المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة

- ‌فصلفي أسباب شرح الصَّدر وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الصِّيام

- ‌فصلفي هديه في صيام التطوع

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حجِّه وعُمَره

- ‌فصلفي سياق هديه صلى الله عليه وسلم في حجَّته

- ‌فصلغَلِط في عُمَر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمس طوائف:

- ‌فصلفي أعذار القائلين بهذه الأقوال، وبيان منشأ الوهم والغلط

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تسمية المولود وختانه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى

- ‌فصلفي فقه هذا الباب

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الذِّكر

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله منزلَه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الوضوء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الأذان وأذكاره

- ‌فصلفيما يقوله مَن رأى مُبتلًى

- ‌فصلفيما يقوله من لحقَتْه طِيَرَة

- ‌فصلفيما يقوله مَن رأى في منامه ما يكرهه

- ‌فصلفيما يقوله ويفعله من بُلِيَ(7)بالوسواس

- ‌فصلفيما يقوله ويفعله مَن اشتدَّ غضبُه

- ‌فصلوكان صلى الله عليه وسلم يدعو لمن تقرَّب إليه بما يحبُّ

الفصل: ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة

‌فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة

وهي مختصَّةٌ بالأزواج الثَّمانية المذكورة في سورة الأنعام، ولم يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم ولا

(1)

عن أصحابه

(2)

هديٌ ولا أضحيَّةٌ ولا عقيقةٌ من غيرها، وهذا مأخوذٌ من القرآن من مجموع أربع آياتٍ:

إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1].

والثَّانية: قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا

(3)

اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28].

والثَّالثة: قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: 142 - 143]، ثمَّ ذكرها.

والرَّابعة: قوله تعالى: {مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ} [المائدة: 95].

فدلَّ على أنَّ الذي يبلغ الكعبةَ من الهدي هو هذه الأزواج الثَّمانية، وهذا استنباط عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه

(4)

.

(1)

ك: «أو» .

(2)

مب: «الصحابة» .

(3)

في جميع النسخ: «ليذكروا» .

(4)

رواه البيهقي (5/ 229)، وفيه عنعنه ابن إسحاق وانقطاع بين محمد الباقر وعلي.

ص: 377

والذَّبائح الَّتي هي قربةٌ إلى الله وعبادةٌ هي ثلاثةٌ: الهدي، والأضحيَّة، والعقيقة.

فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم، وأهدى الإبل، وأهدى عن نسائه البقر

(1)

، وأهدى في مقامه وفي

(2)

عمرته وفي حجَّته

(3)

، وكانت سنَّته تقليد الغنم دون إشعارها

(4)

.

وكان إذا بعث بهديه وهو مقيمٌ لم يَحْرُم عليه شيءٌ كان منه حلالًا

(5)

.

وكان إذا أهدى الإبل قلَّدها وأشعرها، فيشُقُّ صفحةَ سَنامِها الأيمن يسيرًا حتَّى يسيل الدَّم

(6)

. قال الشَّافعيُّ

(7)

: والإشعار في الصَّفحة اليمنى، كذلك أشعر النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

وكان إذا بعث بهديه أمر رسولَه إذا أشرف على عَطَبٍ شيءٌ منه أن

(1)

أمَّا إهداء البقر عن نسائه فعند البخاري (294، 5559) ومسلم (1211/ 119) من حديث عائشة، وقد تقدم. وأما إهداء الغنم فعند البخاري (1701) ومسلم (1321/ 367) من حديث عائشة رضي الله عنها .، وأما إهداء الإبل فرواه البخاري (1696) ومسلم (1321/ 362) من حديث عائشة رضي الله عنها .

(2)

«في» ليست في ك.

(3)

إهداؤه في مقامه رواه البخاري (1696) ومسلم (1321/ 362)، وإهداؤه في عمرته عند البخاري (1694)، وإهداؤه في حجه في حجة الوداع.

(4)

عند مسلم (1321/ 367) من حديث عائشة رضي الله عنها .

(5)

رواه البخاري (1699) ومسلم (1321/ 362) من حديث عائشة رضي الله عنها .

(6)

رواه مسلم (1243) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

(7)

في «الأم» (8/ 342).

ص: 378

ينحره، ثمَّ يصبغ نعلَه في دمه، ثمَّ

(1)

يجعله على صفحته، ولا يأكل منه هو ولا أحدٌ من أهل رُفْقَته، ثمَّ يَقْسِم لحمه

(2)

. ومنعه من هذا الأكل سدًّا للذَّريعة؛ فإنَّه لعلَّه ربَّما قصَّر في حفظه ليشارف

(3)

العطب، فينحره ويأكل منه، فإذا علم أنَّه لا يأكل منه شيئًا، اجتهد في حفظه.

وشرَّك بين أصحابه في الهدي كما تقدَّم: البدنة عن سبعةٍ، والبقرة كذلك

(4)

.

وأباح لسائق الهدي ركوبَه بالمعروف إذا احتاج إليه، حتَّى يجد ظهرًا غيره

(5)

. وقال علي: يشرب من لبنها ما فَضَلَ عن ولدها

(6)

.

