أبو داود
(4)
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: جاء هلال أحد بني مُتْعَان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُشُور نَحْلٍ له، وكان سأله أن يحمي واديًا يقال له سَلَبَة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب كتب إليه سفيان بن وهب يسأله عن ذلك، فكتب إليه
(5)
(1)
أخرجه مالك (2050) عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار مرسلًا، وأخرج بنحوه أبو داود (3410) وابن ماجه (1820) من حديث ابن عباس، وإسناده صحيح.
(2)
«لا» ساقطة من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «ولا تدخر» خلاف النسخ. والنفي مفهوم من كونه معطوفًا على الفعل المنفي بلا.
(4)
برقم (1600 - 1602)، والإسناد إلى عمرو بن شعيب حسن.
(5)
«إليه» ليست في المطبوع.
رواية
(1)
في هذا الحديث: «من كل عَشْرِ قِرَبٍ قِربةٌ» .
وروى ابن ماجه في «سننه»
(2)
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: أنه أخذ من العسلِ العُشرَ.
(3)
عن أبي سيَّارة المُتَعِي قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نَحْلًا، قال:«أَدِّ العُشْرَ» . قلت: يا رسول الله، احْمِها لي، فحماها لي.
وروى عبد الرزاق
(4)
عن عبد الله بن محرَّر
(5)
عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يُؤخذَ من العسل العُشْرُ.
(1)
برقم (1602).
(2)
برقم (1824)، وفي إسناده نعيم بن حماد، وقد توبع عند أبي داود. وسيأتي الكلام على الحديث عند المؤلف.
(3)
برقم (18069)، وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (6973) وابن ماجه (1823) والبيهقي (4/ 126). وفيه سليمان بن موسى، قال البخاري في «العلل الكبير» (ص 107 - 108):«هو حديث مرسل، سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» .
(4)
برقم (6972)، وأخرجه العقيلي في «الضعفاء» (3/ 350) والبيهقي (4/ 126)، وعبد الله بن محرر متروك، وقال العقيلي (3/ 351):«وأما زكاة العسل فليس يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يصح عن عمر بن الخطاب فِعله» .
(5)
ق، ك، ب، م:«عبيد الله بن محرز» . ص، ع:«عبد الله بن محرز» . والمثبت من ج، مب موافق لما في «المصنف». وهو الصواب. انظر:«تهذيب التهذيب» (5/ 389).
قال الشافعي
(1)
: أخبرنا أنس بن عِياض، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن أبيه، عن سعد بن أبي ذُباب قال: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمتُ ثم قلت: يا رسول الله، اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم، قال: ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر، ثم عمر. قال: وكان يُعدُّ
(2)
من أهل السَّراة، قال: فكلَّمتُ قومي في العسل، فقلت لهم: فيه زكاة، فإنه لا خيرَ في ثمرةٍ لا تُزكَّى. فقالوا: كم ترى؟ فقلتُ: العشر. فأخذتُ منهم العُشرَ، فلقيتُ عمر بن الخطاب فأخبرتُه بما كان، قال: فقبضَه عمر ثم جعل ثمنَه في صدقات المسلمين. ورواه الإمام أحمد، ولفظه للشافعي.
واختلف أهل العلم في هذه الأحاديث وحكمها، فقال البخاري
(3)
: ليس في زكاة العسل شيء يصح. وقال الترمذي
(4)
: لا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في
(1)
في «الأم» (3/ 99) وعنه البيهقي (4/ 127)، وعبد الرحمن بن أبي ذباب، مجهول. وقد خولف أنس بن عياض فروي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد، وهو الذي صوبه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 271)، أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (2/ 161 - ط دار الفضيلة) وابن أبي شيبة (10148) وأحمد (16728) والعقيلي في «الضعفاء» (3/ 372)، ومنير بن عبد الله ضعيف؛ وأبوه عبد الله قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 236):«عن سعد بن أبي ذباب، لم يصح» . وانظر: «لسان الميزان» (8/ 174).
