الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو داود
(1)
: وغيَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيزٍ وعَتْلَة وشيطانٍ والحَكَم وغُرابٍ وحُبابٍ
(2)
، وشهابٍ فسمَّاه هشامًا، وسمَّى حربًا سَلْمًا، وسمَّى المضطجع المنبعث، وأرضًا تُسمَّى
(3)
عفرةً سمَّاها خَضِرةً، وشِعْبَ الضَّلالة سمَّاه شِعْب الهدى، وبنو الزِّنية سمَّاهم بني الرِّشْدة، وسمَّى بني مُغْوِية بني رِشْدة.
فصل
في فقه هذا الباب
لمَّا كانت الأسماء قوالبَ للمعاني ودالَّةً عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ
(4)
، وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبيِّ المحض الذي لا تعلُّقَ له بها
(5)
، فإنَّ حكمة الحكيم تأبى ذلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثيرٌ في المسمَّيات، وللمسمَّيات تأثُّرٌ عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفَّة والثِّقل، واللَّطافة والكثافة، كما قيل
(6)
:
(1)
عقب الحديث السابق، وختم قائلًا: تركت أسانيدها للاختصار. وانظر تخريجها في «كشف المناهج والتناقيح» للصدر المناوي (4/ 215).
(2)
«وحباب» ليست في ك.
(3)
«تسمى» ليست في مب، ج.
(4)
في جميع النسخ: «ارتباطًا وتناسبًا» بالنصب.
(5)
ك: «لها بها» .
(6)
البيت للمبرد في «المجموع اللفيف» (ص 208)، وبلا نسبة في «الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص 165).
وقَلَّ أن
(1)
أبصرتْ عيناك ذَا لقبٍ
…
إلا ومعناه إن فكَّرتَ في لقبِهْ
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحبُّ الاسم الحسن، وأمر إذا أَبردوا
(2)
إليه بريدًا أن يكون حسنَ الاسم حسنَ الوجه
(3)
.
وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، كما رأى أنَّه وأصحابه في دار عُقبة بن رافع، فأُتُوا برُطَبٍ من رُطَبِ ابن طابَ، فأوَّله بأنَّ العاقبة لهم في الدُّنيا، والرفعة في الآخرة
(4)
، وأنَّ الدِّين
(5)
الذي اختاره الله لهم قد أرطبَ وطابَ
(6)
.
وتأوَّل سهولة أمرهم يوم الحديبية من مجيء سهيل بن عمرٍو إليه
(7)
.
وندب جماعةً إلى حلب شاةٍ، فقام رجلٌ يحلُبها، فقال:«ما اسمك؟» ، قال: مُرَّة، فقال:«اجلسْ» ، فقام آخر، فقال:«ما اسمك؟» ، قال ــ أظنُّه ــ:
(1)
في المطبوع: «وقلّما» خلاف النسخ.
(2)
ك، ج:«إذا برّدوا» .
(3)
رواه البزار (4383) من حديث بريدة- رضي الله عنه وصححه ابن حجر والألباني. انظر: «مختصر زوائد البزار» لابن حجر (1700) و «السلسلة الصحيحة» (1186، 4034).
(4)
كذا في النسخ. وغيَّره في المطبوع فجعله: «الرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة» ليطابق الرواية.
(5)
«الدين» ليست في ك.
(6)
رواه مسلم (2270) من حديث أنس رضي الله عنه.
(7)
وذلك في قصة صلح الحديبية في «صحيح البخاري» (2731).
حرب، فقال:«اجلسْ» ، فقام آخر، فقال:«ما اسمك؟» ، فقال: يعيش، فقال:«احلُبْها»
(1)
.
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبورَ فيها، كما مرَّ في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما، فقالوا: فاضحٌ ومُخْرِئ
(2)
، فعدل عنهما، ولم يَجُزْ بينهما.
ولمَّا كان بين الأسماء والمسمَّيات من الارتباط والتَّناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها، وما بين الأرواح والأجسام، عَبَرَ العقلُ من كلٍّ منهما إلى الآخر، كما كان إياس بن معاوية
(3)
وغيره يرى الشَّخص، فيقول: ينبغي أن يكون اسمه كيتَ وكيتَ، فلا يكاد يخطئ. وضدُّ هذا العبور من الاسم إلى مسمَّاه كما سأل عمر بن الخطَّاب رجلًا عن اسمه، فقال: جَمْرة، فقال: واسم أبيك؟ قال: شهاب
(4)
، قال: فمنزلك؟ قال: بحرَّة النَّار، قال:
(1)
رواه مالك (2789) عن يحيى بن سعيد الأنصاري مرسلًا، ووصله الطبراني (17/ 292) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6677) وابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 72) وفي «الاستذكار» (8/ 513)؛ إلا أن الطبراني وأبا نعيم قالا:(جمرة) بدل (حرب)، والحديث حسنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 47).
