المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي هديه في صيام التطوع - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة

- ‌فصلفي أسباب شرح الصَّدر وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الصِّيام

- ‌فصلفي هديه في صيام التطوع

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حجِّه وعُمَره

- ‌فصلفي سياق هديه صلى الله عليه وسلم في حجَّته

- ‌فصلغَلِط في عُمَر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمس طوائف:

- ‌فصلفي أعذار القائلين بهذه الأقوال، وبيان منشأ الوهم والغلط

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تسمية المولود وختانه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى

- ‌فصلفي فقه هذا الباب

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الذِّكر

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله منزلَه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الوضوء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الأذان وأذكاره

- ‌فصلفيما يقوله مَن رأى مُبتلًى

- ‌فصلفيما يقوله من لحقَتْه طِيَرَة

- ‌فصلفيما يقوله مَن رأى في منامه ما يكرهه

- ‌فصلفيما يقوله ويفعله من بُلِيَ(7)بالوسواس

- ‌فصلفيما يقوله ويفعله مَن اشتدَّ غضبُه

- ‌فصلوكان صلى الله عليه وسلم يدعو لمن تقرَّب إليه بما يحبُّ

الفصل: ‌فصلفي هديه في صيام التطوع

رمضان وعيناه مملوءتانِ من الإثمد

(1)

، ولا يصحُّ، وروي عنه أنَّه قال في الإثمد:«ليتَّقِه الصَّائمُ»

(2)

، ولا يصحُّ

(3)

. قال أبو داود

(4)

: قال لي يحيى بن مَعين: هو حديثٌ منكرٌ.

‌فصل

في هديه في صيام التطوع

كان يصوم حتَّى يقال: لا يفطر، ويفطر حتَّى يقال: لا يصوم، وما استكمل صيام شهرٍ غير رمضان، وما كان يصوم في شهرٍ أكثرَ ممَّا يصوم في شعبان

(5)

.

ولم يكن يخرج عنه شهرٌ حتَّى يصوم منه.

(1)

رواه الحارث بن أبي أسامة (582) وابن فيل في «جزئه» (ص 170) وابن حبان في «المجروحين» (1/ 320) والضياء المقدسي في «السنن والأحكام» (3663)، ورواه ابن عدي في «الكامل» (6/ 223) بنحوه. والحديث في سنده عمرو بن خالد الواسطي، كذبه أحمد ويحيى بن معين. والحديث عزاه العيني في «عمدة القاري» (11/ 15) إلى ابن أبي عاصم في «كتاب الصيام» .

(2)

رواه أبوداود (2377) والطبراني (802) من حديث معبد بن هوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالاثمد المروح عند النوم، وقال:«ليتقه الصائم» . ورواه أحمد (16072) بدون زيادة: «ليتقه الصائم» . وحكم بنكارة الحديث أحمد وابن معين. انظر: «الإرواء» (4/ 85) و «السلسلة الضعيفة» (1014) و «ضعيف أبي داود - الأم» (2/ 269).

(3)

«وروي عنه أنه قال

يصح» ساقطة من ك.

(4)

عقب الحديث.

(5)

رواه البخاري (1969) ومسلم (1156/ 175) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 80

ولم يصم الثَّلاثة الأشهر

(1)

سردًا كما يفعله بعض النَّاس، ولا صام رجبًا قطُّ، ولا استحبَّ صيامه، بل روي عنه النَّهي عن صيامه، ذكره ابن ماجه

(2)

.

وكان يتحرَّى صيام يوم الاثنين والخميس

(3)

.

وقال ابن عبَّاسٍ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيَّام البيض في حَضَرٍ ولا سفرٍ

(4)

. ذكره النَّسائيُّ

(5)

. وكان يحضُّ على صيامها

(6)

.

وقال ابن مسعودٍ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غُرَّة كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ. ذكره أبو داود والنَّسائي

(7)

.

(1)

ج، ع:«أشهر» .

(2)

برقم (1743) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي إسناده داود بن عطاء متكلم فيه، والحديث ضعفه الألباني في «الضعيفة» (4728). والنهي عن إفراد رجب ثبت عند ابن أبي شيبة (9851) عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية. وانظر: «الإرواء» (4/ 114).

(3)

رواه أحمد (24748) والترمذي (745) والنسائي (2361) وابن ماجه (1739) من حديث عائشة رضي الله عنها .، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (3643) وابن حجر في «الفتح» (4/ 300) والألباني في «الإرواء» (4/ 105 - 106).

(4)

كذا في النسخ، وفي المطبوع:«في سفر ولا حضر» ، وهكذا في الحديث.

(5)

في «المجتبى» (2345) وفي «الكبرى» (2666)، ورواه أيضًا البزار (5035)، وحسنه النووي في «رياض الصالحين» (ص 361) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (580).

(6)

رواه البخاري (1981) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(7)

أبو داود (2450) والنسائي (2368)، ورواه أيضًا الترمذي (742). والحديث صححه ابن خزيمة (2129) وابن حبان (3641) وابن عبد البر في «الاستذكار» (3/ 381)، وحسنه الترمذي والألباني في «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 211).

ص: 81

وقالت عائشة: لم يكن يُبالي من أيِّ الشَّهر يصومها. ذكره مسلم

(1)

، ولا تناقضَ بين هذه الآثار.

وأمَّا صيام عشر ذي الحجَّة فقد اختُلِف عنه فيه صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: ما رأيتُه صائمًا في العشر قطُّ. ذكره مسلم

(2)

.

وقالت حفصة: أربعٌ لم يكن يدَعُهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشْرِ، وثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتا الفجر. ذكره الإمام أحمد

(3)

.

وذكر أحمد

(4)

أيضًا عن بعض أزواج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يصوم تسع ذي الحجَّة، ويومَ

(5)

عاشوراء، وثلاثة أيَّامٍ من الشهر

(6)

: أولَ اثنين من الشَّهر والخميس. وفي لفظٍ: «وخميسين» . والمثبِت مقدَّمٌ على النَّافي إن صحَّ.

(1)

برقم (1160).

(2)

برقم (1176/ 9).

(3)

برقم (26459)، ورواه أيضًا النسائي في «المجتبى» (2416) وفي «الكبرى» (23/ 205، 216) والطبراني (354) وابن حبان (6422). وإسناده ضعيف؛ لجهالة أبي إسحاق الأشجعي. انظر: «الإرواء» (4/ 111).