(2)
ق، ب، م، مب:«معه» . والمثبت من بقية النسخ. وفي «الأم» : «سعد» .
(3)
كما في «العلل الكبير» (ص 107).
(4)
في «الجامع» عقب (629).
هذا الباب كبيرُ
(1)
شيءٍ. وقال ابن المنذر
(2)
: ليس في وجوب صدقة العسل حديثٌ يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماعٌ، فلا زكاةَ فيه. وقال الشافعي
(3)
: الحديث في أنَّ في العسلِ العشرَ ضعيف، وفي أن لا يؤخذ منه العشرُ ضعيف إلا عن عمر بن عبد العزيز
(4)
.
قال هؤلاء: وأحاديث الوجوب كلُّها معلولة:
أما حديث ابن عمر
(5)
، فهو من رواية صَدَقة بن عبد الله عن
(6)
موسى بن يسار عن نافع عنه، وصدقة ضعَّفه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما
(7)
. وقال البخاري
(8)
: هو عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وقال
(1)
ب: «كثير» . وليست في ع.
(2)
في «الإشراف» (3/ 34).
(3)
قاله في القديم كما نقله عنه البيهقي في «معرفة السنن» (6/ 120) و «السنن الكبرى» (4/ 127). وفي «المعرفة» : «ولا عن عمر بن عبد العزيز» . وهو تحريف.
(4)
أخرج خبرَه مالك (753) وعبد الرزاق (6965 - 6967) وابن أبي شيبة (10151، 10152)، وبوَّب به البخاري:«باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري، ولم يرَ عمر بن عبد العزيز في العسل شيئًا» على الحديث (1483).
(5)
أخرجه الترمذي (629) والطبراني في «الأوسط» (4375) والبيهقي (4/ 126)، وقال الترمذي:«في إسناده مقال» ، يقصد: صدقة بن عبد الله السمين الدمشقي، ضعيف منكر الحديث.
(6)
في المطبوع: «بن» ، تحريف.
(7)
«العلل» برواية عبد الله (1313)، و «تاريخ ابن معين» برواية الدوري (4/ 417)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 310).
(8)
كما في «العلل الكبير» (ص 107).
النسائي
(1)
: صدقة ليس بشيء، وهذا حديث منكر.
وأما حديث أبي سيَّارة المُتَعي، فهو من رواية سليمان بن موسى عنه، قال البخاري
(2)
: سليمان بن موسى لم يُدرِك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث عمرو بن شعيب الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العُشْرَ، ففيه أسامة بن زيد
(3)
يرويه عن عمرو، هو ضعيف عندهم. قال ابن معين
(4)
: بنو زيد ثلاثتهم ليسوا بشيء. وقال الترمذي
(5)
: ليس في ولد زيد بن أسلم ثقة.
وأما حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فما أظهرَ دلالتَه لو سلم من عبد الله بن محرَّر
(6)
راويه عن الزهري
(7)
! قال البخاري في حديثه هذا
(8)
: عبد الله بن محرر متروك الحديث، وليس في زكاة العسل شيء يصح.
(1)
نقله ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (3/ 61).
(2)
كما في «العلل الكبير» ص 107 - 108).
(3)
بعدها في المطبوع: «بن أسلم» . وليست في النسخ.
(4)
في «تاريخه» برواية الدوري (3/ 157) ولفظه: «ليس حديثهم بشيء جميعًا» .
(5)
لم أجده بنصه أو نحوه. انظر: «الجامع» عقب (719) و «العلل الكبير» (ص 418).
(6)
ق، ك، ع، ب، م:«محرز» ، تصحيف.
(7)
ق، ب، م، مب:«عن الزبير» ، تحريف.
(8)
أما كلامه على ابن محرر ففي «التاريخ الكبير» (5/ 212). وأما قوله: «وليس في زكاة العسل شيء يصح» فقد نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 107) لما سأله عن حديث ابن عمر.
