المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وليس معنى التعليق أنهن إذا كن يبغين البغاء يكرهن، إنما - زهرة التفاسير - جـ ١٠

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(83)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(100)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(118)

- ‌(سُورَةُ النُّورِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(سُورَةُ الْفُرْقَانِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(سُورَةُ الشُّعَرَاءِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(42)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(77)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(82)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(100)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(112)

- ‌(113)

- ‌(114)

- ‌(115)

- ‌(116)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(120)

- ‌(121)

- ‌(122)

- ‌(123)

- ‌(125)

- ‌(129)

- ‌(130)

- ‌(131)

- ‌(133)

- ‌(134)

- ‌(135)

- ‌(137)

- ‌(138)

- ‌(140)

- ‌(141)

- ‌(146)

- ‌(147)

- ‌(149)

- ‌(150)

- ‌(151)

- ‌(152)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(157)

- ‌(158)

- ‌(159)

- ‌(160)

- ‌(165)

- ‌(166)

- ‌(168)

- ‌(169)

- ‌(170)

- ‌(172)

- ‌(174)

- ‌(175)

- ‌(176)

- ‌(182)

- ‌(183)

- ‌(184)

- ‌(185)

- ‌(186)

- ‌(187)

- ‌(188)

- ‌(189)

- ‌(192)

- ‌(195)

- ‌(198)

- ‌(200)

- ‌(202)

- ‌(203)

- ‌(204)

- ‌(205)

- ‌(206)

- ‌(207)

- ‌(208)

- ‌(209)

- ‌(210)

- ‌(212)

- ‌(214)

- ‌(215)

- ‌(216)

- ‌(217)

- ‌(218)

- ‌(219)

- ‌(220)

- ‌(222)

- ‌(223)

- ‌(224)

- ‌(225)

- ‌(227)

- ‌(سُورَةُ النَّمْلِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(73)

الفصل: وليس معنى التعليق أنهن إذا كن يبغين البغاء يكرهن، إنما

وليس معنى التعليق أنهن إذا كن يبغين البغاء يكرهن، إنما الشرط لتحقيق معنى الإكراه، فهو لَا يكون إلا حيث تكون إرادة التحصن وهو توبيخ لمالك الأمة التي تفعل، فهي الأمة تأبى أن تكون بغيا، وهو الذي يريدها بغيا، ويقول سبحانه:(لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وعرض الحياة الدنيا هو المال من طريقه الرخيص الذي لا يرضاه، وهو أدنى طريق وأحقره.

ثم يقول تعالى في بيان أن الله تعالى يعفو عن هؤلاء المكرَهات، ويكون إثم الإكراه على مواليهن، فقال:(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، أي إن الله يغفر لهن هذا الذنب الذي كان بإكراه، وقوله:(مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ) للإشارة إلى أن الفعل الآثم يكون من بعد الإكراه وبسببه، فالله يغفر ذلك الإثم، لأنه غفور رحيم.

هذه الأحكام كلها أحكام لصيانة المجتمع الإسلامي وليكون طاهرا لَا دنس فيه، ولصيانة الأسرة، ولصيانة المرأة المسلمة حرة أو أمة، والرجل المسلم حرا أو عبدا، وهي آيات بينات، ولذا قال تعالى:

ص: 5191

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ‌

(34)

يذكر الله تعالى في هذه الآية أنه أنزل في القرآن الكريم ثلاثة أمور.

أولها: (آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)، أي آيات مبينة للأحكام الشرعية في الأسرة والمجتمع الإسلامي والعلاقات الإنسانية بين المسلمين وغيرهم، ففيها الآيات المكونة للأسرة من زواج وأحكام أولاد، وحقوق للزوجين في أثناء قيام الحياة الزوجية وانتهائها، وحقوق المرأة وحقوق الرجل، ثم فيها ما شُرع حماية للأسرة.

والأمر الثاني: (وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ)، أي من أمثال الذين خلوا من قبلكم، و " مثل " هنا مفرد يدل على الجمع ما دام غير معين، وهو القصص الحكيم الذي كان فيه العبر، كما قال تعالى:(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ. . .).

ص: 5191

والأمر الثالث: الموعظة - ببيان عقاب الذين يفسدون المجتمع الإسلامي، فذكر من قبل القصاص الذي تكون فيه المساواة بين الجريمة والعقوبة، وساق سبحانه القول في ذلك سوقا حكيما، ثم عقاب الذين يفسدون النسل، والذين يشيعون الفاحشة في الذين أسلموا، ففي كل هذا وعقوباته عظات لأولي الألباب يتعظ بها المتقون الذين يخافون عقابه ويرجون ثوابه، أما الذين لَا يتقون الله ولا يرجون ما عنده، فالسياط تكوي ظهورهم، والسيوف تقطع رقابهم، كما قال تعالى:(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ. . .).

