الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 -
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: "
العالم والمتعلّمُ في الأجر سواء
، وسائر الناس هَمَجٌ لا خير فيهم".
حسن. أخرجه: ابن المبارك في "الزهد"(رقم: 543) وعبد الله بن أحمد في "الزهد"(رقم: 731 - الكتاب العربي) والآجري في "أخلاق العلماء"(رقم: 32).
من طريق: ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء به.
وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ فإن خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء رضي الله عنه.
وأخرجه: عبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد"(رقم: 727 - الكتاب العربي) أو (2/ 57 ط. دار النهضة) والدارمي في "سننه"(1/ 313، 353/ 253، 337) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(8/ 542) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ رقم: 138، 140) وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 212 - 213).
من طريق: الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء به.
وإسناده كسابقه؛ فإن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي الدرداء أيضًا. وأخرجه أحمد في "الزهد"(رقم: 726) أو (2/ 57 - النهضة) من طريق: عبد الرحمن، ثنا معاوية -[بن صالح]- عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء به.
وهذا إسناد حسن، وبه يُحسَّنُ الأثر، فلله الحمد والمنة.
* * *
77 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"مُعَلِّمُ الخير يستغفر له كل شيءٍ، حتى الحوت في البحر".
حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8/ 727/ 6164) والدارمي في "سننه"(1/ 363/ 355) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 498/ 796) وأبو خيثمة في "العلم"(رقم: 60).
من طريق: الأعمش، عن شمر به عطية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
وأخرجه الآجري في "أخلاق العلماء"(رقم: 34) من طريق: قيس بن الربيع، أنبأنا شمر به عطية به.
وقيس بن الربيع فيه كلام، لكن تابعه الأعمش كما تقدم في الطريق الأولى.
وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 171/ 180) من طريق: عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير به.
وأبو حمزة هذا مجهول.
وأخرجه البيهقي في "المدخل"(رقم: 391) من طريق: أبي قتيبة، ثنا شمر بن عطية به.
وأخرجه (برقم: 390) من طريق سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد به.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(11/ 469) وابن عبد البر (1/ 172/ 181) عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير به.
هكذا دون واسطة. وعلى كل حال فالأثر حسن بما تقدم، والله أعلم.
* * *
78 -
عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: مرَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قاصٍّ يقصّ، فقال:"أتعرفُ الناسخَ والمنسوخ"؟ قال: لا. قال: "هلكتَ وأهلكتَ".
أخرجه: الزهري في "الناسخ والمنسوخ"(ص 13) وأبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(ص 7 - ط. مؤسسة الكتب الثقافية) وأبو خيثمة في "العلم"(رقم: 130) وأبو بكر الهمداني في "الإعتبار في الناسخ والمنسوخ"(رقم: 3) وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ"(رقم: 1) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 117) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن"(رقم: 3 - ط. المكتبة العصرية).
من طريق: سفيان الثوري، عن أبى حصين، عن أبي عبد الرحمن به.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في تحقيقه لكتاب "العلم" لأبي خيثمة (ص 31): "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1/ 244/ 239) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 184) والنحاس في "الناسخ والمنسوخ"(ص 7) والزهري (ص 14) وابن الجوزي (رقم: 4). من طريق: شعبة، عن أبي حصين به.
وله طرق أخرى انظرها في "نواسخ القرآن" لابن الجوزي.
ورواه ابن عباس أيضًا: أخرجه: البيهقي في "المدخل"(185) وأبو عبيد (2) وابن الجوزي (8) والهمداني (6) والزهري (ص 14) والنحاس (ص 8).
من طريق: سلمة بن نبيط، عن الضحاك، عن ابن عباس به. وإسناده صحيح أيضًا.
* * *
79 -
قال مسلم بن يسار رحمه الله: "إيّاكم والمِرَاءَ؛ فإنها ساعة جَهْلِ العالمِ، وبها يبتغي الشيطان زلَّته".
صحيح. أخرجه: الآجري في "الشريعة"(1/ 187 - 188/ 118، 119 - ط. الوليد سيف النصر) والدارمي في "سننه"(1/ 389/ 410) وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 294) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 547 - 550) وأبو ذر الهروي في "ذم الكلام"(4/ 86 - 87/ 828).
من طريق: حماد بن زيد، عن محمد بن واسع، عن مسلم بن يسار به.