(4)

رواه أبو داود (2437) والنسائي (2437) بهذا اللفظ. وأما أحمد فرواه باللفظ الثاني فحسب (26468)، ورواه أيضًا النسائي (2372) من حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ومدار الحديث على هنيدة بن خالد، وقد اختلف عليه اختلافًا كثيرًا في إسناده ومتنه، انظر تعليق المحققين على «المسند» و «إرواء الغليل» (955).

(5)

ق، مب:«ويصوم» .

(6)

ق: «من كل شهر» .

ص: 82

وأمَّا صيام ستَّة أيَّامٍ من شوَّالٍ فصحَّ عنه أنَّ صيامها مع رمضان يَعدِل صيامَ الدَّهر

(1)

.

وأمَّا صيام

(2)

يوم عاشوراء فإنَّه كان يتحرَّى صومه على سائر الأيَّام، ولمَّا قدم المدينة وجد اليهود تصومه وتعظِّمه، فقال:«نحنُ أحقُّ بموسى منكم» . فصامه وأمر بصيامه

(3)

، وذلك قبل فرض رمضان، فلمَّا فُرِض رمضان قال:«من شاء صامه، ومن شاء تركه»

(4)

.

وقد استشكل بعض النَّاس

(5)

هذا وقال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّما قدِمَ المدينةَ في شهر ربيعٍ الأوَّل، فكيف يقول ابن عبَّاسٍ: إنَّه قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء؟

وفيه إشكالٌ آخر، وهو أنَّه قد ثبت في «الصَّحيحين»

(6)

عن عائشة أنَّها قالت: كانت قريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهليَّة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلمَّا هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه

(7)

، فلمَّا فُرِض شهر رمضان قال:«من شاء صامه ومن شاء تركه» .

(1)

رواه مسلم (1162) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(2)

ق، ك، مب:«صوم» .

(3)

رواه البخاري (2004) ومسلم (1130/ 128) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

وهو الحديث الذي سيذكره المصنف بعد قليل.

(5)

انظر: «الفتح» (4/ 247).

(6)

البخاري (4504) ومسلم (1125/ 113).

(7)

ص، ج، ع:«بصومه» . والمثبت من ق، ك، مب موافق لما في البخاري.

ص: 83

وإشكالٌ آخر، وهو ما ثبت في «الصَّحيحين»

(1)

أنَّ الأشعث بن قيسٍ دخل على عبد الله بن مسعودٍ وهو يتغدَّى، فقال: أبا محمد، ادنُ إلى الغداء. قال: أوليس اليوم يوم عاشوراء؟ قال: وهل تدري ما يوم عاشوراء؟ قال: وما هو؟ قال: إنَّما هو يومٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان، فلمَّا نزل رمضان تركه.

وقد روى مسلم في «صحيحه»

(2)

عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء أو أمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنَّه يومٌ تعظِّمه اليهود والنَّصارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا كان العامُ المقبلُ إن شاء الله صمنا اليوم التَّاسع» . فلم يأتِ العام المقبل حتَّى توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا فيه أنَّ صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعامٍ، وحديثه المتقدِّم فيه أنَّ ذلك كان عند مقدمه المدينة. ثمَّ ابن مسعودٍ أخبر أنَّ يوم عاشوراء تُرِك برمضان، وهذا يخالفه حديث ابن عبَّاسٍ المذكور، ولا يمكن أن يقال: تُرِك فرضه، لأنَّه لم يفرض، لما قد ثبت في «الصَّحيحين»

(3)

عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائمٌ، فمن شاء فليصم

(4)

، ومن شاء فليُفطِر». ومعاوية إنَّما سمع هذا بعد الفتح قطعًا.

(1)

رواه مسلم (1127/ 122). ورواه البخاري (4503) ولكن من طريق أخرى.

(2)

برقم (1134/ 133).

(3)

البخاري (2003) ومسلم (1129).

(4)

ص، ج، ك، ع:«فليصمه» . والمثبت من ق، مب.

ص: 84

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ مسلمًا روى في «صحيحه»

(1)

عن عبد الله بن عبَّاسٍ أنَّه لمَّا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذا اليوم تُعظِّمه اليهود والنَّصارى، قال: «إن

(2)

بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التّاسع»، فلم يأتِ العام القابل حتَّى توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثمَّ روى مسلم في «صحيحه»

(3)

عن الحكم [بن]

(4)

الأعرج قال: انتهيتُ إلى ابن عبَّاسٍ وهو متوسِّدٌ رداءه في زمزم، فقلت له: أخبِرْني عن صوم عاشوراء، فقال: إذا رأيتَ هلال المحرَّم فاعدُدْ، وأصبِحِ التّاسعَ صائمًا. قلت: هكذا كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ صومه إن كان مفروضًا في أوَّل الإسلام فلم يأمرهم بقضائه، وقد فات تبييتُ النية له من اللَّيل، وإن لم يكن فرضًا فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل؟ كما في «المسند» و «السُّنن»

(5)

من وجوهٍ متعدِّدةٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان طعِمَ فيه أن يُتِمَّ بقيَّة يومه. وهذا إنَّما يكون في الواجب، وكيف يصحُّ قول ابن مسعودٍ: فلمَّا فُرِض رمضان تُرِك عاشوراء، واستحبابه لم يُترك؟

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ ابن عبَّاسٍ جعل عاشوراء يوم التَّاسع، وأخبر أنَّ هكذا كان يصومه صلى الله عليه وسلم، وهو الذي روى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم

(1)

برقم (1134/ 134، 133).

(2)

ج: «لئن» .

(3)

برقم (1133).

(4)

هنا بياض في ص. وفي بقية النسخ بدون «بن» . والمثبت من «صحيح مسلم» .

(5)

رواه أحمد (16526) والنسائي (2321) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه . وهو مخرج أيضًا عند البخاري (1924) ومسلم (1135).

ص: 85

عاشوراء، وخالِفوا اليهودَ، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده». ذكره أحمد

(1)

. وهو الذي روى

(2)

: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر» . ذكره الترمذي

(3)

.