(2)
مب، ق:«مخر» . ب: «مخمر» . ك: «مخزي» . وفي المطبوع: «مُخْزٍ» . والذي في «سيرة ابن هشام» (1/ 614) و «مغازي الواقدي» (1/ 51) وغيرهما: «مُسْلِح ومُخْرِئ» ، وكذا ضبطهما ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 129، 72) والبكري في «معجم ما استعجم» (2/ 1227). والخبر متعلق بغزوة بدر.
(3)
انظر بعض أخبار ذكائه وزكنه في «أخبار القضاة» (1/ 361 - 374).
(4)
بعدها في المطبوع: «قال: ممن؟ قال: من الحرقة» . وليست في النسخ.
فأين مسكنك؟ قال: بذات لَظى، قال: اذهبْ فقد احترق مسكنك، فذهب فوجد الأمر كذلك
(1)
. فعَبَر عمر رضي الله عنه من
(2)
الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها، كما عبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من اسم سهيلٍ إلى سهولة أمرهم يوم الحديبية، فكان الأمر كذلك
(3)
.
وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّته بتحسين أسمائهم، وأخبر أنَّهم يُدْعَون يوم القيامة بها
(4)
. وفي هذا ــ والله أعلم ــ تنبيهٌ على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء؛ لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسن والوصف المناسب له.
وتأمَّلْ كيف اشتُقَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه، وهما أحمد ومحمَّد، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمَّدٌ، ولشرفها وفضلها على صفات غيره أحمدُ، فارتبط الاسم بالمسمَّى ارتباطَ الرُّوح بالجسد. وكذلك تكنيته صلى الله عليه وسلم لأبي الحَكَم بن هشام بأبي جهل كنيةٌ مطابقةٌ لوصفه ومعناه، وهو أحقُّ الخلق بهذه الكنية. وكذلك تكنية الله لعبد العزّى
(1)
رواه مالك (2790) عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن الخطاب، وإسناده منقطع لأن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه ولكنه توبع بسعيد بن المسيب عند معمر في «جامعه» (19864)، وفي إسناده راوٍ لم يسمَّ ولكنه يتقوى به.
(2)
«من» ليست في ك.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه أحمد (21693) وأبو داود (4948) من حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه، وإسناده ضعيف لأجل ابن أبي زكريا متكلم فيه، وأيضًا لم يدرك أبا الدرداء. انظر:«فتح الباري» (10/ 708) و «السلسلة الضعيفة» (5460).
بأبي لهب؛ لمَّا كان مصيره إلى نارٍ ذاتِ لهبٍ كانت هذه الكنية أليقَ به وأوفقَ، وهو بها أحق وأخلق.
ولمَّا قدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ ــ واسمها يَثْرِب، لا تُعرف بغير هذا الاسم ــ غيَّره بطَيْبة
(1)
؛ لمَّا زال عنها ما في لفظ «يَثْرِب» من التَّثريب بما في معنى «طَيبة» من الطِّيب، استحقَّتْ هذا الاسم، وازدادتْ به طيبًا آخر، فأثَّر طِيبُها في استحقاق الاسم، وزادها طيبًا إلى طيبها.
ولمَّا كان الاسم الحسن يقتضي مسمَّاه ويستدعيه من قُربٍ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده:«يا بني عبد الله، إنَّ الله قد حَسَّن اسْمَكم واسْمَ أبيكم»
(2)
. فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبيهم وبما فيه من المعنى المقتضي
(3)
للدَّعوة. وتأمَّلْ أسماء الستَّة المتبارزين يوم بدرٍ كيف اقتضى القدرُ مطابقةَ أسمائهم لأحوالهم يومئذٍ، فكان الكفَّار شَيبة وعُتبة والوليد، ثلاثة أسماءٍ من الضَّعف، فالوليد له بداية الضَّعف، وشيبة له نهايته، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
(1)
يشير إلى ما رواه أبو داود الطيالسي (798) وأبو عوانة (3747) عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: كانوا يسمون المدينة يثرب، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة. وإسناده حسن.
(2)
رواه ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 424) والطبري في «تاريخه» (2/ 349) عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين مرسلًا. ومحمد هذا ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 156) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 317) دون جرح أو تعديل، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 413).