وكان هديه صلى الله عليه وسلم نَحْر الإبل قيامًا، مقيَّدةً معقولة اليسرى على ثلاثٍ، وكان يسمِّي الله عند نحره ويكبِّر، وكان يذبح نُسكَه بيده، وربَّما وكَّل في بعضه، كما أمر عليًّا أن يذبح ما بقي من المائة.

وكان إذا نَحَرَ

(7)

الغنم وضع قدمه على صِفاحِها ثمَّ سمَّى، وكبَّر

(1)

من هنا خرم كبير في ص.

(2)

رواه مسلم (1325) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

(3)

ك: «وليشارف» .

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

رواه مسلم (1324/ 375) من حديث جابر رضي الله عنه .

(6)

رواه سعيد بن منصور كما في «المغني» (13/ 375 - 376) وابن سعد في «الطبقات» (6/ 231) والبيهقي (9/ 288)، وصححه أبوزرعة في «العلل» (4/ 530). وانظر:«التلخيص الحبير» (4/ 146).

(7)

كذا في جميع النسخ. وفي المطبوع: «ذبح» .

ص: 379

ونحرَ

(1)

.

وقد تقدَّم أنَّه نحرَ بمنًى، وقال:«إنَّ فِجاج مكَّة كلَّها منحرٌ»

(2)

، وقال ابن عبَّاسٍ: مناحرُ البُدْن بمكَّة، ولكنَّها نُزِّهت عن الدِّماء، ومنًى من مكَّة. وكان ابن عبَّاسٍ ينحر بمكَّة

(3)

.

وأباح لأمَّته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم ويتزوَّدوا منها

(4)

، ونهاهم مرَّةً أن يدَّخروا منها بعد ثلاثٍ لدافَّةٍ دفَّت

(5)

عليهم ذلك العامَ من النَّاس، فأحبَّ أن يوسِّعوا عليهم

(6)

. وذكر أبو داود

(7)

من حديث جُبير بن نُفيرٍ عن ثوبان قال: ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال:«يا ثوبانُ، أصلِحْ لنا لحم هذه الشَّاة» . قال: فما زلتُ أُطعِمه منها حتَّى قدِمَ المدينة.

وروى مسلم

(8)

هذه القصَّة، ولفظه فيها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجَّة الوداع: «أصلِحْ هذا اللَّحم» ، قال: فأصلحتُه، فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة.

(1)

رواه البخاري (5565) ومسلم (1966/ 17) من حديث أنس رضي الله عنه .

(2)

رواه أحمد (14498) وأبو داود (1937) وابن ماجه (3048) من حديث جابر- رضي الله عنه، وتقدم تخريجه.

(3)

رواهما البيهقي (5/ 239 - 240).

(4)

«منها» ليست في ك.

(5)

أي لجماعة من الأعراب وردت المدينة، مواساةً لهم.

(6)

رواه مسلم (1971) من حديث عائشة رضي الله عنها .

(7)

رواه أبو داود (2814) من حديث ثوبان- رضي الله عنه، وهو عند مسلم أيضًا كما سيأتي.

(8)

برقم (1975/ 36) من حديث ثوبان رضي الله عنه .

ص: 380

وكان ربَّما قَسَم لحوم الهدي

(1)

، وربَّما قال:«من شاء اقتطَعَ»

(2)

، فعلَ هذا وهذا. واستُدِلَّ بهذا

(3)

على جواز النُّهبة في النِّثار في العرس ونحوه، وفرِّق بينهما بما لا يتبيَّن.

فصل

وكان هديه ذبح هدي العمرة عند المروة، وهدي القران بمنًى، وكذلك كان ابن عمر يفعل

(4)

. ولم ينحر هديه صلى الله عليه وسلم قطُّ إلا بعد أن حلَّ، ولم ينحره قبل يوم النَّحر ولا أحدٌ من الصَّحابة البتَّة، ولم ينحره أيضًا إلا بعد طلوع الشَّمس وبعد الرَّمي. فهي أربعة أمورٍ مرتَّبةٍ

(5)

يوم النَّحر، أوَّلها: الرَّمي، ثمَّ النَّحر، ثمَّ الحلق، ثمَّ الطَّواف، وهكذا رتَّبها صلى الله عليه وسلم

(6)

، ولم يرخِّص في النَّحر قبل طلوع الشَّمس البتَّة، ولا ريبَ أنَّ ذلك مخالفٌ لهديه، فحكمه حكم الأضحيَّة إذا ذُبِحتْ قبل طلوع الشَّمس.

فصل

وأمَّا هديه في الأضاحي: فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع الأضحيَّة، وكان يضحِّي بكَبْشين، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد، وأخبر أنَّ من ذبح قبل الصَّلاة فليس من النُّسك في شيءٍ، وإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله

(7)

. هذا الذي دلَّت

(1)

رواه البخاري (1718) ومسلم (1317/ 349) من حديث علي رضي الله عنه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

ك: «به» .

(4)

انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي (5/ 102).

(5)

ج: «مترتبة» .

(6)

انظر: «صحيح مسلم» (1305).

(7)

رواه البخاري (5545) ومسلم (1961/ 7) من حديث البراء رضي الله عنه.

