الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل واحد منها كافٍ في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله " (1).
(1) راجع الكشاف للزمخشري: ج 3/ 57.
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ
(25)
(يَوْمَ) بدل أو عطف بيان من قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم) والآية السابقة كانت مشتملة على الإثبات يوم القيامة وأنه كان من جوارحهم التي تشهد عليهم، وهي شهادة صادقة، وهذه الآية تبين الحكم، وهو العقاب الشديد، والدين هنا هو الجزاء الصارم الشديد، فـ (الدِّين) تجيء بمعنى الجزاء والحساب، يوفيهم جزاءهم الحق الذي استحقوه بأقوالهم الآثمة، وعندئذ في هذا يعلمون الله، وصدق وعيده، فيعلمون أنه سبحانه هو وحده الحق المبين، ويعلمون أن ما أشركوا به كان باطلا، ولا حق إلا الله، ولا يعبد بحق سواه، تبارك الله وتعالى أحسن الخالقين.
بعد ذلك بين - سبحانه - براءة عائشة من الإفك، فقال عز من قائل:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
(26)
وهذا برهان منطقي مستمد من واقع الحياة، وما يختاره الله تعالى للناس، وهو التجانس بين الأزواج في الأخلاق والأعمال والأقوال.
الخبيثات جمع خبيثة، وهل المراد وصف النساء أم وصف الأقوال؛ قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وجمهور مفسري السلف: ويكون المعنى أن خبيث الأقوال، إنما ينطبق على خبيث الرجال وقد حصرت فيهم، وكذلك الخبيثون انحصروا في خبيث الأقوال لَا يعدونها، (وَالطَّيِّبَات)، أي الأقوال الطيبة تنحصر
في الطيبين من الرجال، وهم منحصرون فيها لَا يتجاوزونها إلى خبيث الأقوال، وقد عد هذا احتمالا في الآية الزمخشري، والاحتمال الثاني الذي ذكره أن المراد بالخبيثات النساء، وكذلك الطيبات، وإلى هذا نميل، فليس موضوع الكلام خبائث الأقوال، وطيباتها، إنما موضوعها البريئات من النساء والبرآء من الرجال الذين يرمون بخبث القول، فهي أولى بأن تفسر بموضوعها.
والخبيث هو من قام به الخبث، وهو الرجس الحسي، وقد شبه الرجس المعنوي، وهو فساد النفوس وارتكابها موبق الأفعال من زنى وشرب خمر وسرقة، واختلاس واغتصاب بالخبث الحسي، كما في قوله تعالى:(. . . إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا. . .). وقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) هو من قبيل القصر؛ لأن فيه تعريفا للطرفين، ومعنى ذلك أن الخبيثات لَا يكن إلا للخبيثين من الرجال، أي لَا يمكن أن يكن أزواجا إلا للخبيث من الرجال، إذا لَا يقدم عليهن إلا مثلهن، وكذلك كان القصر في الجملة الثانية، والخبيثون للخبيثات، أي انحصر زواج الخبيثين في الخبيثات من النساء، أي لَا ترضى بواحد منهم زوجا لها تجناز معه مرحلة الحياة إلا الخبيثات من النساء، فلا ترضى شريفة طيبة برجل خبيث النفس والقول والعمل.
وكذلك الطيبات للطيبين هو أيضا فيه قصر بتعريف الطرفين، أي أن الطيبات من النساء لَا يقبلن إلا زواج الطيببن؛ لأن الطيبة الكريمة لَا ترضى أن تكون فراشا إلا للطيب الكريم، ولا يرضى ذووها إلا بكريم طيب ذي خلق ودين، والطيبون ذوو الأخلاق الذين لَا يختارون إلا كريمة ذات خلق ودين، والشطر الأول كقوله تعالى:(الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِكٌ. . .).
(أوْلَئِكَ مبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كرِيمٌ) والإشارة هنا إلى الطيبين والطيبات؛ لأنهم الأقرب في الذكر ولأنهم الذين ياثم الخبثاء بالقول القاذف فيهم، والتبرئة لَا تكون إلا لمن يرمى بالقول الخبيث.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، أما المغفرة فهي أن الله تعالى يغفر لهم من اللمم، وبعض السيئات بسبب القذف الآثم لهم فإنه ينتقص من سيئات المظلوم بمقدار اعتداء الظالمين، والرزق الكريم هو الحسنات في الدنيا، وجزاؤها في الآخرة، وهذا كقوله تعالى:(. . . وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزقًا كَرِيمًا).
والآية الكريمة عامة تعم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء المؤمنين، وهي مع عمومها تدل على براءة أم المؤمنين عائشة من ناحية التصريحِ بكل طيبة ترمى، فقد صرح سبحانه بالبراءة، في قوله تعالى:(أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) وبرأها سبحانه بتضمين القول الدال على انحصار الخبيث من القول في الخبثاء والخبيثات، وانحصار الطيب من النساء والرجال في الطيب من الأخلاق والأقوال. . وإذا كان زوج كل طيب طيبة فزوج أطيب الرجال في الإنسانية أطيب النساء، والله واسع عليم.
* * *
أدب البيوت وصيانتها
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
* * *