وأما حديث الشافعي فقال البيهقي
(1)
: رواه الصَّلْت بن محمد عن أنس بن عِياضٍ، عن الحارث بن أبي ذُباب، عن منير بن عبد الله، عن أبيه، عن سعد. وكذلك رواه صفوان بن عيسى عن الحارث بن عبد الرحمن
(2)
بن أبي ذُباب. قال البخاري
(3)
: عبد الله والد منير، عن سعد بن أبي ذباب، لم يصحَّ حديثه. وقال علي بن المديني: منير هذا لا نعرفه إلا في هذا الحديث، كذا قال لي.
قال الشافعي
(4)
: وسعد بن أبي ذُباب يَحكي ما يدلُّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل، وإنما هو شيء رآه فتَطوَّع له به أهلُه. قال الشافعي
(5)
: واختياري أن لا يؤخذَ منه لأن السنن والآثار ثابتة فيما يُؤخَذ منه، وليست فيه ثابتةً، فكأنه عفْوٌ.
وقد روى يحيى بن آدم
(6)
: حدثنا حسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي قال: ليس في العسل زكاة. قال يحيى
(7)
: وسئل حسن بن صالح عن العسل، فلم يرَ فيه شيئًا.
(1)
في «معرفة السنن» (6/ 123)، وانظر:«السنن الكبرى» (4/ 127).
(2)
«بن عبد الرحمن» من ص، ج، ع.
(3)
في «التاريخ الكبير» (5/ 236).
(4)
كما في «معرفة السنن» (6/ 122). وهو في «الأم» (3/ 100) و «السنن الكبرى» للبيهقي (4/ 127).
(5)
قاله في القديم، كما نقل البيهقي عن الزعفراني عنه في «السنن الكبرى» (4/ 127).
(6)
من طريقه أخرجه البيهقي (4/ 127، 128)، ومحمد لم يدرك عليًّا، فهو مرسل صحيح.
(7)
«قال يحيى» ليست في ج، ع.
وذُكِر عن معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئًا. قال الحميدي
(1)
: ثنا سفيان، ثنا إبراهيم بن مَيْسَرة، عن طاوس، عن معاذ بن جبل أنه أُتِيَ بوَقْصِ البقر والعسل حسبتُه
(2)
، فقال معاذ: كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء.
وقال الشافعي
(3)
: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: جاءنا كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنًى، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقةً. وإلى هذا ذهب مالك والشافعي.
وذهب أحمد وأبو حنيفة وجماعةٌ إلى أن في العسل زكاةً
(4)
، ورأوا أنَّ هذه الآثارَ يقوِّي بعضُها بعضًا، وقد تعددتْ مخارجُها واختلفتْ طرقُها، ومرسَلُها يُعْضَد
(5)
بمسندها. وقد سئل أبو حاتم الرازي
(6)
عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذُباب: يصح حديثه؟ قال: نعم.
قال هؤلاء: ولأنه يتولَّد من نَوْرِ الشجر والزَّهر، ويُكَال ويُدَّخر، فوجبتْ فيه الزكاة كالحبوب والثِّمار.
(1)
من طريقه أخرجه البيهقي (4/ 127)، وطاوس لم يدرك معاذًا، فهو مرسل صحيح.
(2)
«حسبتُه» ليست في المطبوع.
(3)
كما في «معرفة السنن» (6/ 124). وهو في «الأم» (3/ 100) و «موطأ مالك» (752، 753) و «السنن الكبرى» (4/ 127).
(4)
م، مب:«الزكاة» .
(5)
ص، ع، ج:«يعتضد» .
(6)
في «الجرح والتعديل» (5/ 207): «لا أنكر حديثه» . وقد قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 236): «لم يصح» .
قالوا: والكُلفة في أخْذه دون الكُلفة في الزروع والثِّمار.
ثم قال أبو حنيفة: إنما يجب فيه العُشر إذا أُخِذ من أرض العُشْر، فإن أُخِذ من أرض الخراج لم يجب فيه شيء عنده، لأن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخراجُ لأجل ثمارها وزرعها، فلم يجب فيها حقٌّ آخر لأجلها، وأرضُ العشر لم يجب في ذمَّتِه حقٌّ عنها، فلذلك وجب الحقُّ فيما يكون منها.
