الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ)
بين يدي السورة
هذه أولى آيات سورة آل عمران، وهي مدنية، وقد سُميت بآل عمران لاشتمالها على قصتهم؛ إذ قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)، إلى آخر كلامه العزيز في تلك العبرة التي ساقها.
موضوعات السورة:
وإن هذه السورة الكريمة:
(1)
فيها تنويه بذكر القرآن وأقسامه، وإشارة إلى محكمه والمتشابه منه، وأقسام الناس في تلقي ذلك الهدى الإلهي الذي لَا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(2)
وفيها قصة آل عمران، وولادة مريم البتول، ويحيى النبي، وعيسى الرسول، وما اكتنف ولادتهم من آيات تدل على كمال إرادة الله تعالى في خلقه.
(3)
وفيها إشارات إلى معجزات عيسى عليه السلام، وكفر من دعاهم بعد هذه المعجزات الظاهرة القاطعة، وإن ذلك يدل على أن العناد يضع غشاءً على العين فلا تبصر، وعلى البصيرة فلا تدرك.
(4)
وفيها مجادلة النبي صلى الله عليه وسلم مع النصارى واليهود، وبيان طائفة من أخلاق اليهود واعتقادهم أن الإيمان احتكار لذهب، وتغليق القلوب عن غيره؛ إذ قالوا:
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ -) إلى آخر كلامه العزيز في تلك العبرة.
(5)
وفيها بيان أن الإسلام في لُبِّه ومعناه هو دين كل الأنبياء السابقين؛ لأنه دين الله السرمدي، سبق بالدعوة إلى حقيقته النبيون، وختم الله الدعوة بخاتم النبيين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم.
(6)
وفيها بيان فريضة الحج المحكمة وبيان الوحدة الإسلامية، وفي جمعها مع الحج في موضع واحد إشارة إلى أن الحج من وسائلها، وأعقب ذلك ببيان فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها ركن الوحدة الإسلامية ودعامتها، والذريعة لجعل هذه الوحدة على ألسس فاضلة مشتقة من هَدْي الدين الحكيم.
(7)
وفيها بيان واجب قادة المؤمنين من ألا يتخذوا بطانة من غير المؤمنين؛ إذ هم في حقيقة أمرهم لَا يألون المؤمنين خبالا ويودون عنتهم، ثم فيها تفصيل محكم لغزوة أحد، وبيان سبب الهزيمة وأعقابها، والعبرة في هذه الغزوة التي كانت فيها هزيمة ولكن لم يكن فيها خذلان، بل كانت العبرة فيها والاعتبار بها باب الفتح المبين. وفي أثناء القصة وختامها بيان حال قتلى المؤمنين وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
(8)
وفيها إشارة إلى أعمال المنافقين في النصر والهزيمة، واتباع ضعاف
الإيمان لوسوستهم، وصيانة الله لأقوياء الإيمان من أعمالهم.
(9)
ثم فيها عزاء للنبي صلى الله عليه وسلم بذكر ما كُذِّب به الأنبياء السابقون مع أنهم أتوا بالبينات والأدلة الحسية القاطعة إذ قال سبحانه: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ).
(10)
وفيها بيان أن الله سبحانه سيبتلي المؤمنين ويختبرهم، وفي الابتلاء صقل إيمانهم.
(11)
وفيها بيان أخلاق المؤمنين وتفكرهم في خلق السماوات والأرض وما بينهما، وضراعتهم إلى ربهم، واستجابة الله تعالى لهم، وجزاؤهم يوم القيامة، والمقابلة بينه وبين جزاء الكافرين الذين اغتروا بالحياة الدنيا مع أن متاعها قليل، وفيها إنصاف كريم لبعض أهل الكتاب الذين آمنوا وصدقوا ولم يسرفوا على أنفسهم بالإنكار والتكذيب مع قيام الدلائل الواضحة القاطعة.
(12)
ثم ختم سبحانه بدعوة المؤمنين إلى مجاهدة المشركين با لتقوى وبالصبر وبإعداد العدة، فقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصْبِروا وَصَابِروا وَرَابطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ).
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
* * *
(الم) هذا الاسم القرآني الذي سَمى به القرآن هذه السورة، وهذه حروف تقرأ في القرآن الكريم بأسمائها، وهي ألف لام ميم. والمعنى الذي تدل عليه هذه الحروف غير معلوم على وجه اليقين كما أسلفنا في سورة البقرة والله أعلم بمراده منها، ولا يستطيع عالم يعتمد على الحقائق العلمية أن يقرر المراد من هذه الحروف، والمعنى المحرر لها، وأقصى ما ذكره العلماء لها حِكَم يدل عليها ذكرها، ومن أحسن ذلك أن يقال: إن هذه الحروف تشير إلى أن القرآن الكريم من جنس ما يتكلم به العرب، وأنه مكون من الحروف التي يتكون منها كلامكم، ومع ذلك تعجزون عن أن تأتوا بمثل سورة منه؛ فهي إشارة إلى العجز مع الطمع في أن يحاولوا، ولن يأتوا بسورة من مثله. ومن أحسن ما يقال أيضا أن النبي الأمي كان ينطق بهذه الحروف التي كان لَا يعرفها إلا من يقرأ ويكتب، فاشتمال القرآن عليها مع أميته عليه السلام دليل على أنه من عند الله. ومن ذلك أيضا
ما قيل من أن هذه الحروف الصوتية التي اشتملت عليها بعض أوائل السور إذا أنطق بها الناطق مع ما فيها من مد طويل أو قصير، استرعى ذلك الأسماع فاتجهت إليه، وإن لم يُرد السامعون. ويروى في ذلك أن المشركين من فرط تأثير القرآن قد تفاهموا على ألا يسمعوا لهذا القرآن:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَروا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ). فكانوا إذا قرعت آذانهم هذه الحروف بمدها، التفتوا مرغمين، ثم هجمت على قلوبهم من بعد ذلك الآيات البينة المحكمة، تعالت كلماته سبحانه:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم): هذه الجملة السامية تبين أصل التوحيد، وتقرر معناه، فابتدئت بلفظ الجلالة الذي يدل على كمال الألوهية، وانفراده - سبحانه - بحق العبودية، إذ إنه الإله وحده الذي أنشأ الخلق ورباه ونماه، ولا مالك لهذا الوجود ومن فيه وما فيه سواه. ولفظ " الله " علم على الذات العلية المتصفة بكل كمال والمنزهة عن كل نقص، والتي لَا تشابه الحوادث، ولا يشبهها شيء من الحوادث:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
ثم صرح سبحانه وتعالى بما تضمنه لفظ الجلالة وهو الانفراد بالألوهية وحق العبودية فقال سبحانه: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أي لَا معبود بحق إلا هو، أوْ لَا إله في الحقيقةِ والواقع إلا هو، وكل ما يدعى له الألوهية من شخص أو وثن فهو ليس إلا أسماءٌ سماهم بها المشركون الضالون، وليس من حقيقة الألوهية في شيء (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ. . .)، ثم بين سبحانه الأوصاف التي تبين استحقاقه وحده لحق العبودية، فقال سبحانه:(الْحَيُّ الْقَيُّومُ) أي الدائم الحياة الذي لَا يفنى، ويفنى ما سواه، ولا يستمد حي حياته إلا بإرادته سبحانه، وهو القائم بنفسه، والقائم على كل شيء، والمدبر لكل شيء. فهذا معنى القيوم (1).
(1) قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله تعالى: قد فسرنا هذه الجملة السامية في تفسير آية الكرسي فارجع إليه. .