والجواب عن هذه الإشكالات بعون الله وتوفيقه وتأييده:

أمَّا الإشكال الأوَّل، وهو أنَّه لمَّا قدم المدينة وجدهم يصومون عاشوراء، فليس فيه أنَّ يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنَّه إنَّما قدم يوم الاثنين في ربيعٍ الأوَّل ثاني عشره، ولكنَّ أوَّل علمه بذلك ووقوع القصَّة في اليوم كان بعد قدومه المدينة، لم يكن وهو بمكَّة، هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلاليَّة، وإن كان بالشَّمسيَّة كما هو دينهم المعروف

(4)

زال الإشكال بالكلِّيَّة، ويكون اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أوَّل المحرَّم، فضبطه أهل الكتاب بالشُّهور الشَّمسيَّة، فوافق ذلك مقدمَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ في ربيعٍ الأوَّل

(5)

، وصوم أهل الكتاب

(1)

برقم (2154)، ورواه أيضًا ابن خزيمة (2095) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 78) والبيهقي (4/ 287)، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، متكلم فيه. وصح عن ابن عباس موقوفًا صيام التاسع والعاشر عند عبد الرزاق (7839) والشافعي كما في «معرفة السنن» (6/ 350، 351) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 78) والبيهقي (4/ 287).

(2)

ك: «قال» .

(3)

برقم (755)، وإسناده ضعيف لأجل عنعنة الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما .

(4)

«كما هو دينهم المعروف» ليست في ق، مب.

(5)

«الأول» ليست في ق، ص.

ص: 86

إنَّما هو بحساب سَير

(1)

الشّمس، وصوم المسلمين إنَّما هو بالشَّهر الهلاليِّ، وكذلك حجُّهم وجميعُ ما تعتبر له الأشهر من واجبٍ ومستحبٍّ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«نحن أحقُّ بموسى منكم» . فظهر حكم هذه الأولويَّة في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه، وهم أخطأوا تعيينه لدورانه في السَّنة الشَّمسيَّة، كما أخطأ النَّصارى تعيينَ صومهم بأن جعلوه في فصلٍ من السَّنة تختلف فيه الأشهر.

فصل

وأمَّا الإشكال الثاني، وهو أنَّ قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهليَّة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلا ريبَ أنَّ قريشًا كانت تعظِّم هذا اليوم، وكانوا يَكْسُون

(2)

الكعبةَ فيه، وصومه من تمام تعظيمه، ولكن إنَّما كانوا يعدُّون بالأهلَّة، فكان عندهم عاشر المحرَّم، فلمَّا قدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة

(3)

وجدهم يعظِّمون ذلك اليوم ويصومونه، فسألهم عنه فقالوا: هو اليوم الذي نجَّى

(4)

الله فيه موسى وقومه من فرعون، فقال:«نحن أحقُّ بموسى منكم» ، فصامه وأمر بصيامه

(5)

تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا، وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم وأمَّته أحقُّ بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكرًا لله كنَّا أحقَّ أن نقتدي به

(6)

من اليهود، ولا سيَّما إذا قلنا: شرعُ من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يخالفه شرعنا.

(1)

ك: «مسير» .

(2)

ص، ج، ع:«يلبسون» .

(3)

«المدينة» ليست في ك.

(4)

ق، ص، ج، مب:«أنجى» .

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

ك، ج، ع:«كان أحق أن يقتدي» .

ص: 87

فإن قيل: من أين لكم أنَّ موسى صامه؟

قلنا: ثبت في «الصَّحيحين» أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا سألهم عنه قالوا: يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم» ، فصامه وأمر بصيامه. فلمَّا أقرَّهم على ذلك ولم يكذِّبهم عُلِم أنَّ موسى صامه شكرًا للَّه، فانضمَّ هذا القدر إلى التَّعظيم الذي كان قبل الهجرة، فازداد تأكيدًا حتَّى بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي في الأنصار

(1)

بصومه وإمساكِ من كان أكل، والظَّاهر أنَّه حتَّم ذلك عليهم وأوجبه، كما سيأتي تقريره إن شاء الله.

فصل

وأمَّا الإشكال الثالث، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان، فلمَّا نزل فرض رمضان تركه، فهذا لا يمكن التَّخلُّص منه إلا بأنَّ صيامه كان فرضًا قبل رمضان، وحينئذٍ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه، ويتعيَّن هذا ولا بدَّ، لأنَّه صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بعامٍ وقد قيل له: إنَّ اليهود تصومه: «لئن عشتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع» أي معه، وقال:«خالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»

(2)

أي معه، ولا ريبَ أنَّ هذا كان في آخر الأمر، وأمَّا في أوَّل الأمر فكان يحبُّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيءٍ، فعُلِم أنَّ استحبابه لم يُترك.

(1)

في المطبوع: «الأمصار» ، خطأ.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 88

ويلزم من قال: إنَّ صومه لم يكن واجبًا، أحدُ الأمرين: إمَّا أن يقول: تُرِك استحبابه فلم يبقَ مستحبًّا، أو يقول: هذا قاله عبد الله بن مسعودٍ برأيه، وخفي عليه استحباب صومه، وهذا بعيدٌ، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حثَّهم على صيامه، وأخبر أنَّ صومه يكفِّر السَّنة الماضية

(1)

، واستمرَّ الصَّحابة على صيامه إلى حين وفاته، ولم يَرِدْ

(2)

عنه حرفٌ واحدٌ بالنَّهي عنه وكراهة صومه، فعُلِم أنَّ الذي تُرِك وجوبُه لا استحبابه.

فإن قيل: حديث معاوية المتَّفق عليه صريحٌ في عدم فرضيَّته وأنَّه لم يُفرَض قطُّ.

فالجواب: أنَّ حديث معاوية صريحٌ في نفي استمرار وجوبه، وأنَّه الآن غير واجبٍ، ولا ينفي وجوبًا متقدِّمًا منسوخًا، فإنَّه لا يمتنع أن يقال لِما كان واجبًا ونُسِخ وجوبه:«إنّ الله لم يكتبه علينا»

(3)

.

وجوابٌ ثانٍ: أنَّ غايته أن يكون النَّفي عامًّا في الزَّمان الماضي والحاضر، فيُخَصُّ بأدلَّة الوجوب في الماضي ويُترك النَّفي على استمرار الوجوب.

وجوابٌ ثالثٌ: وهو أنَّه صلى الله عليه وسلم إنَّما نفى أن يكون فرضه ووجوبه مستفادًا من جهة القرآن، ودلَّ على هذا بقوله:«إنَّ الله لم يكتبه علينا» ، وهذا لا ينفي الوجوب بغير ذلك، فإنَّ الواجب الذي كتبه الله على عباده هو ما أخبرهم بأنَّه كتبه عليهم، كقوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

رواه مسلم (1162/ 196) من حديث أبي قتادة- رضي الله عنه، وقد تقدم.

(2)

ق، مب:«يُرْوَ» .

(3)

ك: «عليه» .

