المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ موت العالم ثلمة فى الإسلام - سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين - جـ ١

[الداني آل زهوي]

الفصل: ‌ موت العالم ثلمة فى الإسلام

109 -

عن الحسن البصري، قال: "كانوا يقولون:‌

‌ موتُ العالم ثُلْمَةٌ فى الإسلام

لا يسدُّها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار".

أخرجه أحمد في "الزهد"(رقم: 1478 - ط. الكتاب العربي) والدارمي فى "مسنده - أو سننه"(1/ 351/ 333).

من طريق هشام بن حسان، عن الحسن به.

وإسناده صحيح.

وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 595/ 1021) من طريق: أبي الوليد الطيالسي، حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حيان العطاردي، عن الحسن به.

وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 268/ 1719) من طريق: ابن المبارك، نا هشام بن حسان، عن الحسن، قال: قال ابن مسعود:

فذكره.

والحسن لم يسمع من ابن مسعود.

ووهم محقق "مسند الدارمي" الأستاذ حسين سليم أسد الداراني، فجعل أبا هريرة بدل ابن مسعود.

وروي هذا الأثر مرفوعًا؛ لكنه موضوع، انظر "الضعيفة" (رقم: 4668).

* * *

110 -

قال الدارمي: حدثنا سعيد بن عامر، عن أسماء بن عُبيد، قال. "دخل رجلان من أصحابِ الأهواءِ محلى ابن سيرين، فقالا: يا أبا بكر؛ نُحَدِّثُكَ بحديثٍ"؟

قال: "لا".

فالا: فنقرأ عليك آيةً من كتاب الله؟

قال: "لا؛ لنقومانِ عني، أو لأقومنَّ".

قال: فخرجا.

فقال بعض القوم: يا أبا بكر؛ وما كان عليك أن يقرءا عليك آية من كتاب الله تعالى؟

ص: 119

قال: "إني خشيتُ أن يقرءا عليَّ آيةً فيحرّفانها، فيقرُّ ذلك في قلبي".

أخرجه الدارمي (1/ 389 - 390/ 411) والآجري في "الشريعة"(1/ 191/ 127 - ط. الوليد سيف النصر) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 498، 652) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد"(رقم: 242) وابن سعد في "الطبقات"(7/ 197).

من طريق: سعيد بن عامر به.

وإسناده صحيح.

ووقع عند الآجري: أسماء بن خارجة؛ ونبّه إلى ذلك محقق الكتاب - جزاه الله خيرًا.

وأخرجه ابن وضاح في "البدع"(رقم: 150) من طريق: مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن أيوب قال: دخل على محمد بن سيرين يومًا رجل

فذكره بنحوه.

ومؤمل بن إسماعيل ضعيف.

* * *

111 -

قال الدولابي رحمه الله: أخبرني أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي، قال: أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان، قال: حدثنا الأزرق بن قيس، قال:

"رأيتُ أنس بن مالك أَحْدَثَ؟ فغسلَ وجهه ويديه، ومسح على جوربين من صوف.

فقلتُ: أتمسحُ عليها؟!

فقال: "إنهما خُفَّانِ؛ ولكنهما من صوف".

أخرجه الدولابي في "الكنى"(1/ 181).

قال العلامة المحدّث أحمد شاكر -محدّث مصر رحمه الله في مقدمة

ص: 120

كتاب "المسح على الجوربين" للشيخ العلامة محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله (ص 13 - 15): "وهذا إسناد صحيح.

أحمد بن شعيب؛ هو النسائي الحافظ صاحب السنن.

عمرو بن علي؛ هو الفلاس، الحافظ الحجة.

أبو زياد سهل بن زياد الطحان؛ ثقة، ترجمه البخاري في "الكبير"(2/ 2/ 103 - 104) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 1/ 197)، فلم يذكرا فيه جرحًا، فهو ثقة عندهما. وذكره ابن حبان في "الثقات" كما في "لسان الميزان" (ج 3/ ص 118). وذكر أن الأزدي قال فيه:"منكر الحديث"، دون بيان سبب الجرح. والأزدي ينفرد بجرح كثير من الثقات، فلا يؤبه لتجريحه إذا تفرّد به.