* * *
80 -
قال أيوب السختياني رحمه الله: "ينبغي للعالم أن يضعَ الترابَ على رأسه تواضعًا لله عز وجل".
صحيح. أخرجه: الآجري في "أخلاق العلماء"(رقم: 42) وفي "أخلاق حملة القرآن"(رقم: 61) والبيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 300/ 1857) وفي "المدخل"(رقم: 509) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(2/ 229 - 230/ 899) وابن بطة في "إبطال الحيل"(ص 24 - المكتب الإسلامي).
من طرق؛ عن حماد بن زيد، عن أيوب به.
* * *
81 -
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "إن أخوفَ ما أخافُ؛ إذا وقفتُ على الحساب أن يُقال: قد علمتَ؛ فماذا عمِلْتَ فيما علِمْتَ"؟!
حسن لغيره. أخرجه: ابن المبارك في "الزهد"(رقم: 39) وأحمد في
"الزهد"(رقم: 730 - ط. الكتاب العربي) أو (2/ 58 - ط. دار النهضة) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(13/ 311) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 680/ 1201) والآجري في "أخلاق العلماء"(رقم: 53).
من طريق: سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي الدرداء به.
وهذا إسناد منقطع؛ فإن حميد بن هلال بن سويد العدوي لم يدرك أبا الدرداء، انظر "جامع التحصيل" (ص 202/ رقم: 147).
وأخرجه: الدرامي (1/ 321/ 275) والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل"(رقم: 54) من طريق: أبي قدامة الحارث بن عبيد، ثنا مالك بن دينار، عن أبي الدرداء به.
وإسناده ضعيف منقطع.
الحارث بن عبيد الإيادي؛ ضعيف.
ومالك بن دينار لم يدرك أبا الدرداء رضي الله عنه.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 286/ 1783) وفي "المدخل"(رقم: 492) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 682/ 1204).
من طريق: معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء به. وسقط ذكر كثير من عند البيهقي.
وإسناده منقطع كسابقه.
وأخرجه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل"(رقم: 55) من طريق: عمران بن عبد الرحيم، ثنا الحسين بن حفص، قال: سمعتُ سفيان يقول: قال أبو الدرداء
…
فذكره.
وهذا إسناد معضل.
وأخرجه الخطيب (رقم: 53) من طريق: عبد الرحمن بن محمد الحارثي، ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن أبي الدرداء به.
قال العلامة الألباني رحمه الله: "موقوف حسن الإسناد، وفي الحارثي
كلام يسير، لا سيما وهو يتقوى بالسند الآتى بعد".
وأخرجه عبد الرزاق (11/ 253) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 489) من طريق: معمر، عن قتادة، عن أبي الدرداء به.
قال محقق "المدخل إلى السنن الكبرى" الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي (2/ 57): "إسناده صحيح"!
قلت: لا؛ فإن قتادة لم يسمع من أبي الدرداء رضي الله عنه، فقد قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث":"لم يسمع من أحد من الصحابة غير أنس بن مالك".
فالإسناد منقطع، والمنقطع من قسيم الضعيف.
قلت: لكن الأثر بمجموع هذه الطرق يكون حسنًا لغيره، والله تعالى أعلم.
* * *
82 -
عن عبد الله بن عكيم، قال: سمعتُ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في هذا المسجد -يعني: مسجد الكوفة- بدأ باليمين قبل أن يحدّثنا، فقال:"والله ما منكم من أحدٍ إلّا وإن ربّه سيخلو به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: يا ابن آدم! ما غرَّكَ بي -ثلاث مرات - ماذا أجبتَ المرسلين، كبفَ عمِلتَ فيما علمتَ".
أخرجه: الطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 52) وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 131).
من طريق: أبي عوانة، أنبا هلال بن أبي حُميد، عن هلال الوزّان، عن عبد الله بن عكيم به.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه: النسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"(7/ 70 - 71/ 9345) -[وهو غير موجود في مطبوعة "السنن الكبرى"، وقد أشار الحافظ المزّي رحمه الله إلى أن كتاب المواعظ غير موجود في الرواية المشهورة للسنن]- وابن المبارك في "الزهد"(رقم: 38) وأسد بن موسى في "الزهد"(رقم: 96)
والطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 8900) وابن خزيمة في "التوحيد"(1/ 363 - 364/ 217) وعبد الله بن أحمد في "السنة"(1/ 258، 259/ 474، 475) والدينوري في "المجالسة"(1/ 298/ 8).