ص: 89

أنَّ صوم عاشوراء لم يدخل

(1)

في هذا المكتوب الذي كتبه الله علينا، قطعًا لتوهُّم من يتوهَّم أنَّه داخلٌ فيما كتبه علينا، فلا تناقضَ بين هذا وبين الأمر السَّابق بصيامه الذي صار منسوخًا بهذا الصِّيام المكتوب.

يُوضِّح هذا أنَّ معاوية إنَّما سمع هذا منه بعد فتح مكَّة، واستقرار فرض رمضان، ونَسْخ وجوب عاشوراء به. والَّذين شهدوا أمره بصيامه والنِّداء بذلك وبالإمساك لمن أكل، شهدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقدَمِه المدينةَ، وفرضُ رمضان كان في السَّنة الثَّانية من الهجرة، فتوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضاناتٍ، فمن شهد الأمر بصيامه شهده قبل نزول فرض رمضان، ومن شهد الإخبار عن عدم فرضه شهده في آخر الأمر بعد فرض رمضان. وإن لم يُسلَك هذا المسلك تناقضت أحاديث الباب واضطربت.

فإن قيل: فكيف يكون فرضًا ولم يحصل تبييت النية من اللَّيل، وقد قال:«لا صيامَ لمن لم يُبيِّتِ الصِّيام من اللَّيل»

(2)

.

فالجواب: أنَّ هذا الحديث قد اختُلِف فيه: هل هو من كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أو من قول حفصة وعائشة؟ فأمَّا حديث حفصة: فأوقفه عليها معمر،

(1)

ق، مب:«لم يكن داخلًا» .

(2)

رواه النسائي في «المجتبى» (2334) و «الكبرى» (2655) والبيهقي (4/ 202) من حديث حفصة مرفوعًا بهذا اللفظ. وبنحوه روى أحمد (26457) وأبو داود (2454) والترمذي (730) والنسائي في «المجتبى» (2333) و «الكبرى» (2654) وابن خزيمة (1933). واختُلف في رفعه ووقفه، انظر:«العلل الكبير» (202) و «علل الدارقطني» (3939) و «سننه» (2216) و «تنقيح التحقيق» (3/ 177) و «التلخيص» (2/ 188) و «الإرواء» (4/ 25).

ص: 90

والزبيدي

(1)

، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيليُّ، عن الزُّهريِّ، ورفعه بعضهم، وأكثر أهل الحديث يقولون: الموقوف أصحُّ. وقال الترمذي

(2)

: وقد رُوي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصحُّ. ومنهم من يصحِّح رفعه لثقة رافعه وعدالته. وحديث عائشة أيضًا

(3)

رُوي مرفوعًا وموقوفًا، واختُلِف في تصحيح رفعه.

فإن لم يثبت رفعه فلا كلامَ، وإن ثبت رفعه فمعلومٌ أنَّ هذا إنَّما قاله بعد فرض رمضان، وذلك متأخِّرٌ عن الأمر بصيام يوم عاشوراء، وذلك تجديد حكمٍ واجبٍ وهو التَّبييت، وليس نسخًا لحكمٍ ثابتٍ بخطابٍ، فإجزاء صيام عاشوراء بنيَّةٍ من النَّهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التَّبييت من اللَّيل، ثمَّ نُسخ وجوب صومه برمضان وتجدَّد وجوب التَّبييت. فهذه طريقةٌ.

وطريقةٌ ثانيةٌ: وهي طريقة أصحاب أبي حنيفة، أنَّ وجوب عاشوراء تضمَّن أمرين: وجوبَ صوم ذلك اليوم وإجزاءه بنيَّةٍ من النَّهار، ثمَّ نُسخ تعيين الواجب بواجبٍ آخر، فبقي حكم الإجزاء بنيَّةٍ من النَّهار غير منسوخٍ

(4)

.

وطريقةٌ ثالثةٌ: وهي أنَّ الوجوب

(5)

تابعٌ للعلم، ووجوب عاشوراء إنَّما

(1)

في مب، المطبوع:«الزهري» ، خطأ.

(2)

عند الحديث رقم (730).

(3)

رواه الدارقطني (2213) والبيهقي (4/ 203). قال الدارقطني: «تفرد به عبد الله بن عباد عن المفضل (بن فضالة) بهذا الإسناد، وكلهم ثقات» . وعبد الله بن عباد ضعيف. انظر: «ميزان الاعتدال» (2/ 450) و «لسان الميزان» (4/ 505).

(4)

ص، ج، ق، ع، مب:«منسوخة» . والمثبت من ك.

(5)

ع: «الواجب» .

ص: 91

عُلِم من النَّهار، وحينئذٍ فلم يكن التَّبييت ممكنًا، فالنية وجبت وقتَ تجدُّد الوجوب والعلم به، وإلَّا كان تكليفًا بما لا يطاق وهو ممتنعٌ. قالوا: وعلى هذا إذا قامت

(1)

البيِّنة بالرُّؤية في أثناء النَّهار أجزأ صومه بنيَّةٍ مقارنةٍ للعلم بالوجوب، وأصله صوم يوم عاشوراء.

وهذه طريقة شيخنا، وهي كما تراها أصحُّ الطُّرق وأقربها إلى موافقة أصول الشَّرع وقواعده، وعليها تدلُّ الأحاديث ويجتمع شَمْلُها الذي يُظنُّ تفرُّقه، ويُتخلَّص من دعوى النَّسخ بغير ضرورةٍ. وغير هذه الطَّريقة لا بدَّ فيه من مخالفة قاعدةٍ من قواعد الشَّرع أو مخالفة بعض الآثار.

وإذا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أهل قُباءٍ بإعادة الصَّلاة الَّتي صلَّوا بعضها إلى القبلة المنسوخة إذ لم يبلغهم وجوب التَّحوُّل، فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصَّوم أو لم يتمكَّن من العلم بسبب وجوبه، لم يؤمر بالقضاء، ولا يقال: إنَّه ترك التَّبييت الواجب، إذ وجوب التَّبييت تابعٌ للعلم بوجوب المبيَّت، وهذا في غاية الظُّهور.

ولا ريبَ أنَّ هذه الطَّريقة أصحُّ من طريقة من يقول: كان عاشوراء فرضًا، وكان يُجزئ صيامه بنيَّةٍ من النَّهار، ثمَّ نُسخ الحكم بوجوبه فنُسخت متعلِّقاته، ومن متعلِّقاته إجزاء صيامه بنيَّةٍ من النَّهار؛ لأنَّ متعلِّقاته تابعةٌ له، وإذا زال المتبوع زالت توابعه وتعلُّقاته، فإنَّ إجزاء الصيام

(2)

الواجب بنيَّةٍ من النَّهار لم يكن من متعلِّقات

(3)

خصوص هذا اليوم، بل من متعلِّقات

(1)

«إذا قامت» ساقطة من ق.

