الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَقْرَبُونَ}. قال: فنسختها: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ؛ من النَّصْرِ والنَّصِيحِ والرِّفَادة، ويوصي له، وقد ذهَبَ الميراث".
أخرجه البخاري (2292) و (4580) و (6747) وأبو داود (2922) والنسائي في "الكبرى"(4/ 90/ 6417) و (6/ 322/ 1103) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(3/ 937/ 5236) وابن جرير الطبري (8/ 277/ 9275 - شاكر) وابن المنذر (2/ 682/ 1694) وأبو جعفر النحاس في "ناسخه"(ص 101 - ط الكتب الثقافية).
من طريق: أبي أسامة، ثنا إدريس بن يزيد الأودي، ثنا طلحة بن مصرّف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
* * *
سبب نزول آية التيمّم:
233 -
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعضِ أسفاره، حتى إذا كان بالبيداء، أو بدات الجيش- انقطَعَ عقدٌ لي فأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناسُ معه؛ وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناسُ إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنَعَتْ عائشةُ! أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس؛ وليسوا على ماء، وليس معهم ماء!
فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسَه على فخذي- قد نام، فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس- وليسوا على ماء، وليس معهم ماء؟!
فقال أبو بكر ما شاء أن يقول، وجَعَلَ يطعنُ بيده في خاصِرَتي؛ فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماءِ؛ فأنزل الله آية التيمّم (فتيمموا) [النساء: 43].
فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فوجدنا العقد تحته".
أخرجه البخاري (334، 3672، 4607، 6844) ومسلم (367) ومالك 225
في "الموطأ"(1/ 59 - 60/ 147) والنسائي في "المجتبى"(1/ 163) أو (309) وفي "الكبرى"(1/ 132/ 299 و 6/ 6/ 323/ 11107) وأحمد (6/ 179) أو رقم (25562 - قرطبة) والطبري في "تفسيره"(8/ 400 - 401/ 9635 - شاكر) والواحدي في "أسباب النزول"(ص 154 - الحميدان) والشافعي في "مسنده"(ص 160) مختصرًا.
من طريق: عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به.
* * *
234 -
عن عائشة - رضي الله تعالى عنها، في قول الله عز وجل:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. قالت: "هي المرأة عند الرجل، لا يستكثر منها، فيريدُ أن يطلِّقَهَا ويتزوَّجَ غيرها، فتقول: احبسني ولا تطلّقني؛ وأنت في حِلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي، فأنزل الله عز وجل:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} .
أخرجه البخاري (1531، 460، 5205) ومسلم (3021) وابن أبي حاتم (4/ 1081/ 6045) والنسائي في "الكبرى"(6/ 329/ 11125) والواحدي في "أسباب النزول"(ص 185 - الحميدان).
من طريق: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به.
وللآية سبب آخر في نزولها سيأتي تخريجه في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.
* * *
235 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال، {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]- قال: "عن بدرٍ، والخارجونَ إلى بدرٍ، قال عبد الرحمن بن جحش الأَسْدِيّ وعبد الله -وهو ابن أم مكتوم-: إنا أعميان يا رسول الله؛ فهل لنا رخصة؟ فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} ، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر، {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ
عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر".
أخرجه البخاري (3954، 4595) - مختصرًا- والنسائي في "الكبرى"(6/ 326 - 327/ 11117) والترمذي (3032).
من طريق: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس به.
* * *
236 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال:"لما نزلت هذه الآية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، فجاء بكَتِفِ؛ فكتبها. قال: فجاء ابن أم مكتوم؛ فشكا ضرارته إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ".
اْخرجه البخاري (2831، 4593، 4594) ومسلم (1898) وأحمد (4/ 282، 284، 299 - 300، 301) أو رقم: (18536، 18559، 18707، 18608 - قرطبة) والنسائي في "الكبرى"(6/ 327/ 11118) وفي "المجتبى"(6/ 10) والترمذي (1670، 3031) والدارمي في "المسند"(3/ رقم: 2464 - الداراني) وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 154) والطيالسي في "مسنده"(رقم: 705) وابن حبان في "صحيحة"(1/ 228، 229، 303/ 40، 41، 42) والطبري (5/ 228) والواحدي في "أسباب النزول"(ص 176، 177) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(3/ 1043/ 5845) وأبو يعلى في "مسنده"(3/ 269/ 1725) والبيهقي في "السنن"(9/ 23) والبغوي -أبو القاسم- في "الجعديات"(رقم: 2605 - الكويت) أو (2/ 225/ 2523 - الخانجي).
