الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
(225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
الاستفهام هنا لإنكار الوقوع فنفي النفي إثبات، والمعنى قد رأيتهم في كل واد من أودية القول يهيمون، أي يقولون، فقالوا في الغزل، والتشبب بالنساء وذكرهن وما يخفى من أجسامهن، وما يكون بينها وبين الرجل مما يجب ستره، والكلام فيه موقوف فيقول، كما ترى في معلقة امرئ القيس، وكما ترى في قصائد الفرزدق الذي كان يحاكى منهاجه، ويتفحش في القول، ولقد كانوا يتخيلون المآثم، ولا يفعلونها، كما كنت ترى من بعد في شعر عمر بن أبي ربيعة من غزل، وهكذا. وإن ذلك كله من تنزل الشيطان على الشعراء.
وإذا كان من كبار التابعين من كان يذكر في درسه بالمسجد الحرام شيئا من هذا الشعر كابن عباس فيما يروى عنه رضي الله عنهما فإنما كان ذلك لكي تستمر رواية شعر العرب.
وإن الشعر العربي فيه خير كثير، وفيه شر كبير، فلا يذم كله، ولا يمدح كله، وإنه ككل كلام عربي جيد في مبناه بليغ في ذاته يحمد لسنه، ويذم واسده في المعنى.
ويلاحظ أن ذكر الشعر بأنه تنزل به الشياطين لإبعاده عن القرآن، فالقرآن وحي اللَّه تعالى الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين.
وقد استثنى سبحانه وتعالى من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون الذين آمنوا، أو استثنى الذين آمنوا من الغاوين الضالين الذين يتبعون الشعراء فقال عز من قائل:
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
(227)
ظاهر اللفظ أن الاستثناء من الشعراء، ويكون الاستثناء متصلا، والمعنى أن الشعراء يتبعهم الضالون، لأنهم في كل واد يهيمون، ويقولون ما لَا يفعلون
فيستثنى من هؤلاء الشعراء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وامتلأت قلوبهم بذكر الله، وذكروا الله كثيرا، كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وأولئك انتصروا للحق وناصروه، وكانوا يدفعون الهجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قاد الجيوش، واستشهد أمام الروم في غزوة مؤتة، وهو عبد الله بن رواحة.
ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا، ومستثنى من الضالين، ويكون معنى (إلا) لكن، والمعنى: والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخره، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا بأن امتلأت قلوبهم بذكره، وانتصروا أي انتصفوا من المشركين من بعد ظلموا فإنهم يتبعون الحق ويتبعهم أهل الحق.
وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، (ما) مصدر حرفي أي من بعد ظلمهم، وإرهاقهم في أمرهم، وكل هذا كان بيانا لنصرة الله تعالى من بعد الأذى في مكة، وإشارة إلى وعد الله تعالى بالنصر المبين، وانتصر معناها انتصف بنيله النصر، بعد جهاد في سبيل الله تعالى.
وقوله تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
السين هنا لتأكيد الفعل في المستقبل، والعلم الذي سيعلمونه هو علم المعاينة، إذ سيرون العذاب، وسيحسونه نازلا بهم، إذ يكونون في جهنم، وبئس المهاد، والتعبير بالموصول لبيان أن الصلة هي سبب ما ينزل بهم من عذاب شديد، لَا يعرفونه الآن، وسيعرفونه من بعد، وقد ظلموا أولا بالشرك، وثانيا بتكذيب الرسل، وثالثا بإنكارهم للقرآن، ورميهم له بأنه تنزل به الشياطين، وأنه كأقوال الكهان، وغير ذلك مما ظلمت به العقيدة، والحقائق، وقد أضافوا إلى ذلك ظلم العباد، والصد عن سبيل الله تعالى، والمنقلب هو انقلابهم من الطغيان إلى المهانة، ومن رغد العيش إلى شدته، وقد أبهم هذا المنقلب، تأكيدا للتهديد، والإنذار الشديد.
* * *