الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزواج فرض على العبد، وعبر بالصالحين من عبادكم وإمائكم؛ لأنهم الذين يرغبون في الصون والعفاف.
وكذلك الأمر بالنسبة للإماء إن خشي عليهن العنت يكون واجبا عليها أن تتزوج، وهي لَا تملك نفسها، بل يملك الولاية عليها مالكها، فيكون التزويج فرضا عليه، فإن لم تره وأراده كان له أن يكرهها، وقد أجمع الفقهاء على أن التزويج على الأمة ولاية إجبار لَا اختيار لها فيها.
وعباد جمع عبد، وإماء جمع أمة.
إذا كان واجبا على الجماعة أن تسهل الزواج وتشيعه لأنه سنة الإسلام، فإنه لا يصح أن يحول الفقر منه بين الزواج، فإن المال مال الله غاد ورائح، ففقير اليوم قد يكون من بعد غنيا، ولذا قال تعالى:(إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّه مِن فَضْلِهِ وَاللَّه وَاسعٌ عَلِيمٌ) أي أن الله تعالى يعطي من يشاء، ويغني من يشاء، (وَاللَّهُ وَاسعٌ عَلِيمٌ) أي واسع الرحمة والعطاء، عليم بمكان الحاجة وموضع العطاء.
وإن هذا النص يشمل الأحرار؛ لأنه قد يكون فقيرا، أما العبيد أو الإماء فلا مال يملكونه، وقد يدخل فقراء الملاك في العموم أيضا.
ثم قال تعالى في علاج حال الفقراء، فقال عز من قائل:
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
…
(33)
اللام لام الأمر، و " يستعفف " السين والتاء للطلب، والمعنى ليطلب العفة ولايتجافى سبيلها والوصول إليها والحصول عليها، إنما يسلك كل المسالك لطلبها، فهي طلب للجهاد في العفة والحصول عليها (الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا) أي مهيئات النكاح من مهر ونفقة، ومسكن إلى آخر ما يكون سببا للنكاح أو تمهيدا له، فالتعبير بالنكاح ذكر للمسبب وإرادة للسبب، ومن لم يجد مهيئات النكاح لَا يجد النكاح، وأسباب الاستعفاف كثيرة منها ضبط النفس، ومنها الصيام، ومنها الانشغال بالعبادة وتلاوة القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " (1) الباءة تكاليف الزواج التي يمكنه أن يبوء بها في هذه العقدة المباركة، والصوم يتضمن معاني روحانية والتجرد من الملاذ والأهواء، ويتضمن الصبو وضبط النفس، وقرع الشهوات، والوجاء قطع الشهوات، ودفع سيطرتها، فتكون الشهوة أمة ذلولا، ولا تكون سيدا مطاعا، تخضع له النفوس وتتطامن، وتخنع.
وإن الاستعفاف يستمر حتى يغنيهم الله من فضله، فهو يستمر ضابطا نفسه مسيطرا عليها، حتى يغنيه الله تعالى من فضله أي بفضله ورحمته، وهو ذو الفضل العظيم.
وإن هذا الاستعفاف للأحرار من الرجال الذين لَا يملكون باءة النكاح، فما حال الرجال العبيد الذين لَا يملكون أسباب النكاح، ولهم فيه رغبة، ولا يزوجهم مواليهم، فما الذي يستطيعونه، شرع الله تعالى لهم المكاتبة وطالبهم بأدائها، وأمر الموالي أن يجيبوهم، فقال تعالى:(وَالَّذِينَ يبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا).
(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ)، كلام مستأنف له صلة بالكلام السابق، و (يَبْتَغُونَ) يطلبون راغبين متشددين في الطلب، والكتاب مصدر كاتَب يكاتب؛ لأن مصدر فاعل، فِعَال أو مُفاعلة كقتال ومقاتلة، وعناد ومعاندة، فمعنى الكتاب المكاتبة، أي إن طلبوا المكاتبة (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِم خَيْرًا) والفاء هي كالفاء الواقعة في جواب الشرط، لأن الاسم الموصول، (وَالَّذِينَ يبْتَغُونَ الْكِتَابَ) في معنى فعل الشرط، والمكاتية اتفاق بين المالك والمملوك على أن يتركه حتى يحصل على قدر من المال يتفقان عليه، فإن أنفذه وأداه عتق، وقد شرع الله ذلك العقد تسهيلا لفك الرقاب من غير ضياع حق للمالك، وتعليق الأمر بالمكاتبة على قوله:(إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) والخير هنا الأمانة والاستقامة والقدرة على السعي للحصول على مال المكاتبة، وقال
(1) رواه البخاري: الصوم - الصوم لمن خاف على نفسه العزبة (1772)، ومسلم: النكاح - استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (2485). من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
الظاهرية وبعض الفقهاء إن الأمر هنا (فَكَاتِبُوهُمْ) للوجوب بمقتضى ظاهر الأمر، أي إن الأمر هنا للوجوب بمقتضى ظاهر اللفظ.
وإنه من الواجب أو المندوب أن يؤتيهم القادرون ما يستعينون به على فك رقابهم، ولذا قال تعالى:(وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) أعطوهم من المال الذي أعطاكم الله تعالى، ونسبة المال إلى الله تعالى فيه حث على الإعطاء؛ لأنه بمال الله الذي جعلكم مستخلفين فيه، فكان حقا عليكم بمقتضى هذا الاستخلاف أن تعطوه لعيال الله تعالى، وهم الفقراء الأرقاء الذين يحتاجون ليفكوا رقبتهم، وقد أوجب الله تعالى ذلك فجعله مصرفا من مصارف الزكاة، وهو يصرف في الرقاب في قوله تعالى:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ. . .).
وقال الفقهاء: إن سهم الرقاب ينفق في معاونة المكاتبين حتى يسدوا ما عليهم، وتسارع لهم الحرية.
وقد نهى سبحانه عن إكراه الإماء على البغاء، وهو طلب المرأة للزنى، وقد كان رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول عنده ست إماء كان يكرههن على البغاء ويأخذ أجورهن وهو سحت، لأن مهر البغايا سحت، وقد قال تعالى:(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) الفتيات المراد بهن الإماء، وعبر عنهن بالفتيات لنقتدي بالقرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" لا تقل عبدي وأمَتي بل قل فتاي وفتاتي "(1)
وللحض على عدم إكراههن على البغاء لأنهن فتياته، فلا يسوغ إكراههن؛ ولأن التعبير بالفتاة فيه إيماء إلى صغرهن، وأنه مرغوب فيهن مبغي طلبهن ولسن عجائز يرغب عنهن، وقوله تعالى:(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)، مبالغة في اللوم والتأثيم، والتحصن إرادة حصن العفة يتحصنَّ به، ولا يجعلن أنفسهن متاعا يستفرشه الرجال في حرام.
(1) رواه بنحو من هذا مسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها - حكم إطلاق لفظ العبد على المولى (4177)، والبخاري: العتق (2366) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.