والأزرق بن قيس؛ تابعي ثقة مأمون، مترجم في التهذيب، وهذا الحديث موقوف على أنس من فعله وقوله.

ولكن وجه الحجة فيه أنه لم يكتفِ بالفعل، بل صرّح بأن الجوربين "خفان، ولكنهما من صوف".

وأنس بن مالك صحابي من أهل اللغة، قبل دخول العُجمة واختلاط الألسنة.

فهو يبين أن معنى "الخف" أعم من أن يكون من الجلد وحده، وأنه يشمل كل ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إليها (1). إذ أن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هذا الغالب ليس حصرًا للخفّ في أن يكون من الجلد. وأزال الوهم الذي قد يدخل على الناس من واقع الأمر في الخفاف إذ ذاك.

(1) علّق الشيخ الألباني قائلًا: "قوله: ويمنع وصول الماء إليها" قلتُ: لعل هذا القول سبق قلم من العلامة أحمد شاكر رحمه الله، فإنه ليس في أثر أنس المذكور هذا القيد أو الشرط، بل هو أعم من ذلك، بدليل أن الصوف لا يمنع وصول الماء إلى القدم كما هو معلوم بالتجربة. فأرى أن الصواب حذف هذا القول من سياق كلام العلامة رحمه الله، لأنه لا دليل عليه كما سبق، ولأنه أليق بموضوع رسالة العلامة القاسمي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، الذي اختار جواز المسح على الجورب الرقيق، وهو الحق. وهذا القول ينافيه مما لا يخفى" اهـ.

ص: 121

ولم يأتِ دليلٌ من الشارع يدلُّ على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط.

وقول أنس في هذا أقرى حُجَّةً ألفَ مرّةٍ من أن يقول مثله مؤلّف من مؤلّفي اللغة؛ كالخليل والأزهري والجوهري وابن سيدة وأضرابهم. لأنهم ناقلون للُّغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء.

فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة؛ وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسنادٍ صحيحٍ إليه.

وقد أشار الإمام ابن القيم إلى مثل هذا المعنى -وإن لم يكن صريحًا تمامًا- فيما نقلناه عنه آنفًا، من قوله:"وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرقٌ مؤثر يصحُّ أن يُحالَ الحكم عليه".

فجعل ابن القيم أن "الجوربين" مقيسان على "الخفين" قياسًا جَلِيًّا، "من غير فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه".

ولكن المعنى في حديث أنس أدقّ؛ فليس الأمر قياسًا للجوربين على الخفين، بل هو: أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة "الخفين" بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني.

والخفان ليس المسح عليهما موضع خلاف، فالجوربان من مدلول كلمة "الخفين"، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية.

وقد ثبت -من غير وجه- عن أنس أنه مسح على الجوربين. فهو يؤيد رواية الدولابي التي ذكرنا.

وانظر "المحلّى" لابن حزم بتحقيقنا (ج 2/ ص 84 - 85). والحمد لله رب العالمين" اهـ.

* * *

112 -

قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبد الرزاق، قال: سألتُ معمرًا عن الخَرْقِ يكون في الخُفِّ، فقال:

ص: 122

"إذا خرج من مواضع الوضوء شيء فلا تمسح عليه واخلع".

قال: وحدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت الثوري يقول: "امسح عليها ما تعلَّقا بالقدم وإن تخرَّقا".

قال: "وكانت كذلك خِفَاتُ المهاجرين والأنصار مخرَّقة مشقَّقة".

أخرجه البيهقي في "الكبرى"(1/ 283) وعبد الرزاق في "مصنفه"(رقم: 753).

وصحّحه الشيخ الألباني في "تمام النصح في أحكام المسح"(ص 84) - الملحق برسالة "المسح على الجوربين" للعلامة القاسمي بقوله: "فقد صحّ عن الثوري

".