(3)
«المقتضي» ليست في ك.
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54]، وعُتبة من العَتَب
(1)
، فدلَّت أسماؤهم على عَتَبٍ يحلُّ بهم وضَعفٍ ينالهم. وكان أقرانهم من المسلمين علي وعُبيدة والحارث
(2)
، ثلاثة أسماءٍ تُناسب أوصافَهم، وهي العلوُّ والعبوديَّة والسَّعي الذي هو الحرث، فعَلَوا عليهم بعبوديَّتهم وسعيهم في حرث الآخرة.
ولمَّا كان الاسم مقتضيًا لمسمَّاه ومؤثِّرًا فيه، كان أحبُّ الأسماء إلى الله ما اقتضى أحبَّ الأوصاف إليه، كعبد اللَّه وعبد الرَّحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرَّحمن أحبَّ إليه من إضافتها إلى غيرهما من الأسماء، كالقاهر والقادر، فعبد الرَّحمن أحبُّ إليه من عبد القادر، وعبد الله أحبُّ إليه من عبد ربِّه؛ وهذا لأنَّ التعلُّق الذي بين العبد وبين الله إنَّما هو العبوديَّة المحضة، والتَّعلُّق الذي
(3)
بين الله وبين العبد بالرَّحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده وكمالُ وجوده، والغاية الَّتي أوجده لأجلها أن يتألَّهه وحدَه، محبَّةً وخوفًا ورجاءً وإجلالًا وتعظيمًا، فيكون عبدًا للَّه، وقد عبده بما في اسم الله من معنى الإلهيَّة التي يستحيل أن تكون لغيره. ولمَّا غلبت رحمتُه غضبَه، وكانت الرَّحمة أحبَّ إليه من الغضب، كان عبد الرَّحمن أحبَّ إليه من عبد القاهر.
(1)
العتَب: الشدة والأمر الكريه. ويمكن أن يكون العَتْب بمعنى العتاب.
(2)
في هامش ك: «صوابه مكان الحارث حمزة» . وهو كما قال، انظر:«سيرة ابن هشام» (1/ 625) وغيرها.
(3)
«بين العبد
…
الذي» ساقطة من ك.
فصل
ولمَّا كان كلُّ عبد متحركًا
(1)
بالإرادة، والهمُّ مبدأ الإرادة، وترتَّب على إرادته حرثُه وكسبُه= كان أصدقَ الأسماء اسمُ «همَّامٍ» واسمُ «حارثٍ» ؛ إذ لا ينفكُّ مسمَّاهما عن حقيقة معناهما. ولمَّا كان المُلْك الحقُّ لله وحده، ولا مَلِكَ على الحقيقة سواه= كان أخنعَ اسمٍ وأوضعَه عند اللَّه وأغضبَه له اسمُ «شاهان شاه» أي: ملك الملوك وسلطان السَّلاطين، فإنَّ ذلك ليس لأحدٍ غير الله، فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحبُّ الباطل.
وقد ألحق بعض أهل العلم
(2)
بهذا «قاضي القضاة» ، وقال: ليس قاضي القضاة
(3)
إلا من يقضي الحقَّ وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرًا فإنَّما يقول له: كن فيكون. ويلي هذا الاسمَ في الكراهة والقبح والكذب سيِّدُ النَّاس، وسيِّد الكلِّ، وليس ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، كما قال: «أنا سيِّد ولد آدم
(4)
»
(5)
، فلا يجوز لأحدٍ قطُّ أن يقول عن غيره: إنَّه سيِّد النَّاس
(6)
، كما لا يجوز أن يقول: إنَّه سيِّد ولد آدم.
(1)
ك: «متحرك» .
(2)
نقله الأذرعي عن بعض الشافعية، كما في «تحفة المحتاج» (9/ 375).
(3)
«وقال ليس قاضي القضاة» ساقطة من ك.
(4)
بعدها في المطبوع: «يوم القيامة ولا فخر» . وليست في النسخ.
(5)
رواه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أيضًا البخاري (3340) عن أبي هريرة رضي الله عنه ضمن حديث طويل، بلفظ: «أنا سيد القوم يوم القيامة
…
».
(6)
بعدها في المطبوع: «وسيد الكل» . وليست في النسخ.
فصل
ولمَّا كان مسمَّى الحرب والمرارة أكرهَ شيءٍ للنُّفوس وأقبحَها عندها، كان أقبح الأسماء حربًا ومرَّة، وعلى قياس هذا حنظلة وحَزْنٌ وما أشبههما، وما أجدرَ هذه الأسماء بتأثيرها في مسمَّياتها، كما أثَّر اسم حَزْنٍ الحزونة في سعيد
(1)
وأهل بيته.