(2)

ق، مب:«الصوم» .

(3)

ق، ج، ص، مب:«تعلقات» .

ص: 92

الصَّوم الواجب، والصَّوم الواجب لم يَزُل، وإنَّما زال تعيينُه فنُقِل من محلٍّ إلى محلٍّ، والإجزاء بنيَّةٍ من النَّهار وعدمه من توابع أصل الصَّوم لا تعيينه.

وأصحُّ من طريقة من يقول: إنَّ صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبًا قطُّ؛ لأنَّه قد ثبت الأمر به، وتأكيد الأمر بالنِّداء العامِّ، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك، وكلُّ هذا ظاهرٌ قويٌّ في الوجوب، ويقول ابن مسعودٍ: إنَّه لمَّا فُرِض رمضان تُرِك عاشوراء. ومعلومٌ أنَّ استحبابه لم يُترك بالأدلَّة الَّتي تقدَّمت وغيرها، فتعيَّن

(1)

أن يكون المتروك وجوبه.

فهذه خمس

(2)

طرقٍ للنَّاس في ذلك. والله الموفق للصواب.

فصل

وأمَّا الإشكال الرابع، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع» ، وأنَّه توفِّي قبل العام المقبل، وقول ابن عبَّاسٍ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم التَّاسع

(3)

= فابن عبَّاسٍ روى هذا وهذا، وصحَّ عنه هذا وهذا، ولا تَنافيَ بينهما، إذ من الممكن أن يصوم التَّاسع ويخبر أنَّه إن بقي إلى

(4)

العام القابل صامه، أو يكون ابن عبَّاسٍ أخبر عن فعله مستندًا إلى ما عزم عليه ووعد به، ويصحُّ الإخبار عن ذلك مقيَّدًا، أي: كذلك كان يفعل لو بقي، ومطلقًا إذا علم الحال. وعلى كلِّ واحدٍ من الاحتمالين فلا تَنافيَ بين الخبرين.

(1)

ق، مب:«فيتعين» .

(2)

ق، ص، ج، ع، مب:«خمسة» . والمثبت من ك.

(3)

تقدم تخريجهما.

(4)

«إلى» من ق، مب، وليست في بقية النسخ.

ص: 93

فصل

وأمَّا الإشكال الخامس، فقد تقدَّم جوابه بما فيه كفايةٌ.

فصل

وأمَّا الإشكال السادس، وهو قول ابن عبَّاسٍ: اعدُدْ تسعًا وأصبِحْ يوم التَّاسع

(1)

صائمًا، فمن تأمَّل مجموع روايات ابن عبَّاسٍ تبيَّن له زوال الإشكال، وسعةُ علم ابن عبَّاسٍ، فإنَّه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التَّاسع، بل قال للسَّائل: صم اليوم التَّاسع، واكتفى بمعرفة السَّائل أنَّ يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعدُّه النَّاس كلُّهم يوم عاشوراء، فأرشد السَّائل إلى صيام التَّاسع معه، وأخبر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك. فإمَّا أن يكون فعلَ ذلك وهو الأولى، وإمَّا أن يكون حملَ فعلَه على الأمر به وعزمِه عليه في المستقبل، ويدلُّ على ذلك أنَّه هو الذي روى:«صوموا يومًا قبله ويومًا بعده» ، وهو الذي روى:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر» . وكلُّ هذه الآثار عنه يُصدِّق بعضها بعضًا ويؤيِّد بعضها بعضًا

(2)

.

فمراتب صومه ثلاثةٌ: أكملُها أن يصام قبله يومٌ وبعده يومٌ، ويلي ذلك أن يصام التَّاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصَّوم. وأمَّا إفراد التَّاسع فمِنْ نَقْصِ فهم الآثار، وعدمِ تتبُّع ألفاظها وطرقها، وهو بعيدٌ من اللُّغة والشَّرع، والله الموفِّق للصَّواب.

وقد سلك بعض أهل العلم مسلكًا آخر فقال: قد ظهر أنَّ القصد مخالفة

(1)

«يوم التاسع» ليست في ق.

(2)

«ويؤيد بعضها بعضًا» ساقطة من ك.

ص: 94

أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين: إمَّا بنقل العاشر إلى التَّاسع، وإما

(1)

بصيامهما معًا. وقوله: «إذا كان العام المقبلُ صُمنا التَّاسع» يحتمل الأمرين. فتوفِّي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبيَّن لنا مراده، فكان الاحتياط صوم اليومين معًا.

والطَّريقة الَّتي ذكرناها أصوبُ إن شاء اللَّه، ومجموع أحاديث ابن عبَّاسٍ عليها تدلُّ؛ لأنَّ قوله في حديث أحمد:«خالِفوا اليهودَ، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده» ، وقوله

(2)

في حديث الترمذي: «أمرنا بصيام عاشوراء يومَ العاشر»

(3)

يبيِّن صحَّة الطَّريقة الَّتي سلكناها. والله أعلم.

فصل

وكان من هديه إفطار يوم عرفة بعرفة، ثبت ذلك عنه في «الصَّحيحين»

(4)

.

ورُوي عنه أنَّه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، رواه عنه أهل «السُّنن»

(5)

. وصحَّ عنه أنَّ صيامه يكفِّر السَّنة الماضية والباقية، ذكره مسلم

(6)

.

(1)

ق، مب:«أو» .

(2)

«في حديث

وقوله» ساقطة من ق، مب بسبب انتقال النظر.

(3)

تقدم تخريجهما.

(4)

رواه البخاري (1661) ومسلم (1123/ 110) من حديث أم الفضل رضي الله عنه.

(5)

أبو داود (2440) وابن ماجه (1732)، ورواه أحمد (8031)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده ضعيف؛ لجهالة مهدي بن حرب الهجري. انظر:«التلخيص الحبير» (2/ 213) و «السلسلة الضعيفة» (404).

(6)

برقم (1162/ 197) من حديث أبي قتادة- رضي الله عنه، وقد تقدم أكثر من مرة.

ص: 95

وقد ذُكر لفطره بعرفة عدَّة حِكَمٍ:

منها: أنَّه أقوى على الدُّعاء.