وسوَّى الإمام أحمد بين الأرضين في ذلك، وأوجَبه فيما أُخِذ من مِلكه أو موات، عُشْريةً كانت الأرضُ أو
(1)
خَراجيةً.
ثم اختلف الموجبون هل له نِصابٌ أم لا؟ على قولين، أحدهما: أنه يجب في قليله وكثيره، وهذا قول أبي حنيفة. والثاني: أن له نصابًا معينًا.
ثم اختُلِف في قَدْره، فقال أبو يوسف: هو عشرةُ أرطالٍ. وقال محمد
(2)
: هو خمسة أَفْراقٍ، والفَرَقُ ستة وثلاثون رِطلًا بالعراقي. وقال أحمد: نصابه عشرة أَفْرَاقٍ.
ثم اختلف أصحابه في الفَرق على ثلاثة أقوال، أحدها: إنه ستون رطلًا. والثاني: إنه ستة وثلاثون. والثالث: ستة عشر رِطلًا، وهو ظاهر كلام أحمد، والله أعلم.
فصل
وكان إذا جاءه الرجل بالزكاة دعا له، فتارةً يقول: «اللهمَّ بارِكْ فيه وفي
(1)
ج: «أم» .
(2)
بعدها في المطبوع: «بن الحسن» ، وليست في النسخ.
إبلِه»
(1)
، وتارةً يقول:«اللهمَّ صَلِّ عليه»
(2)
. ولم يكن من هديه أخْذُ كرائمِ الأموال في الزكاة، بل وسط المال، ولهذا نهى معاذًا عن ذلك
(3)
.
فصل
وكان ينهى المتصدِّقَ أن يشتري صدقتَه
(4)
، وكان يُبِيح للغنيِّ أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه الفقير، وأكل صلى الله عليه وسلم من لحمٍ تُصدِّقَ به على بَرِيرة وقال:«هو عليها صدقةٌ، ولنا منها هديَّة»
(5)
.
وكان أحيانًا يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة، كما جهَّزَ جيشًا فنَفِدَت الإبل، فأمر عبد الله بن عمروٍ أن يأخذ في قِلَاص
(6)
الصدقة
(7)
.
(1)
أخرجه النسائي في «المجتبى» (2458) و «الكبرى» (2250) والطبراني في «الدعاء» (2013) و «الكبير» (22/ 40) والبيهقي (4/ 157) من حديث وائل بن حجر، وإسناده صحيح، صححه ابن خزيمة (2274) والحاكم (1/ 400).
(2)
أخرجه البخاري (1497، 4166، 6332، 6359) ومسلم (1078) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
(3)
أخرجه البخاري (1395، 1458، 1496، 4347، 7372) ومسلم (19) من حديث ابن عباس.
(4)
أخرجه مالك (766، 767) والبخاري (1489، 1490، ومواضع) ومسلم (1621) من حديث ابن عمر.
(5)
أخرجه مالك (1625) والبخاري (1493، 2578، 5097، ومواضع) ومسلم (1075) من حديث عائشة.
(6)
في المطبوع: «من قلائص» . ع: «من قلاص» . والمثبت من بقية النسخ. والقَلوص من الإبل: الفتيَّة المجتمعة الخلق. وتُجمع على قِلاص وقلائص.
(7)
أخرجه أحمد (6593، 7025) وأبو داود (3357) مختصرًا والطبراني (13/ 63) والدارقطني (3053، 3054) والحاكم (3/ 56، 57) من حديث عبد الله بن عمرو، وفيه جهالة واضطراب. وأخرجه الدارقطني (3052) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومن طريقه البيهقي (5/ 287، 288) وصححه، وأشار إليه الحافظ في «الفتح» (4/ 347).
وكان يَسِمُ إبلَ الصدقة بيده، وكان يَسِمُها في آذانها
(1)
.