قال الشيخ الألباني: "وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق، فقد اختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا؛ فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم، تراه في مبسوطات الكتب الفقهية، و"المحلّى". وذهب غيرهم إلى الجواز، وهو الذي نختاره.

وحجّتنا في ذلك أن الأصل الإباحة، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حدًّا، فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" متفق عليه. وأيضًا فقد صحّ عن الثوري" .. ثم ذكر الأثر المذكور أعلاه بشطره الثاني.

ثم قال: "وقال ابن حزم (2/ 100): "فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولًا أو عرضًا فظهر منه شيء من القدم؛ أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما؛ فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز، ما دام يتعلّق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، واسحاق بن راهويه، ويزيد بن هارون".

ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض، ثم ردَّ عليها، وبيَّن أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله:

"لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين

ص: 123

اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء.

بهذا جاءت السنة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين، ومُسِحَ على الجوربين - أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقًا فاحشًا أو غير فاحش، وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خصَّ عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان -حاشا له من ذلك- فصحَّ أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الإستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اختياراته"(ص 13): "ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيًا، والمشي فيه ممكنًا، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء".

قلت: ونسبه الرافعي في "شرح الوجيز"(2/ 370) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة، فوجب أن يمسح. ولقد أصاب رحمه الله" اهـ.

* * *

113 -

قال أسلم بن يزيد التُّجيبي أبو عمران: "غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والرومُ مُلْصِقُو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجلٌ منا على العدُوّ، فقال الناس: مَهْ مَهْ! لا اله الا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: "إنما تأوّلونَ هده الآية هكذا؛ أن حَمَلَ رجلٌ يقاتلُ يلتمسُ الشهادة، أو يُبْلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآيةُ فينا معشر الأنصار-، لمَّا نَصَر اللهُ نَبيَّهُ وأظهر الإسلام؛ قلنا بيننا خفيًّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلُمَّ نقيمٌ في أموالنا وَنُصْلِحُها، فأنزل الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي

ص: 124

سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فالإلقاء بالأيدي إلى التَّهْلُكَةِ؛ أن نقيمَ في أموالنا ونصلحها وندع الجهادَ".

قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دُفِنَ بالقسطنطينية".

صحيح. أخرجه: أبو داود (2512) والنسائي في "الكبرى"(6/ 298 - 299/ 11028، 11029) والترمذي (2972) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 330) وابن جرير الطبري في "تفسيره"(3/ 590 - 592/ رقم: 3179، 3180) والطيالسي في "مسنده"(رقم: 599) وابن حبان في "صحيحه"(11/ 9 - 10/ 4711) والحاكم (2/ 84، 275) والبيهقي (9/ 99) والطبراني في "المعجم الكبير"(4/ رقم: 4060) والواحدي في "أسباب النزول"(ص 57 - 58).

من طريق: حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران به.

وبعضهم أخرجه من طريق: ابن لهيعة وحيوة بن شريح به.

وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". -كذا في المطبوعة من "الجامع"- وفي "العجاب في بيان الأسباب" للحافظ ابن حجر (1/ 479 - ط. ابن الجوزي): "قال الترمذي: حسن صحيح".

وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي.

وقال العلامة الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(1/ 1/ 47): "وقد وهما؛ فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا؛ فالحديث صحيح فقط".

وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه على "تفسير الطبري"، والشيخ الألباني في "الصحيحة" (رقم: 13) وهو في "الصحيح المسند من أسباب النزول" للعلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله (ص 34 - 35).

تنببه:

1 -

وقع في رواية الترمذي: "وعلى الجماعة فضالة بن عبيد .. " بدل عبد الرحمن بن خالد.

ص: 125

وعند النسائي وغيره: "وعلى الشام فضالة بن عبيد .. " وهو الأصحّ، والله أعلم.

2 -

وهَمَ الحافظ ابن حجر رحمه الله في عزوه للأثر في "فتح الباري"(8/ 185) لمسلم؛ فهو غير موجود فيه، والله تعالى أعلم.