ص: 381

عليه سنَّته وهديه، لا الاعتبار بوقت الصَّلاة والخطبة، بل بنفس فعلها. وهذا هو الذي ندين الله به. وأمرَهم أن يذبحوا الجَذَعَ من الضَّأن

(1)

والثَّنيَّ ممَّا سواه

(2)

، وهو السنة

(3)

.

وروي عنه أنَّه قال: «كلُّ أيَّام التَّشريق ذبحٌ»

(4)

، لكنَّ الحديث منقطعٌ لا يثبت وصله.

وأمَّا نهيه عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ

(5)

فلا يدلُّ على أنَّ أيَّام الذَّبح ثلاثةٌ فقط؛ لأنَّ الحديث دليلٌ على نهي الذَّابح أن يدَّخر شيئًا فوق ثلاثة أيَّامٍ من يوم ذبحه، فلو أخَّر الذَّبح إلى اليوم الثَّالث لجاز له الادِّخار في وقت النَّهي

(6)

ما بينه وبين ثلاثة أيَّامٍ. والَّذين حدَّدوه بالثَّلاث فهموا من نهيه عن الادِّخار فوق ثلاثٍ أنَّ أوَّلها

(7)

من يوم النَّحر، قالوا: وغير جائزٍ أن يكون

(1)

رواه النسائي (4382) وابن الجارود (905) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (5904)، وقوى إسناده ابن حجر في الفتح (10/ 21)، وجوَّده الألباني في «الإرواء» (4/ 358).

(2)

رواه مسلم (1963) من حديث جابر رضي الله عنه .

(3)

كذا في النسخ. وفي المطبوع: «وهي المسنّة» .

(4)

رواه أحمد (16752) من حديث جبير بن معطم رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، والحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد صححه ابن حبان (3843). وانظر:«السلسلة الصحيحة» (2464، 2476).

(5)

رواه البخاري (5573) ومسلم (1969/ 25) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

(6)

«في وقت النهي» ليست في ق، ب، مب.

(7)

«أن أولها» ليست في ك، ج.

ص: 382

الذَّبح مشروعًا في وقتٍ يحرم فيه الأكل، قالوا: ثمَّ نُسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذَّبح بحاله.

فيقال لهم

(1)

: النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم ينهَ إلا

(2)

عن الادِّخار فوق ثلاثٍ، لم ينهَ عن التَّضحية بعد ثلاثٍ، فأين أحدهما من الآخر؟ ولا تلازمَ بين ما نهى عنه وبين اختصاص الذَّبح بثلاثٍ لوجهين:

أحدهما: أنَّه يسوغ

(3)

الذَّبح في اليوم الثَّاني والثَّالث، فيجوز له الادِّخار إلى تمام الثَّلاث من يوم الذَّبح، ولا يتمُّ لكم الاستدلال حتَّى يثبت النَّهي عن الذَّبح بعد يوم النَّحر، ولا سبيل لكم إلى هذا.

الثَّاني: أنَّه لو ذبح في آخر جزءٍ من يوم النَّحر لساغ له حينئذٍ الادِّخارُ ثلاثة أيَّامٍ بعده بمقتضى الحديث، وقد قال عليُّ بن أبي طالبٍ: أيَّام النَّحر يوم الأضحى وثلاثةُ أيَّامٍ بعده. وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكَّة عطاء بن أبي رباحٍ

(4)

، وإمام أهل الشَّام الأوزاعيِّ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشَّافعيِّ، واختاره ابن المنذر

(5)

؛ ولأنَّ الثَّلاثة تختصُّ بكونها أيَّامَ منًى وأيَّام الرَّمي وأيَّام التَّشريق، ويحرم صيامها، فهي إخوةٌ في هذه الأحكام فكيف تفترق

(6)

في جواز الذَّبح بغير نصٍّ ولا إجماعٍ؟ وروي من وجهين

(1)

ب: «له» .

(2)

«إلا» ليست في ك.

(3)

ك: «لا يسوغ» ، خطأ.

(4)

انظر هذه الآثار في «الاستذكار» (5/ 245 - 246).

(5)

في «الإشراف» (3/ 351).

(6)

ك: «يفرق» .

ص: 383

مختلفين يشدُّ أحدهما الآخر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «كلُّ منًى منحرٌ، وكلُّ أيَّام التَّشريق ذبحٌ» ، روي من حديث جبير بن مطعمٍ

(1)

، وفيه انقطاعٌ؛ ومن حديث أسامة بن زيدٍ عن عطاء عن جابر، قال يعقوب بن سفيان

(2)

: أسامة بن زيدٍ عند أهل المدينة ثقةٌ مأمونٌ.

وفي هذه المسألة أربعة أقوالٍ هذا أحدها.

والثَّاني: أنَّ وقت الذَّبح يوم النَّحر ويومان بعده، وهذا مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة، قال أحمد: هو قول غير واحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره الأثرم

(3)

عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ

(4)

.

الثَّالث: أنَّ وقت النَّحر يومٌ واحدٌ، وهو قول ابن سيرين

(5)

، لأنَّه اختصَّ بهذه التَّسمية فدلَّ على اختصاص حكمها به، ولو جاز في الثَّلاثة لقيل لها: أيَّام النَّحر، كما قيل لها: أيَّام الرَّمي وأيَّام منًى وأيَّام التَّشريق. ولأنَّ العيد يضاف إلى النَّحر، وهو يومٌ واحدٌ كما يقال عيد الفطر.