فصل
ولمَّا كان الأنبياء ساداتِ بني آدم، وأخلاقُهم أشرفَ الأخلاق، وأعمالهم أصلح
(2)
الأعمال= كانت أسماؤهم أشرف الأسماء، فندبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّته إلى التسمِّي بأسمائهم، كما في «سنن أبي داود والنسائيِّ»
(3)
عنه: «تَسَمَّوا بأسماء الأنبياء» . ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أنَّ الاسم يذكر بمسمَّاه ويقتضي التَّعلُّق بمعناه لكفى به مصلحةً، مع ما في ذلك من حفظِ أسماء الأنبياء وذكرِها، وأن لا تُنسى، وأن تُذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم.
فصل
وأمَّا النهي عن تسمية الغلام بـ: يسارٍ وأفلحَ ونَجيحٍ ورباحٍ
(4)
، فهذا
(1)
بعدها في المطبوع: «بن المسيب» . وليست في النسخ.
(2)
ج: «أشرف» .
(3)
أبو داود (4950) والنسائي (3565)، ورواه أحمد (19032)، من حديث أبي وهب الجشمي، وفي إسناده ضعف لجهالة عقيل بن شبيب. انظر:«الإرواء» (4/ 408).
(4)
ك، ج:«ونجيحا ورباحا» .
لمعنًى آخر قد أشار إليه في الحديث، وهو قوله: «فإنَّك تقول: أثَمَّ
(1)
هو؟ فيقال: لا»
(2)
. والله أعلمُ
(3)
هل هذه الزِّيادة من تمام الحديث المرفوع أو مدرجةٌ من قول الصحابيِّ؟ وبكلِّ حالٍ فإنَّ هذه الأسماء لمَّا كانت قد تُوجِب تطيُّرًا تكرهه النُّفوس، ويصدُّها عمَّا هي بصددِه، كما إذا قلت لرجلٍ: أعندك يسارٌ أو رباحٌ أو أفلح؟ قال: لا، تطيَّرتَ أنت وهو من ذلك. وقد تقع الطِّيرة ولا سيَّما على المتطيِّرين، فقلَّ من تطيَّر إلا وقعتْ
(4)
به طِيرتُه
(5)
، وأصابه طائره، كما قيل:
تَعلَّمْ أنَّه لا طَيرَ إلَّا
…
على متطيِّرٍ فهو
(6)
الثُّبورُ
(7)
فاقتضت
(8)
حكمة الشَّارع الرَّؤوف بأمَّته الرَّحيم بهم أن يمنعهم من أسبابٍ تُوجِب لهم سماعَ المكروه أو وقوعَه، وأن يعدل عنها إلى أسماءٍ تُحصِّل المقصود من غير مفسدةٍ. هذا إلى
(9)
ما ينضاف إلى ذلك من تعليق
(1)
في المطبوع: «أثَمَّتَ» ، خطأ، وهو خلاف النسخ والرواية واللغة.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
«والله أعلم» ليست في ك.
(4)
ب، مب:«ووقعت» .
(5)
ك: «الطيرة» .
(6)
ك، ج، ق:«فهي» . والمثبت من ب، مب. والرواية بالوجهين.
(7)
البيت لزبّان بن سيّار في «البيان والتبيين» (3/ 305) و «الحيوان» (3/ 447، 5/ 555) و «المعاني الكبير» (1/ 267) ضمن أبيات يقولها للنابغة الذبياني.
(8)
جواب «لما كانت» قبل أسطر.
(9)
في المطبوع: «هذا أولى مع» خلاف النسخ.