من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن البراء به.
* * *
لا يسجد المأموم حتي يمكِّنَ الإمام جبهته من الأرض:
237 -
قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا الربيع بن نافع، حدثنا أبو إسحاق -يعني الفزاري- عن أبي إسحاق، عن محارب بن دثار، قال:
سمعتُ عبد الله بن يزيد يقول على المنبر: حدثني البراء: (أنهم كانوا يصلُّون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ لم نَزَلْ قيامًا حتى يَروْهُ قد وضَعَ جَبهَتَهُ بالأرض، ثم يَتْبَعُونَهُ صلى الله عليه وسلم".
أخرجه مسلم (474/ 199) وأبو داود (622) وأبو عوانة في "مسنده"(1/ 497/ 1853) والبيهقي في "السنن"(2/ 92) وأبو يعلى في "مسنده"(3/ 238/ 1686).
من طريق: أبي إسحاق الفزاري به.
وأخرج البخاري (690 - انظر أطرافه) ومسلم (474) وأحمد (4/ 284، 285) أو رقم (18562، 18568 - قرطبة) وأبو داود (621) والنسائي في "المجتبى"(2/ 96) أو رقم (828) وفي "الكبرى"(1/ 291/ 903) والترمذي (281) والطيالسي (رقم: 718) وابن حبان في "صحيحه"(5/ 605، 606/ 2226، 2227 - الإحسان) والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 92) والبغوي في "شرح السنة"(رقم: 847) وأبو يعلى في "مسنده"(3/ 251 - 252/ 1697) وغيرهم، من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء به نحوه.
* * *
238 -
عن ابن شهاب الزهري، أن سالم بن عبد الله حدَّثه؛ أنه سمع رجلًا من أهل الشام - وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التَّمَتُّعِ بالعمرة إلى الحج، فقال عبد الله بن عمر:"هي حلال".
فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها!
فقال عبد الله بن عمر: "أرأيتَ إن كان أبي نهى عنها؛ وصنعها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ أأمر أبي يُتَّبَعُ أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟
فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: "لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أخرجه الترمذي (824) وقال: "حديث حسن صحيح".
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وفي الأثر: أن الأصل في مسائل الشرع أخذها من الكتاب والسنة، لا من آراء الرجال - مهما كانت منزلتهم.
فهذا عبد الله بن عمر يردّ رأي أبيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب؛ لأنه خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
ففيه مدى صدق الصحابة وإخلاصهم واقتفائهم للسنة والحرص عليها، ولو كان في ذلك خلاف ما عليه آباءهم.
فكيف الحال اليوم بمن يقدمون آراء الرجال -عالمهم وجاهلهم- على هدي نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
239 -
عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: قال عبد الله بن عمر: "سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا تَمْنَعُوا نسَاءَكُم المساجدَ إذا استأذنكم إليها".
فقال بلال بن عبد الله: "والله لنَمْنَعُهُنَّ؛ إذًا يتَّخِذْنَهُ دَغَلًا".
قال: فأقبل عليه عبد الله، فسبَّه سبَّا سيئًا - ما سمعتُه سبَّهُ مثلَهُ قط، وقال:"أُخبِرُكَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت: لنَمْنَعُهُنَّ! ".
أخرجه مسلم (442) وأبو عوانة (1/ 395/ 1439) من طريق ابن شهاب، عن سالم به. ثم أخرجه مسلم (442) وأحمد (2/ 36، 43، 49، 145) أو رقم (4933، 5021، 5101) شاكر، وأبو داود (568) والترمذي (575) والطيالسي (1894) وأبو عوانة في "مسنده" -أو مستخرجه- (1/ 395/ 1442) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 147/ 5158) والطبراني في "الكبير" (12/ رقم: 13471، 13472) والبيهقي (3/ 132) وابن حبان (5/ 587 - 588/ 2210).
من طرق؛ عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر به.
240 -
عن عطاء بن يسار رحمه الله؛ أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء:"سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مِثْلًا بمثل".
فقال معاوية: "ما أرى بهذا باسًا".
فقال أبو الدرداء: "من يعذرني من معاوية! أُحدِّثهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وُيخبرني عن رأيه! لا أُسَاكِنُكَ بأرضِ أنت بها".
ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فذكر ذلك له،
فكتب عمر التي معاوية: أن لا تَبعْ ذلك إلَاّ مِثلًا بِمثلِ، وورنًا بوزنٍ".
