الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأنها تشمل المرور في مسجد مكة، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها:
1 -
عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق "(91 / 1) وابن عساكر (8 / 106 / 2) بسند صحيح.
2 -
عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام، فركز شيئا، أو هيأ شيئا يصلي إليه. رواه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 18) بسند صحيح. (تنبيه على وهم نبيه) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا الحديث: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي بالركن، فصلى ركعتين.... ". وقد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير " هذه الرواية، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه "! فاستدل به على استحباب صلاة ركعتين بعد السعي، وهي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة وغيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " الطبعة الثانية، وكذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف " فقرة (69) .
929
- " كان يخر على ركبتيه، ولا يتكىء ".
ضعيف.
أخرجه ابن حبان في " صحيحه "(رقم 497 - موارد) من طريق معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بالمجهولين، قال ابن المديني:" لا نعرف محمد بن معاذ هذا، ولا أباه، ولا جده في الرواية، وهذا إسناد مجهول ". كذا في " الميزان " و" اللسان ". وقال الحافظ في ترجمة محمد هذا من " التقريب ". " مجهول ". وقال في ابنه معاذ: " مقبول ".
قلت: وأما ابن حبان فأوردهم في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين، ثم أخرج حديثهم في صحيحه كما ترى، فلا تغتر بذلك، فإنه قد شذ في ذلك عن التعريف الذي اتفق عليه جماهير المحدثين في الحديث الصحيح وهو:" ما رواه عدل، ضابط، عن مثله ". فأين العدالة، وأين الضبط في مثل هؤلاء المجهولين. لاسيما وقد رووا منكرا من الحديث خالفوا به الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير طريق كما سيأتي بيانه.
ولقد بدا لي شيء جديد يؤكد شذوذ ابن حبان المذكور، ذلك أنني حصلت نسخة من كتابه القيم " المجروحين " في موسم حج السنة الماضية (1396) فلم أر له فيه راويا واحدا جرحه
بالجهالة حتى الآن فهذا يؤكد أن الجهالة عنده ليست جرحا! هذا، وفي معناه حديث وائل بن حجر قال:" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ". أخرجه أبو داود (1 / 134) والنسائي (1 / 165) والترمذي (2 / 56) والطحاوي (1 / 150) وابن حبان في " صحيحه "(رقم 487 - موارد) والدارقطني (131 - 132) والحاكم (1 / 226) وعنه البيهقي (2 / 98) كلهم من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا شريك (1) عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف، وقد اختلفوا فيه، فقال الترمذي عقبه:" هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك ". وقال الحاكم: " احتج مسلم بشريك "! ووافقه الذهبي! وليس كما قالا، على ما يأتي بيانه، وقال ابن القيم في " الزاد " (1 / 79) وقد ذكر الحديث:" هو الصحيح "، وخالفهم الدارقطني فقال عقبه:" تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به ".
وخالفهم أيضا البخاري ثم البيهقي فقال هذا في " سننه "(2 / 99) : " هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى ".
وهذا هو الحق الذي لا يشك فيه كل من أنصف، وأعطى البحث حقه من التحقيق العلمي، أن هذا الإسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: تفرد شريك به. والأخرى: المخالفة. وقد سمعت آنفا الدارقطني يقول في شريك: إنه ليس بالقوي فيما يتفرد به، وفي " التقريب ":" صدوق، يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". قلت: فمثله لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف كما يأتي بيانه، وقول الحاكم والذهبي:" احتج به مسلم " من أوهامهما، فإنما أخرج له مسلم في المتابعات كما صرح بذلك المنذري في خاتمة " الترغيب والترهيب ".
وكثيرا ما يقع الحاكم في مثل هذا الوهم ويتبعه عليه الذهبي على خلاف ما يظن به، فيصححان أحاديث شريك على شرط مسلم، وهي
(1) وقع في " الموارد "" إسرائيل " بدل " شريك "، وهو خطأ من الناسخ وليس من الطابع، فقد رجعت إلى الأصل المخطوط في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة فرأيته في (ق 35 / 1) :" إسرائيل " كما في المطبوعة عنه. فتنبه.