من طريق: شريك بن عبد الله النخعي، عن هلال الوزان به.
وشريك ضعيف، لكنه متابع بما قبله.
وقد خالف فيه؛ فرواه مرفوعًا، انظر "المعجم الأوسط"(1/ 279/ 452)، والصواب وقفه، والله تعالى أعلم.
* * *
83 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "لا تكون عالمًا حتى تكون بالعلم عاملًا".
أخرجه: الدارمي (1/ 336 - 337/ 301) والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل"(رقم: 17) وابن حبان في "روضة العقلاء"(ص 35) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 488).
من طريق: برد بن سنان، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن أبي الدرداء له.
وإسناده منقطع.
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 213) من طريق: ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء به.
وضمرة سمع من أبي الدرداء.
وأخرجه وكيع في "الزهد"(رقم: 220) والخطيب في "اقتضاء العلم العمل"(رقم: 16) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 488).
من طريق: جعفر بن برقان، عن فرات بن سلمان، عن أبي الدرداء به.
وإسناده منقطع.
وأخرجه الآجري في "أخلاق العلماء"(رقم: 54) من طريق: معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن أبي الدرداء به.
وهو منقطع أيضًا.
فالأثر الصحيح برواية أبي نعيم، والله أعلم.
* * *
84 -
قال الدارمي: أخبرنا يعلى، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله -[يعني: ابن مسعود]-: "كيف أنتم إذا لَبَسَتْكُمْ فتنةٌ؛ يهرَمُ فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتحذها الناسُ سُنَّة، فإذا غُيّرت قالوا: غيِّرَتِ السنةُ"!
قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الله؟!
قال: "إذا كثُرَت قرَّاؤُكم، وقلَّت فقهاؤُكم، وكثُرَث أمراؤُكم، وقلَّت أمناؤكُم، والتُمِسَت الدنيا بعمل الآخرة".
أخرجه: الدارمي (1/ 278/ 191) والحاكم في "المستدرك"(4/ 514 - 515) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 858).
من طريق: يعلى بن عبيد به.
وإسناده صحيح كما قال الذهبي في "التلخيص".
لكن وقع عند البيهقي: عن الأعمش، عن شعبة، عن شقيق به، فزاد فيه شعبة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(15/ 34/ 19003) أو (7/ 452/ 37145 - العلمية) من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش به.
وأخرجه ابن وضّاح في "البدع والنهي عنها"(رقم: 285) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(رقم: 1135) وابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام"(7/ 881) ونعيم بن حماد في "الفتن"(52).
من طريق: سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابراهيم، عن علقمة، عن عبد الله به.
وأخرجه الدارمي (1/ 278/ 192) من طريق: خالد بن عبد الله، عن يزيد به.
ويزيد بن أبي زياد هو الشامي؛ ضعيف.
وأخرجه اللالكائي (رقم: 123) من طريق: ابن فضيل، عن يزيد به.
وخالف سفيانَ وخالدًا وابنَ فضيل؛ محمدُ بن نبهان، فرواه عن يزيد مرفوعًا، كما في "الحلية"(1/ 136). ومحمد بن نبهان ضعيف، وقال أبو نعيم بعد أن ذكره:"كذا رواه محمد بن نبهان مرفوعًا، والمشهور من قول عبد الله بن مسعود موقوف".
وأخرجه ابن وضاح (رقم: 80) من طريق: زبيد اليامي، عن عبد الله بن مسعود.
وزبيد لم يسمع من عبد الله؛ فهو منقطع.
وأخرجه: معمر في "جامعه" المطبوع مع مصنف عبد الرزاق (11/ 359 - 360/ 20742) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 758) والخطابي في "العزلة"(ص 11).
من طريق: معمر، عن قتادة، عن عبد الله به.
وقتادة لم يسمع من أحد من الصحابة خلا أنس بن مالك، كما قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" وابن أبي حاتم في "المراسيل" وغيرهما، فالإسناد منقطع.
وأخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(رقم: 281) من طريق: سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرة، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله به.
وإسناده ضعيف جدًا.
والأثر صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 155/ 111) وفي "صلاة التراويح"(ص 5).
فقه الأثر:
- فيه تشخيصٌ دقيق لواقعنا في هذا الزمان من تبدّل الحال على ما كان عليه الزمن الأول؛ زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه.