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 133/ 33) -31 - كتاب البيوع، 16 - باب: بيع الذهب بالفضة تبرًا وعينًا، وفي "موطأ مالك" لمحمد بن الحسن الشيباني- روايته- (ص 290/ رقم: 818 - ط دار القلم) والشافعي في "الرسالة"(ص 446/ رقم: 1228) وأحمد (6/ 448) -مختصرًا- والنسائي في "المجتبى"(7/ 279) وفي "الكبرى"(4/ 30/ 6164) وابن بطة في "الإبانة"(1/ 257 - 258/ 94) والهروي في "ذم الكلام"(2/ 227 - 228/ 294) والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 280).
من طريق: مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء به.
وصححه العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "الرسالة" للإمام الشافعي، وكذا العلامة الألباني في "صحيح سنن النسائي" (رقم: 4236)
وقد اختُلِفَ في سماع عطاء من أبي الدرداء رضي الله عنه؛ انظر "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 70 - وما بعدها).
وانظر لفقه الأثر: "التذكرة" للإمام القرطبي (2/ 245 - 246 - ط المكتبة العصرية).
وسيأتي مزيد من الكلام على فقهه في الأثر الآتي.
241 -
وعن أبي قلابة، قال: "كنتُ بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث. فجلس، فقلتُ: حدَّث أخانا حديث عبادة بن الصامت.
قال: "نعم؛ غزونا غزاة - وعلى الناس معاوية -، فَغَنِمنَا غنائمَ كثيرة، فكان فيما غنمنا؛ آنية فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناسُ في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهَب بالذَّهَب، والفضة بالفضَّةِ، والبُرِّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمرِ بالتمرِ، والملحَ بالملح؛ إلا سواءَ بسواء، عينًا بعين، فمن زادَ أو ازدادَ فقد أَرْبَى".
فردَّ الناسُ ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا، فقال:"ألا ما بالُ رجال يتحدَّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديثَ قد كُنَّا نشهدُه ونصحبُه؛ فلم نَسمَعْهَا منه"!
فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال:"لنَتَحَدَّثَن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كَرِهَ معاوية- وفى رواية: وإن رغم أنف معاوية-، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء".
أخرجه مسلم (1587) والدارمي (3/ 1685/ 2621 - الداراني) والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 277) وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 78 - 79 - الطبعة المغربية) والهروي في "ذم الكلام "(2/ 233/ 301). من طريقين عن أبي قلابة به:
1 -
خالد الحذاء عنه به.
2 -
أيوب عنه به.
وأخرجه أحمد (5/ 319) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 104/ 2535) والنسائي في "الكبرى"(4/ 29/ 16159) وفي "المجتبى"(7/ 319) أو رقم (4580) والبيهقي (5/ 478) والمزي في "تهذيب الكمال"(7/ 164) والهروي في "ذم الكلام"(2/ 234/ 302) وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 76، 76 - 77).
من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت به بنحو منه.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (1/ 8) مقدمة السنن، وابن بطة (256 - 257/ 93) من طريق: برد بن سنان، عن أبي إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة به.
فقه الأثر:
قال ابن بطة رحمه الله في "الإبانة"(1/ 259 - 265):
"فاعتبروا يا أولي الأبصار! فشتَّان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين ملئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم، والشح على أديانهم؛ وبين زمان أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم -هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد ساداتهم- يقطع رَحِمَهُ، ويهجُرُ حميمه؛ حين عارضه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف أيضًا على قطيعته وهجرانه، وهو يعلم ما في صلة الأقربين وقطيعة الأهلين.
وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء - سمَّاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حكيم هذه الأمة - وأبو سعيد الخدري؛ يظعنون عن أوطانهم، وينتقلون عن بلدانهم، ويظهرون الهجرة لإخوانهم؛ لأجل من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقَّفَ عن استماع سُنَّتِهِ.
فيا ليت شعري! كيف حالنا عند الله عز وجل ونحن نلقى أهل الزيغ صباحنا ومساءنا - يستهزئون بآيات الله، ويعاندون سنة رسول صلى الله عليه وسلم؛ حائدين عنها، وملحدين فيها؟! سلَّمنا اللهُ وإياكم من الزيغ والضلال" اهـ.
وقال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في "التمهيد"(4/ 86 - 87):
"فقول عبادة: (لا أساكنك بأرض أنت بها)، وقول أبي الدرداء على ما في حديث زيد بن أسلم - يحتمل أن يكون القائل ذلك قد خاف على نفسه الفتنة لبقائه بأرض ينفذ فيها في العلم قول خلاف الحق عنده، وربما كان ذلك منه أَنَفَةَ لمجاورة من ردَّ عليه سنَّةَ علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه، وقد تضيقُ صدور العلماء عند مثل هذا، وهو عندهم عظيم - ردُّ السنن بالرأي.