وكان إذا عَراه أمرٌ استسلفَ الصدقةَ من أربابها، كما استسلفَ من العبّاس صدقةَ عامينِ
(2)
.
فصل
في هديه في زكاة الفطر
فرضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم، وعلى من يَمُونُه من صغيرٍ وكبير، ذكرٍ وأنثى، حرٍّ وعبد، صاعًا من تمرٍ أو شعيرٍ أو أَقِطٍ أو زبيبٍ
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (5542) ومسلم (2119) من حديث أنس بن مالك.
(2)
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 500، 501) والبيهقي (4/ 111) من حديث علي بن أبي طالب، وفيه انقطاع بين أبي البختري وبين علي. وأخرجه أبو داود (1624) من طريق الحكم عن حُجَيَّة عن علي، ثم عقبه بطريق هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم مرسلًا، وقرَّر أنه أصح. قال الحافظ في «الفتح» (3/ 264) بعد ذكر طرقه:«وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق» . وفي «صحيح البخاري» (1468) و «صحيح مسلم» (983) من حديث أبي هريرة في قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب للصدقة: «وأما العباس فهي عليَّ، ومثلها معها» .
(3)
أخرجه مالك (773، 774) والبخاري (1503، 1504، 1507، 1511، 1512) ومسلم (984) من حديث عبد الله بن عمر. وأخرجه البخاري (1505، 1506، 1508، 1510) ومسلم (985) من حديث أبي سعيد الخدري.
وروي عنه: «صاعٌ
(1)
من دقيق»
(2)
. وروي عنه: «نصفُ صَاعٍ من بُرٍّ»
(3)
.
والمعروف أن عمر بن الخطاب جعل نصفَ صاعٍ من بُرٍّ
(4)
مكانَ الصاع من هذه الأشياء. ذكره أبو داود
(5)
. وفي «الصحيحين»
(6)
أن معاوية هو الذي قوَّم ذلك.
وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة ومسندة يقوِّي بعضُها بعضًا:
فمنها: حديث
(7)
ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعَير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صاعٌ من بُرٍّ أو قَمْحٍ على كلِّ اثنين» . رواه الإمام أحمد
(1)
في المطبوع: «أو صاعًا» .
(2)
أخرجه أبو داود (1618) والنسائي في «المجتبى» (2514) و «الكبرى» (2305) من حديث أبي سعيد من طريق ابن عيينة. قال أبو داود: «قال حامد (بن يحيى البلخي الثقة الحافظ شيخ أبي داود): فأنكروا عليه، فتركه سفيان» ، ثم قال:«فهذه الزيادة وهْم من ابن عيينة» . وبه قال النسائي. وذكر البيهقي (4/ 172) أنه روي مرسلًا موقوفًا على طريق التوهم وليس بثابت، وروي من أوجه ضعيفة لا تسوى ذكرها.
(3)
أخرجه البخاري (1511) ومسلم (984) من حديث ابن عمر، ولفظه:«فعدل الناس به نصف صاع من بر» . وانظر ما بعده.
(4)
«والمعروف
…
من بر» ليست في ق، ب، ك، م، مب. والمثبت من ج، ع. وشطب عليها في ص.
(5)
برقم (1614)، وفيه عبد العزيز بن أبي رواد، فيه لين، وقد خالفه سبعة من أصحاب نافع، وفصَّل مسلم الكلام عليه في «التمييز» (ص 181 - 184) وضعفه.
(6)
أخرجه البخاري (1508) ومسلم (985) من حديث أبي سعيد الخدري.
(7)
في المطبوع بعدها: «عبد الله بن ثعلبة أو» . وليست في النسخ.
وأبو داود
(1)
.
وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث مناديًا في فِجَاجِ مكة: «أَلا إنَّ صدقة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو عبدٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، مُدَّانِ من قمحٍ أو سواه صاعًا
(2)
من طعام»
(3)
. قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وروى الدارقطني
(4)
من حديث ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن حزم في زكاة الفطر بنصف صاعٍ من حنطةٍ. وفيه سليمان بن
(1)
أحمد (23663، 23664) وأبو داود (1619، 1620)، وأخرجه عبد الرزاق (5785) والدارقطني (2103، 2107، 2109، 2111، 2118) والحاكم (3/ 279) من طرق عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعَير. وقد اختُلف في إسناد هذا الحديث، وفصّل الدارقطني الكلام فيه في «علله» (1195) وقال:«وأصحها: عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلًا» . وقال البيهقي: «الأخبار الثابتة تدل على أن التعديل بمُدَّين من قمح كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وانظر: «نصب الراية» (2/ 408).
(2)
ص: «صاع» .
(3)
أخرجه الترمذي (674) والدارقطني (2080) من طريق سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. سالم بن نوح، فيه لين؛ وقد خالفه عبد الرزاق (5800) فرواه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلًا، أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (6/ 385) والدارقطني (2081، 2082). وقال العقيلي وقد أخرجه من طرق عدة: «وحديث عبد الرزاق أولى» . وانظر: «تنقيح التحقيق» (3/ 112 - 130).
(4)
برقم (2094، 2410) من طريق محمد بن شرحبيل الصنعاني عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع به، وابنُ شرحبيل وهّن الدارقطني أمره في «العلل» (12/ 343، تحت مسألة 2770). وانظر: «لسان الميزان» (7/ 196).
موسى، وثَّقه بعضهم، وتكلَّم فيه بعضهم.
وقال الحسن البصري: خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة فقال: «أَخرِجوا صدقةَ صومِكم» ، فكأنَّ الناس لم يعلموا، فقال: «مَنْ هاهنا من أهل المدينة؟ قُوموا إلى إخوانكم فعلِّموهم فإنَّهم لا يعلمون. فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقةَ صاعًا من تمرٍ أو شعيرٍ، أو نصفَ صاعِ قَمحٍ
(1)
، على كلِّ حُرٍّ أو مملوك، ذكرٍ أو أنثى، صغيرٍ أو كبير». فلما قَدِمَ عليٌّ رأى رخصَ السعر
(2)
قال: «قد أوسعَ الله عليكم، فلو جعلتموه صاعًا من كل شيء» . رواه أبو داود
(3)
ــ وهذا لفظه ــ والنسائي، وعنده
(4)
: فقال عليٌّ: «أما إذْ أوسعَ الله
(5)
فأَوسِعوا، اجْعَلُوها صاعًا من بُرٍّ وغيرِه».
وكان شيخنا يُقوِّي هذا المذهبَ، ويقول
(6)
: هو قياس قول أحمد في الكفّارات، أن الواجب فيها من البرِّ نصفُ الواجب من غيره، والله أعلم.
(1)
ع، المطبوع:«من قمح» . والمثبت من بقية النسخ.
(2)
كذا في ج، ع، و «السنن». وفي بقية النسخ:«الشعير» .
(3)
برقم (1622)، وأخرجه النسائي والطحاوي في «مشكل الآثار» (3421) والبيهقي (4/ 168)، وأسند عن علي ابن المديني أنه قال:«حديث بصري، وإسناده مرسل، الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط، كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة» .
(4)
في «المجتبى» (2515) و «الكبرى» (2306).
(5)
بعدها في المطبوع: «عليكم» . وليست في النسخ.
(6)
انظر: «مجموع الفتاوى» (35/ 351) و «الاختيارات» للبعلي (ص 152) و «الفروع» (4/ 231).
فصل
وكان من هديه إخراجُ هذه الصدقة قبل صلاة العيد. وفي «السنن»
(1)
عنه أنه قال: «من أدَّاها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات» .
وفي «الصحيحين»
(2)
عن ابن عمر قال: أمر
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تُؤدَّى قبلَ خروج الناس إلى الصلاة.
ومقتضى هذين الحديثين أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوتُ بالفراغ من الصلاة. وهذا هو الصواب، فإنه لا معارِضَ لهذين الحديثين ولا ناسخَ، ولا إجماع يدفع القول بهما. وكان شيخنا يُقوِّي ذلك وينصره
(4)
.