ضدِّ الاسم عليه: بأن يسمَّى يسارًا مَن هو من أعسر النَّاس، ونجيحًا من لا نجاحَ عنده، ورباحًا من هو من الخاسرين، فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى اللَّه. وأمرٌ آخر أيضًا، وهو أن يطالب المسمَّى بمقتضى اسمه فلا يوجد عنده فيجعل ذلك سببًا لذمِّه وسبِّه كما قيل
(1)
:
سَمَّوك مِن جَهْلِهم سَديدًا
…
واللهِ ما فيك من سَدادِ
أنت الذي كونُه فسادًا
…
في عالم الكون والفسادِ
(2)
فتوصَّل الشَّاعر بهذا الاسم إلى ذمِّ المسمَّى به. ولي من أبياتٍ:
وسَمَّيتُه صالحًا فاغتدى
…
بضدِّ اسمِه في الورى سائرا
وظَنَّ بأنَّ اسمه ساترٌ
…
لأوصافه فغدا شاهِرا
وهذا كما أنَّ من المدح ما يكون ذمًّا وموجبًا لسقوط مرتبة الممدوح عند النَّاس، فإنَّه يمدح بما ليس فيه، فتطالبه النُّفوس بما مدح به وتظنُّه عنده فلا تجده كذلك، فينقلب ذمًّا، ولو ترك بغير مِدْحةٍ لم تحصل له هذه المفسدة. ويُشبه حالُه حالَ من وُلي ولايةً سنيَّةً
(3)
، ثمَّ عُزِل عنها، فإنَّه يَنقُص مرتبته عمَّا كانت قبل الولاية، وينقص في نفوس النَّاس عمَّا كان عليه قبلها، وفي هذا قال القائل
(4)
:
إذا ما وصفتَ امرأً لامرئٍ
…
فلا تَغْلُ في وصفِه واقْصِدِ
(1)
لم أجد البيتين فيما رجعت إليه من مصادر.
(2)
هنا ينتهي الخرم الكبير في ص.
(3)
في المطبوع: «سيئة» ، تحريف.
(4)
هو ابن الرومي، انظر:«ديوانه» (2/ 688).
فإنَّك إن تَغْلُ تَغْلُ الظُّنو
…
نُ فيه إلى الأمدِ الأبعدِ
فينقُصُ من حيثُ عظَّمتَه
…
لفضل المَغِيبِ على
(1)
المَشْهد
وأمرٌ آخر أيضًا
(2)
، وهو ظنُّ المسمَّى واعتقاده في نفسه أنَّه كذلك، فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها وترفُّعِها على غيره، وهذا هو المعنى الذي نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأجله أن تُسمَّى برَّةً، وقال:«لا تُزكُّوا أنفسَكم، الله أعلمُ بأهل البِرِّ منكم»
(3)
. وعلى هذا فتُكْره التَّسمية بـ: التَّقيِّ، والمتَّقي، والمطيع، والطَّائع، والرَّاضي، والمحسن، والمخلص، والمنيب، والرَّشيد، والسَّديد. وأمَّا تسمية الكفَّار بذلك فلا يجوز التَّمكين منه، ولا دعاؤهم بشيءٍ من هذه الأسماء، ولا الإخبار عنهم بها، والله عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك.
فصل
وأمَّا الكنية فهي نوعُ
(4)
تكريمٍ للمَكْنيِّ وتنويهٍ به، كما قال
(5)
:
أَكْنِيهِ حينَ أُناديهِ لأُكرِمَهُ
…
ولا أُلقِّبه والسَّوءَةَ اللَّقَبا
(6)
(1)
في المطبوع: «عن» خلاف النسخ والرواية.
(2)
«أيضًا» ليست في ق، ب، مب.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
ك: «أنواع» .
(5)
بعدها في المطبوع: «الشاعر» ، وليس في النسخ. والبيت لبعض الفزاريين في «ديوان الحماسة» (1/ 574).
(6)
في المطبوع: «والسوءةُ اللقبُ» . والرواية بالنصب، وكذا في جميع النسخ، وهو من شواهد النحو المشهورة. وانظر توجيه النصب في «المقاصد النحوية» للعيني (3/ 89) و «شرح الأشموني» (1/ 224) و «خزانة الأدب» (4/ 6).
وكنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صُهيبًا بأبي يحيى
(1)
، وكنى عليًّا بأبي تراب إلى كنيته بأبي الحسن، وكانت أحبَّ كنيته إليه
(2)
، وكنى أخا أنس بن مالكٍ وكان صغيرًا دون البلوغ بأبي عُمَير
(3)
.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم تكنية من له ولدٌ ومن لا ولدَ له، ولم يثبت عنه أنَّه نهى عن كنيةٍ إلا الكنية بأبي القاسم، فصحَّ عنه أنَّه قال:«تَسمَّوا باسْمي، ولا تَكَنَّوا بكُنيتي»
(4)
، فاختلف النَّاس في ذلك على أربعة أقوالٍ:
أحدها: أنَّه لا يجوز التكنِّي بكنيته مطلقًا، سواءٌ أفردها عن اسمه أو قرنَها به، وسواءٌ محياه وبعد وفاته، وعمدتهم عموم هذا
(5)
الحديث الصَّحيح وإطلاقه. حكى البيهقي
(6)
ذلك عن الشَّافعيِّ. قالوا: ولأنَّ النَّهي إنَّما كان لأنَّ معنى
(7)
هذه الكنية والتَّسمية مختصَّةٌ به صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إلى ذلك بقوله:«واللَّهِ لا أُعطِي أحدًا ولا أَمنعُ أحدًا، وإنَّما أنا قاسمٌ أضَعُ حيثُ أُمِرْتُ»
(8)
. قالوا: ومعلومٌ أنَّ هذه الصفة ليست على الكمال لغيره.