وجائزٌ للمرء أن يهجُرَ من خاف عليه ولم يسمع منه، ولم يطعه، وخاف أن يُضِلُّ غيره، وليس هذا من الهجرة المكروهة - ألا ترى أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يُكَلِّمُوا كعبَ بن مالك حين أحدَثَ في تخلفه عن تبوك ما أحدث- حنى تاب الله عليه؛ وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع، وهجرته، وقطع الكلام معه" اهـ.
* * *
242 -
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، أنه رأى رجلًا يخذف، فقال له:"لا نخذف؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: "إنه لا يُصَادُ به صَيدٌ، ولا يَنكأُ به عدوّ، ولكنها قد تكسِّر السن، وتفقأ العين".
ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له:"أحدِّثُكَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف؛ وأنت نحذف! لا أكلمك أبدًا".
أخرجه البخاري (4841، 5479، 6220) ومسلم (1954) وأحمد (4/ 86) و (5/ 54، 55، 56) أو رقم (20596، 20607، 20617 - قرطبة) وأبو داود (5270) والنسائي (8/ 47) -المجتبى- وابن ماجه في مقدمة "السنن"(1/ 8/ 17) ورقم (3226، 3227) والحميدي في "مسنده"(2/ 393 - 394/ 887) والدارمي في "مسنده"(1/ 406، 407/ 453، 454) وابن حبان في "صحيحه"(13/ 278/ 5949) والبغوي في "شرح السنة"(10/ 267/ رقم: 2574، 2575) والطيالسي (914، 919) والبيهقي (9/ 248) والحاكم (4/ 283) وابن بطة في "الإبانة"(1/ 259/ 96) والهروي في "ذم الكلام"(2/ 257 - 258/ 322).
من طرق؛ عن عبد الله بن مغفل به.
فقه الأثر:
قال الإمام النووي رحمه الله في "المنهاج" شرح الجامع الصحيح لإمام مسلم بن الحجاج (13/ 106): "فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السُّنَّة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام- إنما هو فيمن هجر لحظّ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم- فهجرانهم دائمًا،
وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له؛ كحديث كعب بن مالك وغيره" اهـ.
ونحوه في "الفتح"(9/ 608) للحافظ ابن حجر رحمه الله.
* * *
هجرُ عائشةَ لعبد الله بن الزبير، ثم رجوعها عن ذلك:
243 -
عن عوف بن الحارث -وهو ابن أخي عائشة لأمها-[كما في "المسند" للإمام أحمد]؛ أن عائشة حدَّثته: أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته: "والله لتنتهينَّ عائشةُ؛ أو لأحجُرَنَّ عليها"!
فقالت: "أهو قال هذا"؟! قالوا: نعم.
قالت: "هو لله عليَّ نَذْرٌ أن لا كلِّمَ ابنَ الزبير أبدًا".
فاستَشْفَعَ ابنُ الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت:"لا والله؛ لا أشفع فيه أبدًا، ولا أتحنَّثُ إلي نذري".
فلما طال ذلك على ابن الزبير؛ كلَّمَ المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغو-وهما من بني زهرة- وقال لهما: "أنشدُكما بالله؛ لمَا أدخَلْتُمَاني على عائشة، فإنها لا يحلُّ لها أن تنذرَ قطيعتي".
فأقبل به المسورُ وعبد الرحمن مُشْتَمِلَيْنِ بأرديتهما، حتى أستأذنا على عائشة، فقالا:"السلامُ عليكِ ورحمةُ الله وبركاته؛ أندخُلُ"؟
قالت عائشة: "ادخلوا". قالوا: "كلنا"؟
قالت: "نعم؛ ادخلوا كلكم" -ولا تعلم أن معهما ابنَ الزبير- فلما دخلوا دخل ابنُ الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفِقَ يناشِدُها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يُنَاشِدَانِهَا إلا ما كلَّمَتهُ وقبِلَت منه، ويقولان:"إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمتِ من الهجرة؛ فإنه لا يحل لمسلم أن يهجُرَ أخاه فوق ثلاث ليالٍ".
فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج؛ طفقت تذكِّرُهما وتبكي، وتقول:"إني نذرتُ؛ والنذرُ شديدٌ".