ومنها: أنَّ الفطر في السَّفر أفضل في فرض الصَّوم، فكيف بنفله.

ومنها: أنَّ ذلك اليوم كان يوم جمعة، وقد نهى عن إفراده بالصَّوم، فأحبَّ أن يرى النَّاس فطره فيه تأكيدًا لنهيه عن تخصيصه بالصَّوم، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم الجمعة.

وكان شيخنا رضي الله عنه يسلك مسلكًا آخر

(1)

وهو أنَّه يوم عيدٍ لأهل عرفة لاجتماعهم فيه، كاجتماع النَّاس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختصُّ من بعرفة دون أهل الآفاق. قال: وقد أشار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل «السُّنن»

(2)

عنه: «يوم عرفة ويوم النَّحر وأيَّام منًى: عيدُنا أهل الإسلام» . ومعلومٌ أنَّ كونه عيدًا هو لأهل ذلك الجمع لاجتماعهم فيه. والله أعلم.

فصل

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم السَّبت والأحد كثيرًا، يقصد بذلك مخالفة اليهود والنَّصارى، كما في «المسند» و «سنن النَّسائي»

(3)

عن كُريبٍ

(1)

انظر: «شرح العمدة» (3/ 469).

(2)

أبو داود (2419) والترمذي (773) والنسائي (3004)، ورواه أحمد (17379)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وصححه الترمذي وابن خزيمة (2100) وابن حبان (3603) والحاكم (1/ 434) والألباني في «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 178).

(3)

رواه أحمد (26750) والنسائي في الكبرى (2789) من حديث أم سلمة رضي الله عنها وصححه ابن خزيمة (2167) وابن حبان (3616) والحاكم (1/ 436). وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عمر بن علي وأبوه، كلاهما مجهول، وعليهما مدار الحديث. انظر:«الضعيفة» (1099).

ص: 96

مولى ابن عبَّاسٍ قال: أرسلني ابن عبَّاسٍ وناسٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها: أيُّ الأيَّام كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثرها صيامًا؟ قالت: يوم السَّبت والأحد، ويقول:«إنَّهما عيدٌ للمشركين فأنا أحبُّ أن أخالفهم» .

وفي صحَّة هذا الحديث نظرٌ، فإنَّه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وقد استُنِكر بعض حديثه. وقد قال عبد الحق في «أحكامه»

(1)

في حديث ابن جريجٍ عنه

(2)

عن عباس بن

(3)

عبد الله بن عباس عن عمِّه الفضل: «زار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عباسًا في باديةٍ لنا» . قال: إسناده ضعيفٌ. قال ابن القطَّان

(4)

: هو كما ذكر ضعيفٌ، فلا يعرف حال محمد بن عمر.

وذكر

(5)

حديثه هذا عن أم سلمة في صوم يوم السَّبت والأحد، وقال: سكت عنه عبد الحق مصحِّحًا له، ومحمد بن عمر هذا لا يعرف حاله، ويرويه عنه ابنه عبد الله بن محمد بن عمر، ولا يُعرف أيضًا حاله، فالحديث أراه حسنًا. والله أعلم.

(1)

«الأحكام الوسطى» (1/ 344).

(2)

«عنه» ساقطة من المطبوع.

(3)

ك، ع:«عن» ، خطأ.

(4)

في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 354).

(5)

أي ابن القطان في المصدر السابق (4/ 266، 267، 269)، وانظر:«الأحكام الوسطى» (1/ 344).

ص: 97

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود

(1)

عن عبد الله بن بُسْر

(2)

السلمي عن أخته الصَّمَّاء أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يومَ السَّبت إلا فيما افتُرِض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لِحاءَ عنبٍ أو عودَ شجرةٍ فليمضغْه» .

فاختلف النَّاس في هذين الحديثين، فقال مالك: هذا كذبٌ، يريد حديث عبد الله بن بسرٍ، ذكره عنه أبو داود

(3)

. وقال الترمذي: هو حديثٌ حسنٌ. وقال أبو داود

(4)

: هذا الحديث منسوخٌ. وقال النَّسائيُّ

(5)

: هو حديثٌ مضطربٌ.

وقال جماعةٌ من أهل العلم: لا تعارضَ بينه وبين حديث أم سلمة، فإنَّ النَّهي عن صومه إنَّما هو نهيٌ

(6)

عن إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود فقال:«باب النَّهي أن يخصَّ يوم السَّبت بالصَّوم» ، وحديث صيامه إنَّما هو مع يوم الأحد. قالوا: ونظير هذا أنَّه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصَّوم، إلا

(7)

أن

(1)

أحمد (27075) وأبو داود (2421)، ورواه الترمذي (744) وابن ماجه (1726)، والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة (2163) والحاكم (1/ 435) وابن الملقن في «البدر المنير» (5/ 763) والألباني في «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 180)، وأعله آخرون. انظر:«البدر المنير» (5/ 759) و «التلخيص الحبير» (2/ 216) و «الإرواء» (4/ 118).

(2)

ك: «بشر» مُصحَّفًا.

(3)

في «السنن» (2424).

(4)

في «السنن» (2421).

(5)

انظر: «البدر المنير» (5/ 762) و «كشف المناهج والتناقيح» (2/ 198).

(6)

«نهي» ليست في ق، مب.

(7)

ك، ج، ع:«وقال إلا» . مب: «وإلا» .

ص: 98

يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده

(1)

.

وبهذا يزول الإشكال الذي ظنَّه من قال: إنَّ صومه نوعُ تعظيمٍ له، فهو موافقةٌ لأهل الكتاب في تعظيمه وإن تضمَّن مخالفتهم في صومه، فإنَّ التَّعظيم إنَّما يكون إذا أفرد بالصَّوم، ولا ريبَ أنَّ الحديث لم يجئ بإفراده، وأمَّا إذا صامه مع غيره لم يكن فيه تعظيمٌ. والله أعلم.

فصل

ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم سردُ الصَّوم وصيام الدَّهر، بل قد قال:«إنّ من صام الدَّهر لا صام ولا أفطر»

(2)

. وليس مراده بهذا من صام الأيَّام المحرَّمة، فإنَّه ذكر ذلك جوابًا لمن قال: أرأيتَ من صام الدَّهر؟ ولا يقال في جواب من فعل المحرَّم: لا صام ولا أفطر، فإنَّ هذا يُؤذِن بأنَّه سواءٌ فطرُه وصومُه، لا يثاب ولا يعاقَب، وليس كذلك من فعل ما حُرِّم عليه من الصِّيام. فليس هذا جوابًا مطابقًا للسُّؤال عن المحرَّم من الصَّوم.