* * *

114 -

عن عبد الله بن مسعود، قال:"إن الصِّرَاطَ مُحْتَضَرٌ؛ تَحْضُرُهُ الشياطينُ، يِنَادُونَ: يا عبدَ الله: هَلُمَّ هذا الطريق؛ ليصدُّوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإن حبلَ اللهِ هو كتابُ الله".

أخرجه الدارمي في "مسنده" -أو- "سننه"(4/ 2091/ رقم: 3360) وابن نصر المروزي في "السنة"(رقم: 22، 23 - ط. العاصمة) وابن جرير الطبري (7/ 72/ رقم: 7566 - شاكر) والطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 9031) وأبو عبيد الهروي في "فضائل القرآن"(ص 75 - ط. دار ابن كثير) وابن الضريس في "فضائل القرآن"(رقم: 74) والبيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 355/ 2025) والآجري في "الشريعة"(1/ 123/ 16 - ط. الوليد سيف النصر) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 135).

من طريق: أبي وائل، عن عبد الله به.

ورواه عن أبي وائل اثنان:

1 -

الأعمش عنه به.

2 -

منصور بن المعتمر عنه به.

فصحّ السند، والحمد لله.

* * *

115 -

عن عاصم الأحول قال: قال لنا أبو العالية: "تعلَّموا الإسلامَ، فإذا تَعَلَّمْتُمُوهُ فلا ترغبوا عنه، وعليكم الصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تُحرِّفوا الصراط يمينًا وشمالًا، وعلكيم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، والذي كانوا عليه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ويفعلوا الذي فعلوا، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل

ص: 126

أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا بخمس عشرة سنة.

وإياكم وهذه الأهواء الني نلقي بين الناس العداوة والبغضاء".

قال عاصم الأحول: فأخبرت به الحسن -[يعني: البصري]- فقال: صدق ونصح.

وحدَّثتُ به حفصة بنت سيرين، فقالت لي: بأهلي أنت! هل حدَّثتَ بهذا محمدًا -[تعني: ابن سيرين]-؟ قلت: لا.

قالت: فحدّثه اياه.

أخرجه: ابن نصر المروزي في "السنة"(رقم: 27 - ط. العاصمة) والآجري في "الشريعة"(1/ 124/ رقم: 19) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 136، 202) وابن وضاح في "البدع"(رقم: 77) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد"(رقم: 17، 214) وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 218) والهروي في "ذم الكلام"(5/ 9 - 10 - ط. الشبل) أو (4/ 67 - 68، 74 - 75/ 804، 805، 815 - ط. الغرباء الأثرية) ومعمر في جامعه كما في "المصنف" لعبد الرزاق (11/ 367/ 20758) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 17).

من طرق؛ عن عاصم الأحول به.

رواه عنه: ابن المبارك، وحماد بن زيد، ومعمر، وابن عيينة، وشعبة.

وصحّح إسناده العلامة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى في تحقيقه الماتع على كتاب "الإعتصام" للشاطبي (1/ 141).

- قال الآجري رحمه الله بعد أن أخرج الأثر: "علامةُ من أرادَ اللهُ به خيرًا؛ سلوك هذا الطريق: كتاب الله، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء، مثل الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على مثل طريقتهم، ومجانبة كل مذهب يذمه هؤلاء" اهـ.

ص: 127

116 -

قال الشعبي رحمه الله: ذهب زيدُ بن ثابت يركب، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال زيد:"لا تفعلْ يا ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

فقال: "هكذا أُمِرْنَا أن نفعلَ بعلمائنا".

فقال زيد: "أرني يدَكَ". فأخرج يده، فقبَّلها زيدٌ، وقال:"هكذا أُمِرْنَا أن نفعلَ بأهلِ بيتِ نبينا صلى الله عليه وسلم".

أخرجه: البيهقي في "المدخل"(رقم: 93) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(2/ 197/ 854) وفي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 283/ 310، 311 - الرسالة) والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 484) والطبراني في "المعجم الكبير"(5/ رقم: 4746) وابن سعد فى "الطبقات" 21/ 360) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 325 - 326).