(1)
رواه ابن ماجه (3738)، وحسنه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/ 119) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (44).
(2)
رواه البخاري (6204) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري (6129) ومسلم (2150) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
رواه البخاري (3538) ومسلم (2133/ 3) من حديث جابر رضي الله عنه.
(5)
«هذا» ليست في ب، ك، مب.
(6)
في «السنن الكبرى» (9/ 309).
(7)
ك: «كان لمعنى» .
(8)
أقرب الألفاظ عند البخاري (3117) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
واختلف هؤلاء في جواز تسمية المولود بقاسمٍ، فأجازه طائفةٌ ومنعه آخرون، والمجيزون نظروا إلى أنَّ العلَّة عدم مشاركة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما اختصَّ به من الكنية، وهذا غير موجودٍ في الاسم، والمانعون نظروا إلى أنَّ المعنى الذي نهى عنه في الكنية مثلُه في الاسم سواءٌ، أو هو أولى بالمنع. قالوا: وفي قوله: «وإنَّما أنا قاسمٌ» إشعارٌ بهذا الاختصاص.
القول الثَّاني: أنَّ النَّهي عن الجمع بين اسمه وكنيته، فإذا أُفرِد أحدهما عن الآخر فلا بأسَ. قال أبو داود: باب من رأى أن لا يُجمَع بينهما، ثمَّ ذكر
(1)
حديث أبي الزبير عن جابر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من تَسمَّى باسمي فلا يتكنَّى بكنيتي، ومن اكتنَى
(2)
بكنيتي فلا يتسمَّى
(3)
باسمي». ورواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقد رواه الترمذي
(4)
أيضًا من حديث محمَّد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي هريرة، وقال: حسنٌ صحيحٌ، ولفظه:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَجْمع أحدٌ بين اسمِه وكُنيته، ويُسمِّيَ محمَّدًا أبا القاسم» . قال أصحاب هذا القول: فهذا مقيِّدٌ مفسِّرٌ لما في «الصَّحيحين» من نهيه عن التكنِّي بكنيته، قالوا: ولأنَّ في الجمع بينهما مشاركةً في الاختصاص بالاسم والكنية، فإذا أُفرِد أحدهما عن الآخر زال الاختصاص.
(1)
برقم (4966)، وأحمد (14357)، وفي إسناده أبو الزبير عنعنه ولم يصرح بالتحديث، ولكنه توبع بالحسين بن واقد عند الترمذي (2842) وحسنه.
(2)
كذا في النسخ. وفي السنن: «تكنَّى» .
(3)
في ق، ب، مب:«فلا يتَسمَّ» . والمثبت من بقية النسخ موافق لما في السنن.
(4)
برقم (2841)، وصححه هو وابن حبان (5815). وانظر:«السلسلة الصحيحة» (2946).
القول الثَّالث: جواز الجمع بينهما، وهو المنقول عن مالك
(1)
. واحتجَّ أصحاب هذا القول بما رواه أبو داود والترمذيُّ
(2)
من حديث محمَّد بن الحنفيَّة عن علي قال: قلت: يا رسول الله، إن وُلِدَ لي من بعدك ولدٌ أُسمِّيه باسمك وأكنِّيه بكنيتك؟ قال:«نعم» . قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي «سنن أبي داود»
(3)
عن عائشة قالت: جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنِّي قد ولدتُ غلامًا فسمَّيتُه محمَّدًا وكنَّيته أبا القاسم، فذُكِر لي أنَّك تكره ذلك، فقال:«ما الذي أحلَّ اسْمي وحرَّم كنيتي؟» أو «ما الذي حَرَّم كُنيتي وأحلَّ اسْمي؟» قال هؤلاء: وأحاديث المنع منسوخةٌ بهذين الحديثين.
