الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زمنه أو قصر إلى حياة دائمة باقية، إما أن تكون عذابا مستقرا أو فانية أو نعيما باقيا، و (لو) - حرف امتناع لامتناع، أي امتنع علمكم في الآخرة لامتناع علمكم في الدنيا بأنها سنون قليلة بالنسبة للآخرة، وقد أكد نفي علمهم بـ (إن)، وبـ " كان "، وللَّه في خلقه شئون، وقد انتفى علمهم، لأنهم حسبوا أنه لَا حياة بعد الموت؛ ولذا قال عز من قائل:
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
(115)
قلنا: إن الآية السابقة فيها إيماء إلى أن الحياة الدنيا أمدها قصير بالنسبة للآخرة، وإنها لجنة أبدا ولنار أبدا، وإن ذلك مع ما سبق يتبين أنه لابد من البعث، وأن حكمة الخلق والإيجاد للإنسان لَا تتحقق إلا به، ولذا قال تعالى:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)(الفاء) تفيد ترتيب السؤال على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقديم،؛ لأن أداة الاستفهام لها الصدارة، والاستفهام للاستنكار أي إنكار ما وقع، فهم حسبوا ذلك، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، و (أَنَّمَا) أداة حصر، أي ما خلقناكم إلا عبثا، أي من غير حكمة باهرة ظاهرة، والعبث أي من غير حكمة من الله تعالى، وعبثا منكم أي خلقناكم لتعبثوا من غير طلب مطلوب منكم، ولا غاية تتجهون إليها، لتلهو أو تلعبوا وتقولوا وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، ولا محاسب يحاسبكم، (وَأَنَّكمْ إِلَيْنَا لَا ترْجَعونَ) الواو عاطفة أي وحسبتم أنكم إلينا لَا ترجعون لتحاسبوا على ما كان منكم من لهو عابث، وتقديم الجار والمجرور يدل على الاختصاص والتهديد بالرجوع إليه سبحانه وتعالى وحده بحيث لَا يكون معهم شفيع يشفع، ولا وَلي يناصر، ولا فدية تعطى، بل يؤاخذ كل على ما فعل، إن قليلا، وإن كثيرا، وإن خيرا، وإن شرا، وأكد سبحانه وتعالى رجوعهم إليه، بالجملة الاسمية، وبتصديرها بـ (إن) الدال على التحقيق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)
الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإنه يترتب على ما ذكر من خلق الإنسان والكون كله أن يكون في علو لَا يتسامى إليه أحد في الوجود، وقد وصفه سبحانه بصفات خمس هي لَا تكون إلا له سبحانه؛ إذ هو كامل الوجود، وتلك صفات كامل الوجود، وليست إلا له:
الأولى - أنه سبحانه له وحده الملك والسلطان، ولا سلطان فوق رب العالمين.
والصفة الثانية - أنه الحق الثابت الدائم، الذي لَا ثبات لغيره، وملكه قائم على الحق والعدل؛ لأنه قام على كونه خالق الوجود كله، وهو ربه، فهو الملك وهو الحق، وهو قائم على دعائم الحق، ويحكمه سبحانه وتعالى بالعدل.
والصفة الثالثة - أنه هو اللَّه وحده فلا إله غيره؛ سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كان الخالق وحده، وله الملك وحده، فهو الإله وحده، وقد أشرنا من قبل إلى أن العرب كانوا يعترفون بأن اللَّه وحده خالق كل شيء، وأنه واحد في ذاته وصفاته، ولكن عند العبادة يعبدون الأوثان، فاللَّه سبحانه يبين أن الخلق ووحدة الذات توجبان وحدة الألوهية.
الصفة الرابعة - أنه رب العرش، أي صاحب السلطان وحده في الدنيا والآخرة فلا سلطان لشخص أو حجر، إنما السلطان له وحده في الدنيا والآخرة.
الصفة الخامسة - أنه الكريم الذي فاض بنعمه الظاهرة والباطنة على الوجود كله، ويغفر ويرحم، والذي يقبل التوبة عن عباده، كما قال عز من قائل:(اِنِّي لَغَفَّارٌ لمِن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالحَا ثُمَّ اهْتَدَى).
وإن المشركين لَا برهان عندهم على أن ما يعبدونه استحق العبادة؛ ولذا قال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)