ونظيره ترتيب الأضحية على صلاة الإمام، لا على وقتها، وأن من ذبحَ قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحته أضحيةً، بل شاة لحم. وهذا أيضًا هو الصواب في المسألة الأخرى، وهو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموضعين. والله أعلم.
(1)
أبو داود (1609) وابن ماجه (1827)، وأخرجه أيضًا الدارقطني (2067) والبيهقي (4/ 162) من حديث ابن عباس، قال الدارقطني:«ليس فيهم مجروح» . والحديث صححه الحاكم (1/ 409)، واختاره الضياء المقدسي (12/ 99)، وحسنه الألباني في «صحيح أبي داود- الأم» (5/ 317).
(2)
البخاري (1503) ومسلم (986).
(3)
ك، ج، ع:«أمرنا» . والمثبت من بقية النسخ.
(4)
انظر: «مجموع الفتاوى» (16/ 200).
فصل
وكان من هديه تخصيصُ المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضةً قبضةً، ولا أمرَ بذلك، ولا فعلَه أحد من أصحابه ولا مَن بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجُها إلا على المساكين خاصَّةً، وهذا القول أرجحُ من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية
(1)
.
فصل
في هديه في صدقة التطوع
كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقةً بما ملكتْ يدُه، وكان لا يستكثر شيئًا أعطاه لله ولا يستقِلُّه، وكان لا يُسأَل
(2)
شيئًا عنده إلا أعطاه، قليلًا كان أو كثيرًا، وكان عطاؤه عطاءَ من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيء إليه، وكان سرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرورِ الآخذ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينُه كالريح المرسلة.
وكان إذا عرض له محتاج آثَره على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه.
وكان يتنوَّع
(3)
في أصناف عطائه وصدقته، فتارةً بالهبة، وتارةً بالصدقة
(4)
،
(1)
انظر: «مجموع الفتاوى» (25/ 71 وما بعدها).
(2)
في المطبوع: «لا يسأل أحد» . والمثبت من النسخ.
(3)
في المطبوع: «ينوع» . والمثبت من النسخ.
(4)
ص: «بالهدية» .
وتارةً بالهدية
(1)
، وتارةً يَشتري
(2)
الشيء ثم يعطي البائع الثمنَ والسِّلْعةَ جميعًا، كما فعل بجابر
(3)
(4)
. وتارةً كان يقترض الشيءَ فيردُّ أكثرَ منه وأفضلَ
(5)
، ويشتري الشيءَ فيعطي أكثر من ثمنه. ويقبل الهديةَ ويكافئ عليها بأكثَر منها أو بأضعافها، تلطُّفًا وتنوُّعًا
(6)
في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن.
وكانت صدقتُه وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله، فيُخرِج ما عنده، ويأمر بالصدقة ويحضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشَّحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصَحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسه عن السماحة والنَّدى.
وكان هديه يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف، ولذلك كان أشرحَ الخَلْق
(7)
صدرًا، وأطيبَهم نفسًا، وأنعمَهم قلبًا، فإن للصدقة وفِعْل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر، فانضاف
(8)
ذلك إلى ما خصَّه الله به من شَرْحِ صدره للنبوة والرسالة وخصائصها وتوابعها، وشَرْحِ صدره حسًّا وإخراجِ حظِّ
(9)
الشيطان منه.
(1)
ص: «بالهبة» .
(2)
ق، ب، م، مب:«بشراء» . والمثبت من بقية النسخ.
(3)
في المطبوع: «ببعير جابر» . والمثبت من النسخ.
(4)
رواه البخاري (2097) ومسلم (3/ 1221، 1222، رقم 110).
(5)
بعدها في المطبوع: «وأكبر» . وليست في النسخ.
(6)
بعدها في ج: «وإحسانًا» . وليست في بقية النسخ.
(7)
ص: «الناس» .
(8)
ق، ب، م، مب:«ويضاف» .
(9)
ص: «حض» ، خطأ.