- أن العبرة ليست بكثرة العُبّاد والقرّاء، بل العبرة بفقه هذه العبادة والقراءة والعمل بها وتنزيلها في الحياة. وأدلّ دليلٍ على هذا؛ حال الخوارج -وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة العبادة والقراءة، لكن هذه العبادة والقراءة لم تنفعهم، إذ هم:"يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، فالعبرة إذًا بموافقة السنة، والله الموفق.
- فيه أن الناس إذا اعتادوا أمرًا جعلوه سنة، وهذا مشاهد في عصرنا؛ إذ فشت البدع وسمّيت سننًا، فإذا جاء السُّنيُّ ينكرها أنكر الناس عليه ذلك واتهموه في دينه. وإذا أتى يقيم السنة استنكروا واستغربوا، كأنها بدعةٌ تقام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- وفيه أيضًا تشخيص لحال الفقهاء والقراء الذين اتخذوا هذا الأمر مهنة ووظيفة، فالتمسوا الدنيا بعمل الآخرة، فصارت النيات زائغة عند الكثير، فهو يريد أن يكون قارئًا كي يدرَّ عليه من المال الوفير، وآخر إن رُتّب له راتب من المال دعا إلى الله، وإلا فلا!!
وهذا الأثر يعدُّ من أعظم الآثار الواردة عن الصحابة وأجلّها، وفيه فوائد وعبر كثيرة غير ما ذكرنا، وهذا ما فتح أدنه به، والحمد الله أولًا وآخرًا.
* * *
85 -
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "يُفْتَحُ القرآنُ على الناسِ؛ حتى يقَرأَهُ المرأةُ والصَّبيُّ والرجلُ، فيقول الرجلُ: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَع؛ والله لأقومنَّ به فبهم لعلّي أُتَّبَعُ، فيقوم به فيهم؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآن فلم أُتَّبَعُ، وقد قمتُ به فيهم فلم أُتَّبَعْ؛ لأحتظِرن في بيتي مسجدًا لعلّي أُتَّبَعُ، فيحتظر في بيته مسجدًا؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَعْ، وقُمتُ به فبهم فلم أُتَّبَعْ، وقد احتظرتُ في بيتي مسجدًا فلم أُتَّبَعْ؛ والله لآتينَّهُم بحديثٍ لا يجدونه في كتاب الله جل وعلا، ولم يسمعوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لعلّي أُتَّبَعُ!
قال معاذ: فإياكم وما جاء به، فإن ما جاء به ضلالة".
صحيح. أخرجه: أبو داود (4611) -نحوه- والدارمي (1/ 284/ 25)
ومعمر في جامعه- المطبوع في نهاية المصنف لعبد الرزاق- (11/ 363 - 364/ 20750) والآجري في "الشريعة"(1/ 172 - 173/ 96، 97) وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 232) والبيهقي في "المدخل"(رقم: 834) والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(2/ 321 - 322، 719) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 143) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد"(رقم: 116، 117) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها"(رقم: 59، 63) والفريابي في "صفة النفاق"(ص 18 - 20) والهروي في "ذم الكلام"(4/ 32 - 750).
من طرق؛ عن معاذ به.
وهو أثر صحيح، جاء من طرق صحيحة، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (رقم: 3855).
* * *
86 -
قال الدارمي: أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] قال: "البدعُ والشُّبهات".
صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 286/ 209) وابن جرير الطبوي في "تفسيره"(8/ 88) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(5/ 1422/ رقم: 8104) وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(8/ 74/ 7666) و"المطالب العالية"(رقم: 3598 - العاصمة) وابن نصر المروزي في "السنة"(رقم: 20، 21 - العاصمة) والهروي في "ذم الكلام"(4/ 54 - 56/ 785) وابن بطة في "الإبانة"(رقم: 134) وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 293) والبيهقي في "المدخل"(1/ 185/ 201).
من طرق؛ عن ابن أبي نجيح به.
غير إسحاق بن راهوية، فأخرجه عن أبي أسامة، عن بعض المكيين، عن مجاهد.
87 -
قال الدارمي رحمه الله: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبانا عمرو بن يحيى، قال: سمعتُ أبي يحدّثُ عن أبيه، قال:
كنا نجلسُ على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مَشَينَا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فقال:"أخرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن"؟
قلنا: لا؛ بعدُ.
فجلس معنا حتى خرج، نلما خرج قمنا اليه جميعًا، فقال له أبو موسى: "يا أبا عبد الرحمن: إني رأيتُ في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُهُ، ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا.
