الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجند، والجند جنده، فهو الذي يسند إليه الحطم أولا وبالذات، ولغيره بالتبع، وهم لَا يشعرون بما يمرون عليهم من نمل.
سمع سليمان كلامها:
(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا
…
(19)
و (ضَاحِكًا) حال مؤكدة لمعنى القسم، وهو يتضمن معنى التعجب من حرصها واهتدائها إلى النتيجة لمرور الجيش عليها، وعلى صواحبها، وإن ذلك دفعه لأن يتجه إلى ربه الذي أعطاه وأباه ما أعطى فقال:(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
لم يغتر، ولم يفخر، ولم يفاخر، بل عرف حق النعمة واتجه إلى شكرها، ودعا ربه ثلاثا.
أولا: ضرع إلى ربه أن يدفعه، فقال أوزعني أي ادفعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها على، وعلى والديَّ، فإن هذه نعمة تحتاج إلى الالتجاء إليك لأتمكن من شكرها، وهي عليَّ، وعلى والديَّ فقد كان نبيا آتيته ما آتيت ولده سليمان، فكان ما أنا فيه نعمة عليَّ وعليه.
ثانيا: دعا ربه أن يوفقه للخير فقال: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)، أي أن أعمل عملا هو صالح في ذاته وأن ترضاه بأن يكون خاليا من كل غرض غير رضاك سبحانك، إنك أنت المعطي، والمانع.
ثالثا: أن يكون في ضمن عباد الله الصالحين، فقال:(وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)، أي أن الدخول في الصالحين من عباده سبحانه هو برحمته سبحانه، لَا بعمل قدمه، فكل عمل هو من فضله، وكل جزاء هو من رحمته.
رأى من النملة ما رأى، وكان بعد ذلك الطير.
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
يظهر أنه كان عند طائفة من الطير يتعهدها، ويسألها عن مآل أمرها،
فتفقدها بتعرف حالها، فلم يجد من بينها الهدهد وسأل عنه، وهذا قوله تعالى عنه:
(وَتَفَقَّدَ الطيْرَ) أي تعهدها، وتعرفها وتعرف حالها، فلم يجد الهدهد، فقال متعجبا (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ)، وكان حفيا يأن يعرف، ويسأل ما لي لَا أرى الهدهد أهو غائب عن عيني متخف بين إخواته من الطير (أَمْ كانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) بأن كان غائبا عن جماعة الطير التي كانت في حوزته، وتحت قبضته، وإن له عقابا،
(لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأتِيَنِّي بِسُلْطَان مُّبِينٍ) فـ (أو) لبيان تنوع المعاملة بتنوع الحال مثل قوله تعالى لذي القرنين، (إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)، فإذا كان قد غاب مستهينا مستهترا فإني أعذبه عذابا شديدا، وإن كان متمردا فإني أذبحه، وأكد العذاب والتذبيح بما يشبه القسم وباللام وبنون التوكيد الثقيلة، وإن كان غائبا لحاجة، فليأتيني بسلطان مبين أي بحجة بينة مبينة لأمر جديد.
والفاء في قوله تعالى: (فَقَالَ) هي فاء الإفصاح، أي إذ تعهد الطير لم يجد الهدهد وإذ لم يجده فقال:
ولكن الهدهد كان ماكثا في مكان غير بعيد.
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ)، الفاء: عاطفة ما بعدها على ما قبلها، أي فمكث غير بعيد أو زمانا غير بعيد، أي لم يقض وقتا طويلا مديدا في مكثه، بل جاء فور التهديد الذي هدد به نبي اللَّه سليمان عليه السلام، وجاء إليه يقول له:(أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت علم إحاطة ومعاينة، لأمر لم تحط به، ولم تعلم به علم معاينة، وهكذا كان حظ الطير الضعيف أن يخاطب العظيم الذي أوتي كل شيء بالحرية وبالحق، ليعلم الحكام الجهلة، أن من واجبهم أن يواجهوا الحاكم بكل ما يعلمون وفيه مصلحة الدولة، وأن عليهم أن يتقبلوا شديد القول كما يتقبلون لينه (جِئْتكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).