فلم يزالا بها حتى كلَّمت ابنَ الزبير، وأعتَقَت في نذرها ذاك أربعين وقية. وكانت تذكرُ نذرَها بعد ذلك فتبكي حتى تبلَّ دموعها خمارَها".
أخرجه البخاري في "الصحيح"(6073، 6075) وفي "الأدب المفرد"(397) وأحمد (4/ 327، 328) أو رقم: (18974 - 18976 - قرطبة) والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 402 - 403).
من طريق: الزهري، عن عوف به.
ووقع اختلاف في اسم عوف؛ فمنهم من قال: عوف بن الحارث، ومنهم من قال: الطفيل بن الحارث، ومنهم من قال: عوف بن مالك بن الطفيل.
والراجح ما ذكرناه هنا في الإسناد، وانظر للتفصيل والإستزادة كتاب "الهجر" للعلامة مشهور بن حسن آل سلمان -حفظ الله تعالى- (ص 165 - 166).
وأخرجه البخاري (3505) من طريق: أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: "كان عبد الله بن الزبير أحبَّ البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر،
…
" فذكره بنحو منه.
* * *
244 -
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا مؤمل؛ قال أبو عوانة: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبن عباس، قال في قول الجن:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19][الجن: 19]، قال:"لما رَأَوْهُ يُصَلي بأصحابه، ويصلُّونَ بصلاته، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده؛ تعجَّبُوا من طَوَاعِيَةِ أصحابه له، فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم {يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} ".
صحيح. أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 252، 270) أو رقم (2271،
2431 -
شاكر) - واللفظ للموضع الثاني- ولفظه في الموضع الأول: قال ابن عباس: (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم؛ انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة سن أصحابه عامدين إلى سوف عكاظ- وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسِلَت عليهم الشُّهُب- قال: فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت عليا الشهبُ.
قال: فقالوا: ما حَالَ بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حَدَثَ، فاضربوا مشارقَ الأرض ومغاربها - فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها - ببتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء.
قال: فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر- قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا إليه، وقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالواة يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} الآية. فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ} ، وإنما أوحي إليه قولُ الجن".
قلت: وبهذين اللفظين أو أحدهما أخرجه: البخاري (773، 4921) ومسلم (449) والنسائي في "الكبرى"(6/ 499/ 11624) والترمذي (3323) وابن جرير الطبري في "تفسيره"(29/ 118) والبغوي في، تفسيره - معالم التنزيل" (4/ 173) والطبراني في "الكبير" (12/ رقم: 12449) وابن حبان (14/ 460/ 6526) والحاكم (2/ 553) والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 225 - 226) وأبو عوانة (2/ 452، 453/ 3794، 3795). من طرق؛ عن أبي عوانة به.
فقه الأثر:
قول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم".
قال البيهقي في "الدلائل"(2/ 227): "وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس
إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليه ولم يرهم كما حكاه. ثم أتاه داعي الجن مرّة أخرى؛ فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن -كما حكاه عبد الله بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم- والله أعلم، وعبد الله بن مسعود حفظ القصتين معًا" اهـ.
وفيه: حقيقة الجن، وأنهم مخلوقون، ومنهم الكافر ومنهم المؤمن؛ كما تواترت بذلك دلائل الشريعة من كتاب وسنة، ومن أنكر ذلك كان كافرًا لإنكاره آيات الكتاب المبين، وأحاديث رسول الله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيه: الطواعية التي كانت عند الصحابة لنبيهم صلوات الله وسلامه عليه، وأن هذه الطواعية بلغت مبلغًا أن أعجبت الجن منهم، فرضي الله عنهم، وحشرنا معهم، بمنه وكرمه.
* * *
245 -
عن الزبير بن عربي، قال: سأل رجلٌ ابن عمر رضي الله عنه عن استلام الحجر، فقال:"رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقَبلُهُ".
قال: أرأيتَ إن زُحِمْتُ، أرأيتَ إن غُلِبتُ؟! قال:"اجعل أرأيتَ باليمن، رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله".
أخرجه البخاري (1611) وأحمد (2/ 152) والنسائي في "المجتبى"(5/ 231) أو رقم (2946) والترمذي (861) والطيالسي في "مسنده"(رقم: 1864) والهروي في "ذم الكلام"(2/ 223/ 289).
من طرق؛ عن حماد بن زيد، عن الزبير بن عربي به.
ووقع عند النسائي: الزبير بن عدي.
فقه الأثر:
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 475): "وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك، وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي" اهـ.