قال: فما هو؟
فقال: إن عِشتَ فستراه. قال: رأيتُ في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرونَ الصلاة، في كل حَلَقة رجل، وفي أيديهم حصًا، فيقول: كبِّرُوا مئة، فيكَبِّرونَ مئة، فيقول: هلِّلُوا مئة، فيهلّلونَ مئة، ويقول: سبّحوا مئة، فيسبّحونَ مئة.
قال: فماذا قلتَ لهم؟
قال: ما قلتُ لهم شيئًا انتظار رأيكَ، أو انتظار أمركَ.
قال: أفلا أمرتَهم أن يعدُّوا سيئاتهم، وضَمِنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم".
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلَقة من تلك الحِلَقِ، فوقف عليهم فقال:"ما هذا الذي أراكم تصنعونَ"؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن؛ حصًا نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: "فعدُّوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ؛ وَيحَكُمْ يا أمةَ محمد! ما أسرعَ هلكتَكُم، هؤلاء صحابة نبيُّكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ، وآنينُه لم تُكْسَرْ، والذي نفسي بيده؛ إنكم لعلى ملَّة هي
أهدى من ملّة محمد صلى الله عليه وسلم أَو مفتتِحو باب ضلالة".
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير.
قال: "وكم من مريدِ للخير لن يصيبَ؛ إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حدّثنا أن قومًا يقرؤونَ القرآن لا يجاوزُ تراقيهم، وأيمُ الله؛ ما أدري لعل أكثرهم منكم". ثم تولَّى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 286 - 287/ 210) وبحشل في "تاريخ واسط"(ص 198 - 199) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(15/ 306/ 19736).
من طريق: عمرو بن يحيى به.
وهذا إسناد جيد.
عمرو بن يحيى؛ ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 382) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 382)، ووثقه ابن حبان في "الثقات"(8/ 480) والعجلي في "ثقاته".
وروى ابن أبي حاتم عن ابن معين ثوثيقه، لكن الحافظ ابن حجر ذكر في "لسان الميزان"(4/ 378) عن ابن معين تليينه لعمرو بن يحيى.
والأقرب هو توثيق الرجل:
أولًا: لأن الجرح هنا غير مفسّر، ثم إنه لم يذكر فيه ما يقدح في روايته.
يضاف إلى هذا رواية جمع من الثقات عنه كما ذكر ابن أبي حاتم.
وأبو يحيى بن عمرو؛ ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 176) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد روى عنه جمع من الثقات، ووثقه العجلي بقوله:"كوفي ثقة"، يضاف إلى هذا قول المحدّث الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1/ 12):"ويكفي في تعديله رواية شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كان يروي عنهم، كما هو مذكور في ترجمته .. ".
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 8636) من طريق:
حماد بن زيد، عن مجالد بن سعيد، عن عمرو بن سلمة به.
ومجالد بن سعيد؛ ضعيف يعتبر به.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 8630 - 8633) وعبد الرزاق في "المصنف"(رقم: 5409) وعبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد"(رقم: 2089) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 380 - 381).
من طريق: عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن عبد الله به، بنحو منه.
قال الهيثمي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "مجمع الزوائد"(1/ 181): "فيه عطاء بن السائب؛ وهو ثقة، ولكنه اختلط".
وفي هامش "المجمع"(1/ 182) - وهو من كلام الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "أبو البختري لم يسمع من ابن مسعود، فالحديث منقطع".
قلت: عطاء بن السائب روى عنه جمع قبل اختلاطه منهم حماد بن سلمة، وقد وقع عند الطبراني في هذا الأثر الرواية عنه، فصحّ السماع، وانتفت علّة الإختلاط عن عطاء.
أما علة الإنقطاع؛ فإن أبا البختري توبع؛ تابعه أبو عبد الرحمن السلمي عند الطبراني في "الكبير"(9/ رقم: 8633).
فصحّ الإسناد والحمد لله.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(رقم: 5408) والطبراني في "المعجم الكبير"(9/ رقم: 8629) من طريق: سفيان بن عيينة، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود به.
وهو صحيح كما في "المجمع"(1/ 181).
وأخرجه أبو نعيم (4/ 381) والطبرانى (9/ رقم: 8628) من طريق: سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ، عن عبد الله بن مسعود به.
وإسناده حسن؛ أبو الزعراء فيه كلام لا ينزله عن درجة الحسن إن شاء الله تعالى.