لا تستحق التحسين فضلا عن التصحيح، فكيف على شرط مسلم؟ ! فليتنبه لهذا من أراد البصيرة في دينه، وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأما المخالفة التي سبقت الإشارة إليها فهي من جهتين: المتن والسند.
فأما المتن، فقد روى الحديث جماعة من الثقات عن عاصم بن كليب به، فذكروا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم بأتم مما ذكره شريك عن عاصم، ومع ذلك فلم يذكروا كيفية السجود والنهوض عنه إطلاقا كما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم عن زائدة وابن عيينة وشجاع بن الوليد كلهم عن عاصم به (1) . فدل ذلك على أن ذكر الكيفية في حديث عاصم منكر لتفرد شريك به دون الثقات.
وأما المخالفة في السند، فهو أن هماما قال: حدثنا شقيق أبو الليث قال: حدثني عاصم بن كليب عن أبيه. " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه ". أخرجه أبو داود والبيهقي وقال: " قال عفان: وهذا الحديث غريب "(2) .
قلت: فقد خالف شريكا شقيق فأرسله، ولكن شفيقا هذا ليس خيرا من شريك، فإنه مجهول لا يعرف، كما قال الذهبي وغيره. ولهمام فيه إسناد آخر، ولكنه معلول أيضا، فقال: حدثنا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه
…
فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقع كفاه
…
فإذا نهض، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه ". أخرجه أبو داود والبيهقي (3) وعلته الانقطاع، فقال النووي في " المجموع شرح المهذب " (3 / 446) : " حديث ضعيف لأن عبد الجبار بن وائل اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا، ولم يدركه ".
وفي الباب حديث آخر معلول أيضا، رواه أبو العلاء بن إسماعيل العطار: حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه ".
أخرجه الدارقطني (132) والحاكم (1 / 226) وعنه البيهقي (2 / 99) والحازمي في " الاعتبار "(55) وابن حزم في " المحلى "(4 / 129) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة ". وقال الدارقطني والبيهقي:
(1)" صحيح أبي داود "(714 - 718)
(2)
" ضعيف أبي داود "(121) .
(3)
المصدر نفسه (151) . اهـ.
" تفرد به العلاء بن إسماعيل ". قلت: وهو مجهول كما قال ابن القيم في " الزاد "(1 / 81) ومن قبله البيهقي كما في " التلخيص " لابن حجر، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 188) عن أبيه:" هذا حديث منكر ". قلت: وأما قول الحاكم والذهبي: " حديث صحيح على شرط الشيخين " فغفلة كبيرة منهما عن حال العلاء هذا
، مع كونه ليس من رجال الشيخين! وقال الحافظ في ترجمته من " اللسان ":" وقد خالفه عمر بن حفص بن غياث، وهذا من أثبت الناس في أبيه، فرواه عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه، وهذا هو المحفوظ ".
قلت: أخرجه الطحاوي (1 / 151) بالسند المذكور عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، وضع ركبتيه قبل يديه. وسنده صحيح.
قلت: وقد صرح الأعمش عنده بالتحديث، ورواه عبد الرزاق (2955) نحوه. وفي هذا الأثر تنبيه هام، وهو أن البعير يبرك على ركبتيه، يعني اللتين في مقدمتيه، وإذا كان كذلك لزم أن لا يبرك المصلي على ركبتيه كما يبرك البعير، لما ثبت في أحاديث كثيرة من النهي عن بروك كبروك الجمل، وجاء في بعضها توضيح ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:" إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه ".
رواه أبو داود بسند جيد، وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني "(1 / 149) هو الذي قبله بالسند المشار إليه آنفا، وروى له شاهدا من حديث ابن عمر من فعله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وسنده صحيح، وصححه الحاكم والذهبي.
فهذه الأحاديث الثابتة تدل على نكارة الأحاديث المتقدمة جميعها، ومما يدل على ضعف بعضها من جهة ما فيها من الزيادة في هيئة القيام إلى الركعة الثانية، حديث أبي قلابة قال:" كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلى في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدا، ثم قام فاعتمد على الأرض ". أخرجه الإمام الشفاعي في " الأم "(1 / 101) والنسائي (1 / 173) والبيهقي