الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن هذه الحواس والمدارك هي التي بها علا الإنسان، وقال تعالى:(قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)(مَا) دالة على تأكد ما قبلها أي قليلا أي قلة (مَا تَشْكُرُونَ) فلا تقومون بحق هذه النعم كما قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، وقال تعالى:(فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْء. . .)، إذ كانوا يجحدون بآيات الله تعالى، وإن أول شكر للنعمة الإقرار بفضل من أنعم، وألا يسوى بغيره مما لَا يضر ولا ينفع، وليس له سمع ولا بصر ولا فؤاد، بل هي أحجار لَا حياة فيها.
(وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(79)
الضمير يعود على ذي الجلال والإكرام، والواو عاطفة، ذرأ معناها أظهر ونشر فهو اللَّه جل جلاله هو الذي أظهرنا في الأرض، ونشرنا في أقاليم شتى في الأرض، وجعلنا ألوانا وألسنة مختلفة، وتلك من آيات الله تعالى، كما قال جلت قدرته:(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ. . .)، وذكر سبحانه وتعالى في قوله:(فِي الأَرْضِ) إشارة إلى أن الانتشار في عموم الأرض كلها، وإشارة إلى أننا منها وبثنا الله تعالى فيها، وإليها نعود، ثم قال تعالى مبينا المآل:(وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تقديم الجار فيه معنى الاختصاص، أي إليه وحده تحشرون، لَا يكون معكم شيء مما تدعون من دونه، وقال سبحانه:
(تُحْشَرُونَ)، أي تُجمعون محشورين غير مفرقين، بل يكونون جمعا لَا تفاوت
(وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(80)
الضمير يعود أيضا إلى الله جل جلاله؛ وذلك لتربية المهابة في النفس، والمعنى: هو اللَّه الخالق الذي يحيي الإنسان كل يوم وكل ساعة من زمان، فينشئ من يحييه، ويميت من ينتهي أجله، فإذا جاء أجله لَا يستأخر ساعة، ولا يتقدم ساعة، ولكل أجل كتاب.
وكما ذكر اللَّه سبحانه وتعالى أنه يملك الحياة والموت، وأننا نعاين كل يوم من يموت، ومن يولد، ويستقبل الحياة فلله سبحانه وتعالى ما هو أعظم وأكبر، له الليل والنهار، وذكر سبحانه وتعالى الليل والنهار باللام على أن ذلك في سلطانه وقبضته سبحانه للإشارة إلى السماوات والأرض في قبضته؛ لأن الليل والنهار يجيئان من دوران الأرض حول الشمس أي من صلة الأرض بالسماء وطولهما وقصرهما يتبعان ذلك، فذكر الليل والنهار يومئ إلى سلطان اللَّه تعالى الكامل على السماء والأرض وما بينهما وعلى الوجود كله، وإذا كانت الحياة والموت تصور خلق الأحياء، وأنه في سلطان الحياة والموت، فإن ذكر اختلاف الليل والنهار يصور سلطانه سبحانه وتعالى على كل الوجود.
ثم قال تعالى: (أَفَلا تَعْقِلُونَ)" الفاء " لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والاستفهام للتحريض على التفكير بعقولهم، والموازنة بين الحقائق التي يرونها بأعينهم، والمعنى إذا رأيتم ذلك عينا ومحسوسا ألا تدركون بعقولكم أن اللَّه قادر على كل شيء، وعلى الإعادة بعد الموت، وأنتم ترون كل يوم حياة وموتا، والليل والنهار خلفة، ذلك هو اللَّه خالق كل شيء، ولكنهم مع ذلك ينكرون البعث ودلائله قائمة ثابتة تقرع حسهم.
(بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)
بل للإضراب والانتقال، وهو الانتقال من ذكر أحوال الكافرين المتشابهة جيلا بعد جيل، إلى المشركين الذين يعاندون النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان المشابهة بين قولهم وقول من سبقوهم، وأوضح هذه المشابهة في كفر الحاضرين بالبعث، كما كفر الماضون، وعقد سبحانه المشابهة في كفرهم بالبعث، فقال:(بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ) الذين غلب على تفكيرهم المادة المحسوسة دون الغيب المعقول، وفسر اللَّه تعالى قولهم الذي شابهوا به من سبقوهم، والتقوا مجهم على مائدة الإنكار لغير المادي المحسوس، (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابَا وَعِظَامًا أَئِنَّا لمَبْعُوثونَ) الاستفهام للإنكار، في قوله