الرَّابع: قول سعيد بن جبيرٍ

(6)

وجابر بن زيدٍ

(7)

: إنَّه يومٌ واحدٌ في

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

انظر: «المعرفة والتاريخ» (3/ 43).

(3)

ذكره ابن قدامة في «المغني» (5/ 300).

(4)

انظر: «المحلى» (7/ 377).

(5)

انظر: «المحلى» (7/ 377).

(6)

انظر: «الاستذكار» (5/ 244).

(7)

انظر: «المحلى» (7/ 377).

ص: 384

الأمصار

(1)

وثلاثة أيَّامٍ بمنًى؛ لأنَّها هناك أيَّام لأعمال المناسك من الرَّمي والطَّواف والحلق، فكانت أيَّامًا للذَّبح، بخلاف أهل الأمصار.

فصل

ومن هديه: أنَّ من أراد التَّضحية ودخل العشرَ فلا يأخذ من شعره وبَشرته شيئًا، ثبت النَّهي عن ذلك في «صحيح مسلم»

(2)

. وأمَّا الدَّارقطنيُّ

(3)

فقال: الصَّحيح عندي أنَّه موقوفٌ على أم سلمة.

وكان من هديه اختيار الأضحيَّة واستحسانها، وسلامتها من العيوب، ونهى أن يُضحَّى بعَضْباء الأذن والقرن، أي مقطوع الأذن ومكسور القرن، النِّصف فما زاد. ذكره أبو داود

(4)

. وأمر أن تُستشرفَ العينُ والأذن، أي: يُنظر إلى سلامتها، وأن لا يُضحَّى بعوراءَ ولا مُقابَلةٍ ولا مُدابَرةٍ ولا شَرْقاء ولا خَرْقاء. والمقابلة: الَّتي قُطع مقدَّم أذنها، والمدابرة: الَّتي قُطع مؤخَّر أذنها، والشَّرقاء: الَّتي شُقَّت أذنها، والخَرقاء: الَّتي خُرقت أذنها. ذكره أبو داود

(5)

(1)

في «الأمصار» ساقطة من ط.

(2)

برقم (1977/ 39) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

انظر: «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (3/ 567)، «البدر المنير» لابن الملقن (9/ 276).

(4)

برقم (2805)، ورواه أحمد (633) والترمذي (1504) والنسائي (4377) من حديث علي- رضي الله عنه وصححه الترمذي والحاكم (4/ 224)، وحسنه محققو «المسند» (633).

(5)

برقم (2804)، ورواه الترمذي (1498) والنسائي (4373)، من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي- رضي الله عنه وفي إسناده أبو إسحاق السبيعي، فيه كلام. انظر:«التاريخ الكبير» (4/ 229) و «العلل» (3/ 238) و «ضعيف أبي داود - الأم» (2/ 377).

ص: 385

وذَكَر عنه

(1)

أيضًا: «أربعٌ لا تُجزئ في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عَوَرُها، والمريضة البيِّنُ مرضُها، والعرجاء البيِّن ظَلْعُها، والكسير الذي لا يُنْقِي، والعجفاء الَّتي لا تُنْقِي» أي من هزالها لا مخَّ فيها.

وذَكَر

(2)

أيضًا

(3)

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُصْفرَّة والمستأصَلة والبَخْقاء والمُشَيَّعة والكَسْراء. فالمصفرَّة: الَّتي تُستأصَل أذنُها حتَّى يبدو صِماخُها، والمستأصلة: الَّتي استُؤْصِل قرنُها من أصله، والبَخْقاء: الَّتي بخقتْ عينها، والمشيَّعة: الَّتي لا تتبع الغنمَ عَجْفًا وضَعْفًا، والكسراء: الكسيرة.

فصل

وكان من هديه أن يضحِّي بالمصلَّى، ذكر أبو داود

(4)

عن جابر أنَّه شهد

(2)

برقم (2802)، ورواه أحمد (18510) والترمذي (1497) والنسائي (4369) وابن ماجه (3144) من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه إلا أن الترمذي (4371) قال:(العجفاء) بدل (الكسير)، والحديث صححه الترمذي وابن حبان (5922) والحاكم (1/ 467 و 4/ 223) والنووي في «المجموع» (8/ 399).

(3)

برقم (2803)، ورواه أحمد (17652)، من حديث عتبة بن عبد السلمي- رضي الله عنه إسناده ضعيف لأجل جهالة أبي حميد الرعيني، وشيخِه يزيد. انظر:«ضعيف أبي داود - الأم» (2/ 376).

(4)

«أيضًا» ليست في ك.

(5)

برقم (2810)، ورواه أحمد (1437) والترمذي (1521). وفي إسناده المطلب لم يسمع من جابر، قاله الترمذي. وانظر:«السلسلة الضعيفة» (963).

ص: 386

معه الأضحى بالمصلَّى، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره، وأُتي بكَبْشٍ فذبحه بيده، وقال:«بسم اللَّه، والله أكبر، هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي» . وفي «الصَّحيحين»

(1)

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلَّى.

