الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وعلته ثبيت هذا وهو ضعيف، كما قال الهيثمي (2 / 100) بعدما عزاه للطبراني وحده، وتناقض فيه ابن حبان، فذكره في " الثقات " وذكره في " الضعفاء " أيضا وقال:" منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به ". وقال ابن عدي: " غير معروف ". وقال الحافظ في " التلخيص "(ص 23) : " وهو ضعيف، واليمان بن عدي أضعف منه ".
قلت: وقد تابعه ضعيف مثله إلا أنه خالفه في إسناده، وهو علي بن ربيعة القرشي المدني فقال: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ربيعة بن أكثم به، فجعل ربيعة هذا بدل " بهز ". أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد "(10 / 110 / 2) والعقيلي في " الضعفاء "(295) والبيهقي، وقال العقيلي:" ولا يصح، علي بن ربيعة القرشي مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يتابعه إلا من هو دونه ". قلت: يشير إلى ثبيت بن كثير، والقرشي هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 185) عن أبيه: هو مثل يزيد بن عياض في الضعف ".
ويزيد هذا ضعيف الحديث، منكر الحديث عند أبي حاتم، وغيره يكذبه، وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 23) بعدما عزاه للعقيلي والبيهقي:" إسناده ضعيف جدا " ثم ذكر الاختلاف الذي ذكرته، ثم قال ابن عبد البر:" ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد، وقال في " التمهيد ": لا يصحان من جهة الإسناد ". ولم يحرر المناوي القول في هذين الطريقتين فظن أن أحدهما يقوي الآخر، فصرح أن الحديث صار بذلك حسنا!
وفي الباب حديث آخر، وهو:
942
- " " كان يستاك عرضا، ولا يستاك طولا ".
ضعيف جدا.
رواه أبو نعيم في " كتاب السواك " من حديث عائشة مرفوعا.
قال الحافظ (23) : " وفي إسناده عبد الله بن حكيم وهو متروك ". وقال ابن حبان (2 / 27) : " كان يضع الحديث على الثقات، ويروي عن مالك والثوري ومسعر ما ليس من أحاديثهم ".
943
- " كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود ".
باطل موضوع.
رواه البيهقي في " الخلافيات " من حديث محمد بن غالب حدثنا أحمد بن
محمد البرتي (1) حدثنا عبد الله بن عون الخراز (2) : حدثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا سند ظاهره الجودة، وقد اغتر به بعض الحنفية، فقال الحافظ مغلطاي:" لا بأس بسنده ".
ولا أدري كيف يقول ذلك مثل هذا الحافظ مع اشتهار الحديث في " الصحيحين " و" السنن الأربعة " و" المسانيد " عن مالك بإسناده المذكور عن ابن عمر برفع اليدين في الركوع أيضا، لاسيما وقد نبه على ذلك مخرجه البيهقي وشيخه الحاكم فقالا:" هذا باطل موضوع لا يجوز أن يذكر إلى على سبيل التعجب والقدح فيه، وقد روينا بالأسانيد الزاهرة عن مالك خلاف هذا ". نقلت هذا وسند الحديث وقول مغلطاي من " ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه " للشيخ محمد عبد الرشيد النعماني (ص 48 - 49) وهو متعصب جدا للحنفية على أهل الحديث، ولا يعبأ بقواعدهم العلمية، ومما يدلك على هذا تعقبه لقول الحافظين المذكورين وحكمهما على الحديث بالبطلان، فقال:" قلت: تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم، وإنما يثبت ببيان وجوه الطعن، وحديث ابن عمر هذا رجاله رجال الصحيح، فما أرى له ضعفا بعد ذلك، اللهم إلا أن يكون الراوي عن مالك مطعونا، لكن الأصل العدم، فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة "!
قلت: هذا الكلام يدل على أحد شيئين: إما أن الرجل لا يعبأ بما هو مقرر عند المحدثين من القواعد، أو أنه جاهل بها، وغالب الظن أنه الأول، فمثله مما لا أظن يبلغ به الجهل إلى أن لا يعلم تعريف الحديث الصحيح عندهم، وهو " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معلا "، وإذا كان الأمر كذلك فقوله ".... لا يثبت بمجرد الحكم.... " جهل منه أو تجاهل بشرط من شروط الحديث الصحيح، وهو عدم الشذوذ وقد أشار الحاكم والبيهقي إلى أن الحديث لم يسلم من الشذوذ وذلك قولهما:" فقد روينا بالأسانيد الزاهرة عن مالك خلاف هذا ".
قلت: فالحاكم والبيهقي لم يحكما على الحديث بالبطلان بمجرد الدعوى كما زعم النعماني، بل قرنا ذلك بالدليل لمن يريد أن يفهم، وهو الشذوذ، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم المذكور على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ولولم يكن ثمة دليل على بطلان الحديث إلا وروده في كتاب الإمام مالك " الموطأ "(1 / 97) على خلاف هذا اللفظ لكفى، فكيف وقد رواه جمع كثير من المصنفين والرواة عن مالك على خلافه؟
(1) الأصل " البراني " والصواب ما أثبته وهو بكسر الباء الموحدة وسكون الراء ثم مثناة فوقية نسبة إلى (برت) قرية بنواحي بغداد.