وأخرجه ابن وضاح في "البدع"(رقم: 9) من طريق: الربيع بن صبيح، عن عبد الواحد بن صبرة، عن ابن مسعود به.
وإسناده ضعيف؛ لأجل الربيع بن صبيح؛ "صدوق سيّيء الحفظ".
وأخرجه ابن وضاح (برقم: 17) من طريق: عبيد الله بن عمر، عن سيّار أبي الحكم، عن ابن مسعود به.
وهو منقطع بين سيار وابن مسعود.
خلاصة الكلام: أن الأثر صحيح ثابت، وقد أورده المحدث الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (رقم: 2005).
فقه الأثر:
هذا الأثر من أعظم الآثار والقصص الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، وفيه قواعد جليلة عليها أُسُّ الشريعة، وبها يتوضح مفهوم العبادة في شرعنا الحنيف، وإليك بيان بعض هذه الفوائد بما يفتح الله تعالى به:
1 -
فيه: أن الغايات والمقاصد لا تبرّر الوصيلة، فإنه قد تكون الغاية صحيحة ومقصودة، لكن الوسيلة إلى هذه الغاية غير مشروعة، أو منهي عنها، فتكون والحال هذه المقاصد بحكم الوسائل.
فإن المرء قد يقصد إلى الصلاة فيشرع فيها ويخلص لله تعالى حق الإخلاص، ثم يتذكر أنه على غير وضوء، فيقطع صلاته، ثم يتوضأ ليعيد الصلاة التي صلّاها.
فالسؤال الموَجَّهُ إلى مستحسني البدع: هذا رجل أخلص لله تعالى في صلاته، فهل تقبل منه هذه الصلاة؟
لا شكّ أن جواب كل مسلم عاقل: الصلاة غير صحيحة؛ لأنه لم يأت بشرط صحتها وهو الوضوء.
ولو أن رجلًا صلّى المغرب قبل وقتها مع الخشوع والإخلاص؛ فهل تُقبل منه هذه الصلاة؟ لا شكّ أيضًا أن الصلاة غير صحيحة لأنه صلّاها في غير وقتها.
فالمقصد هنا صحيح -وهو: إخلاص العبادة لله والخشوع له- لكن الوسيلة لم تصح؛ لأن الله فرض الصلاة بشروط معينة، وأوقات محدّدة، فمن سلك مسلكًا لهذه العبادة بغير ما أمر الله به وشرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عبادته هباء منثورًا.
ونقول أيضًا: أرأيت يا من تحسّن البدع والإحداث في دين الله! لو أن رجلًا استبدل لفظ التكبير (الله أكبر) المأمور به في الصلاة عند افتتاحها والشروع بأعمالها بلفظ التسبيح (سبحان الله) فبدل أن يفتتح بالتكبير صلاته افتتحها بالتسبيح! فهل تصحّ منه هذه الصلاة؟
لا شك بأن الجواب هو: كلا؛ لأنه لم يأت باللفظ المأمور به، المشروع له.
فنقول: مع أن هذا الرجل لم يقل أمرًا منكرًا بل سبّح الله، والله يحبُّ تسبيحه وحمده، والتسبيح ذكر!
فلا شك أنك ستقول: نعم، إن التسبيح ذكر، والله يحبه، وشرعه لنا؛ ولكن ليس في هذا الموضع، بل المشروع هنا والمأمور به هو التكبير.
فنقول لك -فدِيتَ للحق-: كذا الأمر في جميع العبادات والأذكار، فما شرعه الله وأمر به على وجه العموم فأتِ به على وجه العموم، وما شرعه على وجه الخصوص فأتِ به على وجه الخصوص، وما لم يرد الدليل به ولا ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فعله؛ فلا تفعله لأنه لا خير إلا في هديه صلوات الله وسلامه عليه.
فإذا أنكر عليك السُّنّيُّ المتبع لهدي إمامه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة على الأذان بالصلاة والسلام على رسول الله، فلا تقل له: إنكم تكرهون الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم!
لا يا أخي الحبيب؛ إن أهل الحديث والمتمسكين بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم هم أحب الناس إلى نبيهم لحرصهم على اتباعه، ومن هديه صلوات الله وسلامه عليه، وهدي أصحابه؟ أنهم كانوا لا يزيدون هذه الصلاة في الأذان، فعليك إن كنت محبًا لنبيك بالتزام هديه.