وأيضًا فإنَّ هذا عند من استحبَّ صوم الدَّهر قد فعل حرامًا ومستحبًّا، وهو عندهم قد صام بالنِّسبة إلى أيَّام الاستحباب، وارتكب محرَّمًا بالنِّسبة إلى أيَّام التَّحريم، وفي كلٍّ منهما لا يقال: ما صام ولا أفطر. فتنزيلُ قوله على ذلك غلطٌ ظاهرٌ.

(1)

رواه البخاري (1985) ومسلم (1144/ 147) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه أحمد (16315) من حديث عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (2150) والحاكم (1/ 435)، وهو عند مسلم (1162/ 196) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

ص: 99

وأيضًا فإنَّ أيَّام التَّحريم مستثناةٌ بالشَّرع غير قابلةٍ للصَّوم شرعًا، فهي بمنزلة اللَّيل وبمنزلة أيَّام الحيض، فلم يكن الصَّحابة ليسألوه عن صومها وقد علموا عدم قبولها للصَّوم، ولم يكن ليجيبهم لو لم يعلموا التَّحريم بقوله:«لا صام ولا أفطر» ، فإنَّ هذا ليس فيه بيانٌ للتَّحريم.

فهديه الذي لا شكَّ فيه أنَّ صوم يومٍ وفطر يومٍ أفضل من صوم الدَّهر وأحبُّ إلى اللَّه. وسردُ صيام الدَّهر مكروهٌ، فإنَّه لو لم يكن مكروهًا لزم أحد ثلاثة أمورٍ ممتنعةٍ: أن يكون أحبَّ إلى الله من صوم يومٍ وفطر يومٍ وأفضلَ منه؛ لأنَّه زيادة عملٍ، وهذا مردودٌ بالحديث الصَّحيح:«إنَّ أحبَّ الصِّيام إلى الله صيام داود»

(1)

، وأنَّه لا أفضل منه. وإمَّا أن يكون مساويًا له في الفضل وهو ممتنعٌ أيضًا. وإمَّا أن يكون مباحًا متساويَ الطَّرفين، لا استحبابَ فيه ولا كراهةَ، وهذا ممتنعٌ، إذ ليس هذا شأنَ العبادات، بل إمَّا أن تكون راجحةً أو مرجوحةً، والله أعلم.

فإن قيل: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وأتبعَه ستًّا

(2)

من شوَّالٍ فكأنَّما صام الدَّهر»

(3)

، وقال فيمن صام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ:«إنَّ ذلك يَعدِل صومَ الدَّهر»

(4)

، وذلك يدلُّ على أنَّ صوم الدَّهر أفضل ممَّا عُدِل به، وأنَّه أمرٌ

(1)

رواه البخاري (1131) ومسلم (1159/ 189) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

(2)

ق، ك، مب:«ستة» . والمثبت من ص، ج، ع موافق لما في «صحيح مسلم» .

(3)

رواه مسلم (1164) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه .

(4)

رواه البخاري (1980) ومسلم (1159/ 191) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

ص: 100

مطلوبٌ، وثوابه أكثرُ ثوابِ الصَّائمين، حتَّى شبَّه به من صام هذا الصِّيام.

قيل: نفس هذا التَّشبيه في الأمر المقدَّر لا يقتضي جوازَه فضلًا عن استحبابه، وإن كان يقتضي التَّشبيهَ به في ثوابه لو كان مستحبًّا، والدَّليل عليه من نفس الحديث، فإنَّه جعل صيام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ بمنزلة صيام الدَّهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا، ومعلومٌ أنَّ هذا حرامٌ قطعًا، فعُلِم أنَّ المراد به حصول هذا الثَّواب على تقدير مشروعيَّة صيام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا.

وكذلك قوله في صيام ستَّة أيَّامٍ من شوَّالٍ: «إنَّه يَعدِل مع صيام

(1)

رمضان صيامَ السَّنة»، ثمَّ قرأ:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. فهذا صيام ستَّةٍ وثلاثين يومًا يعدِل صيام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا، وهو غير جائزٍ بالاتِّفاق، بل قد يجيء مثل هذا فيما يمتنع فعلُ المشبَّه به عادةً بل يستحيل، وإنَّما يُشبَّه به من فعل ذلك على تقدير إمكانه، كقوله لمن سأله عن عملٍ يَعدِل الجهاد:«هل تستطيعُ إذا خرج المجاهد أن تقومَ ولا تفتُرَ، وأن تصوم ولا تُفطِر؟»

(2)

ومعلومٌ أنَّ هذا ممتنعٌ عادةً، كامتناع صوم ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا شرعًا، وقد شبَّه العمل الفاضل بكلٍّ منهما.

يزيده وضوحًا: أنَّ أحبَّ القيام إلى الله قيام داود، وهو أفضل من قيام اللَّيل كلِّه بصريح السُّنَّة الصَّحيحة

(3)

. وقد مثَّل من صلَّى العشاء

(4)

الآخرة

(1)

«صيام» ليست في ص، ج.

(2)

رواه البخاري (2785) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(3)

ص، ج:«الصريحة» .

(4)

ص، ج، ق، مب:«عشاء» .

ص: 101

والصُّبحَ في جماعةٍ بمن قام اللَّيل كلَّه

(1)

.

فإن قيل: فما تقولون في حديث أبي موسى الأشعريِّ: «مَن صام الدَّهر ضُيِّقتْ عليه جهنَّم حتَّى تكون هكذا» ، وقبض كفَّه وهو في «مسند أحمد»

(2)

؟

قيل: قد اختُلِف في معنى هذا الحديث. فقيل: ضُيِّقتْ عليه حصرًا له فيها، لتشديده على نفسه وحمْلِه عليها، ورغبتِه عن هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتقادِه أنَّ غيره أفضل منه.

وقال آخرون: بل ضُيِّقتْ عليه، فلا يبقى له فيها موضعٌ. ورجَّحت هذه الطَّائفة هذا التَّأويل، بأنَّ الصَّائم لمَّا ضيَّق على نفسه مسالكَ الشَّهوات وطُرقَها بالصَّوم ضيَّق الله عليه النَّار، فلا يبقى له فيها مكانٌ، لأنَّه ضيَّق طُرقَها عنه.

