الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنه رجعي، وأنه يريد أن يعود بالأمة إلى الوراء، ويقولون تقدم الأمة أمامها لا وراءها.
وفى الحق: إننا إذا دعونا إلى تطبيق حكم القرآن والسنة، إنما ندعو إلى الحق في ذاته وإلى العدل، وإن القرآن إذ يدعوهم بالحق والعدل في ذاته الذي لَا يفرق بين الناس، تدعوهم الأمة النصرانية إلى تحكيم الأعراف من غير نظر إلى كونه عدلا أو باطلا، ويقولون بل نتبع أعراف الناس، وما أشبه هذا بقول المشركين، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، وإننا نترك حكم القرآن وهو النور، وهو الحق وهو العدل وهو الفضيلة، وهو حبل الله الممدود إلى يوم القيامة، ونأخذ بالأحكام التي تبيح الزنى وشرب الخمر والربا والسحت، وأكل أموال الناس بالباطل، وأحكام الله هي العدل كما تشهد الفطرة، وكما يشهد الإنصاف. . . نترك الحق ونأخذ بالجبت والطاغوت. . . فهل نحن مؤمنون!!.
إنه لَا قوة لنا إلا إذا كنا عدولا فيما بيننا، ولا نكون عدولا حقا إلا إذا أقمنا كتاب الله وسنة رسوله، وتركنا وراءنا ظهريا تلك القوانين، فهي الطاغوت، وهي والفضيلة نقيضان لَا يجتمعان.
وإن حكم الله تعالى الأخذ به من تقواه، والاعتصام بالعروة الوثقى، ولذا قال تعالى:
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
(52)
الواو عاطفة استئنافية، لبيان أن من يتقي الله ويخشاه هو الذي يفوز حقا، ونجد هذا الكلام فيه شرط وجزاء، والشرط مكون من أجزاء ثلاثة بعضها مترتب على بعض. أولها: طاعة الله ورسوله، بامتلاء القلب بالطاعة. بحيث يخضع له ظاهرا وباطنا، ويخضع قلبه مع خضوع كل جوارحه، وهذا هو الجزء الأول، أو النقطة الأولى من الخط المستقيم الذي يبتدئ بالطاعة، وامتلاء القلب، ثم ينتقل من الطاعة الخاضعة الخانعة إلى الخشية، خشية الله تعالى، إذ يعلم ذاته وصفاته، ويمتلئ بهيبته وطاعته، كما قال تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. . .)،
ويقول الراغب الأصفهاني: والخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه، وقال تعالى في صفة العلماء:(الذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهُ. . .).
وإنه يجيء بعد الخشية الخوف من الله واتقاء عذابه، ولذا قال تعالى:(وَمَن يُطِع اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ)، فالتقوى جعل وقاية بين الشخص وعذاب الله تعالى، قال تعالى في وصف المؤمنين،) (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ).
هذه أجزاء الشرط، أما الجزاء، فهو قوله تعالى:(فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) الفاء فاء الجزاء، والإشارة إلى المتصفين بهذه الصفات الجليلة، والإشارة إلى موصوف بصفات تكون الصفات سبب الجزاء)، فهذه الصفات سبب الفوز، والآيات تفيد قصر الفوز عليهم ونصرهم، وذلك لتعريف الطرفين، وقد أكد سبحانه وتعالى فوزهم بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل (هم)، وبقصر الفوز عليهم.
* * *
استخلاف الله أهل الطاعة
(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)
* * *
الجَهْد الطاقة، أو أقصى درجاتها، وجاء في مفردات الراغب الأصفهاني في تفسير آية (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ)، أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا على أبلغِ ما في وسعهم، وعلى ذلك يكون معنى الجهد في قوله تعالى:
(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانِهِمْ)، أي باذلين أقصى ما وسعهم من تأكيد القول، وباذلين في اليمين أعلى درجاتها في تأكيد القول، أي لَا يتركون قولا يؤكدون به عزمهم وإرادتهم إلا سلكوه.
والضمير في " أقسموا " يعود إلى جماعات المؤمنين، ويكون بهذا يدعوهم إلى ألا يقسموا بل يعملوا ويطيعوا، وعلى ذلك يكون المعنى عاما، وإن كان يشير إلى المنافقين وضعاف الإيمان، كأنهم مقصودون بالقصد الأول، والعموم مقصود بالقصد الثاني.
وأكثر المفسرين على أن الضمير يعود إلى المنافقين ومرضى القلوب ابتداء، ويكون تحذيرا للمؤمنين بعامة من أن يكون منهم مثل هذا الذي يحلف الأيمان الفاجرة، وقد رد الله تعالى هذه الأيمان، وقال سبحانه:(قُل لَا تُقْسِمُوا) وهذا فيه إيماء إلى أنها غير صادقة، وفيه تصريح بردها زجرا لهم؛ لأنهم بهذا يرتكبون إثميْن إثم التخلف عن الجهاد، وإثم اليمين الفاجرة، وإن بدل الإثم أن يتجهوا إلى الطاعة، ولذا قال سبحانه:(طَاعَةٌ معْروفَةٌ)، أي طاعة حقيقية مشهورة معروفة
لا مجال لإنكارها، ولا للتردد فيها، إذ هي قاطعة؛ لأنها ثابتة بالعيان لَا بالقول مجردا، والقسم (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) أي عالم علما دقيقا بمما يعملون، أي بما يستمرون عليه من عمل يتفق مع إيمانهم أو لَا يتفق، وإنه يعلم ما تبدون وما تكتمون، ولا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء.
وننبه هنا إلى أمور ثلاثة:
أولها: أن قوله تعالى: (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) فقوله: (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) هي القسم، وهي تتضمن فعل الشرط، كأنه يوهم إلى أنهم لم يؤمروا مع أن الأمر عام
يدخلون فيه إن كانوا صادقين، وهم كاذبون، كما قال الله تعالى:(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)،
والحديث عنهم بالغياب، لأنه بيان لقولهم وأحوالهم.
ثانيها: الانتقال إلى الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا) لمواجهتهم بالأمر والتقصير والنفاق في القول، والفُجر في الأيمان.
ثالثها: أن الضمير في (وأقسموا) يعود إلى المنافقين أو إلى المسلمين عامة وفيهم المنافقون وضعاف الإيمان، ولكن لم يكن من قبل ذكر لهؤلاء إلا المؤمنين.
ونقول في الجواب عن ذلك: إن القرآن كان ينزل في وسط جماعات تدعى إلى الإيمان فلم يكن مفصولا عمن يكونون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عند نزوله، وقد كانت الآيات ذاتها هي التي تعين مع مواقع الضمير، ففي مكة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بالقرآن الكريم المشركين وهم الذين يعاندونه، فكانوا كأنهم حاضرون فيعود الضمير إليهم إذا كان فيه حكاية لعنادهم ومهاتراتهم، فلما انتقل إلى المدينة، فبعد غزوة بدر الكبرى ظهر النفاق، وبدت أنياب اليهود، فكانت المعاندة من المنافقين واليهود، وظهر ضعاف الإيمان الذين يعبدون الله على حرف، فكانت الآيات التي تشير إلى