من طرق؛ عن أبي رزين، عن الشعبي به.

ورواه عن أبى رزين جمع؛ منهم:

عبيد الله بن موسى وأبو نعيم معًا، عنه به. وسفيان الثوري عنه به. وأبو نعيم وحده عنه به.

وصحّح إسناده الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(1/ 543).

وذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 514/ 832) والذهبي في "السير"(2/ 313) وابن قتيبة في "عيون الأخبار" وغيرهم.

وله طرق أخرى انظرها في تحقيق العلامة مشهور بن حسن آل سلمان -جزاه الله خيرًا- على "المجالسة" للدينوري (4/ 146/ 1314).

* * *

117 -

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا محمد بن يوسف، ثنا مالك بن مِغْوَلٍ، ثنا طلحة -هو: ابن مصرّف- سألتُ عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبيّ صلى الله عليه وسلم؟

قال: "لا".

ص: 128

قال: قلتُ: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوصِ؟!

قال: "أوصى بكتاب الله عز وجل".

أخرجه البخاري (2740، 4460، 5522) ومسلم (1634) وأحمد (4/ 354، 355، 381) والنسائي (6/ 240) والترمذي (2119) وابن ماجه (2656) والحميدي في "مسنده"(2/ 315/ 722) والدارمي (4/ 2029 - 2030/ 3224) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(11/ 206/ 10986) وابن حبان في "صحيحه"(رقم: 6023). من طرق؛ عن مالك بن مغول به.

فقه الأثر:

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره (1/ 256 - ط. ابن الجوزي):

"وهذا نظير ما تقدّم عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدَّفتين. وذلك أن الناس كُتِبَ عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]. وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئًا يورث عنه، وإنما ترك مالَهُ صدقة جارية من بعده فلم يَحْتَجْ إلى وصية في ذلك. ولم يوصِ إلى خليفة يكون بَعْدَهُ على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرًا من إشارته وإيماءاته إلى الصِّدّيق، ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثمَّ عَدَلَ عن ذلك، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (1)، وكان كذلك، وإنما أوصى الناسَ باتباع كلام الله".

* * *

118 -

عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال:"تركَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يطيرُ بجناحَيْهِ إلا عندنا منه علمٌ".

أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1/ 267/ 65) والبزار (1/ 88/ 147 -

(1) أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما.

ص: 129

كشف الأستار) والطبراني في "المعجم الكبير"(2/ رقم: 1647).

من طريق: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن فطر، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر به.

وهذا إسناد صحيح.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 264): "ورجال الطبراني رجال الصحيح؛ غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ؛ وهو ثقة".

وصحّحه الألباني رحمه الله في "صحيح موارد الظمآن"(1/ 119/ 62).

قال البزار: "رواه بعضهم عن فطر عن منذر، قال أبو ذر .. ؛ ومنذر لم يدرك أبا ذر".

قلت: يشير إلى ما أخرجه أحمد (5/ 162) أو رقم (21521 - قرطبة) من

طريق: حجاج، ثنا فطر، عن المنذر، عن أبي ذر به.

وهو منقطع كما أشار إلى ذلك البزار.

وأخرجه أحمد (5/ 153، 162) أو رقم (21441، 21520 - قرطبة)

والطيالسي (رقم: 479).

من طريق: شعبة، عن سليمان، عن المنذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر به.

وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن أبي ذر.

لكنه يصح بما قبله (أي ما أخرجه ابن حبان والطبراني والبزار).

وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء كما ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 264)، وقال:"ورجاله رجال الصحيح".

تنبيه: عزا الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي الأثري -حفظه الله تعالى ودفع عنه كيد الكائدين- هذا الأثر في تحقيقه و"مفتاح دار السعادة"(3/ 172) لابن حبان والطبراني والبزار، لكنه قال:"من طريق: أبي الطفيل عن أبي الدرداء"!

وإنما هو عندهم عن أبي ذر كما تقدم، فليصحّح.