* * *

نور الله ومساجده

(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

* * *

ص: 5192

النور في لغة العرب ضد الظلام وهو الذي يضيء للأبصار فترى الأشياء وتميز بينها، وقد أطلق على سبيل المجاز على ما يميز بين المعاني فيفرق بين الحق والباطل، ولذا وصف به القرآن الكريم، فقال تعالى:(. . . وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نورًا مُّبِينًا)، وقال تعالى في وصف الكتاب:(. . . وَالْكِتَابِ الْمُنيرِ)، وسمي النبي صلى الله عليه وسلم نورًا فقال تعالى:(. . . قَدْ جَاءَكم مِّنَ اللَّهِ نَورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ).

وأطلق على التدبير المحكم، فيقال في مدح الملوك: الملك نور هذا البلد، وعلى رب البيت أنه نور البيت. وفي كل هذه الأمثلة يكون النور معنويا فاصلا بين الحق والباطل، والسديد وغير السديد، وعلى هذا نذكر معاني قوله تعالى:

ص: 5193

(اللَّهُ نُور السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، أي الله مدبر الوجود ومنشئه، خلقه ودبره في أدق نظام، وأعظم إبداع، فربط بين أجزائه برباط محكم لَا تنفصل كواكبه، ولا نجومه فتتساقط كوكبا بعد كوكب، ونجما بعد نجم، يأبى الله على السماوات والأرض أن تزولا، (وَلَئِن زَالَتَا إِن أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعدِهِ. . .).

فقوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) كلمة (نور) من قبيل الاستعارة، إذ شبه إدارة الله تعالى للسماوات والأرض وتعليماته للعقلاء، وتسخيرها لغير العقلاء، بنظام رتيب محكم دقيق بالنور المميز، فصح وصف الله تعالى أو الإخبار عنه بالنور على هذا المعنى المجازي المصور لما نرى ونحس، ونور الله فوق ما نبصر وأعلى مما ندرك.

صور الله تعالى نوره المميز للأشياء والعقلاء مقربا له من مداركنا فيما نحس ونعلم ونرى، فقال تعالى:(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) المشكاة هي الكوة في البيت، والمصباح في هذه المشكاة أي في الجدار الذي فتحت فيه الكوة، وهي النافذة الضيقة التي ينبعث منها النور للبيت وهي في ذاتها منيرة، وينبعث نورها بقوة، لضيقها، ويشع داخل الحجرة، ومع ذلك قد وضع في جدارها مصباح فيه زجاجة، وهي

ص: 5193

قنديل الزيت، وهي صافية صفاء واضحا، ومتلألئة، وكأنها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، و (دُرِّيٌّ)، كالكواكب الدرية المزهرة المنيرة، و (دُرِّيٌّ) نسبة للدر المتألق، وذلك إذا قرئت بضم الدال، وتقرأ بكسرها دِرِّي، وتكون على وزن فعّيل وهي من الدر قلبت الهمزة ياء، وذلك الإعلال كثير في اللغة العربية، وأدغمت التاء في الياء لسكون إحداهما (1). والدرء: الدفع، ويكون معناها أنها تدفع الظلام، وقوله تعالى:(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) الضمير في يوقد يعود على (كَوْكَبٌ) المشبه به في الآية، وهذا على قراءة الياء، وعلى قراءة التاء يعود الضمير إلى زجاجة، وهي المتحدث عنه.

(مِن شجَرَةٍ)" من " للابتداء، أي مصدر الوقود شجرة مباركة، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون، والوقود من زيتها فهو منها، على هذا المعنى، وقد قال تعالى في هذه الشجرة على أنها من نعم الله تعالى:(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ)، وكانت الشجرة مباركة، وكما قال الزمخشري وصفها سبعون نبيا بأنها مباركة، وحسبها وصف القرآن، وصفها القرآن بأنها مباركة هنا وفي سورة " المؤمنون "، وإذا كانت سورة " المؤمنون " مكية، وسورة " النور " مدنية، فقد أجمع القرآن المكي والمدني على أنها مباركة، وبركتها في أنها ذات منافع كثيرة، يكون منها الوقود المضيء، وهو دهن يكون طعاما طيبا، وهو يدخل في أدوية الجلد الطبية، وترابه إذا حرق يكون كحلا للعيون ولا يضرها، وهو إدام، والزيتون نفسه للطعام، وهو الصبغ الذي قال الله فيها:(وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ).

وقال عز من قائل: في وصف هذه الشجرة المباركة (زيتونة) وهذا بدل من (مباركة)، وهو إيضاح بعد إبهام فيكون فيه بيان مؤكد، وقد وصفها سبحانه بقوله:(لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ)، أي أنها في وسط الأرض لَا ينقطع عنها ضوء الشمس، إذ الشرقية ينقطع عنها الضوء في المساء، والغربية ينقطع عنها الضوء في الصباح، فهي لا تستر عنها الشمس في المساء أو الصباح، وهذا يساعد على نموها ونمو ثمارها.

(1) قرأها بكسر الدال وتشديد الياء، من غير مد ولا همز: المفضل عن عاصم. وقد شذت هذه القراءة فلا يقرأ بها اليوم، وقرأها بضم الدال وبالمد والهمز: حمزة وأبو بكر، وقرأ الباقون بضم الدال وياء مشددة، من غير مد ولا همز. غاية الاختصار: 2/ 589.