ورجَّحت الطَّائفة الأولى تأويلها بأن قالت: لو أراد هذا المعنى لقال: ضُيِّقتْ عنه، وأمَّا التَّضييق عليه فلا يكون إلا وهو فيها. قالوا: وهذا التَّأويل يوافق

(3)

أحاديثَ كراهة صوم الدَّهر، وأنَّ فاعله بمنزلة من لم يصُمْ، والله أعلم

(4)

.

(1)

رواه مسلم (656) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه .

(2)

برقم (19713). و الحديث صححه ابن خزيمة (2154) وابن حبان (3584) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (3202).

(3)

ك، ص، ج، مب:«موافق» .

(4)

«والله أعلم» ليست في ص.

ص: 102

فصل

وكان صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول: «هل عندكم شيءٌ؟» ، فإن قالوا: لا، قال:«إنِّي إذًا صائمٌ» . فينشئ النيَّة للتَّطوُّع من النَّهار. وكان أحيانًا ينوي صوم التَّطوُّع ثمَّ يفطر بعدُ. أخبرت عائشة عنه بهذا وهذا، فالأوَّل في «صحيح مسلم»

(1)

، والثَّاني في «كتاب النَّسائي»

(2)

.

وأمَّا الحديث الذي في «السُّنن»

(3)

عن عائشة: كنتُ أنا وحفصة صائمتين، فعُرِضَ لنا طعامٌ اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرَتْني إليه حفصة، وكانت ابنةَ أبيها، فقالت: يا رسول اللَّه، إنَّا كنَّا صائمتين، فعُرِضَ لنا طعامٌ اشتهيناه فأكلنا منه، فقال:«اقْضِيا يومًا مكانه» = فهو حديثٌ معلولٌ. قال الترمذي

(4)

: روى مالك بن أنسٍ، ومعمر، وعبد الله

(5)

بن عمر، وزياد بن سعدٍ، وغير واحدٍ من الحفَّاظ، عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلًا، لم يذكروا فيه «عن عروة» ، وهذا أصحُّ.

(1)

برقم (1154/ 170).

(2)

برقم (2322).

(3)

رواه الترمذي (735) وأحمد (26267) من طريق جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة. ورواه أبو داود (2457) والنسائي في «الكبرى» (3277) من طريق حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة مرفوعًا. والحديث ضعيف كما سيأتي تفصيله في كلام المؤلف. وانظر: «السلسلة الضعيفة» (5202)، «ضعيف أبي داود - الأم» (2/ 291).

(4)

في «الجامع» عقب (735).

(5)

كذا في النسخ. والصواب «عبيد الله» كما في الترمذي. ونبّه عليه في ك، ع.

ص: 103

ورواه أبو داود والنَّسائي عن شَريك عن زُمَيل

(1)

مولى عروة، عن عروة، عن عائشة موصولًا. وقال النَّسائي

(2)

: زُمَيل ليس بالمشهور. وقال البخاريُّ

(3)

: لا يُعرف لزُمَيل سماعٌ من عروة، ولا لشريك

(4)

من زُميل، ولا تقوم به الحجَّة.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا ونزل على قومٍ أتمَّ صيامه ولم يفطر، كما دخل على أم سُليم، فأتتْه بتمرٍ وسَمْنٍ، فقال:«أعيدوا سَمْنَكم في سِقائه، وتمرَكم في وعائه، فإنِّي صائمٌ»

(5)

. ولكنَّ أم سليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته، وقد ثبت عنه في «الصَّحيح»

(6)

: «إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ وهو صائمٌ فليقل: إنِّي صائمٌ» .

وأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه والتِّرمذيُّ

(7)

عن عائشة ترفعه: «مَن نزلَ على قومٍ فلا يصومنَّ تطوُّعًا إلا بإذنهم» = فقال الترمذي

(8)

: هذا حديث منكرٌ، لا نعرف أحدًا من الثِّقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة.

(1)

كذا في النسخ: «عن شريك عن زميل» . والذي عند أبي داود والنسائي: «عن حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن زُميل» ، وهو الصواب.

(2)

في «السنن الكبرى» عقب (3295).

(3)

في «التاريخ الكبير» (3/ 450).

(4)

كذا في النسخ. والذي في «التاريخ الكبير» : «ليزيد» ، وهو الصواب.

(5)

رواه البخاري (1982) من حديث أنس رضي الله عنه .

(6)

رواه مسلم (1150) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(7)

برقم (789)، وفي إسناده أيوب بن واقد متكلم فيه، ورواه ابن ماجه (1763)، وفي إسناده أبو بكر المدني متكلم فيه أيضًا. انظر:«الضعيفة» (2713).

(8)

«الجامع» (789)، ومثله قال البخاري كما في «العلل الكبير» (ص 127).

ص: 104

فصل

وكان من هديه كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصَّوم فعلًا منه وقولًا. فصحَّ النَّهي عن إفراده بالصَّوم من حديث جابر بن عبد اللَّه، وأبي هريرة، وجُويرية بنت الحارث، وعبد الله بن مسعود، وجُنَادة الأزدي

(1)

وغيرهم. وشرب يومَ الجمعة وهو على المنبر، يُرِيهم أنَّه لا يصوم يوم الجمعة، ذكره الإمام أحمد

(2)

. وعُلّل المنع من صومه بأنَّه يوم عيدٍ، فروى الإمام أحمد

(3)

من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يومُ الجمعة يوم عيدٍ، فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده» .

فإن قيل: فيوم العيد لا يُصام مع ما قبله ولا بعده.

قيل: لمَّا كان يوم الجمعة مشبَّهًا بالعيد أُخِذ من شَبَهِه النَّهيُ عن تحرِّي صيامه، فإذا صام ما قبله أو بعده لم يكن قد تحرَّاه، وكان حكمه حكم صوم

(1)

أما حديث جابر فعند البخاري (1984) ومسلم (1143). وحديث أبي هريرة تقدم تخريجه. وحديث جويرية عند البخاري (1986). وأما حديث عبد الله بن مسعود فرواه أبو داود (2450) والنسائي (2368) والترمذي (742)، والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة (2129) وابن حبان (3641). وأما حديث جنادة فرواه أحمد (39/ 438) وابن أبي شيبة (9334) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2297)، وصححه الحاكم (3/ 608)، والحديث حسن. انظر:«التنقيح» (3/ 340).

(2)

وهو حديث جنادة الأزدي السابق.

(3)

برقم (8025)، ورواه ابن خزيمة (2161) والحاكم (1/ 437) من حديث عامر بن لدين الأشعري. في إسناده أبو بشر، وهو مجهول. وانظر:«السلسلة الضعيفة» (5344، 6826).

ص: 105