وهكذا في جميع أمور العبادات، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
2 -
ومن فوائد هذا الأثر: حرص الصحابة على مصاحبة العلماء وتوقيرهم.
3 -
أنه ينبغي للمسلم إذا نزلت به نازلة أو رأى أمرًا غريبًا أو غير معهود لديه؛ أن يتوقف في الكلام فيه حتى يسأل من هو أعلم منه، كما فعل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.
4 -
أن العبرة؛ بموافقة الشرع في الأعمال؛ لا بكثرتها، كما قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، ولم يقل: أيكم أكثر عملًا.
وقال جلّ وعلا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23].
وقال أيضًا: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 103 - 104].
فأثبت الله عز وجل لهؤلاء العمل في الآيتين التاليتين، لكنه بيّن أن هذا العمل لا عبرة به، وليس له وزن.
وكذلك من عمل عملًا -وإن كان في الأصل فيه خير فيما يرى المرء- لكنه لم يسبقه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه فلا عبرة بعمله هذا ولا وزن له، إذ من شروط قبول العمل:
أولًا: الإخلاص لله عز وجل في هذا العمل.
ثانيًا: متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وموافقة هديه فيه.
فاعقل هذا جيدًا، وإياك والحيدة عنه.
5 -
أن البدعة مآلها إلى الخطر والإنسلاخ من الدين وربما الخروج على المسلمين، وهذا مُبين في قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وكما قال عليه الصلاة والسلام:"وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
6 -
الإنكار على المبتدعة وزجرهم ووعظهم بما يليق بحال المُنكِرِ والمنكَر عليه، ضمن الضوابط الشرعية المرعية في هذا الجانب.
7 -
قال العلامة الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(5/ 1312 - 14): "وإنما عُنيتُ بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات؛ فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم مُنكِرٌ ما هم فيه اتهموه بإنكار الذِّكْرِ من أصله! وهذا كفرٌ لا يقع فيه مسلم في الدنيا، وانما المنكر ما أُلصِقَ به من الهيئات والتجمعات التي لم تكن مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات؟ ليس هو إلا التجمع في يوم معين، والذكر بعدد لم يَرِدْ، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة، ويأمرهم به من عند نفسه، وكأنه مشرّعٌ عن الله تعالى! {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} .
زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلًا وقولًا إنما هي التسبيح بالأنامل، كما هو مبين في "الرد على الحبشي"، وفي غيره.
ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث والقصة؛ أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما بكونها على السنة، بعيدة عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضًا:"اقتصاد في سنة خير من اجتهادٍ في بدعة"(1).
ومنها: أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بَعْدُ من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟ فهل من مُعتبر؟! " اهـ.
* * *
88 -
قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن بيان أبي بشر، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلَ أبو بكر على امرأة من أحمسَ (2) يقال لها زينب، فرآها لا تتكلّم، فقال:"ما لها لا تتكلّم"؟
(1) وهو مخرّج في هذه السلسلة برقم (4).
(2)
قبيلة من بجيلة.
قالوا: حجَّت مُصمتة.
فقال لها: "تكلّمي، فإن هذا لا يحلُّ، هذا من عمل الجاهلية".
فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال: "امرؤٌ من المهاجرين".
قالت: أيُّ المهاجرين؟
قال: "من قريش".
قالت: من أيّ قريش أنت؟
قال: "إنكِ لسؤُولٌ؛ أنا أبو بكر".
قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟
قال: "بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم".
قالت: وما الأئمة؟
قال: "أما كان لقومكِ رؤوسٌ وأشرافٌ يأمرونهم فيطيعونهم"؟
قالت: بلى. قال: "فهم أولئك على الناس".
أخرجه البخاري (3834) والدارمي (1/ 293 - 294/ 218).
* * *
89 -
قال أبو محمد الدارمي رحمه الله: أخبرنا محمد بن عيينة، أنبأنا علي -هو: ابن مسهر-، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن زياد بن حُدير، قال: قال لي عمر:
"هل تعرفُ ما يَهْدِمُ الإسلام"؟
قال: قلتُ لا.
قال: "يَهْدِمُهُ زَلَّةُ عالمٍ، وجدال المنافق بالكتاب، وحُكمُ الأئمّة المُضِلّين".
أخرجه الدارمي (1/ 295/ 220) والآجري في "تحريم النرد والشِّطْرَنج