القول الرَّابع: إنَّ التكنِّي بأبي القاسم كان ممنوعًا في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو جائزٌ بعد وفاته. قالوا: وسبب النَّهي إنَّما كان مختصًّا بحياته، فإنَّه قد ثبت في «الصَّحيح»
(4)
من حديث أنس قال: نادى رجلٌ بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول اللَّه، إنِّي لم أَعْنِكَ، إنَّما دعوتُ فلانًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تَسَمَّوا باسْمي ولا تَكَنَّوا بكنيتي» . قالوا: وحديث
(1)
كما في «الروض الأنف» (3/ 182).
(2)
أبو داود (4967) والترمذي (2846)، وصححه الترمذي والحاكم (4/ 278)، وجوَّده ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 164).
(3)
برقم (4968). وفي إسناده محمد بن عمران الحجبي، قال الذهبي عنه في «الميزان» (3/ 672):«له حديث، وهو منكر، وما رأيت لهم فيه جرحًا ولا تعديلًا» .
(4)
رواه مسلم (2131).
علي فيه إشارةٌ إلى ذلك بقوله: «إن وُلِد لي من بعدك ولدٌ
(1)
»، ولم يسأله عمَّن يولد له في حياته، ولكن قد قال علي
(2)
في هذا الحديث: «وكانت رخصةً لي» .
وقد شذَّ من لا يُؤبَهُ لقوله، فمنع التَّسميةَ باسمه صلى الله عليه وسلم قياسًا على النَّهي عن
(3)
التكنِّي بكنيته، والصَّواب أنَّ التسمِّي باسمه جائزٌ، والتكنِّي بكنيته ممنوعٌ منه، والمنع في حياته أشدُّ، والجمع بينهما ممنوعٌ منه، وحديث عائشة غريبٌ لا يُعارَضُ بمثله الحديثُ الصَّحيح، وحديث علي في صحَّته نظرٌ، والتِّرمذيُّ فيه نوع تساهلٍ في التَّصحيح، وقد قال علي: إنَّها رخصةٌ له
(4)
، وهذا يدلُّ
(5)
على بقاء المنع لمن سواه، والله أعلم.
فصل
وقد كرِهَ قومٌ من السَّلف والخلف الكنيةَ بأبي عيسى، وأجازها
(6)
آخرون، فروى أبو داود
(7)
عن زيد بن أسلم أنَّ عمر بن الخطَّاب ضرب ابنًا له تكنَّى أبا عيسى، وأنَّ المغيرة بن شعبة تكنَّى بأبي عيسى، فقال له عمر: أما يكفيكَ أن تكنى بأبي عبد الله؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني، فقال: إنَّ
(1)
ص: «ولدا» ، خطأ.
(2)
«علي» ليس في ك.
(3)
ك، ص:«علي» .
(4)
«له» ليست في ك.
(5)
ك: «يدخل» ، تحريف.
(6)
ك: «وأجازه» .
(7)
برقم (4963) وصححه العراقي في «تخريج الإحياء» (ص 494).
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وإنَّا في جُلْجُبِيَّتِنا
(1)
، فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتَّى هلك.
وقد كنى عائشة بأم عبد الله
(2)
. وكان لنسائه أيضًا كُنًى كأم حبيبة وأم سلمة.
فصل
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب كَرْمًا، وقال:«الكَرْم قلبُ المؤمن»
(3)
. وهذا لأنَّ هذه اللَّفظة تدلُّ على كثرة الخير والمنافع في المسمَّى بها، وقلب المؤمن هو المستحقُّ لذلك دون شجرة العنب، ولكن: هل المراد النَّهي عن تخصيص شجر العنب بهذا الاسم، وأنَّ قلب المؤمن أولى به منه،
(1)
هكذا ضُبطت الكلمة في ق، وهي كذلك في نسخة قديمة من «سنن أبي داود» وهي بأربع أسنان بعد الجيم في النسخ. وقد اختلف في ضبطها اختلافًا كثيرًا في نسخ السنن، انظر:«سنن أبي داود» طبعة دار القبلة (5/ 339) وطبعة دار التأصيل (7/ 411). وفي هامش «تهذيب السنن» للمنذري (7/ 259): قال ابن ناصر: الصواب «في جَلَجَتِنا» ، قيل: معناه بقينا في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يُصنَع بنا. وفي «تهذيب اللغة» و «النهاية» و «اللسان» (جلج) عن ابن الأعرابي وأبي عمرو الشيباني: الجَلَج رؤوس الناس، واحدها جَلَجة، قال الأزهري: فالمعنى أنا بقينا في عدد رؤوس كثيرة من المسلمين. وتصحَّف في «جامع الأصول» (1/ 362) إلى «جَلحتنا» بالحاء. ولم أجد «جلجبية» في المعاجم.