(2)
الأصل " الخزار " والتصويب من " التقريب ".
فأخرجه البخاري (3 / 174) وأبو عوانة في " صحيحه (2 / 91) والنسائي (1 / 140 و161 - 162) والدارمي (1 / 285) والشافعي (رقم 199) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 131) وأحمد (4674 و5279) من طرق كثيرة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذومنكبيه، إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك ". الحديث والسياق للبخاري عنه.
والواقع أن الحديث بهذا اللفظ المخالف لهذا الحديث الباطل متواتر عن مالك رحمه الله، فقد سرد ابن عبد البر أسماء من رواه عن مالك من الرواة فجاء عددهم نحوالثلاثين! وقد وافقه جماعة من الثقات في روايته عن ابن شهاب به. أخرجه البخاري (2 / 175 و176) ومسلم (2 / 6 و7) وأبو عوانة (2 / 90) أبو داود (1 / 114)) والترمذي (2 / 35) وابن ماجه (1 / 281) والطحاوي والدارقطني (ص 108) وكذا الشافعي (198) وأحمد (5081 و4540 و6345) من طرق كثيرة عن ابن شهاب به.
وتابع الزهري جابر وهو الجعفي قال: " رأيت سالم بن عبد الله رفع يديه حذاء منكبيه في الصلاة ثلاث مرات، حين افتتح الصلاة، وحين ركع، وحين رفع رأسه، قال جابر! فسألت سالما عن ذلك؟ فقال سالم رأيت ابن عمر يفعل ذلك، وقال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ".
رواه الطحاوي وأحمد (5054) ، والجعفي ضعيف، لكن سكت على الحديث الطحاوي وكأن ذلك لطرقه. وتابع سالما نافع مولى ابن عمر: أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في " صحيحه "(2 / 176) وفي " رفع اليدين "(ص 14) وأبو داود (1 / 118) والبيهقي (2 / 136) عن عبيد الله عنه، ورواه مالك (1 / 98 - 99) عن نافع به دون قوله " وإذا ركع رفع يديه " ودون الرفع عند القيام، ومن طريقه رواه الشافعي وأبو داود وتابعه أيوب عن نافع به المرفوع فقط، دون الرفع عند القيام. أخرجه البخاري في " جزئه " (17) والبيهقي (2 / 24 و70) وأحمد (5762) وتابعه صالح بن كيسان عن نافع به أخرجه أحمد (6164) . وتابع سالما أيضا محارب بن دثار قال:" رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع رأسه من الركوع، قال: فقلت له: ما هذا؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه ".
أخرجه أحمد (6328) بإسناد صحيح.
إذا عرف هذا فهذه الروايات والطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا الحديث من وجوه:
الأول ما أشار إليه الحاكم والبيهقي من مخالفة راويه عن مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث وإثبات الرفع الذي نفاه، لاسيما وقد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق، ومخالفة الفرد لأقل منهم بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم، فكيف وهم جمع غفير؟ !
الثاني: أن مالكا رحمه الله لوكان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه " الموطأ " وعمل به، وكل من الأمرين منفي، أما الأول، فلما سبق بيانه أنه روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا. والآخر أنه عمل بخلافه، وقال بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه "(2 / 37) ولم يحك عنه خلافه، ونقل الخطابي والقرطبي أنه آخر قولي مالك وأصححها كما في " الفتح "(2 / 174) .
الثالث: أن ابن عمر رضي الله عنه كان يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه صريحا، فلوكان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع وهو من أحرص أصحابه صلى الله عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم، كيف لا وقد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى! أخرجه البخاري في " رفع اليدين "(ص 8) وعبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " والدارقطني (108) بسند صحيح عنه (1) .
الرابع: أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو سالم ابنه - فيما زعموا - ومن الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه الترمذي أيضا عنه، وسبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلوكان هذا الحديث مما رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا، كما هو ظاهر. فدل ذلك كله على صحة قول الحاكم والبيهقي في الحديث: إنه باطل، وأن قول الشيخ النعماني:" فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة " محال!
ومما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور عقب جملته المذكورة: " وغاية ما يقال فيه: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم حينا يرفع، فأخبر عن تلك الحالة، وأحيانا لا يرفع، وأخبر عن تلك الحالة، وليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام والاستمرار على شيء معين منهما، ولفظ: " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب ".
قلت: وهذا الجمع بين الروايتين، باطل أيضا، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين، أما وإحداهما صحيحة، والأخرى باطلة، فلا يجوز الجمع حينئذ، وكيف يعقل أن الراوي الواحد يقول مرة: كان لا يرفع، وأخرى: كان يرفع، ولا يجمع هو نفسه بينهما في عبارة
(1) وأما ما رواه الطحاوي (1 / 133) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش. اهـ.