وذكر أبو داود

(2)

عنه أنَّه ذبح يوم النَّحر كبشين أقرنين أملحين مَوجُوءين، فلمَّا وجَّههما قال:«وجَّهتُ وجهيَ للَّذي فطرَ السَّموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرتُ، وأنا أوَّل المسلمين، اللَّهمَّ منك ولك، عن محمَّدٍ وأمَّته، بسم اللَّه، والله أكبر» ، ثمَّ ذبح.

وأمر النَّاس إذا ذبحوا أن يُحسِنوا الذبح، وإذا قتلوا أن يُحسِنوا القتل، وقال:«إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ»

(3)

.

وكان من هديه: أنَّ الشَّاة تُجزِئ عن الرَّجل وعن

(4)

أهل بيته، ولو كثر عددهم، كما قال عطاء بن يسارٍ: سألتُ أبا أيُّوب الأنصاريَّ: كيف كانت الضَّحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرَّجل يضحِّي بالشَّاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون

(5)

ويُطعمون

(6)

. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

رواه البخاري (5552) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ولم أجده عند مسلم.

(2)

برقم (2795)، ورواه ابن ماجه (3121)، من حديث جابر رضي الله عنه وفيه عنعنة ابن إسحاق. انظر:«الإرواء» (4/ 350 - 351).

(3)

رواه مسلم (1955) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

(4)

«عن» ليست في ك.

(5)

ك: «فيأكل» .

(6)

رواه الترمذي (1505) وابن ماجه (3147)، وصححه الترمذي والألباني في «الإرواء» (4/ 355).

ص: 387

فصل

في هديه في العقيقة

في «الموطَّأ»

(1)

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال: «لا أُحِبُّ العُقوق» ، كأنَّه كره الاسم. ذكره عن زيد بن أسلم، عن رجلٍ من بني ضمرة عن أبيه. قال ابن عبد البرِّ

(2)

: وأحسن أسانيده ما ذكره عبد الرزاق

(3)

: ثنا داود بن قيس، قال: سمعت عمرو بن شعيبٍ يحدِّث عن أبيه عن جدِّه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال:«لا أُحبُّ العُقوقَ» ، وكأنَّه كره الاسم. قالوا: يا رسول الله، يَنْسُكُ أحدُنا عن ولده؟ فقال:«من أحبَّ منكم أن يَنسُكَ عن ولده فليفعلْ، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ» .

وصحَّ عنه من حديث عائشة: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ»

(4)

.

وقال: «كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السَّابع، ويُحلَق رأسه ويسمَّى»

(5)

.

(1)

(1441). وفي إسناده راو مبهم، لكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب الآتي. وانظر:«التمهيد» (4/ 304 وما بعده) و «الاستذكار» (15/ 365 وما بعده).

(2)

في «التمهيد» (4/ 305).

(3)

برقم (7961)، ورواه أحمد (6713) وأبو داود (2842) والنسائي (4212)، وصححه الحاكم (4/ 238) والألباني في «السلسلة الصحيحة» (1655).

(4)

رواه أحمد (24028) والترمذي (1513) وابن ماجه (3163)، وصححه الترمذي وابن حبان (5310) والألباني في «الإرواء» (4/ 389).

(5)

رواه أحمد (20139) وأبو داود (2838) والنسائي (4220) وابن ماجه (3165)، من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. ورواه الترمذي (1522) من طريق إسماعيل بن الحسن عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه. والحديث صححه الترمذي والنووي في «المجموع» (8/ 435) والألباني في «الإرواء» (4/ 385).

ص: 388

قال الإمام أحمد

(1)

: معناه أنَّه محبوسٌ عن الشَّفاعة في أبويه. والرَّهن في اللُّغة الحبس، قال تعالى:{أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ} [المدثر: 38]، وظاهر الحديث أنَّه رهينةٌ في نفسه ممنوعٌ محبوسٌ عن خيرٍ يُراد به، ولا يلزم من ذلك أن يُعاقَب عليها في الآخرة، وإن حُبِس بسبب تركِ

(2)

أبويه العقيقةَ عمَّا يناله مَن عَقَّ عنه أبواه، وقد يفوت الولدَ خيرٌ بسبب تفريط الأبوين، وإن لم يكن من كسبه، كما أنَّه عند الجماع إذا سمَّى أبوه لم يضرَّ الشَّيطان ولدَه، وإذا ترك التَّسمية لم يحصل للولد هذا الحفظُ.

وأيضًا، فإنَّ هذا إنَّما يدلُّ على أنَّها لازمةٌ لا بدَّ منه

(3)

، فشبَّه لزومها وعدم انفكاك المولود منها بالرَّهن. وقد يستدلُّ بهذا من يرى وجوبها، كاللَّيث والحسن وأهل الظَّاهر

(4)

. والله أعلم.

فإن قيل: فكيف تصنعون في رواية همّام عن قتادة في هذا الحديث: «ويُدمَّى» . قال همام: سُئل قتادة عن قوله: «ويُدمَّى» كيف يصنع بالدَّم؟ فقال: إذا ذُبِحت العقيقة أُخِذت منها صُوفةٌ، واستُقبِلتْ بها أوداجُها، ثمَّ تُوضع على يافوخ الصَّبيِّ حتَّى تسيلَ على رأسه مثل الخيط، ثمَّ يُغسَل رأسه

(1)

انظر: «معالم السنن» للخطابي (4/ 285).