ص: 5194

ووصف سبحانه وتعالى زيتها بالصفاء فقال تعالى: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ولوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) فهو صاف لَا عكرة فيه، ومشرق لَا دكنة فيه.

(نُّورٌ عَلَى نُورٍ)، أي أنه نور يجيء على نور، فنور المشكاة التي تدخل الحجرة نورها فيضيء، ونور المصباح، ونور الزجاجة، التي هي كالكوكب الدري، ونور الزيت الذي يكاد لصفائه يضيء.

وكل هذا وصف لنور الله الهادي المرشد، فإنه يغمر القلوب التي تفتح له بالهداية، وأما الذين حقت عليهم الضلالة فإنهم لَا يهتدون، وسدت القلوب عن أن يصل النور إليها.

ولذا قال تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) وهو من سلك طريق الهداية، وأبعد عن نفسه الغواية، التي يوسوس بها الشيطان، ويحاول جاهدا أن يغوي عباد الله، (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ)، يبين سبحانه وتعالى الأشباه والنظائر والغايات والنتائج ليهتدوا، (وَاللَّهُ بَكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، أي بكل شيء عليم، يعلم المهتدين وطريق هدايتهم، ويعلم الضالين وعاقبة ضلالهم، فهذه الجملة فيها تبشير للمؤمنين المهتدين، وإنذار للضالين الذين أغواهم الشيطان.

وقبل أن نترك الكلام في معاني هذه الآية لابد من ذكر إشارة بيانية، هي أن الله تعالى ذكر (مِصْبَاحٌ) منكرة ثم ذكرها من بعد ذلك معرفة، فيكون المبهم والمعرف واحدا، والذكر بالإبهام تم التعريف فيه بيان بعد إبهام، وفي ذلك فضل بيان وتأكيد، وكذلك بالنسبة لزجاجة فقد ذكرت نكرة، ثم ذكرت معرفة، وذلك فيه أيضا بيان وتأكيد للبيان، وقد بين سبحانه بعد ذلك مكان النور الرباني، فيكون أشد ما يكون في المساجد، فقال تعالى:(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

ص: 5195

ْالآيتان مرتبطتان بالآيات التي قبلهما إعزازا للمعنى؛ وذلك لأن قوله تعالى

ص: 5196

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ) الجار والمجرور متعلقان بالآية التي قبلها، وفيها عدة أفعال كل فعل فيها يصلح متعلقا، فيصح أن يكون متعلقا بقوله:(يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ)، ويصح أن يكون متعلقا بقوله:(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) ويصح أن يكون التعليق بقوله: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) فالتعليق يصح أن يكون لفعل من هذه الأفعال، فالمساجد تتعلق بالنور والهداية، وهي بيوت الله تعالى، وفيها النور، وفيها يوقد النور الإلهي، وفيها الهداية.

ونكرت البيوت، لتذهب النفس في تعرفها كل مذهب، وقد عرفها سبحانه وتعالى بوصفها الذي يجليها، ويزيل إبهامها للنكرة، وهو قوله تعالى:(أَذِنَ اللَّهُ) الإذن الإعلام، ورفعتها هي رفعة مكانتها وقدرها، فالرفعة معنوية لَا حسية، ورفعتها المعنوية، لأن فيها النور وفيها الهداية، وفيها السمو، وفيها الربانيون الذين لا يريدون إلا رضا الله تعالى، وإنه يقترن بهذه الرفعة، أو بذكر اسم الله تعالى، ولذا قال تعالى:(وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، أي تتذكر القلوب اسم الله تعالى، وتمتلئ بهيبته وجلاله، وترتفع إلى مقام التجرد الروحي لله تعالى، فليس المراد كما يظهر ذكر اسم الله بلفظ الجلالة، وترداده في حلقات ذكر، وما تلهث فيه الأنفاس وتردده من صياح، بل المراد تذكر القلب والعقل لعظمته وامتلاؤهما بجلاله، وتقشعر منه الجلود، لَا بمجرد التمايل في حلقات ربما يتوسطها الشيطان!! ويكون فيها تقديس الله تعالى، وتنزيهه وعبادته كما جاء بها القرآن والسنة، ولذا قال تعالى:(يُسَبِّحُ) فِيهَا بِالْغدُوِّ وَالآصَالِ)، أي في الصباح، وهو أول اليوم، والآصال، وهي جمع أصيل، وهو آخر اليوم، وربما يدخل فيها ما بعدها، وهو العشي، كما قال تعالى في آية أخرى (. . . بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، والتسبيح هنا يحتمل أن يراد به التنزيه المطلق، ويكون المراد أنه في هذه البيوت التي يذكر فيها اسم الله تعالى ينزه الله تعالى ويقدسه فيها رجال. . إلى آخره، فهي بيوت الله لَا يذكر فيها غيره، ولا يقدس فيها سواه.

ص: 5196