(2)
رواه أحمد (25530) وأبو داود (4970)، من حديث عائشة رضي الله عنها.، وصححه ابن حبان (7117) والحاكم (4/ 278) والنووي في «الأذكار» (ص 295) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (132).
(3)
رواه البخاري (6183) ومسلم (2247/ 7) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فلا يُمنَع من تسميته بالكرم
(1)
، كما قال في المسكين
(2)
والرَّقوب
(3)
والمفلس
(4)
، أو المراد أنَّ تسميته بهذا مع اتِّخاذ الخمر المحرَّم منه وصفٌ بالكرم والخير والمنافع لأصل هذا الشَّراب الخبيث المحرَّم، وذلك ذريعةٌ إلى مدْحِ ما حرَّم الله وتهييجِ النُّفوس عليه؟ هذا محتملٌ
(5)
، والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم، والأولى أن لا يُسمَّى شجر العنب كَرْمًا.
فصل
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَغلِبَنَّكم الأعرابُ على اسم صلاتكم، ألا وإنَّها العِشاء، وإنَّهم يُسمُّونها العَتَمَة»
(6)
، وصحَّ عنه أنَّه قال:«لو يعلمون ما في العَتَمِة والصُّبح لأَتَوهما ولو حَبْوًا»
(7)
، فقيل: هذا ناسخٌ للمنع، وقيل بالعكس، والصَّواب خلاف القولين، فإنَّ العلم بالتاريخ متعذِّرٌ، ولا تعارضَ بين
(1)
ك، ج:«بهذا الكرم» .
(2)
رواه البخاري (1479) ومسلم (1039/ 101) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (2608) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
رواه البخاري معلقًا (8/ 42)، ووصله مسلم (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
هنا وقع تردد للمؤلف في اختيار أحد القولين في علة النهي عن تسمية العنب كرمًا، لكنه رجح الأول في «تهذيب السنن» (3/ 377) و «مفتاح دار السعادة» (2/ 659).
(6)
رواه مسلم (644/ 228، 229) من حديث عبد الله بن عمر، وتتمته في الموضع الأول:«وهم يعتمون بالإبل» وفي الثاني: «وإنها تعتم بحلاب الإبل» ؛ دون زيادة: «وإنهم يسمونها العتمة» . وهي بنحوها عند الحميدي (652) وأحمد (4688). وزاد الشافعي: «وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون: العتمة، صاح وغضب» ، انظر:«الأوسط» لابن المنذر (3/ 69).
(7)
رواه البخاري (615) ومسلم (437) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الحديثين، فإنَّه لم يَنْهَ عن إطلاق اسم العَتَمة بالكلِّيَّة، وإنَّما نهى عن أن يُهْجَر اسم العِشاء، وهو الاسم الذي سمَّاها
(1)
الله به
(2)
في كتابه، ويغلب عليه اسم العتمة، فإذا سُمِّيت العشاء وأُطلِق عليها أحيانًا العَتَمة فلا بأس، والله أعلم.
وهذا محافظةً منه صلى الله عليه وسلم على الأسماء الَّتي سمَّى الله بها العبادات، فلا تُهْجَر ويُؤثَرُ عليها غيرُها، كما فعله المتأخِّرون في هجران ألفاظ النُّصوص، وإيثارِ المصطلحات الحادثة عليها، ونشأ بسبب هذا من الفساد ما الله به عليمٌ. وهذا كما كان يحافظ على تقديم ما قدَّمه اللَّه، وتأخيرِ ما أخَّره، كما بدأ بالصَّفا وقال: «أبدأُ
(3)
بما بدأَ الله به»
(4)
، وبدأ في العيد بالصَّلاة ثمَّ نحرَ بعدها، وأخبر أنَّ من ذَبحَ قبلَها فلا نُسكَ له
(5)
، تقديمًا لما بدأ الله به
(6)
من قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ثمَّ اليدين ثمَّ الرَّأس ثمَّ الرِّجلين، تقديمًا لما قدَّمه اللَّه، وتأخيرًا لما أخَّره، وتوسيطًا لما وسَّطه، وقدَّم زكاة الفطر على صلاة العيد تقديمًا لما قدَّمه الله
(7)
في قوله: {(13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} [الأعلى: 14]، ونظائره كثيرةٌ.
(1)
ك، ص، ج:«سماه» .
(2)
«به» ليست في ق، ص.
(3)
ك: «ابدؤا» .
(4)
رواه مسلم (1218/ 147) ضمن حديث جابر رضي الله عنه الطويل.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
«به» ليست في ص، ج.
(7)
لفظ الجلالة ليس في ق.