(2)

ب: «بترك» .

(3)

كذا في ج، ك. وفي المطبوع:«منها» .

(4)

انظر: «الاستذكار» (5/ 315 - 316). وهذه الفقرة بتمامها ساقطة من ق، ب، مب.

ص: 389

بعدُ ويُحلَق

(1)

.

قيل: اختلف النَّاس في ذلك، فمن قائلٍ

(2)

: هذا من رواية الحسن عن سمرة، ولا يصحُّ سماعه منه، ومن قائلٍ: سماع الحسن من سمرة حديثَ العقيقة هذا صحيحٌ، صحَّحه الترمذي وغيره، وقد ذكر البخاريُّ في «صحيحه»

(3)

عن حبيب بن الشَّهيد قال: قال لي محمَّد بن سيرين: اذهبْ فسَلِ الحسنَ ممَّن سمع حديث العقيقة؟ فسأله، فقال: سمعتُه من سمرة.

ثمَّ اختُلِف في التَّدمية بعدُ، هل هي صحيحةٌ أو غلطٌ؟ على قولين

(4)

. فقال أبو داود في «سننه»

(5)

: هي وهمٌ من همَّام بن يحيى قوله «ويدمَّى» ، يعني: إنَّما هو «ويسمَّى» . وقال غيره: كان في لسان همام لُثْغةٌ، فقال:«ويدمَّى» وإنَّما أراد «ويسمَّى»

(6)

.

وهذا لا يصحُّ، فإنَّ همّامًا وإن كان وهم في اللَّفظ ولم يُقِمْه لسانه، فقد حكى عن قتادة صفَّة التَّدمية، وأنَّه سُئل عنها فأجاب بذلك، وهذا لا تحتمله اللُّثغة بوجهٍ. فإن كان لفظ التَّدمية منه وهمًا، فهو من قتادة أو من الحسن. والذين أثبتوا لفظ التَّدمية قالوا: إنَّه من سنَّة العقيقة، وهذا مرويٌّ عن الحسن

(1)

«سنن أبي داود» (2837).

(2)

ك: «قال» .

(3)

تحت رقم (5471).

(4)

انظر: «فتح الباري» (9/ 593، 594).

(5)

برقم (2837).

(6)

«وقال غيره

ويسمى» ليست في ك.

ص: 390

وقتادة، والَّذين منعوا التَّدمية ــ كمالك والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق ــ قالوا:«يُدمَّى» غلطٌ، وإنَّما هو «يُسمَّى» ، قالوا: وهذا كان من عمل الجاهليَّة، فأبطله الإسلام، بدليل ما رواه أبو داود

(1)

عن بُريدة بن الحُصَيب قال: كنَّا في الجاهليَّة إذا وُلِد لأحدنا غلامٌ ذبحَ شاةً، ولطَّخ رأسه بدمها، فلمَّا جاء الله بالإسلام كنَّا نذبح شاةً، ونَحلِق رأسه، ونلطِّخه بزعفرانٍ.

قالوا: وهذا وإن كان في إسناده الحسين بن واقدٍ

(2)

، ولا يحتجُّ به، فإذا انضاف إلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَمِيطُوا عنه الأذى»

(3)

، والدَّم أذًى، فكيف يأمرهم أن يُلطِّخوه بالأذى؟

قالوا: ومعلومٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الحسن والحسين بكبشينِ

(4)

، ولم يُدمِّهما، ولا كان ذلك من هديه وهدي أصحابه.

قالوا: وكيف يكون من سنَّته تنجيسُ رأس المولود؟ وأين لهذا شاهدٌ ونظيرٌ في سنَّته؟ وإنَّما يليق هذا بأهل الجاهليَّة.

(1)

برقم (2843)، ورواه الحاكم (4/ 238) والبيهقي (9/ 302)، وصححه الحاكم وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 342) وابن حجر في «التلخيص الحبير» (4/ 147) والألباني في «الإرواء» (4/ 388 - 389).

(2)

انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» (6/ 491).

(3)

علّقه البخاري (5472) من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، وانظر:«فتح الباري» (9/ 591).

(4)

في المطبوع: «بكبش كبش» خلاف النسخ.

ص: 391

فصل

فإن قيل: عَقُّه عن الحسن والحسين بكبشٍ كبشٍ يدلُّ

(1)

على أنَّ هديه أنَّ على الرَّأس رأسًا، وقد صحَّح عبد الحقِّ

(2)

من حديث ابن عبَّاسٍ وأنس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن بكَبْشٍ، وعن الحسين بكَبْشٍ

(3)

. وكان مولد الحسن في عام أُحدٍ، والحسين في العام القابل منه.

وروى الترمذي

(4)

من حديث علي عنه قال: عَقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاةٍ، وقال:«يا فاطمةُ احْلِقي رأسَه، وتصدَّقي بزنةِ شعره فضَّةً» ، قال: فوزنَّاه، فكان وزنه درهمًا أو بعضَ درهمٍ. وهذا وإن لم يكن إسناده متَّصلًا فحديث أنس وابن عبَّاسٍ يكفيان.