ص: 130

فقه الأثر:

قال أبو حاتم محمد بن حبان بعد أن أخرج الأثر: "معنى (عندنا منه)؛ يعني: بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحته صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية في غريب الحديث والأثر"(3/ 136 - ط. العلمية) أو (3/ 150 - الطبعة القديمة): "يعني: أنه استوفى بيان الشريعة وما يُحتاج إليه في الدين، حتى لم يَبْقَ مُشْكِلٌ، فضرب ذلك مثلًا.

وقيل: أراد أنه لم يترك شيئًا إلا بيّنه حتى بين لهم أحكام الطير وما يحلُّ منه وما يحرم، وكيف يُذبح، وما الذي يفدي منه المحرم إذا أصابه، وأشباه ذلك. ولم يُرِدّ أن في الطير علمًا سوى ذلك علّمهم إياه، أو رخَّص لهم أن يتعاطوا زَجْرَ الطير كما كان يفعله أهل الجاهلية!.

* * *

119 -

عن أبي سلمة، قال: مرّ أبو هريرةَ برجلِ من قريش يجرُّ شملةً، فقال له:"يا ابن أخي؛ سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من جرَّ ثوبَهُ من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".

قال الفتى: قد سمعنا ما تقول.

ثم مرَّ به مرَّة أخرى وهو كذلك، فقال له أبو هريرة مثل ذلك، فقال: قد سمعنا ما تقول؛ لئن عُدْتَ الثالثة لأحملتك على عنقي ثم لأكبن بك في الأرض.

فقال أبو هريرة: "لا أعودُ".

أخرجه علي بن حجر السَّعدي في "حديثه عن إسماعيل بن جعفر المدني"(رقم: 144) والخلال في "كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(ص 56).

من طريق: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة به.

وهذا إسناد حسن.

والشطر المرفوع منه أخرجه البخاري (5451، وفي مواضع أخرى) ومسلم (2087) وغيرهما.

ص: 131

وإنما ذكرته في هذه السلسلة للقصة التي فيه، وللفائدة التي حوتها وفيها:

- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفيه أن جرّ الثوب من الأمور المنكرة، والأحاديث كثيرة في هذا الباب، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:"ما تحت الكعبين من الإزار في النار".

وفي هذا الأثر بيان لأهل زماننا -وبالأخص بعض من ينتسب إلى العلم- من شنيع هذه الخصلة، وأنت إذا جئتَ تيصح أحدَهم وتقول له: يا أخي؛ ارفع إزاركَ. نظر إليك وثار في وجهك كأنه بغلٌ شموس، وكأنك تأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف، فإنّا لله وإنَّ إليه راجعون.

* * *

120 -

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "إن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ لأمورِ مُحْدَثَاتُها، وإنَّ ما توعدونَ لآتِ؛ وما أنتم بمعجزين، وإنما بعيدٌ ما ليسَ آتيًا.

ألا وعليكم بالصدق؛ فإنه يهدي إلى البِّرِّ، وإنَّ البِّرِّ يهدي إلى الجنة، وما يزالُ الرجلُ يصدقُ حتى يُكتَبَ عند اللَّهِ صدّيقًا، ويثبتُ البرُّ في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إيرة يستقرُّ فيها.

وإياكم والكذب؛ فإنه يهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، ولا يزال الرجلُ يكذبُ حتى يُكتَبَ عند الله كذابًا، ويثبتُ الفجورُ في قلبه، حتى ما بكون للبرّ موضع إبرة يستقرُّ فيها".

أخرجه البخارى (7277) - مختصرًا، إلى قوله:"وما أنتم بمعجزين"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(8/ 403) وعبد الرزاق في "مصنفه"(1/ 116) والبيهقي في "الأسماء والصفات"(1/ 482 - 483، 588، 589/ 413، 515، 516) وفي "المدخل"(رقم: 425، 426، 785) والطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 8518 - 8532) وابن نصر المروزي في "السنة"(رقم: 77 - العاصمة) وابن أبي الدنيا في "الصمت"(رقم: 443، 468) ووكيع في "الزهد"(رقم: 398).

ص: 132