قالوا: ولأنَّه نُسكٌ، فكان عن الرَّأس مثله، كالأضحيَّة ودم التَّمتُّع.

فالجواب: أنَّ أحاديث الشَّاتين عن الذَّكر والشَّاة عن الأنثى أولى أن يؤخذ بها لوجوهٍ:

(1)

«كبش يدل» ليست في ك.

(2)

في «الأحكام الوسطى» (4/ 141، 142).

(3)

رواه أبو داود (2841) وابن الجارود (911) من حديث ابن عباس، وصححه ابن حزم في «المحلى» (7/ 530) وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 340). وأما حديث أنس فرواه ابن حبان (5309) والبيهقي (9/ 299). وهما صحيحان. انظر:«الإرواء» (4/ 379).

(4)

برقم (1519)، في إسناده انقطاع؛ لأنَّ محمد بن علي الباقر لم يدرك عليًّا، وأيضا عنعنة ابن إسحاق. لكن للحديث شاهد يقويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث حسنه الترمذي. وانظر:«الإرواء» (4/ 383).

ص: 392

أحدها: كثرتها، فإنَّ رواتها: عائشة، وعبد الله بن عمرو، وأم كُرْز الكعبية، وأسماء.

فروى أبو داود

(1)

عن أم كُرْز قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ» .

قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: مكافئتان مستويتان أو متقاربتان. قلت: هو مُكافَأَتان بفتح الفاء ومُكافِئَتان بكسرها، والمحدِّثون يختارون الفتح، قال الزَّمخشريُّ

(2)

: لا فرق بين الرِّوايتين، لأنَّ كلَّ من كافأتَه فقد كافأك.

وروى أيضًا عنها: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَقِرُّوا الطَّيرَ على مَكَناتها» ، وسمعتُه يقول:«عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ، لا يضرُّكم أذُكْرانًا كنَّ أو إناثًا»

(3)

.

وعنها أيضًا ترفعه: «عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاةٌ»

(4)

. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقد تقدَّم حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدَّه في ذلك.

وعن عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم: عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاةٌ. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(5)

.

(1)

برقم (2834)، وصححه في «الإرواء» (4/ 391).

(2)

في «الفائق» (3/ 267).

(3)

رواه أبو داود (2835) والترمذي (1516) والنسائي (4217،4218)، وصححه الترمذي والألباني في «الإرواء» (4/ 391).

(4)

رواه أبو داود (2836) وأحمد (27143).

(5)

تقدم تخريج الحديثين.

ص: 393

وروى إسماعيل بن عيَّاشٍ عن ثابت بن عجلان عن مجاهد عن أسماء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَقُّ عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ»

(1)

. قال مهنَّا: قلت لأحمد: من أسماء؟ قال: ينبغي أن تكون أسماء بنت أبي بكر.

وفي كتاب الخلال قال مهنَّا: قلت لأحمد: حدَّثنا خالد بن خِداشٍ، قال: ثنا عبد الله بن وهبٍ، قال: ثنا عمرو بن الحارث أنَّ أيُّوب بن موسى حدَّثه أنَّ يزيد بن عبد الله المزني حدَّثه عن أبيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُعَقُّ عن الغلام، ولا يُمَسُّ رأسُه بدمٍ» ، وقال:«في الإبل فَرَعٌ، وفي الغنم فَرَعٌ»

(2)

، فقال أحمد: ما أظرفَه

(3)

! ولا أعرف يزيد بن عبد الله

(4)

المزني، ولا هذا الحديث. فقلت له: أتنكره؟ قال: لا أعرفه، وقصَّة الحسن والحسين حديثٌ واحدٌ.

الثَّاني: أنَّها من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأحاديث

(5)

الشَّاتين من قوله، وقوله

(1)

رواه أحمد (27582)، وصححه الألباني في «الإرواء» (4/ 392).

(2)

روى الحديثين في سياقٍ واحد الطبراني في «المعجم الكبير» (14/رقم 475) و «الأوسط» (333، 334) وقال: لم يروِ هذين الحديثين عن أيوب بن موسى إلا عمرو بن الحارث، تفرد بهما ابن وهب. وأوردهما البيهقي (9/ 302). وروى ابن ماجه (3166) الحديث الأول، وليس فيه:«عن أبيه» . قال البوصيري في «الزوائد» : إسناده حسن. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 58): رجاله ثقات، وقد رواه ابن ماجه عن يزيد بن عبد الله المزني، ولم يقل «عن أبيه» ، وهنا «يزيد بن عبد الله عن أبيه» ، فالله أعلم.

(3)

كذا في «المغني» (13/ 399) و «تهذيب السنن» (2/ 279). وفي المطبوع: «ما أعرفه» خلاف النسخ والمصادر.

(4)

في المطبوع: «عبد بن يزيد» ، خطأ.

(5)

ك: «وادخال» ، تحريف.

ص: 394

عامٌّ، وفعله يحتمل الاختصاص.

الثَّالث: أنَّها متضمِّنةٌ

(1)

لزيادةٍ، فكان الأخذ بها أولى.

الرَّابع: أنَّ الفعل يدلُّ على الجواز، والقول يدلُّ على الاستحباب، والأخذ بهما ممكنٌ، فلا وجهَ لتعطيل أحدهما.

الخامس: أنَّ قصَّة الذَّبح عن الحسن والحسين كانت

(2)

عامَ أُحُدٍ والعام الذي بعده، وأم كُرْز سمعت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما روته عام الحديبية سنة ستٍّ بعد الذَّبح عن الحسن والحسين، قاله النسائي في «كتابه الكبير»

(3)

.

السَّادس: أنَّ قصَّة الحسن والحسين يحتمل أن يُراد بها بيان جنس المذبوح وأنَّه من الكِبَاش، لا تخصيصه بالواحد، كما قالت عائشة:«ضحَّى عن نسائه بقرةً، وكنَّ تسعًا»

(4)

، ومرادها الجنسُ لا التَّخصيص بالواحدة.

السَّابع: أنَّ الله سبحانه فضَّل الذَّكر على الأنثى، كما قال:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، ومقتضى هذا التَّفاضل ترجيحه عليها في الأحكام، وقد جاءت الشَّريعة بهذا التَّفضيل في جعل الذَّكر كالأنثيين في الشَّهادة والميراث والدِّية، فكذلك أُلحِقت العقيقة بهذه الأحكام.

الثَّامن: أنَّ العقيقة تُشبِه العتق عن المولود، فإنَّه رهينٌ بعقيقته، فالعقيقة تفكُّه وتُعتِقه، فكان الأولى أن يعقَّ عن الذَّكر بشاتين وعن الأنثى بشاةٍ، كما

(1)

ك، ج:«تتضمن» .

(2)

ك: «ثابت» .

(3)

برقم (4529)، و «المجتبى» (4217).

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 395

أنَّ عتق الأنثيين يقوم مقام عتق الذَّكر. كما في «جامع الترمذي»

(1)

وغيره عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرئٍ مسلمٍ أعتقَ امرأً مسلمًا، كان فِكاكَه من النَّار، يَجزِي كلُّ عضوٍ منه عضوًا منه، وأيُّما امرئٍ مسلمٍ أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فِكاكَه

(2)

من النَّار، يَجزي كلُّ عضوٍ منهما عضوًا منه، وأيُّما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقتْ امرأةً مسلمةً كانت فِكاكَها من النَّار، يَجزي كلُّ عضوٍ منها عضوًا منها». وهذا حديثٌ صحيحٌ.

فصل

ذكر أبو داود في «المراسيل»

(3)

عن جعفر بن محمَّدٍ عن أبيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة الَّتي عقَّتها فاطمة عن الحسن والحسين: أن يبعثوا إلى بيت القابلة برِجْلٍ، وكلوا وأَطعِموا، ولا تكسروا منها عظمًا.

فصل

ذكر ابن أيمن

(4)

من حديث أنس

(5)

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد ما

(1)

برقم (1547) وقد تقدم.

(2)

ك، ج:«فكاكهما» ، خطأ.

(3)

برقم (379)، والبيهقي (9/ 302)، عن محمد بن علي الباقر مرسلًا. وانظر:«السلسلة الضعيفة» (5100).

(4)

ب: «ابن اغر» ، تحريف. وهو الإمام العلامة مسند الأندلس أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أيمن بن فرج القرطبي رفيق قاسم بن أصبغ، كان بصيرًا بالفقه علامة مفتيا عارفا بالحديث حافظًا له، صنف كتابًا في السنن مخرّجًا على سنن أبي داود، توفي سنة 330 هـ. انظر:«تذكرة الحفاظ» (3/ 38) و «السير» (15/ 241).

(5)

ك، ج:«عن أنس» بدل «من حديث أنس» .

ص: 396

جاءته النُّبوَّة

(1)

. وهذا الحديث قال أبو داود في «مسائله»

(2)

: سمعت أحمد حدَّثهم بحديث الهيثم بن جَميلٍ، عن عبد الله بن المثنى، عن ثُمامة، عن أنس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه. فقال أحمد: عبد الله بن المحرَّر، عن قتادة، عن أنس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه

(3)

. قال مهنَّا: قال أحمد

(4)

: هذا منكرٌ، وضعَّف عبد الله بن المحرَّر.

فصل

ذكر أبو داود

(5)

عن أبي رافع قال: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم أذَّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصَّلاة.

(1)

ذكره ابن حزم من طريق ابن أيمن في «المحلى» (7/ 528)، ورواه موصولاً الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1053) والطبراني في «الأوسط» (994)، والضياء المقدسي في «المختارة» (1833). والحديث اختلف في قبوله وردِّه. انظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (9/ 300) و «البدر المنير» (9/ 339) و «التلخيص الحبير» (4/ 147) و «فتح الباري» (9/ 595) و «السلسلة الصحيحة» (2726).

(2)

لم أجده في «مسائله» . ونقله المؤلف في «تحفة المودود» (ص 129) عن الخلّال بإسناده إلى أبي داود.

(3)

رواه عبد الرزاق (7960) والبزار (7281) والروياني (1371).

(4)

«قال أحمد» ليست في ك.

(5)

برقم (5105) والترمذي (1514)، وإسناده ضعيف لأجل عاصم بن عبيد الله العمري، وهو متكلم فيه، وليس للحديث شواهد تقويه. انظر:«السلسلة الضعيفة» (321، 6121).

ص: 397